صاحب «باب الشمس»... رحيل الروائي اللبناني إلياس خوري

الكاتب الراحل إلياس خوري (حسابه الرسمي على «فيسبوك»)
الكاتب الراحل إلياس خوري (حسابه الرسمي على «فيسبوك»)
TT

صاحب «باب الشمس»... رحيل الروائي اللبناني إلياس خوري

الكاتب الراحل إلياس خوري (حسابه الرسمي على «فيسبوك»)
الكاتب الراحل إلياس خوري (حسابه الرسمي على «فيسبوك»)

نعت الأوساط الثقافية اللبنانية والعربية الروائي والكاتب اللبناني إلياس خوري، الذي رحل، صباح الأحد، عن 76 عاماً بعد معاناة من المرض، مخلّفاً عدداً كبيراً من الروايات التي جعلته واحداً من أبرز الروائيين العرب، إضافة إلى مقالات أدبية وصحافية تدور في أغلبها حول المأساة الفلسطينية.

واشتهرت من رواياته بشكل خاص «باب الشمس» التي تناولت مجزرة صبرا وشاتيلا (16 سبتمبر/أيلول 1982). وتُرجمت الرواية إلى لغات عدة، وحُوِّلت عام 2004 إلى فيلم أخرجه المصري يسري نصر الله.

وحضرت فلسطين أيضاً في أعمال خوري اللاحقة مثل «أولاد الغيتو»، وكذلك في دراساته مثل «إحصاءات فلسطينية» (1974)، و«النكبة المستمرّة»، و«غسّان كنفاني إنساناً وأديباً ومناضلاً»، و«محمود درويش وحكاية الديوان الأخير» (2009)، و«محمود درويش الشاعر، الإنسان، الحب». ومن موضوعات رواياته الأساسية الأخرى، الحرب الأهلية اللبنانية التي انعكست أهوالها في كثير من رواياته مثل «الجبل الصغير، و«رحلة غاندي الصغير»، و«يالو».

إلياس خوري في صورة من عام 2007 (أ.ب)

وُلد خوري في بيروت عام 1948، ودرس التاريخ في الجامعة اللبنانية، كما حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من باريس. وعند عودته إلى لبنان عمل في صحف ومجلّات عدة مثل مجلّة «المواقف» التي التحق بها عام 1972، وأصبح عضواً في هيئة تحريرها، ومجلّة «شؤون فلسطينية» التي ترأّس تحريرها بالتعاون مع محمود درويش بين 1975 و1979، ومجلّة «الكرمل» التي تولّى إدارة تحريرها من 1981 إلى 1982، وصحيفة «السفير» التي ترأّس قسمها الثقافي بين 1983 و1990.

وقال مخرج «باب الشمس» يسري نصرالله ناعياً خوري: «جمع بيننا حبنا للحياة وللحق وللجمال ولفلسطين. مع السلامة يا حبيبي يا إلياس».

وكتب الباحث والمترجم اللبناني سعود المولى على صفحته بـ«فيسبوك»، «عشية ذكرى المجزرة في صبرا وشاتيلا يترجل فتى فلسطين ولبنان وسوريا عاشق الثورة وأحلام المستضعفين... وقلبه وروحه ما بين غزة وجنين».

أعمال إلياس خوري الروائية

«أبواب المدينة» (1981)، و«عن علاقات الدائرة» (1985)، و«رحلة غاندي الصغير» (1989)، و«عكا والرحيل» (1990)، و«مجمع الأسرار» (1994)، و«باب الشمس» (1998)، و«الجبل الصغير» (2003)، و«الوجوه البيضاء» (2003)، و«رائحة الصابون» (2007)، و«مملكة الغرباء» (2007)، و«يالو» (2012)، و«المرايا المكسورة: سينالكول» (2012)، و«كأنّها نائمة» (2013)، وثلاثية «أولاد الغيتو»: «اسمي آدم» (2016)، «نجمة البحر» (2019)، و«رجُل يشبهني» (2023).

من دراسات إلياس خوري

«عوالم جديدة: ومختصر علم الفلك» (1962)، و«تجربة البحث عن أفق: مقدّمة لدراسات الرواية العربية بعد الهزيمة» (1974)، و«الذاكرة المفقودة: دراسات نقدية» (1982)، و«المسيحيون العرب: دراسات ومناقشات» (1986)، و«دراسات في نقد الشعر» (1986)، و«يوسف حبشي الأشقر طليع، حدّاث، مجدّد في الرواية اللبنانية والقصة» (2003)، و«تصوّرات البحر الأبيض المتوسّط: المتوسّط اللبناني» (2003)، و«تأمّلات في شقاء العرب» (2005).


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.