عن دار «الكرمة» للنشر بالقاهرة صدرت رواية «الواقعون» للكاتب الكوبي كارلوس مانويل ألباريس، ترجمة: أحمد محسن. تتناول الرواية فكرة السقوط بمعناه المادي والمعنوي، سواء على مستوى العائلات أو على مستوى أفراد تعطب أرواحهم وتصاب نفوسهم بالخراب. تتجسد تلك الفكرة من خلال قصة عائلة تتكون من ابن لا يؤمن بالثورة وأب يتمسك بحلم باهت ويقتبس من «تشي جيفارا» متى استطاع. وهناك في المقابل أم تسقط مريضة وترى الحياة تنفلت من بين يديها، وكذلك ابنة تفعل كل شيء من أجل تدبير أمورها حتى لو كان هذا يعني الاستسلام للوهم والخداع.
تجسد العائلة وتداعياتها صورة مجتمع في حالة سقوط حر نتيجة لعدم الوفاء بالوعود التي تجسد أحلام الناس، وهي تقدم نظرة جديدة لم نعهدها لكوبا المعاصرة بكل تناقضاتها بقلم أحد أهم أدبائها المعاصرين.
وصفَ الملحق الأدبي لصحيفة «نيويورك تايمز» الرواية بأنها «عمل أدبي مميز ومؤلم وسردية مزعجة ومذهلة تكشف بدقة متناهية قصة عائلة في أزمة تنفجر من الداخل».
واحتفى النقاد بالنص احتفاءً بالغاً، إذ علّق عليه إميليانو مونجي قائلاً: «أفضل ما في أدب أميركا اللاتينية موجود هنا، بمهارة ناضجة لشخص يعد نموذجاً لمصادر السرد والحساسية، إذ يصور كارلوس مانويل بوضوح كيف أن الهوية الوحيدة المهمة حقاً ليست قومية بل الإنسانية، كما يمكن اعتبار الرواية متحفاً للوحدة وللشقوق التي تفصل عالمنا الداخلي عن العالم الذي نعيش فيه وعن أولئك الذين نعيش معهم».
ويعد كارلوس مانويل ألباريس أبرز أديب كوبي شاب في الوقت الحاضر، وقد اختير في 2016 بوصفه واحداً من أفضل عشرين كاتباً من أميركا اللاتينية، كما اختير في قائمة «بوغوتا 39» لأفضل عشرين كاتباً من أميركا اللاتينية تحت سن الأربعين. صدرت روايته «الواقعون» عام 2018 وتُرجمت إلى عدة لغات وهي أول عمل يُنشر له باللغة العربية. وبالإضافة إلى الأدب فكارلوس مانويل ألباريس صحافي معروف وحاصل على عدة جوائز ويسهم في الكتابة بانتظام في «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست».
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«يكمن أصل السعادة في أن تنام عدد الساعات الضروري في الوقت الذي تختاره. ليس مؤكداً أن تنعم بالسعادة إذا نمت الوقت الكافي لكن المؤكد إن لم تفعل أو نمت في الوقت غير المناسب أنك لن تستطيع أن تنعم بها. في مركز الضيق العالمي، في قلب الرداءة، تكمن حقيقة أن هذه الكتلة عديمة الشكل من الرجال والنساء والفتيان والفتيات، عليها أن تستيقظ الفجر في الساعة الخامسة والنصف أو السادسة أو السادسة والنصف صباحاً وتذهب على مضض إلى أعمالها أو مدارسها برؤوس منخفضة كالماشية، مقودة إلى المذبح اليومي من مؤسسات يكرهونها بكل ما فيهم من نعاس وفتور لكنهم يستمرون في تقديم فروض الطاعة لها.
يولد اليوم معوجّاً، وكل ما يحدث بعد ذلك سيؤول حتماً إلى الفشل لأنه ماذا يمكن أن ينجح فيه شخص استيقظ فجراً؟ من المحتمل أن هناك روتيناً أبشع من سماع المنبه ومد اليد وإغلاقه، والنهوض في الظلام، وإطلاق تلك السلسلة شديدة الحزن من التثاؤبات، وإزالة غمص أعينهم، والإفطار خبزاً قديماً وقليلاً من الحليب، وغسل أسنانهم، ولبس رداء السجين الاجتماعي... كل ذلك من دون أن يستيقظوا تماماً واليوم لا يزال مظلماً، وبرد الصباح يغسل بشرتنا.
روتين الجنود الذي عشته في الخدمة داخل الجيش في الواقع أسوأ. أربع ساعات خدمة وأربعٌ راحة، يوماً بعد يوم. اليوم الذي لا خدمة فيه تشغله بعمل جانبي، ودائماً ما يكون عملاً شاقاً كنقل صومعتين من الألغام المضادة للدروع من مكانيهما، أو كمية من صناديق بنادق كلاشينكوف، أو تنظيف عشرات من مخازن البنادق بالزيت، أو الدهان بالجير جزءاً كبيراً من السور الجانبي للوحدة الذي يرتفع طوله مترين ونصف المتر وقد سقط طلاؤه، أو قضاء ست ساعات في فرك أرضية الفناء الخلفي أو كشط قشرة السخام التي تتراكم في المطبخ».