الشعر العربي في مواجهة تحديات الهوية

فرويد
فرويد
TT

الشعر العربي في مواجهة تحديات الهوية

فرويد
فرويد

الشّعر ملاذ الهويّة الآمن وحصنها الحصين، نظراً لخصوصيّته، وما ينطوي عليه من طاقة متجدّدة على مواجهة تحدّيات العولمة التي باتت تعصف بكلّ شيء ولا تكاد تُبقي على شيء في مكانه. وقد سعيتُ إلى التّحقق من صحّة هذه الفرضيّة من خلال الوقوف على خصوصيّة شبكة العلاقات المتزامنة بين مكوّنات النّسق الشعري؛ بدءاً بعلاقة «الأنا» المتكلّمة بذات المتكلّم الشّاعر، فعلاقة الأنا المتكلّمة بلغة الكلام الشّعريّ، فعلاقتها بموضوع الكلام الشعريّ، فعلاقتها بالمتكلّم إليه (المخاطب)، فعلاقتها بمقام الكلام وسياقه، فعلاقتها بأهداف الكلام الشعري ومقاصده بشكل عام، نظرياً وتطبيقياً، من خلال نماذج من الشعر العربي القديم والحديث، حيث الأصل في علاقة الأنا المتكلّمة بذات المتكلّم الشّاعر، في نسق القول الشعري، أنّها قد تأخذ شكل التّداخل في الذّات والتّطابق معها (كما هو الحال في نسق القول الشعري الرومانسي الذي يجسّد حضور شعريّة التّعالي). وقد تأخذ شكل التّخارج من الذّات، والتّخالف معها (كما هو الحال في نسق القول الشّعريّ الكلاسيكي الذي يجسّد حضور شعريّة التبعية والاستلاب). وقد تأخذ شكل التّداخل في الذّات والتّخارج منها، في الآن عينه (كما هو الحال في نسق القول الشّعريّ الحداثيّ الذي يجسّد حضور شعريّة التّفاعل والجدل).

خصوصية اللغة الشعرية

تتجلّى خصوصيّة اللّغة الشّعريّة، إِنْ على مستوى علاقة الأنا القائلة بلغة القول/ الإنتاج الشّعريّ بعامّة؛ إذ الأصل في القول الشّعريّ، أنّه لا يُقال أو بالأحرى لا يكتب إلّا بلغة القائل الشّاعر الأمّ، لذلك فهو (الشّعر) لا يترجم إلى لغة أخرى غير لغته الأمّ التي ولد في رحمها، لأنّه إذا خرج من رحم هذه اللّغة تهبّأ واندثر، بالقياس إلى تلك اللّغة الأمّ، وإن اكتسب هويّةً أخرى، هي هويّة اللّغة التي تُرجِمَ إليها، فهو يفقد هويّته العربيّة ليكتسب هويّة اللّغة الأخرى: الإنجليزيّة أو الفرنسيّة أو الألمانيّة أو الإسبانيّة... إلخ. أو على مستوى علاقة الأنا القائلة بإمكانات لغتها الأمّ؛ بإمكاناتها النّحويّة والصّرفيّة والصّوتيّة، وقبل ذلك بإمكاناتها المعجميّة: ألفاظها، أو مفرداتها بما تنطوي عليه من محمولات فكريّة أو آيديولوجيّة، تعكس طبيعة السّياق الثقافي الحضاريّ للأمّة التي ينتمي إليها الشّاعر.

وتتجلّى هذه الخصوصيّة من جهة أنّ الأولويّة في نسق القول الشّعريّ عموماً، وفي نسق التّداخل منه خصوصاً، للأنا، لا للأنت أو الهو؛ وللأنا؛ لا فقط كمنظور، أو كزاوية للرّؤية، وإنّما أيضًا، كموضوعٍ وكَهَمٍّ، أو بالأحرى كرغبةٍ مكبوتةٍ في التّحرّر من كلّ سلطة، وتجاوز كلّ وضعيّة استلاب، كما تجلّى لنا ذلك خلال تحليلنا لنماذج من نصوص الشّعر قديمه وحديثه.

تتجلّى هذه الخصوصيّة من جهة أخرى أنّ الأنا المتكلّمة في نسق الكلام الشّعريّ عموماً تعدّ أنا قلقةً متوتّرةً، رافضةً، أو على الأقلّ، غيرَ راضيةٍ، أو غيرَ مطمئنّةٍ إلى وضعها في إطار ما تتكلّم عنه، وما تتكلّم به، وما تتكلّم فيه... إلخ، فهي ممزّقةٌ بين ما هي، وما تودّ أن تكون، أي بين واقعٍ تحياه وممكنٍ ما تنفكّ تتطلّع إليه، ما يحيل لغةَ التكلّمِ الشّعريّ من هذا الأفق، إمكانيّةَ مواجهةٍ مفتوحةٍ مع وضع الأنا المفتوحِ في إطار عالم التّكلّم، أي بوصفها إمكانيّة «تداخل في الذّات»، وإمكانيّة «تخارج من الذّات»، وانفتاح على الآخرين الذين ترفضهم هذه الذّات، وتسعى إلى تجاوز وضعها السّوسيو-أنطولوجيّ في إطارهم، ومن ثمّ، بوصفها إمكانيّة «تمويهٍ» و«تكتّم» على حقيقة موقفها من الآخرين، ورغبتها في تجاوز وضعها في إطارهم.

خصوصيّة الوظيفة الشّعريّة

الأصل في نسق القول الشّعريّ أنّه لا يقال - على الأقلّ حسب أبي تمام - لتحقيق غاية محدّدة تقع خارجه، بل يقال من أجله نفسه، أو من أجل غرض في نفس قائله، بمعنى أنّه لا يقال، في الأصل، لتحقيق غاية محدّدة، هي فقط التّأثير في المخاطَبِ وإقناعه بوجهة نظر الذّات الشّاعرة، بل يقال من أجل فعل القول ذاته، أو لما يحقّقه فعل القول ذاته؛ للمخاطِب والمخَاطَب، المرسل والمتلقّي من متعة وإمتاع؛ المتعة للمخاطِب، والإمتاع للمخاطَب.

لذلك فنحن إذن نسلّم مع فرويد أنّ الوظيفة الرّئيسة لنسق خطاب الفنّ عموماً، داخلاً في ذلك فنّ الشّعر، إنّما تتمثّل في التّمويه، والتّكتّم على رغبة مكبوتة للفنّان، أو في إشباع رغبات الفنّان المكبوتة بطريقةٍ تؤدّي إلى إعادة التّوازن إليه، إلّا أنّنا نختلف مع فرويد، في الوقت نفسه، من جهة أنّه يحصر مفهومَ الرّغبةِ المكبوتةِ، في الرّغبة الجنسيّة (اللّبيدو) فقط، ولا يراها تتجاوز حدودَ هذه الرّغبةِ أو الأفقِ. أمّا نحن فنرى أنّ رغبةَ الفنّان تتجاوز مفهومَ الرّغبةِ الجنسيّةِ، لتشمل، بالإضافة إليها، الرّغبةَ في تغيير الواقعِ القائمِ أو في تجاوزه إلى واقعٍ بديلٍ، والرّغبة في التّحرّر من كلّ سلطة، أو في تجاوز كلّ وضعيّة استلابٍ، فنحن نرى إذن أنّ نسق الخطاب الفنِّي يشبعُ رغبةَ الفنّانِ في تجاوزِ كلِّ ما من شأنه أن يعيقَ، أو يحولَ دون تحقيق رغبتِه في أيّ شيءٍ يمكن أن تتعلّق به رغبتُه. وفي مقدّمة ذلك، رغبتُه في تجاوز وضعه السّوسيو-أنطولوجيّ في إطار الآخرين، أو في نفي واستلاب كلّ ما من شأنه أن يستلب إرادته، ويقيّد حريّته. فالخطاب الفنيُّ إذن، وبخاصّةٍ الخطابُ الشّعريُّ، يخفي رغبةَ الفنّانِ في الانتصار على هذا الـ«ما» يستلب أو يصادر، ويسعى، من ثمّ، إلى التّعبير عن تلك الرّغبة بطرقٍ ملتويةٍ، تتفاوت - من حيث درجةُ الغموضِ أو الوضوحِ - بحسب درجةِ حضورِ ما يرغب هذا الكائنُ في مواجهته سعياً إلى تجاوزه.

* أكاديمي سعودي

والمقال مقتطفات من ورقة ألقيت في المؤتمر الدولي الرابع: عام الشعر 2023، الذي أقيم مؤخراً بجامعة الملك سعود في الرياض


مقالات ذات صلة

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

ثقافة وفنون رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

أصدر مخلص خليل عدداً من المجموعات الشعرية، وكان من الأصوات البارزة في فترة السبعينات.

يوميات الشرق صوتٌ يتيح التحليق والإبحار والتدفُّق (الشرق الأوسط)

كاظم الساهر في بيروت: تكامُل التألُّق

يتحوّل كاظم إلى «كظّومة» في صرخات الأحبّة، وتنفلش على الملامح محبّة الجمهور اللبناني لفنان من الصنف المُقدَّر. وهي محبّةٌ كبرى تُكثّفها المهابة والاحترام.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مَنْح هبة القواس درع مئوية الجامعة تقديراً لعطاءاتها (الجهة المنظّمة)

مئوية «اللبنانية – الأميركية» تُحييها الموسيقى والشعر

قرنٌ على ولادة إحدى أعرق المؤسّسات الأكاديمية في لبنان، والتي حملت شعار تعليم المرأة اللبنانية والعربية والارتقاء بها اجتماعياً واقتصادياً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق قضى الأمير بدر بن عبد المحسن خمسة عقود في إغناء الوسط الثقافي وكتابة الشعر وتدبيج القصائد وتزيين خرائط الوجدان (حساب الأمير على «إكس»)

«المختبر السعودي للنقد» يبدأ باكورة أعماله بقراءة جديدة لأعمال الأمير بدر بن عبد المحسن

يبدأ «المختبر السعودي للنقد» باكورة أعماله بتقديم قراءة نقدية جديدة لأعمال وإنتاج الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد المحسن خلال مشاركته أمسية شعرية في باريس (الشرق الأوسط)

فنانون وشعراء يودعون أيقونة الشعر بعد خمسة عقود من العطاء

نعى شعراء وفنانون الأمير البدر، وتجربته التي امتدت لـ5عقود، غنى له خلالها نخبة من فناني العالم العربي، وتعاقبت الأجيال على الاستماع والاستمتاع ببراعته الشعرية.

عمر البدوي (الرياض)

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين
TT

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين

تأتي علاقة الفن بالقانون من عدة جوانب، فيمكن أن يكون موضوعاً يجري التعبير عنه، أو عن المفاهيم والحالات الإنسانية المرتبطة به، كالعدالة والمساواة والبراءة. كما يمكن أن يُستخدم الفن قوةً ناعمةً للتعبير عن القضايا القانونية أو المجتمعية، حين يسلّط الضوء على القضية من دون إثارة الجدل أو تحميله شكل المعارضة المجتمعية.

ومع ذلك قد يكون هذا التعبير الفني «خشناً» أحياناً، أو صادماً ومفاجئاً كحالة الفنانة الكردية زهرة دوغان، التي حُكم عليها بالسجن بتهمة الدعاية الإرهابية، حين نشرت لوحة تصوِّر مدينة نصيبين في تركيا بعد اشتباكات بين الجيش التركي والأكراد، مع رسم الأعلام التركية على المباني المدمَّرة، في إشارة واتهام واضحين للسلطات التركية بالتعدي والهجوم على المدنيين.

وفي حالات يمكن أن يكون الفن بحد ذاته قضية قانونية، بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون، خصوصاً الفن المعاصر. وقد ظهرت هذه الإشكالية في بداية القرن العشرين، حين تغير الفن ولم يعد محاكاة للواقع. فالفنان على سبيل المثال لن يهمه رسم الطائر بشكل واقعي لأن الصور الفوتوغرافية تقوم بذلك، فبحث الفنان عن شكل آخر للتعبير، كالتعبير عن حالة تحليق الطير مثلاً؛ وهو ما قام به الفنان الروماني برانكوزي في منحوتته «طائر يحلق في السماء» التي توحي بالانطلاق والحرية. هذا العمل كان مثار قضية عام 1926م في الولايات المتحدة –التي تستثنى الأعمال الفنية بما فيها المنحوتات من ضريبة الاستيراد- فعند وصول المنحوتة إلى أميركا، رفضت السلطات اعتبارها عملاً فنياً وفرضت ضريبة استيراد، لأنها لا تمثل الطير، حينها رفع الفنان قضية للدفاع عن عمله وقدم شهادات من عدة خبراء في الفنون. وكانت نهاية الحكم هو أن تعريف الفن وقتها لم يعد صالحاً ومناسباً لاتجاهات الفن الحديثة التي ابتعدت عن التمثيل والمحاكاة واتجهت نحو التجريد.

قضية شيبرد فيري... العمل الفني والصورة الأصل

قانون الفن

وقد ظهر تخصص «قانون الفن» لدى بعض شركات المحاماة العالمية، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استولى النازيون على كثير من الأعمال الفنية في أوروبا، وبعدما طالبت الأوطان الأصلية لهذه الأعمال، باستعادتها وحمايتها والتعويض عما تعرضت له من حالات تزوير وتهريب.

يتضمن هذا التخصص حالات التزوير والاحتيال، والضرائب، وحفظ وحماية الحقوق، وعمليات البيع والشراء وغيرها من الجوانب. خصوصاً مع الأعمال ذات القيمة التاريخية، حيث تظهر أهمية الوثائق التي تدل على أصل العمل، كما أن عدم وجود وثائق تثبت صحة عمليات البيع والشراء وانتقال الملكية المرتبطة به، قد يدل على أن العمل الفني -يتيم- مسروق، مما يؤثر بالتالي في قيمته المادية.

ولعل حقوق الملكية الفكرية من أكثر المواضيع المرتبطة بالقانون، فالعمل الفني يمكن أن يتم استنساخه واستخدامه تجارياً، أو في المنتجات النفعية المختلفة، كالأثاث والأزياء والمطبوعات.

وفي واحدة من القضايا العالمية الشهيرة المرتبطة بالملكية الفكرية، استُخدمت صورة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وجرى تحويلها إلى بوستر، استُخدم في الحملات الانتخابية للرئيس السابق. وكان أصل هذا العمل هو صورة فوتوغرافية التقطها المصور ماني غارسيا، لصالح وكالة «أسوشييتد برس»، وبعد أن حقق البوستر الفني انتشاراً كبيراً لم تنله الصورة الأصل، رفعت الوكالة الإعلامية التي تملك أصل الصورة قضية على الفنان شيبرد فيري الذي استخدم الصورة في تصميمه للبوستر الشهير للمطالبة بتعويض عن استخدامه الصورة الفوتوغرافية، وقد جرى التوصل إلى تسوية خاصة بين الطرفين تضمَّن جزء منها مقاسمة الأرباح التي حصل عليها العمل الفني.

• الفن وغسل الأموال

يوجد كثير من الحالات المشابهة لهذه القضية في الفن نتيجة عدم وجود حدود واضحة للاقتباس والاستلهام، وتشابه الأفكار ومصادر الإلهام التي تجعل من بعض الأساليب والمواضيع الفنية متشابهة.

ومن الجوانب القانونية كذلك، استخدام الفن في غسل الأموال، لإخفاء اكتسابها بطريقة غير مشروعة، بسبب عدم الشفافية والغموض في سوق الفن. ويلاحَظ هذا الغموض في المزادات العالمية، حين تتم الإشارة إلى العمل الفني على أنه ضمن «مجموعة خاصة»، أو حين يباع من خلال ممثلين لمُلاك مجهولي الهوية.

ومن الميزات الاستثمارية للفن، ارتفاع قيمته مع مرور الزمن، وفي ذات الحين إعفاؤه من الضريبة مما يجعله وسيلة لعدد من الأثرياء حول العالم لتجنب الضرائب. ونظراً لاختلاف نظام الضرائب في البلدان، تختلف طرق الاستفادة من هذه الميزة.

ففي بعض الدول يُمنح خفض ضريبي للمتبرعين في المجالات الثقافية والتعليمية، لتشجيع الدعم والتبرع لهذه المجالات، بما يساعد على تقديم الدعم المالي للمتاحف، وفي ذات الوقت خدمة للمجتمع الذي يستفيد من المتاحف، التي تعتمد بشكل كبير على التبرعات الخيرية. كما يمكن الحصول على إعفاء ضريبي، عبر اقتناء الأعمال الفنية ذات القيمة المتزايدة، وحفظها في الموانئ الحرة في مناطق معفاة من الضرائب –كموانئ سويسرا- حيث تتميز هذه الموانئ بمستودعات خاصة تحمي الثروات والأصول الفنية الثمينة.

تشريعات ضرورية

وقد تكون القضايا المتعلقة بالفن من القضايا التي يندر تناولها محلياً في المحاكم السعودية، نظراً لحداثة هذا المجال وعدم انتشاره وصغر حجم الدائرة الاجتماعية المرتبطة به.

فمن ناحية علاقة الفن بالإعفاء الضريبي، فالفن لا يدخل ضمن الإعفاءات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لنظام ضريبة القيمة المضافة في المملكة.

كما أن الهيئة السعودية للملكية الفكرية توضح إمكانية تسجيل الفنان عمله بصفته المؤلف الذي قام بإنشائه، وخدمة التسجيل هي خدمة اختيارية، والحماية يكتسبها العمل الفني دون الحاجة لأي إجراء شكلي وفقاً لـ«اتفاقية برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية التي انضمت إليها المملكة عام 2003، حيث نصَّت الاتفاقية على مبدأ الحماية التلقائية.

يمكن أن يكون الفن في حد ذاته قضية قانونية بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون خصوصاً الفن المعاصر

ومع ذلك تظهر الحاجة إلى توضيح بعض الأنظمة الخاصة بالوساطة الفنية والبيع والشراء وانتقال ملكية الأعمال وغيرها. فعلى سبيل المثال، هل يحق للفنان معرفة المقتني لعمله، وما دفع له؟ فالمفترض أن تحصل صالة العرض على نسبة من عملية البيع، إلا أن بعض الصالات تقتني مجموعة من الأعمال، وتعيد بيعها بمبالغ مضاعفة لجهة ما أو مقتنٍ معروف، في أشهُر بسيطة. وفي هذه الحالة يتم تضخيم أسعار الأعمال الفنية، كما أن الفنان لا يعرف القيمة الحقيقية لبيع أعماله. مع أن نظام حماية حقوق المؤلف، يوضح أن للفنان التشكيلي حق التتبع والحصول على نسبة من كل عملية بيع لأعماله الفنية، فكما يشير النظام نصاً، «يتمتع مؤلفو مصنفات الفن التشكيلي ومؤلفو المخطوطات الموسيقية الأصلية -ولو تنازلوا عن ملكية النسخ الأصلية لمصنفاتهم- بالحق في المشاركة بنسبة مئوية عن كل عملية بيع لهذه المصنفات».

كما قدمت وزارة الثقافة في منصتها للتراخيص الثقافية (أبدع) بعض التراخيص المرتبطة بالفن والتي تسهم في تنظيم وتوثيق الأنشطة الفنية. ومع أن الهدف هو الشراكة مع القطاع الخاص ودعم وتمكين النشاط الثقافي في المملكة، إلا أن منح التراخيص وحده لا يبدو كافياً. فالفن بحاجة إلى مزيد من الدعم أسوةً بالمجالات الأخرى التي تقوم الجهات المرتبطة بها تنظيمياً بدعمها بالرعاية والتمويل والتطوير والتسويق، كما في الصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات.

إن الفن التشكيلي في السعودية بحاجة إلى توضيح كثيرٍ من الجوانب القانونية المرتبطة به، بما يسهم في دعم اقتصاد الفن والاستثمار فيه. وحفظ حق كلٍّ من الفنان والمقتني وصالة العرض أو الوسيط، خصوصاً مع دعم «رؤية السعودية 2030» للفن وما يحدث حالياً من انتعاش في الحركة التشكيلية السعودية.

* كاتبة وناقدة سعودية