أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

منذ سن المراهقة أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة»

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك
TT

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية ضد مظاهرة للطلبة في تلاتيلوكو عام 1968. وعلى الرغم من مشاعر الاحترام التي تكنها الشاعرة لزميلها المكسيكي الكبير فإنها لم تستطع تلبية طلبه هذا، لأنها وجدت القصيدة سيئة. ربما يكون هذا مقياساً لعصرنا الذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بين الشباب، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الشرطة للمتظاهرين وتطلق النار عليهم كما حدث عام 1968، فإن شاعرة «غير سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثاً جديداً، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحاً حقيقياً وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهم شعراء اللغة الإسبانية للألفية الفائتة، وهي تُقرأ وتُذكر في كل مكان، بالضبط كما حدث ذلك في الأرجنتين خلال السبعينات.

وإذا لم أكن مخطئاً، فإن هذا النوع المميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يكون عن السياسة. إن انجذابها للاعتراف، وسيرتها الذاتية الأساسية، إلى جانب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية لمحو الحدود بين الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في الأساس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت المناسب، في إسبانيا كما في السويد، حيث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بين هذه الحدود، أي بين الحياة والقصيدة.

تماماَ مثل آخرين عديدين من كبار الشعراء في القرن العشرين كانت جذور أليخاندرا بيثارنيك تنتمي إلى الثقافة اليهودية في أوروبا الشرقية. هاجر والداها إلى الأرجنتين عام 1934 دون أن يعرفا كلمة واحدة من الإسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في المنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل في المحرقة. في الوطن الجديد، سرعان ما اندمجت العائلة في الطبقة الوسطى الأرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها بفتاة، وفي عام 1936 ولدت أليخاندرا التي حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علاقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نفسه، لاعتمادها لوقت طويل اقتصادياً عليهما، خاصة الأم التي كانت قريبة كثيراً منها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وقد أهدتها مجموعتها الأكثر شهرة «استخلاص حجر الجنون».

في سن المراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقاً لنزعات واتجاهات الخمسينات الأدبية ساقها طموحها إلى السُريالية، وربما كان ذلك، لحسن حظها، ظرفاً مؤاتياً. كما أعتقد بشكل خاص، أنه كان شيئاً حاسماً بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بين الحياة والشعر. ومبكراً أيضاً بدأت بخلق «الشخصية الأليخاندرية»، ما يعني من بين أشياء أُخرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقاً لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب الأدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، لاحقاً، أيضاً، لأنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الودي. توصف بيثارنيك بأنها اجتماعية بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي كانت نقطة انطلاق شعرها، دائماً تقريباً، من العزلة الليلية التي عملت على تنميتها أيضاً.

بعد أن عملت على تثبيت اسمها في بلادها ارتحلت إلى باريس عام 1960، وسرعان ما عقدت صداقات مع مختلف الشخصيات المشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكتافيو باث، مارغريت دوراس، إيتالو كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام 1964 إلى الأرجنتين كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة التي تمنت أن تكون، حيث الاحتفاء والإعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نشرت أعمالها الرئيسية وطورت قصيدة النثر بشكليها المكتمل والشذري، على أساس من الاعتراف الذي أهلها لأن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضاً ويكتبان نهايتها في الأخير.

أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الطبية والمخدرات وقامت بعدة محاولات للانتحار لينتهي بها المطاف في مصحة نفسية، ما ترك أثره في كتابتها الشعرية، بطبيعة الحال. وهو ما يعني أنها لم تكن بعيدة بأي حال عن الموت أو الأشكال المفزعة، إلى حد ما، في عالم الظل في شعرها بما يحوز من ألم، يعلن عن نفسه غالباً، بذكاء، دافعا القارئ إلى الانحناء على القصيدة بتعاطف، وكأنه يستمع بكل ما أوتي من مقدرة، ليستفيد من كل الفروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده الإنساني. على الرغم من هذه الحقيقة فإن ذلك لا ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها.

بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كتبت حياتها، والاعتراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلال «التعرية». إن الحياة العارية تتخلق في الكتابة ومن خلالها، وهو ما وعته أليخاندرا بعمق. في سن التاسعة عشرة، أفرغت في كتابها الأول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة لانهائية، في انعطافة كبيرة لا رجعة فيها وشجاعة للغاية لا تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضاً، كما هو مفترض، مصيرها.

وهكذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة، في الشدة والرخاء، في الصعود والانحدار، انتهاءً بموتها عام 1972 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب، وقد تركت على السبورة في مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلاثة نداءات هي مزيج من الحزن والنشوة:«أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور».

ومما له دلالته في شعرها أنها بهذه المكونات الثلاثة، بالتحديد، تنهي عملها: «الحياة»، و«اللغة»، و«الخطاب» (يمثله المتلقي). هذه هي المعايير الرئيسية الثلاثة للاحتكام إلى أسلوبها الكتابي في شكله المتحرك بين القصائد المختزلة المحكمة، وقصائد النثر، والشظايا النثرية. ولربما هذه الأخيرة هي الأكثر جوهرية وصلاحية لعصرنا، حيث تطور بيثارنيك فن التأمل والتفكير الذي لا ينفصل مطلقاً عن التشابك اللغوي للشعر، لكن مع ذلك فهو يحمل سمات الملاحظة، أثر الذاكرة، واليوميات. في هذه القصائد يمكن تمييز نوع من فلسفة الإسقاط. شعر يسعى إلى الإمساك بالحياة بكل تناقضاتها واستحالاتها، لكن لا يقدم هذه الحياة أبداً، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس من ذلك يخبرنا أن الحياة لا يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولهذا السبب بالتحديد هي حقيقية. في قصائد أليخاندرا بيثارنيك نقرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبداً، حدنا المطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي لا مفر منه، دائماً وفي كل لحظة.

* ماغنوس وليام أولسون Olsson ـ William Magnus: شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد من الدواوين والدراسات الشعرية والترجمات. المقال المترجَم له، هنا عن الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، هو بعض من الاهتمام الذي أولاه للشاعرة، فقد ترجم لها أيضاً مختارات شعرية بعنوان «طُرق المرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلداً عن الشاعرة بعنوان «عمل الشاعر» يتكون من قصائد ورسائل ويوميات لها، مع نصوص للشاعر وليام أولسون، نفسه. وفقاً لصحيفة «أفتون بلادت». على أمل أن تكون لنا قراءة قادمة لهذا العمل. والمقال أعلاه مأخوذ عن الصحيفة المذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر.


مقالات ذات صلة

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

كتب أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

هل يعني تصدر قوائم «البيست سيلر» بالضرورة أننا أمام عمل أدبي يزخر بالعمق الفني، والجمال اللغوي، والأصالة الفكرية؟

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «ليس عزاءً بل ضوءاً»... استعادة فلسفة سيمون فاي

«ليس عزاءً بل ضوءاً»... استعادة فلسفة سيمون فاي

يطرح الكاتب المصري مينا ناجي سؤالاً مركزياً هو: «كيف نحب في حياة صعبة كهذه؟»، ليتأمل في ظواهر الحب والروحانيات والتاريخ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب رحلة البحث عن أمل ضائع

رحلة البحث عن أمل ضائع

في وقت مضى، ليس بعيداً، كتبتُ مقالة بعنوان «زمن الرواية الليبية» نشرت في موقع صحيفة «بوابة الوسط».

جمعة بوكليب
ثقافة وفنون مشهد من فيلم «الختم السابع»

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

يناقش كتاب «الحبكة المقدسة»، الصادر عن دار «إيبيدي» بالقاهرة، للباحث أسعد سليم، تناول الشاشة الفضية للموضوعات ذات البعد الديني الأخلاقي

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حلل أنثوية مصدرها قبرين من مدفن جبل البُحَيْص في إمارة الشارقة

حُلي نسائية جنائزية من جبل البُحَيْص

كشفت أعمال التنقيب المتواصلة في دولة الإمارات المتّحدة خلال العقود الأخيرة عن سلسلة من المدافن الأثرية

محمود الزيباوي

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

مشهد من فيلم «الختم السابع»
مشهد من فيلم «الختم السابع»
TT

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

مشهد من فيلم «الختم السابع»
مشهد من فيلم «الختم السابع»

يناقش كتاب «الحبكة المقدسة»، الصادر عن دار «إيبيدي» بالقاهرة، للباحث أسعد سليم، تناول الشاشة الفضية للموضوعات ذات البعد الديني الأخلاقي، وما أثارته عبر تاريخها وما تخلل ذلك من توافق وتناغم، أو خلاف وتباعد بين صناع هذا الفن وبعض المؤسسات أو الجهات ذات الخلفية الروحانية.

في ثلاثينات القرن الماضي، تأسست في الولايات المتحدة جماعة تحمل اسم «فيلق الحشمة» كان هدفها كما هو معلَن «مكافحة الفجور في السينما» وفق معايير أخلاقية متشددة ترى أن «هوليوود هي أقرب شيء للجحيم على الأرض، بل هي ما تمكَّن الشيطانُ حتى الآن من إقامته في هذا العالَم، كما أن نفوذها يقوِّض الثقافة الأخلاقية».

جاء الصدام الأكبر عبر ويل هاريسون هايز (1879 - 1954) رئيس الرقابة في هوليوود وقتئذٍ، حيث تبنى قانوناً يتضمن مجموعة من التعليمات الصارمة للرقابة الأخلاقية تلغي أي حرية لدى صناع الفن في تناول أي عمل له طابع ديني، رغم أن تلك النوعية من الأفلام التي سبق تقديمها بالفعل كانت تتوافق مع الرؤية الدينية للمؤسسات الرسمية، كما في فيلم «حياة موسى» للمخرج ستيوارت بلاكتون، إنتاج 1909، والمكون من 5 أجزاء.

ورغم أن فيلم «من المهد إلى الصليب» تم تصويره في فلسطين وظهر للنور عام 1912، فإنه واجه اعتراضات بسبب الاعتراض على تجسيد الشخصيات الدينية على الشاشة. وتركت الأزمة الاقتصادية الشهيرة المعروفة باسم «الكساد الكبير» (1929 - 1939) الملايين حوْلَ العالَم في حالة من اليأس والإحباط، وهو ما جعَل القصص الروحانية التي تدعو للأمل والخلاص تبدو فكرة جذَّابة وملهِمة، ينتظرها الناس بشغف.

يوضح الكتاب أن السينما لمْ تتوَانَ عن اقتناص الفرصة؛ حيث قامت بإنتاج ملاحِمَ دينيةٍ ضخمة، بمؤثِّرات بصرية مقبولة، كما برَز اسم المخرِج سيسيل ب. ديميل واحداً من زعماء تلك الفترة، من خلال فيلمه الصامت «الوصايا العَشْر» (1923) الذي كان بمثابة الشرارة الأولى نحو إنتاج أعمال ملحمية مبهِرة، حيث استخدم ديميل تقنيات مبتكَرةً، مثل اللقطات الملوَّنة يدويّاً لتصوير شَقِّ البحر الأحمر، مما جعَل الجماهير تنظُر للفيلم كأعجوبة بصرية.

وتقدَّمت هوليوود خطوة للأمام، بمحاولة تقديمها أفلاماً دينية ذات طابع إنساني جماهيري، مثل فيلم «المراعي الخضراء»، 1936، الذي كان جميع أفراد طاقم التمثيل فيه من أصحاب البشرة السمراء. أما أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) فكان لزاماً على السينما أن تكون أداة لرفْع الروح المعنوية، وبالفعل حاولت ذلك في فيلم «أغنية برناديت»، الذي يحكي قصة فتاة تُدعَى «برناديت»، تنتابها رؤى غامضة ذات بعد روحاني وهو ما مثَّل رسالة أمَلٍ، في وقتٍ كانت فيه أوروبا تعاني من الدمار.

ووصَلَت الملاحِم الدينية لذروتها مع فيلم «بن هور» (1959) الذي حصَد إحدى عشرة جائزة أوسكار، وتناوَل اضطهاد المسيحيين في روما القديمة، مستخدِماً مَشاهدَ هائلة لسباق العربات؛ لجذْب الجماهير، في خطوة جديدة تجمع بين الإبهار البصري والرسائل الروحية.

وتحت ضغط التغييرات الجذرية التي شهدتها حقبة الستينيات من ثورات ثقافية اجتماعية وحركات التحرر، طرحت السينما الغربية رؤى مختلفة وجديدة في معالجة الموضوعات ذات البعد الديني التاريخي. مهّد المخرِج السويدى إنغمار برغمان لهذا التحوُّلَ بأفلام من نوعية «الختم السابع» الذي يصوِّر رحلة فارس عائد من الحروب الصليبية في العصور الوسطَى، يواجِه ملاكَ الموت في لعبة الشطرنج، وسط وباء الطاعون القاتل. وقدَّم المخرِج رومان بولانسكي فيلمَه الشهيرَ «طفل روزماري» 1968، الذي اتَّخذ الشيطانَ تهديداً قوياً في قلب مدينة نيويورك، معتمِداً على إثارة أجواء من الرعب والقلَق عن طريق استخدام الطقوس المخيفة.

طرحت السينما الغربيةرؤى مختلفة وجديدة في معالجة الموضوعات ذات البعد الديني التاريخي

يذكر المؤلف أنه من العلامات المهمة في هذا السياق، ما قدمه المخرِج وليام فريدكين في فيلمه الشهير «طارد الأرواح» (1973)، الذي يحكي عن معركة مثيرة بين عدد من رجال الدين وروح شريرة تسيطر على فتاة صغيرة، مستخدِماً تقنيات بصرية حديثة، ومؤثِّرات صوتية، بالغة الدِّقة؛ لِبَثِّ الرعب في نفوس المُشاهدين. كما اقتبس المخرِج كين راسل أحداث فيلمه «الشياطين» (1971) من أحداث تاريخية دارت في فرنسا في القرن السابع عشر، الذي صوَّر اضطهاد رجل دين بتُهمة السِّحر وسط صراعات سياسية، مقدِّماً مَشاهد صادمة، وهو ما جعله محظوراً من العرض في بعض الدول، لكنه أظهَر صلابة السينما، وإمكانية تَحَدِّيها للمؤسسات الرسمية. وقدم المخرِج ستانلي كوبريك في عام 1986 مفهومَ التطور والذكاء الاصطناعى في فيلمه الشهير «أوديسا الفضاء 2001» باعتباره صاحب قدرات تفوق البشر على نحو خارق حتى أن البعض فكر في عبادته، مما جعل هذا العمل يعد نقطة تطوُّر جوهرية في مسار سينما الخيال العِلمي، وطريقة محاكاتها للرموز المقدسة.

ومع دخول التسعينيات، أصبح العالَم يمُوج على سطْح هائل من المعرفة والتكنولوجيا، امتازت تلك الفترة بسهولة الحصول على المعلومات وسيولتها، وهو ما حاوَلَت السينما عكسه في أفلامها، ومنها الفيلم الشهير «ماتريكس» (1999) الذي جمَع بين العديد من المفاهيم ذات الطابع المقدس في حبكة تجمع بين الإيقاع البوليسي والرؤية الوجودية القاتمة.

وبدا فيلم «آلام المسيح» (2004) لميل غيبسون مغرقاً في الأجواء الواقعية المثيرة للحزن والتعاطف نظراً للبراعة في تجسيد عذاباتِ السيد المسيح، بحسب ما يعتقد المسيحيون، بينما أشار المخرِج أنغ لي في فيلمه «حياة باي» (2012) إلى مفاهيم إيمانية روحانية مؤثرة عبر مَشاهد بصرية مذهِلة.