الشعر العربي يودّع راعيه وحاضن مبدعيه... عبد العزيز البابطين

رجل الأعمال الذي سخّر ثروته لرعاية الأدب من أجل التعايش والسلام

عبد العزيز سعود البابطين في ذمة الله
عبد العزيز سعود البابطين في ذمة الله
TT

الشعر العربي يودّع راعيه وحاضن مبدعيه... عبد العزيز البابطين

عبد العزيز سعود البابطين في ذمة الله
عبد العزيز سعود البابطين في ذمة الله

فقدت الكويت، والخليج، والعالم العربي، رجل الأعمال والشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي يُعدُّ صرحاً للأدب والشعر، وحاضناً للإبداع الشعري العربي، ورائداً في مسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات، وفاعلاً مهماً لترسيخ ثقافة السلام في جميع أنحاء العالم، ورجل الأعمال الذي سخرّ جزءاً كبيراً من ثروته لرعاية الأدباء وإقامة الأنشطة الثقافة والمواسم الثقافية في العالم العربي ودول أوروبا والعالم.

وكان آخر مشاريعه الإعلان عن مسابقة تقدمها جائزة البابطين للكتابة الشعرية عن مأساة غزة، التي استجاب لها عشرات الشعراء العرب، ولم تعلن نتائجها بعد.

يُعد الشاعر عبد العزيز سعود البابطين صرحاً للأدب والشعر وحاضناً للإبداع الشعري العربي

وقد توفي البابطين في مزرعته بالشيط، في السعودية، عن 87 عاماً، قضاها في خدمة الثقافة والأدب ورعاية الإبداع الشعري في العالم العربي، وهو رئيس مجلس أمناء مؤسّسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافيّة، ورئيس مجلس أعضاء مؤسّسة البابطين الثقافيّة بالاتّحاد الأوروبي. كما أنّه عضو في العديد من المجالس والجمعيّات والرابطات الناشطة في مجالات مختلفة.كما يُعدّ الراحل من أبرز رجال الثقافة والشعر في المشهد الثقافي الكويتي والعربي وأصدر ثلاثة دواوين شعرية: «بوح البوادي» 1995، و«مسافر في القفار» 2004، و«أغنيات الفيافي» 2017.

والبابطين حائز على أكثر من 14 شهادة دكتوراه فخرية عربية وأجنبية، من قبل عدد من الجامعات المرموقة تقديراً من دوائرها لجهوده في المجال الثقافي والعمل الخيري الإنساني ونشاطه الداعم للسلام وحوار الثقافيات، كما نال العديد من الأوسمة الرفيعة والدروع والجوائز تقديراً لما قام به من جهد في ميدان الثقافة في المحافل العربيّة والدوليّة.

ونعت الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت رجل الأعمال الأديب والشاعر عبد العزيز سعود البابطين، حيث نقلت الأمانة العامة في بيان لها تعازي وزير الإعلام ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عبد الرحمن المطيري لذوي الفقيد ومحبيه على هذا المصاب.

كانت مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، والجائزة التي تحمل الاسم ذاته، عنوانين لحشد جمهور الشعراء العرب وتشجيع إبداعهم وإقامة الفعاليات الدورية والمسابقات الشعرية التي تكرم مسيرتهم، وكان أحد أهم إنجازاته إصدار معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، وإصدار كتب محققة عن الشعر العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن طباعة العديد من الكتب والبحوث في كل فنون الأدب واللغة.

كان البابطين رائداً في مسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات وفاعلاً مهماً لترسيخ ثقافة السلام في جميع أنحاء العالم

حديث لـ«الشرق الأوسط»

في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، قال عبد العزيز البابطين متحدثاً عن انطلاق مؤسسة البابطين للإبداع الشعري: «كانت انطلاقة المؤسسة عام 1989 البذرة التي أنبتت الجذع فالأغصان. كانت البذرة عبارة عن تأسيس لمشروع أدبي شعري تحديداً. ثم وجدنا أن الأغصان تتفرع في اتجاهات مختلفة يصب جميعها في خانة الأدب والفكر الإنساني وتلاقي الحضارات. وألفينا أنفسنا ننشئ مراكز متعددة، مثل (مركز البابطين لحوار الحضارات) في جامعة قرطبة، و(مركز البابطين للترجمة) في بيروت، و(مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية) في جامعة الإسكندرية، و(مركز الكويت للدراسات العربية والإسلامية) في جامعة الإمام الشافعي بجزر القمر. وأقمنا دورات في اللغة العربية وعلم العروض، فيما يزيد على 40 جامعة في مختلف الدول العربية والإسلامية. ونؤسس اليوم لكراسٍ للدراسات العربية في الجامعات الأوروبية. وهذا يعني أن الطموح يتجدد كل مرة مع تجدد الحياة، ووجود معطيات جديدة تستوجب منا النهوض بمسؤولياتنا الثقافية تجاهها».

وفي سؤال عن نجاح المؤسسة فيما فشلت فيه وزارات الثقافة في العالم العربي، لجهة جمع شمل الأدباء والشعراء والمثقفين، قال: «النجاح كان لافتاً ومتميزاً، بدليل الاستمرارية التصاعدية وليس العكس. ولا أدري ما هو الوضع بالنسبة لوزارات الثقافة، لكي أعتقد أن العمل الثقافي للهواة أنجح من العمل الثقافي للموظفين الرسميين في الوزارات، لأن هاوي الثقافة يعطيها بشغف ومحبة، ويكرس لها وقتاً وجهداً كبيرين، ليس فقط في أوقات العمل الرسمي الذي يخصصه الموظف عادة، فالهواة يعملون طيلة النهار، وأثناء الليل أحياناً. أما الموظفون في الوزارات، فيلتزمون ساعات العمل المحددة، لذلك تتحول العلاقات الثقافية في حالة الهاوي إلى ما يمكن اعتباره علاقة عائلية منسجمة، فالضيوف الذين يحضرون أنشطتنا يشعرون معنا بجو أسري، وكأن كل واحد فيهم أسهم في تكبير عمل المؤسسة بجهوده الأدبية والفكرية. الأمر الآخر هو أن الوزارات مضطرة للعمل الثقافي بحكم وظيفتها، بينما في الثقافة الخاصة التي يؤسسها أفراد، لا أحد يجبرهم على ذلك، بل يقومون به بحب ورغبة حقيقية في العمل الثقافي».

كما تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن مسيرة التطور لمؤسسة البابطين من مجرد مانحة لجوائز للشعراء لتصل إلى حوار الحضارات، قائلاً: «في بداية إنشاء المؤسسة، اقتصر الأمر على حفل تكريم للفائزين بجوائزها المتمثلة في أفضل قصيدة، وأفضل ديوان، وأفضل كتاب في نقد الشعر، إلى جانب جائزة تكريمية لشاعر من الرواد. ثم أصبح الأمر مصحوباً بندوة أدبية عن شاعر له تاريخ عريق. بعد ذلك، في عام 2004، أدخلنا ندوة عن حوار الحضارات بدأناها في الأندلس مهد تعايش الحضارات والديانات السماوية إبان الحكم العربي الإسلامي. ومن ثم بدأت التوسعات الكثيرة التي ذكرتها في إجابة سابقة، وإنشاء المعهد العربي الأوروبي لحوار الحضارات في إيطاليا».

الشعر من أجل السلام

وبعد أن نظّم ملتقى «الشعر من أجل التعايش السلمي»، سألته «الشرق الأوسط» هل يمكن للشعر أن يوفّر للناس وللمبدعين خاصة سفينة تعبر بهم عواصف الصراعات المحتدمة في العالم العربي اليوم؟ فأجاب: «نعم، وجوابي هنا عملي وليس نظرياً، من خلال الملتقى الذي أقمناه في دبي عن الشعر والتعايش السلمي بين الشعوب (2011). فقد قدم الباحثون ندوات تؤكد حقيقة أن الشعر عنصر مهم وحيوي في التعايش بين الأمم، كونه نتاج فكرٍ إنساني متشابه ومتماثل في أذهان كل الشعوب من دون استثناء. والشعر هو المتوغل في وجدان القارئ في أي مكان. وبالتالي يمكن اعتماد الشعر أداة إنسانية للتواصل الحضاري. كما وقف شعراء عرب وأجانب جنباً إلى جنب في الأمسيات الشعرية، وتبين عمق الرغبة المشتركة في العيش بسلام على هذه الأرض».

كما سألته «الشرق الأوسط» قلتم إن «الشعر والحوار هما من نبع واحد»، يمكنهما إخراج الناس «من الخنادق التي حفرت لهم، والكهوف التي حشروا فيها إلى الفضاء الإنساني العام». أليست التصورات هذه رومانسية في عصر الانفجار الدموي للكراهيات؟ فأجاب: «كلما انخرط العالم في صراعات أكثر، كلما ازدادت الحاجة للقريحة الإنسانية المتمثلة بالشعر والأدب الداعي للسلام. أصلاً، ما حاجتك إلى أدب يدعو إلى السلم في أوقات السلم؟ أنت في زمن الحروب تحتاج إلى الشعر الداعي إلى إطفاء لظى الكراهية بين الشعوب، حين تتأجج الصراعات الدامية. والأدب بشكل عام، هو الوحيد الذي لا يتأثر بالخلافات بين الشعوب. فلا أحد يمتنع عن قراءة أشعار شاعر ينتمي إلى بلد يعاديه، لأنه وليد فكر بشري خلاق نحو الإبداع وليس نتاج فكرٍ عسكري أو حربي. وإذا استطعت نشر الأدب الداعي إلى السلم بين الناس، فسوف تتشكل شرائح مناهضة للحروب وداعية للسلام».

لكن الشاعر الذي سخّر الأدب من أجل الحوار والتعايش السلمي قال لـ«الشرق الأوسط» رداً على سؤال عن دور الانقسام السياسي بين المثقفين العرب: «الانقسام السياسي بين المثقفين العرب لا يعيقنا، بل يؤرقنا ويشكل بالنسبة إلينا هاجساً لتلافيه وردم الفجوات بين هؤلاء المثقفين، لعلهم يؤثرون في شعوبهم وفي سياسات بلدانهم لدفعها نحو التقارب لا التناحر. وكل ما نقوم به، يقع ضمن مشروعنا الداعي إلى هذا التقارب، لذلك تجد في دوراتنا وملتقياتنا وأنشطتنا بشكل عام، ضيوفاً من بلدان هي فعلاً في حالة خلاف ونزاع سياسيين، وقد تكون هذه البلدان ذات تاريخ مشترك وثقافة مشتركة، لكن الخلافات السياسية باعدت بين شعوبها. فهم يلتقون في ندواتنا ويتحاورون ويتصافحون دلالةً على أن الثقافة تسمو على الخلافات التي يتسبب بها السياسيون».

أدباء ينعون

نعاه الشاعر الكويتي دخيل خليفة، عبر منصة «إكس» قائلاً: «فقدت الكويت والعالم العربي اليوم رجل الأعمال الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي خدم الشعر العربي من خلال مؤسسة البابطين الثقافية التي قدمت مواسم ودورات كثيرة في عواصم عربية وغربية».

كما نعاه الشاعر السعودي جاسم الصحيح قائلاً: «أحرّ التعازي أرفعها إلى الأسرة الثقافية في مؤسسة البابطين والكويت وكل الأقطار العربية والإسلامية في رحيل رائد الثقافة الكبير الشاعر عبد العزيز البابطين».

وأضاف الصحيح عبر منصة «إكس»: «لقد نذر (أبو سعود) نفسه وكلَّ ما يملك لخدمة اللغة العربية في أجمل تجليَّاتها (وهو الشعر) منذُ أنْ فتح عينيه على بحرين: بحر الخليج وبحر القصيدة، فاتَّحَدَتْ في يديه الأشرعةُ والقوافي، المجاديف


مقالات ذات صلة

مصر تحتفي بـ«اليوم العالمي للغة العربية» بندوات وأمسيات شعرية

يوميات الشرق جانب من احتفال المجلس الأعلى للثقافة باليوم العالمي للغة العربية (وزارة الثقافة المصرية)

مصر تحتفي بـ«اليوم العالمي للغة العربية» بندوات وأمسيات شعرية

احتفت مصر باليوم العالمي للغة العربية الذي يحل في 18 ديسمبر (كانون الأول) بتنظيم ندوات وأمسيات شعرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

أشعلت كتيبة من الشعراء، تقاطروا من كل أرجاء العالم العربي، لياليّ الكويت الباردة بالدفء والمشاعر الصاخبة، في توليفة من العشق والغزل والحنين والافتجاع.

ميرزا الخويلدي (الكويت)
يوميات الشرق حمل سعيد عقل في قلبه وعقله روح لبنان الخالدة (فيلوكاليا)

لبنان سعيد عقل... أملٌ بين الركام

في كل مرة تنظّم «فيلوكاليا» أمسية، تنهمك رئيستها الأخت مارانا سعد بتتبُّع التفاصيل والحرص على الأناقة. تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ حجم الحضور بدا مفاجئاً...

فاطمة عبد الله (بيروت)
تكنولوجيا غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

أكدت دراسة جديدة أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية
TT

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني في المنامة. تحوي هذه المجموعة البديعة عدداً من العقود المصنوعة من الأحجار المتعدّدة الأنواع، كما تحوي بضع قطع ذهبية تتميّز بأسلوبها الفني الرفيع، أبرزها زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة.

تعود هذه المجموعة المتنوعة من الحليّ إلى الحقبة التي عُرفت فيها البحرين باسم تايلوس، وهو الاسم الذي أطلقه المستكشفون الإغريقيون على هذه الجزيرة في القرن الثالث قبل الميلاد. امتدت هذه الحقبة على مدى ستة قرون، بلغت خلالها البحرين درجة عالية من الصقل الثقافي، كما تشهد اللُّقَى الكثيرة التي خرجت من تلال مقابرها الأثرية. ضمّت هذه اللُّقَى مجموعة هائلة من الأواني الفخارية والزجاجية الجميلة، كما ضمّت مجموعة من الحليّ المتنوعة الأشكال والأنواع. لا تحمل هذه الحليّ في الظاهر أي طابع جنائزي، غير أن موقعها يشير بشكل لا لبس فيه إلى أنهّا شكّلت جزءاً من أساس هذه القبور. رافقت هذه الحليّ أصحابها إلى مثواهم الأخير لكي يتزينوا بها في العالم الآخر، ولم تقتصر هذه الزينة على النساء من علية القوم، بل شملت كذلك الرجال والأطفال، كما تُجمع الدراسات العلمية الخاصة بهذه المقابر المثيرة.

حضرت الأدوات المنزلية بقوة في هذا الأثاث الجنائزي، كما حضر بعض القطع النقدية، ممّا يوحي بأن العقائد السائدة في هذا المجتمع كانت تُقرّ بأنّ الحياة تستمر وتتواصل في العالم الآخر. كان دفن الميت يتمّ بعد إلباسه أفضل وأثمن رداء، كما يُستدل من الأكفان التي تمثّلت في عدد هائل من الملابس والإبر والدبابيس، وكان الميت يُزيّن بالحليّ التي تعدّدت أنواعها، مما يوحي بأن هذه الحليّ شكّلت جزءاً من هذا الرداء، وتمثّلت في العقود والأساور والخواتم والأقراط التي جمعت بين الأشكال والخامات المعروفة كافة. حوى هذا الأساس كذلك مجموعة من المراهم وأدوات التجميل، وذلك كي يستمر ساكن القبر في الاعتناء بمحياه بعد أن يتمّ تزيينه قبل الدفن، وحوت هذه الأدوات الخاصة بالزينة مجموعة من أنابيب الكحل والأمشاط النسائية. تضمّ هذه المجموعة الكبيرة من الحليّ في الدرجة الأولى عدداً كبيراً من العقود المكونة من أحجار متعددة، منها ما تُعرف بالكريمة، ومنها ما تُعرف بشبه الكريمة. من الأحجار الكريمة، يحضر الجَمَشْت الذي يُعرف بالعربية بالحجر المعشوق، ويمتاز بلونه البنفسجي السماوي، والبِجَادِيّ الشبيه بالرمّان، والعقيق بأنواعه متعددة الألوان، والجَزْع الشهير بالأونيكس. ومصدر هذه الأحجار بلاد ما بين النهرين، ووادي النيل، ونواحي باختر التي تُعرف اليوم بالبلخ. في المقابل، تحضر اللآلئ من تايلوس، وهي الجزيرة الغنية بهذه الأحجار، كما أشار بلينيوس الأكبر في الكتاب السادس من موسوعته «التاريخ الطبيعي». من الأحجار شبه الكريمة، تحضر الأحجار الزجاجية والصابونية والخزفية، إلى جانب الأصفاد المتنوعة، بشكل مستقل في بعض القطع، وتحضر إلى جانب الأحجار الكريمة في البعض الآخر.

تشكّل هذه الأحجار المختلفة مادة لحليّ متنوعة، منها ما هو مستورد، ومنها ما هو محليّ، ومنها ما يصعب تصنيفه. يغلب الطابع التجريدي على الجزء الأكبر من هذه الحليّ، ويحضر الطابع التصويري في عدد محدود منها، كما في مجموعة من الحِرْز المصوغة على شكل عناقيد العنب. خرج عدد من هذه الحِرْز من مقبرة «كرانة»، وخرج البعض الآخر من مقبرة «سار»، وتتبنّى طرازاً معروفاً يرمز كما يبدو إلى الخصوبة، وهذا الطراز معروف في الشرق الأدنى، وقد بلغ كما يبدو شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، كما تشهد مجموعة مشابهة من الحِرْز عُثر عليها في موقع الدُّور التابع لإمارة أم القيوين.

مجموعة متنوعة من الحليّ تعود إلى حقبة تايلوس

إلى جانب هذه القطع المتنوعة، يحضر الذهب في مجموعة من القطع، خرج القسم الأكبر منها من مقبرة «الشاخورة» في المحافظة الشمالية. أشهر هذه القطع زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة، يتميّز بطابعه التصويري المجسّم. يتكوّن كل قطر من ثلاثة عناصر مترابطة كسلسلة، ويبلغ طول هذه السلسلة 8 سنتمترات. يأخذ العنصر الأول شكل طفل مجنّح يمتطي جدياً، وهذه الصورة معروفة في العالم الهلنستي المتعدد الأقطاب، وتمثّل إيروس، سيّد الرغبة المتّقدة في الميراث الإغريقي، ممتطياً جدياً يثب في الفضاء. تحلّ هذه الصورة في طرف حلقة قرط الأذن، وتبدو أشبه بمنحوتة ذهبية منمنمة صيغت بمهنية عالية، وفقاً لناموس الجمالية اليونانية الكلاسيكية التي تحاكي الواقع الحسي بشكل مطلق. من هذه الحلقة، يتدلّى العنصر الثاني، وهو على شكل دائرة ذهبية مرصّعة بحجر نفيس مجرّد. ومن هذه الدائرة، يتدلّى العنصر الثالث، وهو على شكل إناء يوناني تقليدي، عنقه وقاعدته من الذهب، وقالبه الأوسط من حجر لازوردي.

يبرز كذلك خاتم يحمل في وسطه حجراً نفيساً نُحت على شكل وجه آدمي في وضعية جانبية، وفقاً لطراز يُعرف باسم «قميو». شاع هذا الطراز في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور، وتكرّر ظهوره بشكل مشابه على رقائق من الذهب، خرج بعضها من مقبرة «الشاخورة»، والبعض الآخر من مقبرة «أبو صيبع» المجاورة لها. مثل صورة إيروس ممتطياً الجدي، المنقوش على حجر ناعم بطابعها الكلاسيكي الصرف، وتمثّل رجلاً حليق الذقن مكللّاً برباط معقود حول هامته.