قصص قصيرة تتأمل في الذات... والعالم

أحمد الخميسي في مجموعته «حفيف صندل»

قصص قصيرة  تتأمل في الذات... والعالم
TT

قصص قصيرة تتأمل في الذات... والعالم

قصص قصيرة  تتأمل في الذات... والعالم

يقبض الكاتب المصري أحمد الخميسي، في مجموعته القصصية «حفيف صندل» على لحظات رهيفة وفارقة في حياة شخوصه، مشحونة بطاقات من التأمل؛ تأمل الذات والعالم، الشخصي والموضوعي، إذ يتجاور السياسي والعاطفي، ويئن الحب تحت وطأة واقعٍ قاسٍ، وتبرز قدرة واضحة للمؤلف على الإمساك بلحظات التوتر التي تبدو عابرة، لكنها مفصلية؛ فشخوص قصصه مأزومون بقضاياهم وهمومهم الذاتية، لكنها في النهاية مشروطة بهموم جمعية أكبر منهم، ملتبسة بشروط سياسية وثقافية واجتماعية ضاغطة، فتبدو الأزمات الشخصية العابرة نتاج أزمات أكبر مرتبطة بالواقع السياسي والاجتماعي وارتباكاته.

تتكون المجموعة الصادرة عن دار «كيان» للنشر في القاهرة، من 29 قصة قصيرة، متراوحة في الطول، ومتنوعة الموضوعات والعوالم، لكن ما يغلب على قصصها أن البطل دائماً رجل في مرحلة الشيخوخة، يعاني الوحدة، ويصاحب ذكرياته، ويستعيد أحلام طفولته وشبابه، وما آل إليه، وأحياناً يجلس في انتظار ما لا يجيء، مثلما ينتظر تواصلاً من حبيبة قديمة في قصة «ربما». لكنه في الأحوال متصالح مع وحدته وشيخوخته، يعيد تأمل ما حوله، حتى إنه يتأمل وحدته ذاتها، ليفهمها ويتصالح معها، كما في قصة «نافذة»، فالراوي يبدو مشغولاً بتأمل شيخوخته ووحدته: «أجلس وحدي إلى المنضدة. لا يكسر الصمت سوى رنين المعلقة بين جنبات القدح الزجاجي. أتطلع إلى الفراغ، أتسمَّع صوت الذكريات. لم تعد لديَّ أحلام، وحدها الذكريات (...) في العصر أقعد أمام التليفزيون، أتلفَّت من وقت إلى آخر إلى هاتفي، لا أحد يتصل. لا أحد يدق جرس الباب».

في خضمّ هذه الوحدة، التي يتآلف معها، لا يبقى أمامه سوى النافذة، ليطل منها على العالم، ويتواصل معه، حتى لو كان هذا التواصل هو مجرد الإصغاء إلى عراك تلاميذ المدرسة القريبة نهاراً، ونباح الكلاب ليلاً. في كثير من قصص المجموعة، يتأمل الخميسي -الحاصل على جائزة ساويرس لكبار الكتاب في فئة القصة القصيرة مرتين- ما يكتنف العالم من مفارقات، بعضها يبدو مسكوناً بأبعاد طبقية وسياسية، مثلما نرى في قصة «رأسان»، إذ يلتقط السارد مفارقة اقتراب رأسَي إنسانين أحدهما من الآخر: «اثنان لا يعرف أحدهما الآخر، لم ير أحدهما الآخر من قبل، جمعتهما لحظة عابرة، وهبّة هواء من النيل»، أحدهما نزيل الفندق الذي يركب سيارته، برأس مرفوع، ويخامره «شعور خفيف عذب كالنسمة أنه إنسان ذو شأن»، والآخر عامل بالفندق، مهمته أن يفتح باب السيارة مطأطئاً رأسه احتراماً للنزيل، وجزء من وظيفته أن «يظل مدة في هذه الوضعية احتراماً وخضوعاً»، كي يَهَبَ «نزلاء الفندق ذلك الشعور اللطيف بأنهم أصحاب رفعة ومقام، لا يليق أن يفتحوا الأبواب بأنفسهم». هكذا تبدو عين الكاتب الخبيرة قادرة على التقاط ما في اللحظات العابرة من مفارقات بنيوية، مشحونة بكثير من الدلالات، وتعرِّي ما يكتنف العالم من زيف ومظهرية.

هذه الأبعاد الاجتماعية تبدو واضحة من القصة الأولى، التي تحمل المجموعة عنوانها، إذ يسأل الراوي واحداً ممن يمسحون زجاج السيارات، عن مكان المواصلات، ويلمح في وجهه أمارات الفقر والبؤس، ويرتدي أثمالاً بالية وصندلاً (حذاء) ممزقاً يحتكّ بالأرض مُصدراً حفيفاً، يعطيه ورقة نقدية فيتبعه ماسح السيارات ككلب وفيّ، يشرح له مكان المواصلات، وكلما أعطاه الراوي أموالاً أخرى ليصرفه، يتبعه أكثر ويُمعن في الشرح ليأخذ المزيد، حتى وصل الراوي إلى المكان الذي يريده، وقتها فقط يعود ماسح السيارات ويتركه، ويتابعه الراوي ببصره حتى يختفي عن نظره، ويُنهي الراوي القصة بقوله: «فلم يبق سوى صندل، وحفيف قلب يحتكّ بالأرض»، هكذا لم يعد الصندل هو الذي يحتكّ بالأرض، بل القلب الذي انفطر، ولا نعرف هل هو قلب الراوي المتعاطف مع فقر الرجل، أم ماسح السيارات الذي ينتعل قلبه بدلاً من الحذاء، وكلاهما ممزق من فرط الاحتكاك بأسفلت الشوارع.

إلى جانب ذلك، يبرز في المجموعة -التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة التي تقدمها الجامعة الأمريكية بالكويت- حضور قوي للنقد السياسي، أحياناً بصورة ساخرة كما في قصة «بطة»، أو بصورة عبثية كما في قصة «أفندم» التي تحكي قصة سجين سياسي، وهو عامل بسيط في الأساس، كل ما يهمه أن يعرف سبب سجنه، حتى يقوله للناس عندما يسألون عنه عقب خروجه من السجن الطويل. وحيناً بصورة مفعمة بالشجن كما في قصة «حقول الموت»، التي تروي قصة رجل فلسطيني تحت القصف الدائم، ويخشى أن تصيب إحدى الغارات بيته ويموت هو وزوجته وأبناؤه، فيفكر أن يتبادل الأبناء مع شقيقه الذي يعيش في بيت آخر، بأن يرسل ابنته لتعيش عند شقيقه، وأن يأتي ابن شقيقه ليعيش معه، حتى إذا تهدم بيته يظل أحد من نسله في الحياة، وإذا تهدم بيت شقيقه، يظل أحد من نسل هذا الشقيق، في محاولة لابتكار حيل دفاعية لمواجهة الموت الجماعي. إنها شعرية المقاومة والتحايل على واقع قاسٍ، وتلتقط القصة لحظة وقوف الراوي ممسكاً بيد طفلته تحت بيت أخيه، وهو غير قادر على الصعود لتركها، إذ نرى أزمته الوجودية، وتمزقه بين خيارين كلاهما صعب على نفسه.

في قصة «هاربان» تتجلى الهموم السياسية، أيضاً، لكن بمعالجة غرائبية، حافلة بالفانتازيا، فالسرد هنا يفارق الواقع ويحتمي بالخيال المسكون بقسوة الواقع السياسي، ممثلاً في الرقابة الشديدة على الكاتب والكتابة، وهي واحدة من أجمل قصص المجموعة، وتدور حول شخصين، لكنهما ليسا شخصين حقيقيين، بل مجرد شخصيتين ورقيتين تعيشان داخل قصة، ويخشيان سطوة الرقابة التي تتبع المؤلفين والأدباء وكتاباتهم، فتقرر الشخصيتان الهرب من القصة قبل أن تقبض عليهما الرقابة، وقبل إيداعهما السجن، فتهبطان من القصة عبر السطور، وتقفزان من آخر سطر إلى فضاء الشوارع لتذوبا بين الناس، بعد محو كل ما يخصهما من النص القصصي، تمحوان اسميهما وأوصافهما وجملهما الحوارية ووجهات نظرهما، حتى لا تجد السلطات ما يدل عليهما، ولا يمكنها تتبعهما أو إلقاء القبض عليهما. رغم غرائبية القصة، وبنائها الفانتازي الواضح، فإن إحالتها إلى الواقع الفعلي تبدو باذخة. وقد عمد الخميسي إلى عدم تحديد مكان أو زمان لهذه القصة، حتى تبدو صالحة للدلالة على أي واقع استبدادي في أي زمان ومكان.

وعلى نهج نجيب محفوظ في استلهام روايته الشهيرة «اللص والكلاب» من حادثة حقيقية، يسير الخميسي -الذي قدمه يوسف إدريس كاتباً للقصة للمرة الأولى عام 1968- في استلهام قصة «لحظة حب» من حادثة شغلت الرأي العام في القاهرة لفترة، رغم بساطة الحادثة وسذاجتها، إذ صوّر أحدهم فيديو قصيراً لمراهقَين على أحد الكباري، وقد اختلسا قُبلةً عابرةً، لينتشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وتُدمَّر حياة الولد والبنت، لمجرد قُبلة عابرة، في مجتمع يكره الإعلان عن الحب. وفي قصة أخرى يكشف الكاتب عن تململ المجتمع من أي علاقة حب، حتى لو كانت في إطار شرعي وقانوني، كما يحدث في قصة «مشوار»، حين يتحرش سائق ميكروباص لفظياً بشاب وخطيبته، لمجرد أنه يمسك يدها، معتبراً أنهما يجلبان «النجاسة» لسيارته.

تبدو قصص المجموعة كلها كاشفة عن تشوق الراوي، أو مجموعة الرواة، في مرحلة الشيخوخة، وبعد تجارب ممتدة على مدار العمر، إلى العدل والحب والحرية، بوصفها قيماً كبرى قادرة على إصلاح العالم، وانحياز الكاتب إلى هذه الأنساق القيمية في مواجهة كل ما يتهددها من قيم مضادة، متمسكاً بجماليات السرد وفنيته بوصفه خطاباً فنياً بالأساس، وفكرياً يتوق إلى الحب والتحرر والعدالة.


مقالات ذات صلة

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

كتب أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

هل يعني تصدر قوائم «البيست سيلر» بالضرورة أننا أمام عمل أدبي يزخر بالعمق الفني، والجمال اللغوي، والأصالة الفكرية؟

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «ليس عزاءً بل ضوءاً»... استعادة فلسفة سيمون فاي

«ليس عزاءً بل ضوءاً»... استعادة فلسفة سيمون فاي

يطرح الكاتب المصري مينا ناجي سؤالاً مركزياً هو: «كيف نحب في حياة صعبة كهذه؟»، ليتأمل في ظواهر الحب والروحانيات والتاريخ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب رحلة البحث عن أمل ضائع

رحلة البحث عن أمل ضائع

في وقت مضى، ليس بعيداً، كتبتُ مقالة بعنوان «زمن الرواية الليبية» نشرت في موقع صحيفة «بوابة الوسط».

جمعة بوكليب
ثقافة وفنون مشهد من فيلم «الختم السابع»

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

يناقش كتاب «الحبكة المقدسة»، الصادر عن دار «إيبيدي» بالقاهرة، للباحث أسعد سليم، تناول الشاشة الفضية للموضوعات ذات البعد الديني الأخلاقي

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون «مدائح تائهة»... نصّ يتمرد على التصنيفات الأدبية

«مدائح تائهة»... نصّ يتمرد على التصنيفات الأدبية

«الإنسان حيوان مدّاح»، يقول رائد العيد في كتابه الجديد «مدائح تائهة»، عادَّاً أن «تأمل الأشياء من حولنا نوع من ممارسة الخشوع»

سوسن الأبطح (بيروت)

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن
أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن
TT

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن
أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن

هل يعني تصدر قوائم «البيست سيلر» بالضرورة أننا أمام عمل أدبي يزخر بالعمق الفني، والجمال اللغوي، والأصالة الفكرية؟ قطعاً لا، فمفهوم «الرواج» قد انفصل في عصرنا هذا عن معيار «الجودة الأدبية»، وغالباً ما أصبح يعكس استجابة لمتطلبات السوق وتوقعات القارئ الباحث عن الترفيه السريع والتشويق العابر. في سياق هذا الجدل الدائر حول العلاقة بين الرواج التجاري والقيمة الأدبية، تبرز أسماء معينة لتُشكل حالة لافتة، من بينها حالة الكاتبة الأميركية فريدا ماكفادن التي استطاعت في سنوات قليلة أن تُحقق نجاحاً ساحقاً، وتُسيطر على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً برواياتها التي تنتمي إلى أدب التشويق النفسي.

الأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام تبدو خرافية: 40 مليون نسخة من روايتها بيعت في العالم منذ 2022، منها 7 ملايين باللغة الإنجليزية و3 ملايين باللغة الفرنسية. روايتها الشهيرة «الخادمة» (أو ثي هاوس مايد) احتلت صدارة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في موقع «أمازون» لمدة 83 أسبوعاً على التوالي و60 أسبوعاً في قائمة «النيويورك تايمز» المرموقة. في فرنسا وبلجيكا يبقى الإقبال قويّاً على أعمالها منذ صدور «الخادمة»: إحصاءات معهد «جي إف كا» مع صحيفة «ليفر إبدو» تتحدث عن 30 ألف نسخة تباع أسبوعياً. في 2024، كتاب من بين كل كتابين بيعا في فرنسا كانا من إمضاء فريدا ماكفادن، علماً بأن هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع بعد صدور روايتها الأخيرة «الطبيبة النفسية» في أبريل (نيسان) الماضي.

الظاهرة أثارت اهتمام الصحافة الأدبية التي لم تستوعب سرّ هذا النجاح، فعلى الرغم من النجاح الجماهيري اللافت الذي حققته فريدا ماكفادن، لم تَسلم أعمالها من النقد الذي طال جوانب بنيوية وفنية في رواياتها. فقد رأى بعض النقاد أنها تميل إلى التكرار في البناء السّردي مما يجعل نهايات قصّصها متوقعة لدى القارئ المتمرّس، في حين تبدو بعض الحبكات قائمة على عنصر المفاجأة المجردة من العمق الدرامي. كما وُجهت لها ملحوظات بشأن سطحية رسم الشخصيات، إذ تفتقر في بعض الأحيان إلى تقديم دوافع نفسية متينة، مما يُضعف من واقعية أبطالها ويُقلل من قدرة القارئ على التماهي معهم.

أما على مستوى اللغة، فقد اعتُبر أسلوبها مباشراً إلى حدّ التبسيط، يفتقر إلى المجاز والرمزية التي تُثري الأدب النفسي، وهو ما يجعل بعض رواياتها تبدو أقرب إلى القراءة السريعة منها إلى التأمل الأدبي العميق.

يُضاف إلى ذلك، اعتمادها المتكرر على قوالب نمطية مألوفة في أدب التشويق، مثل «الزوجة الغامضة» و«المنزل المريب»، ما أثار تساؤلات حول مدى التجديد والابتكار في أعمالها... صحيفة «نوفيل أبسورفاتور» تساءلت بمرارة: «فريدا ماكفادن تكتسح سوق الكتب، لكن ما الذي يجده القرّاء فيها؟»، وبعد حوارات مع العديد من قرّائها وصل كاتب المقال إلى النتيجة التالية: من أسرار رواج ماكفادن قدرتها على الوصول إلى جمهور واسع، بدءاً من الشباب ووصولاً إلى كبار السّن بقصّص تلامس الهموم الإنسانية المشتركة كالوحدة والتوتر النفسي والانفصال والفقر. لكن الصحيفة الفرنسية ركزّت على عنصر مهم هو إتقان الكاتبة لفن التلاعب بالقارئ وبراعتها في فن الحبكة الدرامية القائمة على التشويق التدريجي، فهي لا تكتفي ببناء قصّة مشوقة فحسب، بل تُتقن فن قلب التوقعات، حيث تأتي النهاية محمّلة بانعطافات درامية غير متوقعة تغيّر فهم القارئ لما قرأه من قبل. هذا الأسلوب يجعل القارئ يعيد التفكير في الأحداث السابقة من منظور جديد، مما يمنح الرواية عمقاً إضافياً ويزيد من تأثيرها العاطفي والنفسي.

أما صحيفة «ليبراسيون»، فقد وصفت أعمالها بأنها «روايات تُلتهم مثل الوجبات السريعة»، بينما شبّهتها «لو فيغارو» بـ«أدب المحطة» في إشارة إلى أسلوبها البسيط، فخلافاً لكثير من الكتّاب الذين يستخدمون وصفاً مطوّلاً، تعتمد ماكفادن على سرّد مباشر وسهل الفهم. جملها قصيرة، وأسلوبها خالٍ من الزخرفة أو التعقيد، مما يجعل القارئ يدخل في قلب القصة بسرعة، ويشعر وكأنه يقرأ تفاصيل حياة حقيقية وليست مجرد رواية خيالية. هذا الأسلوب البسيط هو ما يمنح أعمالها قوةً وتأثيراً نفسياً كبيراً، لأن القارئ لا ينشغل باللغة أو الأسلوب، بل يركّز على القصة والأحداث. كثير من التقارير أشارت إلى الدور المحوري الذي تلعبه مجتمعات القراءة الرقمية ومنصّات التواصل الاجتماعي في انتشار أعمالها، كمراجعات القرّاء التي تُترك على منصّة «غود ريدس» و«أمازون»، التي لا تقّل أهمية عن المراجعات النقدية الأكاديمية، حيث تساهم بشكل كبير في بناء سمعة الكاتب، إضافة إلى التفاعل الجماهيري المستمر مع القرّاء عبر منصّات مثل «إنستغرام» و«فيسبوك» وخصوصاً «تيك توك» من خلال ما يُعرف بـ«البوك توك» (BookTok)، وهي مجتمعات رقمية يتداول فيها القراء ترشيحات الكتب بطريقة جذابة، مما ساهم في تضاعف مبيعاتها وانتشار اسمها عالمياً.

40 مليون نسخة من روايات ماكفادن بيعت في العالم منذ 2022 منها 7 ملايين باللغة الإنجليزية و3 ملايين بالفرنسية

البعض عدَّ أن التسويق الذكي الذي حظيت به أعمال ماكفادن كان فعالاً وهو يبدأ من الغموض الذي يكتنف شخصية الكاتبة نفسها، الذي أصبح بمثابة «علامتها التجارية». فخلف الاسم المستعار (والشعر المستعار) تُخبئ الكاتبة هويتها الحقيقية كطبيبة متخصّصة في إصابات الدماغ، وكل ما يعرف عنها أنها تسكن مدينة بوسطن مع زوجها وولديها، فهي ترفض باستمرار دعوات الظهور في المعارض الأدبية الكبرى، وتتجنب المقابلات الصحافية حتى شكّكك البعض في وجودها ولمحوا إلى احتمال أن تكون من ابتكار الذكاء الاصطناعي.

في حوار نادر عبر الهاتف لصحيفة «لوبرزيان»، قالت الكاتبة الأميركية إنها تتفادى صخب الصحافة وأضواء الشهرة لأنها تعاني من الفوبيا الاجتماعية، وتُفضل أن تكون «الكاتبة» التي تُقرأ أعمالها، لا «الشخصية العامة» التي تُلاحقها الكاميرات وتُحلل حياتها الشخصية.

كانت الكاتبة الأميركية قد بدأت مسيرتها الأدبية عام 2013 بكتابة مدونات شخصية، وفي عام 2013، نشرت روايتها الأولى «الشيطان يرتدي ملابس العمل» مستلهمةً إياها من عملها طبيبةً، ثم واصلت نشر أعمالها في منصات التواصل و«أمازون»، حتى جاءت نقطة التحول الكبرى في عام 2019 مع رواية «الخادمة» التي حققت نجاحاً هائلاً غير مسبوق عند نشرها ورقياً في عام 2022. هذا النجاح دفع دور النشر الكبرى للاهتمام بأعمالها السابقة واللاحقة.