مايكل كننغهام: كيف يمكن للمرء أن يكتب رواية معاصرة حول البشر دون التطرق إلى الجائحة؟

بعد صمت استمر عقداً عمل جديد لصاحب «بوليتزر»

مايكل كننغهام
مايكل كننغهام
TT
20

مايكل كننغهام: كيف يمكن للمرء أن يكتب رواية معاصرة حول البشر دون التطرق إلى الجائحة؟

مايكل كننغهام
مايكل كننغهام

من المقرر أن تصدر الرواية الجديدة المعنونة «يوم» للروائي الأميركي مايكل كننغهام، التي تتناول سنوات الجائحة (3 سنوات)، في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وتجيء هذه الرواية بعد صمت استمر عقداً، والسبب وراء ذلك يعود إلى أن كننغهام يعاني من شك كبير إزاء كتبه، إذ يرى أنها مملة. وقال الكاتب إنه عاجز عن التخلص من هذا الشعور، حتى بعد مرور 4 عقود، ونشره 8 روايات على امتداد مسيرته المهنية، ورغم فوزه بجائزة «بوليتزر» وبيع ملايين النسخ من رواية «الساعات» (ذي أورز).

يقول بنبرة شبه ساخرة، بينما كان يجلس في مكتبه، وهو إستوديو صغير مملوء بالكتب داخل قرية غرينيتش، بعد ظهر أحد الأيام في أواخر يوليو (تموز): «لا أعرف ما إذا كان هذا أكبر اضطراب عصبي أعاني منه، أم أنه مجرد واحد من بين اضطرابات عصبية أخرى أعاني منها. لديّ هذا الشيء، ومن الصعب عليّ التخلص منه».

وحين كان كاتباً شاباً، دفعه هذا الخوف إلى التخلي عن مشروع كتاب تلو آخر. وقال إنه حتى الآن، ورغم تعلمه كيفية التعامل مع الناقد الذي يعيش بداخله، إن لم يكن إسكاته، ما زال من الممكن أن يخرجه عن مساره، ما يجعله يتجاهل بعض الأمور.

غلاف رواية "يوم"
غلاف رواية "يوم"

وقال: «إذا لم تتمكن من طرد الشياطين الصغيرة المرتبطة بالكتابة الخاصة بك، ستتعلم على الأقل التعرف عليها. وعليه، لديّ بعض الكيانات الصغيرة التي تجلس على كتفي الأيسر وتقول أوه، اخرس»، مستخدماً كلمة بذيئة. وأضاف: «هذا الأمر مستمر منذ فترة طويلة للغاية».

واضطر كننغهام (70 عاماً)، الذي يتميز بغابة من الشعر الفضي وابتسامة عريضة يحملها وجهه على نحو متكرر، إلى قمع تلك الشكوك مرة أخرى أثناء كتابة روايته «يوم».

الكتاب، الذي من المقرر أن تنشره دار «راندوم هاوس» في 14 نوفمبر المقبل، عبارة عن قصة حميمة عن أسرة تعيش في نيويورك بالكاد تتغلب على مصاعب الحياة اليومية، عندما تضرب جائحة عالمية المدينة، ما يدفعهم إلى القرب القسري، بعضهم من بعض، بينما يفرقهم أكثر. وتصل الأحداث إلى لحظة غريبة، يظل فيروس «كورونا» عندها يشكل تهديداً حاضراً ودائماً ويجري التسامح إزاءه على مضض، في الوقت الذي تبقى الجائحة وعواقبها غائبة إلى حد كبير عن السينما والتلفزيون والأدب.

ومع أن بعض الكتاب البارزين، بما في ذلك آن باتشيت، وإيان ماكيوان، وغاري شتينغارت، وإليزابيث ستروت، وسيغريد نونيز، قد تناولوا الجائحة في أحدث أعمالهم، لكن يبدو أن معظم الروائيين تجاهلوا الموضوع.

وفيما يخص كننغهام، لم يكن تناول الجائحة خياراً. ورغم أنه لم يستخدم قط كلمات «كوفيد» أو جائحة حتى فيروس في الرواية، فإنه شعر أن فيروس «كورونا» يجب أن يكون جزءاً من نسيج حياة شخصياته.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب: «كيف يمكن للمرء أن يكتب رواية معاصرة حول البشر دون التطرق إلى الجائحة؟»

ومن المقرر أن تطرح دار «راندوم هاوس» رواية «يوم» في الأسواق في 14 نوفمبر.

تدور أحداث الرواية على امتداد 3 فصول، ويغطي كل فصل يوماً واحداً من أبريل (نيسان) على مدى 3 سنوات متتالية. تبدأ الرواية في صباح 5 أبريل 2019، في وقت تكافح إيزابيل، التي تعمل بإحدى المجلات، وزوجها دان، مغني الروك الذي أصبح أباً مقيماً في المنزل، من أجل توصيل طفليهما إلى المدرسة. في خضم الفوضى اليومية، يحرص روبي، شقيق إيزابيل، وهو مدرس يعيش معهم ويحب دان سراً، على جمع شمل الأسرة معاً.

يبدأ الفصل الثاني بعد ظهر 5 أبريل 2020، في وقت تصيب الجائحة مدينة نيويورك بالشلل. يجري عزل إيزابيل ودان في المنزل مع طفليهما، حالة من الحبس تتسبب في تفكك زواجهما المتوتر بالفعل. تجلس إيزابيل بمفردها على الدرج، تتصفح هاتفها، بينما ينشر دان أغاني له عبر «يوتيوب»، وينجح في بناء قاعدة جماهيرية كبيرة عبر الإنترنت.

أما ابنتهما، فيوليت (6 سنوات)، فتشعر بالفزع من أن يخترق الفيروس المنزل عبر النوافذ. ونى أن روبي، الذي استقال من عمله في التدريس، قد تقطعت السبل به في آيسلندا وحيداً داخل مقصورة، بينما يحتفظ بشخصية زائفة عبر «إنستغرام» تحت اسم وولف.

وتدور أحداث الفصل الأخير مساء 5 أبريل 2021، في شمال الولاية داخل منزل ريفي متهدم خارج المدينة، حيث تعيش إيزابيل. لقد تحطمت الأسرة تحت وطأة الحزن والخسارة.

تقول الكاتبة سوزان تشوي، وصديقة مقربة لكننغهام عن روايته الجديدة: «لقد كتب واحدة من أفضل الروايات التي طالعتها عن الجائحة، إن لم تكن أفضلها، بجانب كونها رواية عن الحياة اليومية. ما فعله بـ(فكرة اليوم)، واستقطاع يوم من كل سنة من هذه السنوات المحددة، يعكس كيف أننا أهل الكوكب جميعاً ما زلنا نحاول معالجة آثار السنوات الثلاث في حياتنا التي اجتاحتنا فيها الجائحة».

من ناحيته، لم يتمكن كننغهام من معاودة الكتابة من جديد حتى أصبحت اللقاحات متاحة على نطاق واسع عام 2021، وبدأ الإحساس بالمستقبل المحتمل في التبلور.

جدير بالذكر أن الروائية الشهيرة فيرجينيا وولف، التي لطالما خيّم حضورها في أعمال كننغهام مثل القديس الراعي، أطلقت على اللحظات العادية، لكن العميقة التي ترسم ملامح حياة الشخص، اسم «لحظات الوجود». وقد جرى بناء رواية «يوم» بالكامل تقريباً من مثل هذه اللحظات. وعندما سُئل عن كيفية وصوله إلى بنية الرواية، استحضر كننغهام وولف، التي تدور أحداث روايتها «السيدة دالواي» في يوم واحد، وشكلت مصدر إلهام رواية «الساعات».

مع أن بعض الكتاب البارزين، مثل آن باتشيت وإيان ماكيوان وغاري شتينغارت، تناولوا الجائحة في أحدث أعمالهم، لكن يبدو أن معظم الروائيين قد تجاهلوا الموضوع

يقول كننغهام: «يجب أن أشيد بفيرجينيا وولف لمساعدتي في فهم أن الرواية يمكن أن يكون لها نطاق حقيقي دون أن تكون كبيرة في حجمها، ودون أن تمتد لوقت طويل. ثمة معنى في الكون، لكن هناك أيضاً معنى على المستوى الصغير».

وكثيراً ما يحكي كننغهام كيف أنه عندما كان طالباً غير مبالٍ في المدرسة الثانوية في باسادينا بكاليفورنيا، التقط رواية «السيدة دالواي» في المكتبة، ووجد نفسه مسحوراً بجمل وعبارات وولف. وعندما كان طالباً جامعياً في جامعة ستانفورد كان يأمل أن يصبح رساماً، لكنه اكتشف بنفسه ميلًا للكتابة بعد الاشتراك في فصل دراسي عن الأدب الروائي. في العشرينات من عمره، عمل نادلاً وكان يكتب في أوقات فراغه. وحصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة أيوا ونشر بعض القصص، وبدأ كتابة 12 رواية، لكن تخلى عنها لاحقاً.

كان يقترب من الثلاثين من عمره، ويعيش في شقة لا توجد بها مدفأة في وسط مانهاتن، عندما حدد لنفسه موعداً نهائياً صارماً لنشر رواية قبل عيد ميلاده. وكانت النتيجة «الولايات الذهبية»، وهي قصة عن بلوغ سن الرشد، عن صبي يبلغ من العمر 12 عاماً في جنوب كاليفورنيا خلال عقد الثمانينات.


مقالات ذات صلة

فوز «صلاة القلق» للمصري محمد سمير ندا بجائزة الرواية العربية

كتب رواية «صلاة القلق» للكاتب المصري محمد سمير ندا (صورة من صفحة الكاتب على «إنستغرام»)

فوز «صلاة القلق» للمصري محمد سمير ندا بجائزة الرواية العربية

فاز المصري محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثامنة عشرة اليوم الخميس عن روايته (صلاة القلق) الصادرة عن منشورات ميسكلياني.

كتب الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

مفاجآت عدّة وإجابات غير متوقعة، تحملها الدراسة التي أجرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية على 12 ألف شاب وشابة من العالم العربي

سوسن الأبطح (بيروت)
كتب «المرأة الدينية المرأة النسوية»... الخطاب المسكوت عنه

«المرأة الدينية المرأة النسوية»... الخطاب المسكوت عنه

ينطلق كتاب «المرأة الدينية المرأة النسوية... كشف مضمرات الخطاب السردي في ضوء علم اجتماع الأدب»، للناقدة العراقية د. موج يوسف

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

تقود هيئة الأدب والنشر والترجمة مشاركة الرياض الاستثنائية بصفتها «ضيف الشرف» في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025، ضمن دورته التاسعة والأربعين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
كتب ماريو فارغاس يوسا

يوسا في بغداد: «هذا ليس حسناً يا سيدي!»

استمع يوسا على هامش جولاته عبر العراق لأشخاص ممن سُجنوا أو تعرضوا للتعذيب فترة الحكم البعثي وزار سجن «أبو غريب».

ندى حطيط (لندن)

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين
TT
20

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

مفاجآت عدّة وإجابات غير متوقعة، تحملها الدراسة التي أجرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية على 12 ألف شاب وشابة من العالم العربي، تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاماً. فهؤلاء أبدوا رغبة في أن تتحمل الدولة المزيد من المسؤوليات في رعايتهم، لكنهم في الوقت نفسه غير راغبين في الانخراط في الأحزاب السياسية. وهم ينظرون إلى السياسة على أنها رديف للفساد والانتهازية، ولا يحبّذون أن يكونوا جزءاً منها. لكن الأكثر لفتاً للانتباه، هو أن الشباب العربي لا يرى الديمقراطية عنصراً حاسماً في صلاح الحكم، بقدر ما يبحث عن القائد القوي الذي يمكن أن ينجو بالسفينة. ومما يدعو إلى الاهتمام هو اعتبار الأغلبية الساحقة من الشباب، في البلدان التي أجريت فيها الاستطلاعات، أن الدين يجب أن يلعب دوراً أكبر في تسيير الحياة. ومن المفارقات، أن الأبحاث التي ترصد الجوع وتصف جيلاً بأكمله بالحرمان، تظهر هي نفسها أن الشباب العربي مفعم بالأمل، وأنه مقبل على الحياة، رغم أنه لا يشعر بالرضا عن واقعه، وهذا أمر في غاية الأهمية.

بعد المأزق جاء الحرمان

نقاط أساسية لفهم توجهات الشباب العربي، تطلعاته، رغباته، بواطنه، وما يجول في خاطره؟ وهو ما لا نعرفه بوضوح بسبب غياب الدراسات، أو تشتتها، وربما عدم توفيرها للجمهور العريض. من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة الاستطلاعية التي شارك فيها 11 باحثاً وباحثة من ألمانيا، وشملت 11 دولة عربية، هي: الأردن، والجزائر، ومصر، والعراق، واليمن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وفلسطين، والسودان وتونس، إضافة إلى اللاجئين السوريين في لبنان. تمت المقابلات مع المستطلعين، بين عامي 2021 و2022، أي بعد وباء كورونا. حرَّرها كلٌ من يورغ غرتل، ودافيد كروير وفريدريكا ستوليس. وأصدرت «دار الساقي» الدارسة في كتاب من 500 صفحة بترجمة دكتورة شيماء مرزوق، حمل عنواناً دالاً هو «الجيل المحروم». وكانت دراسة أولى قد أجرتها المؤسسة بين عامي 2016 - 2017 رصدت من خلالها توجهات الشباب بعد ثورات الربيع العربي، صدرت في كتاب بعنوان «مأزق الشباب»، بينما تأتي الدراسة الجديدة بعد خمس سنوات، لترصد التغيرات بعد الموجة الثانية للحراك الشعبي عام 2018 الذي شاهدناه في لبنان، والجزائر والسودان.

محاور أساسية

تنقسم الدراسة إلى أربعة محاور رئيسية، تتفرع منها عناوين عدة. المحور الأول حول «الحرمان» والفقر. أما المحور الثاني، فهو حول «الأزمات المتعددة» التي يعاني منها الشباب مثل الجوع والعنف والهجرة، والبيئة. أما المحور الثالث، فهو عن «التوجهات الشخصية» للشباب من خلال الأسرة والتعليم والقيم الفردية والجمعية والدين. في حين يكشف المحور الرابع عن طبيعة «العلاقات الاجتماعية» ومستوى الالتزام الاجتماعي للشباب ونظرتهم للمؤسسات ومدى ثقتهم بها، وصولاً إلى رصد تطلعاتهم وأحلامهم على المستويين الشخصي والجماعي من خلال الإعلام ووسائل التواصل، كذلك السياسة والمشاركة المدنية والآمال والتوقعات.

فيما يخص التدين تظهر الدراسة الميدانية أن غالبية الذين سئلوا يشعرون بأنهم أكثر تديناً اليوم عما كانوا عليه قبل خمس سنوات. وتربط الدراسة بين هذه النتائج، وازدياد الإحساس بعدم اليقين، الذي يعيشه الشباب في مجتمعات متقلبة تعاني أزمات اقتصادية وحروباً وتهديدات مباشرة للحياة. وقد قال الليبيون والمغاربة والأردنيون، إنهم الأكثر تديناً من ذي قبل بعلامة وصلت إلى 8 من 10، في حين انخفضت العلامة التي أعطاها الشباب لتدينهم في لبنان وتونس، لكنها بقيت 6 درجات من 10.

قال أكثر من ثلثي الشباب المستطلعين إنهم غير مهتمين على الإطلاق بالسياسة. وهم حين يتحدثون عن هذا الموضوع فإنما يربطونه في «المقام الأول بالسياسة الحزبية الرسمية» في بلادهم، ولا يحيلون في حديثهم إلى الانخراط في خدمة المجتمع. وهذه النظرة تنبع من الإحباط العام الذي يعانيه الشباب بعد الأزمات المتلاحقة التي عاشتها بلادهم.

الثقة بالقبيلة والجيش

يرغب أكثر من ثلثي المشاركين في أن تلعب الدولة دوراً أكبر في تسيير الحياة اليومية. والنسبة الأكبر جاءت من لبنان 88 في المائة والأدنى من الجزائر 50 في المائة؛ ما يدل على إحساس بغياب الدولة في لبنان، وتدخلها الشديد في الجزائر، بينما يرغب فقط 7 في المائة من المستطلعين، في أن تؤدي الدولة دوراً أقل. والثقة متدنية بالمؤسسات السياسية والقانونية، وانخفضت أكثر عما كانت عليه قبل خمس سنوات، بينما يحظى الجيش بالثقة الأكبر، خصوصاً في الدول ذات الانتماءات القبلية. ففي ليبيا واليمن بعد اشتعال الحروب، يقول الشباب إنهم يثقون بقبائلهم أكثر من ثقتهم بدولتهم. وحين يُسألَون عن النظام السياسي الذي يرغبون فيه، نجد أن نسبة المطالبين بنظام ديمقراطي، قد انخفضت عما كانت عليه قبل خمس سنوات، وعبرت الغالبية عن حاجتها إلى «رجل قوي يحكم البلاد».

ويرغب ثلثا الشباب المسلمين الذين شملهم الاستطلاع، في أن يؤدي الإسلام دوراً أكبر في الحياة العامة. وقد زادت النسبة عما كانت عليه قبل خمس سنوات بمقدار عشر نقاط، وهو تحول ملموس ولافت. وصلت نسبة الذين يريدون دوراً أكبر للدين في فلسطين إلى 90 في المائة، وفي الأردن إلى 84 في المائة، وتحظى - بحسب الدراسة - أفكار الجماعات الإسلامية بشعبية بين الشباب. وهذا يظهر أكثر بين الذين لم يغادروا بلادهم منه عند الذين قضوا وقتاً خارج أوطانهم. كما أنها رغبة موجودة بنسبة أكبر عند الطبقة المتوسطة، التي عبر 70 في المائة منها عن رغبتهم في رؤية الدين يلعب دوراً أبرز في حياتهم، بينما انخفضت النسبة إلى 62 في المائة عند الطبقة الفقيرة أو الغنية. مع ذلك، تبقى نسبة عالية جداً قياساً إلى مجتمعات أخرى.

مفعمون بالأمل لا بالرضا

ومقارنة بالدراسة التي أجريت منذ خمس سنوات، ورغم الظروف الصعبة التي استجدت بقي الشباب محتفظاً بالأمل، وهو أمر مثير للاهتمام. باستثناء النازحين السوريين في لبنان واللبنانيين الذين انخفض بينهم قليلاً الشعور بالأمل، فإن عدد المتشائمين لم يرتفع في العالم العربي، بالقدر الذي يمكن تصوره. على العكس، نصف الجزائريين متفائلون وأكثر من الثلثين في تسع دول أخرى. رغم حالة عدم اليقين الشديدة التي تعيشها بلادهم، يبقى الشباب العربي متفائلاً في رؤيته للمستقبل. ففي جميع الدول التي أجري فيها الاستطلاع، 58 في المائة من الشباب يميلون إلى التفاؤل، و15 في المائة فقط هم من عبروا عن تشاؤمهم، وثلثا الذين سئلوا، قالوا إنهم «واثقون تماماً» أو «إلى حدٍ ما» من تحقيق رغباتهم وطموحاتهم المهنية. لكن هذا لا يعني أن الشباب يشعرون بالرضا عن أوضاعهم والحياة التي يعيشونها، فالتفاوت الطبقي والبطالة والنزاعات المسلحة كلها مصدر قلق، مع ذلك، فإن الشباب في مصر مثلاً رغم معدلات الفقر العالية، أكثر رضا من دول أكثر غنى مثل العراق أو الجزائر، واللاجئون السوريون في لبنان رغم أوضاعهم الحرجة أكثر رضا عن معاشهم من اللبنانيين أنفسهم. ويأتي السودان، حتى في دراسة أجريت قبل الحرب، في مؤخرة اللائحة.

الإعلام ينقل الأخبار السيئة

لا مفاجأة في أن 90 في المائة من المستطلعين يمتلكون هاتفاً ذكياً، وإن انخفضت النسبة قليلاً في اليمن والسودان. لكن الثقة بوسائل الإعلام التقليدية، لا تتجاوز في المتوسط 14 في المائة حين يتعلق الأمر بالمواضيع السياسية، أما أعلى نسبة ثقة فهي في المغرب ولا تتجاوز 26 في المائة. وعكس المتوقع، الثقة بوسائل التواصل ليست أفضل حالاً في ما يتعلق بمواضيع السياسة؛ إذ تبقى عند 16 في المائة. وعلى أي حال، ثلاثة أرباع الشباب يحصلون على معلوماتهم من وسائل التواصل، ويرون وسائل الإعلام بشكل عام، أدواتٍ لنقل الأخبار السيئة.

ورغم الكلام الكثير على الدور السياسي لوسائل التواصل وأهميتها التعليمية، وتعزيزها فرص الحصول على العمل، فإن هذه الدراسة تبين أن الشباب العرب يستخدمون هذه الأدوات بشكل أساسي للتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم، وبدرجة ثانية للاسترخاء وملء وقت الفراغ. وعلى الأرجح أن وسائل التواصل تهدئ الشباب ولا تشحن ثورتهم وغضبهم.

الإيمان أولاً

وحين طُلب من المستطلعين وضع علامة على عشرة فيما يخص إنجازات الحياة التي يريدون تحقيقها، جاء الإيمان بالله على رأس اللائحة، تلاها العثور على شريك ذي ثقة، ثم الشعور بالأمان، تلتها الصحة والمثابرة. ثم نجد الاستقلال المادي والالتزام بقانون الشرف والعار، في الخانة نفسها، وجاء في آخر اللائحة إنجازات من صنف المشاركة في السياسة أو إرضاء الآخرين، أو امتلاك السلطة، أو الانقياد للمشاعر الذاتية.

أما الهجرة بالنسبة للشباب العربي، فهي ليست فقط لأسباب اقتصادية ومالية، بل تحولت في بعض البلدان نوعاً من العادة، وتسجل الدراسة تغيراً في وجهتها؛ إذ لم تعد الدول الغربية هي الهدف الأول، وحلّ مكانها دول الخليج العربي بنسبة 14 في المائة، مقابل 9 في المائة لأوروبا، 6 في المائة إلى آسيا، و3 في المائة إلى أميركا الشمالية ودول جنوب الصحراء.

وتنمو الرغبة في الهجرة في كل من تونس، ولبنان وسوريا لتصل إلى 20 في المائة ومستقرة عند 5 في المائة في مصر والمغرب.

شارك في الدراسة الاستطلاعية 11 باحثاً وباحثة من ألمانيا وشملت11 دولة عربية

لكن هذه الرغبة لا تشهد نموا يذكر في مصر والمغرب؛ إذ لا يتجاوز معدل 5 في المائة، مقارنة بتونس ولبنان وسوريا، التي يتضاعف فيها معدل الرغبة المؤكدة في الهجرة ويقترب من نسبة 20 في المائة.

ويُعدّ الأردن الاستثناء الوحيد من بين دول المنطقة التي شملتها الدراسة، الذي يُسجَّل به تراجعٌ كبيرٌ في معدل الرغبة المؤكدة في الهجرة لدى الشباب، وهو ما يجد تفسيره في إحساس الشباب بأن لديه فرصاً في بلاده، وبأنه لا يشعر بدرجة إقصاء أو تهميش كبيرة.

كما يرصد الباحثون ظهور نوع من ثقافة «الاعتياد على الهجرة» لدى الشباب في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بيد أن الدراسة تسجل أيضاً تحولاً مهماً في البلدان أو المناطق المقصودة لدى الشباب، اعتماداً على تجاربهم الشخصية في الهجرة. إذ تأتي دول الخليج العربي في المقدمة بنسبة 14 في المائة، مقابل 9 في المائة بأوروبا، وبنسبة 6 في المائة في آسيا، ونسبة 3 في المائة في أمريكا الشمالية ودول جنوب الصحراء.

وشارك في الدراسة 11 باحثاً وباحثة من ألمانيا من تخصصات أكاديمية وحقول متعددة من مناهج العلوم الاجتماعية، كما تمت الاستفادة مما يزيد على مائتي عنوان كتاب ودراسة لباحثين ومراكز دراسات ومؤسسات دولية، حول أوضاع الشباب في العالم العربي.

ويمزج مؤلفو الدراسة في أبحاثهم بين أدوات البحث التجريبي والواقعي لأوضاع الشباب الشخصية والمجتمعية والتحليل الموضوعي للظواهر والسياقات التي يعيشون فيها محلياً وإقليمياً. وهو ما يضفي على هذا العمل البحثي ثراءً في المعلومات والمعطيات عن تضاريس حياة الشباب في الدول العربية، مدعمةً بعشرات الرسوم البيانية، ونظرة تحليلية معمقة لاتجاهات التطور في الأفكار والقيم والعلاقات في المجتمعات العربية.

وتتبع الدراسة عملاً بحثياً سابقاً كان بحجم أقل تم إنجازه في سنتي 2016 و2017؛ وهو ما يشكل أرضية مناسبة برأي المشرفين على الدراسة لإجراء مقارنات واستنتاج اتجاهات تطور الأوضاع في المجتمعات العربية.