ستيفن سبيلبرغ يُطلق ديناصوراته مجدداً

لها جاذبية غريبة منذ عشرات السنوات

«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)
«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)
TT

ستيفن سبيلبرغ يُطلق ديناصوراته مجدداً

«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)
«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)

انطلق قبل يومين الفيلم السادس من سلسلة «جوراسيك وورلد» في صالات العالم. حيث يُمكن سماع أصوات وحوش ما قبل التاريخ حتى في ردهات صالات السينما التي تعرضه. داخل تلك الصالات يمكن سماعها بتقنية تجعل الصالة ترتجف. تُشاهد وهي تجوب أركان الشاشة تبحث عما تأكله. كم نحن محظوظون أنها لا تستطيع رؤيتنا محاصرين في كراسينا في انتظار الحدث المقبل. الفيلم الجديد «جوراسيك وورلد: إعادة ولادة» (Jurassic World‪:‬ Rebirth) يأتي بعد 32 سنة مرّت على أول فيلم من السلسلة، «جوراسيك بارك»، الذي أخرجه وأنتجه ستيفن سبيلبرغ عن رواية لمايكل كرايتن بالعنوان نفسه سنة 1993.

سام نيل في «جوراسيك وورلد: سيادة» (يونيڤرسال)

عطل كهربائي

كل شيء بدأ هناك: جزيرة في المحيط الهادئ مجهولة (صُوِّر الفيلم ما بين استوديوهات يونيڤرسال في هوليوود وإحدى جزر هاواي) اكتشفها رجل أعمال (ديڤيد أتنبوروه)، ودعا فريقاً من العلماء (بينهم لورا ديرن وسام نيل وجف غولدبلوم) إلى زيارتها ومشاهدة أنواع الديناصورات التي ما زالت تعيش فوقها. لحماية البشر منها نصب حاجزاً كهربائياً يفصل بين الوحوش والآدميين. وهذا يبدو فعلاً صائباً لولا انقطاع الكهرباء ذات ليلة، مما جعل الوحوش تتجاوز الأسلاك من دون عناء وتهاجم الآدميين السذّج.

تبع ذلك سنة 1997 جزء ثانٍ بعنوان «العالم المفقود: جوراسيك بارك» (The Lost World‪:‬ Jurassic Park) الذي احتوى على محاولة لرفع حجم الخيال القائم على العلم باعتماد مواجهة بين العلماء ورجال الأعمال حتى قبل مواجهتهم معاً الديناصورات الغاضبة.

مع الجزء الثالث «Jurassic Park III» الذي اكتفى سبيلبرغ بإنتاجه وأخرجه جو جونستون سنة 2001 عاد سام نيل (الذي غاب عن الظهور في الجزء الثاني) باحثاً عن العلاقة بين الديناصورات وكيف استطاعت العيش والتوالد إلى زمننا هذا.

في عام 2015 أُطلق جزءٌ رابع مع تغيير العنوان إلى «Jurassic World» وإسناد مهمة الإخراج إلى كولين ترڤوروف الذي أنجز عملاً امتلأ بالهفوات والمشاهد التي تحرص على إطعام الديناصورات عدداً كبيراً من السيّاح الذين كانوا اعتقدوا، مجدداً، أنهم في مأمن.

في عام 2018 وتحت إدارة المخرج ج. أ بايونا رأينا محاولة أخرى للتقرب من تلك الوحوش والتفاهم معها وحمايتها من الراغبين في إبادتها. ولم يتطلب الأمر إلا 4 سنوات قبل أن نرى تلك الوحوش تهاجم الولايات المتحدة نفسها في «جوراسيك وورلد: سيادة» (Jurassic World‪:‬ Dominion) مع المخرج ترڤوروف من جديد الذي شهد عودة سام نيل إلى البطولة.

«جوراسيك بارك» الفيلم الأول (يونيڤرسال)

عالم مفقود

كل ما سبق لم يُثنِ الإنسان عن محاولة التواصل مع مخلوقات ما قبل التاريخ ومحاربتها في الوقت نفسه. إنها حكاية صراع بين الإنسان والوحش تجسَّدت في أفلام كثيرة سابقة ولاحقة، حيث الخطر يتمثل في مخلوقات فضائية أو أرضية أو بحرية. قد تكون حشرات قاتلة تنمو بسبب تجارب نووية أو نحل أفريقي يجتاز المسافة بين القارتين أو أسماك قرش أو أخطبوطات ضخمة تخرج من أعماق المحيط.

ما يميّز سلسلة جوراسيك هي التوجه إلى التاريخ البعيد لاستعادة عصر كانت فيه مخلوقات الأرض العملاقة هي الأقوى من سواها ولو أن «جوراسيك بارك» الأول لم يكن الأول فعلاً بين الأفلام التي استهوت تصوير الخطر الماحق على البشر من تلك الحيوانات الكاسرة.

عودة سلسلة «جوراسيك وورلد» بعد 32 عاماً بتجربة سينمائية مثيرة وحديثة

في عام 1925 أخرج هاري هويت أول تلك الأفلام تحت عنوان «العالم المفقود» (The Lost World) الذي استوحاه من رواية آرثر كونان دويل بالعنوان نفسه (نُشرت سنة 1912). عادت السينما إلى هذه الرواية أكثر من مرّة بدءاً من 1960 ولاحقاً في 1990 و1992 إلى جانب إنتاجات تلفزيونية عدّة.

بعد «العالم المفقود» الأول انتجت السينما نحو 50 فيلماً طويلاً من بطولة تلك المخلوقات توزعت بين أفلام رسوم وأفلام حيّة.

وفي السنوات التي تلت فيلم سبيلبرغ الأول ذاك، خرجت هوليوود بأفلام أخرى من النوع نفسه للاستفادة من جاذبية المشاهدين صوب الموضوع بما فيها «كارنوصور» (1993)، و«جزيرة ديناصور» (1993)، و«ديناصور» (2000)، و«100 مليون سنة قبل الميلاد» (2008)، و«الديناصور الطيّب» (2015). ناهيك عن سلسلتي «غودزيلا» و«كينغ كونغ»، الوحشان المختلفان عن الديناصورات إلا من حيث القوّة والبطش.


مقالات ذات صلة

«مشقلب»... أربع حكايات لبنانية في مرآة الكوميديا السوداء

يوميات الشرق لوسيان بو رجيلي مخرج فيلم «المجموعة» (لوسيان بو رجيلي)

«مشقلب»... أربع حكايات لبنانية في مرآة الكوميديا السوداء

«مشقلب» يسلّط الضوء على واقع الشباب اللبناني بين فقدان الأمل ورغبة التغيير، من خلال 4 قصص قصيرة تمزج الكوميديا السوداء بالواقع المرير.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق ديفيد كورنسويت في مشهد من فيلم «سوبرمان» (أ.ب)

حقق 122 مليون دولار... «سوبرمان» يحلق في صدارة شباك التذاكر الأميركي

تصدّر فيلم «سوبرمان»، الجزء الجديد ذو الميزانية الضخمة من سلسلة أفلام البطل الخارق الشهير، شباك التذاكر في أميركا محققاً إيرادات طائلة بلغت 122 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الناقد الفني السعودي أحمد العياد (الشرق الأوسط)

الموسم الثاني من «بودكاست فاصلة» يوسّع دائرة اهتماماته عربياً

أكّد الناقد السينمائي السعودي ومقدم برنامج «بودكاست فاصلة»، أحمد العياد، أن تحضيرات الموسم الثاني من برنامجه قد بدأت فعلياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق فيلم «درويش» ينافس في موسم الصيف (الشركة المنتجة)

أفلام جديدة للمنافسة بموسم الصيف السينمائي في مصر

تستعد دور العرض لاستقبال أفلام جديدة للمنافسة في موسم الصيف السينمائي 2025 في مصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق كان الموا العملاق يصل ارتفاعه في السابق إلى 12 قدماً (3.6 متر) (أ.ب)

مخرج فيلم «سيد الخواتم» يسعى لإعادة طائر عملاق منقرض إلى الحياة

يخطط بيتر جاكسون، مخرج فيلم «سيد الخواتم»، لإنفاق ملايين الدولارات على إعادة إحياء طائر عملاق لا يطير، انقرض قبل 500 عام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

حين حاكم يوسف شاهين نفسه

نور الشريف في «حدوتة مصرية» (مصر إنترناشنال)
نور الشريف في «حدوتة مصرية» (مصر إنترناشنال)
TT

حين حاكم يوسف شاهين نفسه

نور الشريف في «حدوتة مصرية» (مصر إنترناشنال)
نور الشريف في «حدوتة مصرية» (مصر إنترناشنال)

حقق المخرج المصري يوسف شاهين، الذي رحل عن دنيانا في مثل هذا الشهر قبل 17 سنة، عدداً مهمّاً من الأفلام التي استحقت التقدير الذي نالته، من بينها «باب الحديد» (1958)، و«الأرض» (1971)، و«عودة الابن الضال» (1976)، و«المصير» (1997). لكن هناك أفلاماً أخرى قرَّر محبّو المخرج إغفال نقاط ضعفها وهناتها. من بينها واحدٌ من أهم أعماله، وهو «حدوتة مصرية» (1982).

تركيبة خيالية

إنه الفيلم الثاني في رباعية شاهين التي بدأت بـ«إسكندرية ليه» (1979)، وشملت أيضاً «إسكندرية كمان وكمان» (1990)، وانتهت بـ«إسكندرية نيويورك» (2004).

ما يميّز «حدوتة مصرية» أنه محاكمةٌ بطلها شاهين، والمتّهم فيها هو شاهين نفسه. وهي تسير على خطّين متلازمين: فهو فيلم يلقي فيه المخرج نظرة على حياته، انطلاقاً من العملية الجراحية التي أجراها لقلبه في لندن بعد انتهائه من إخراج فيلم «العصفور» (1974)، وآخر يسبر فيه غور المحاكمة خياليّاً، يتحدّى فيها شاهينُ الصبيَّ شاهينَ نفسه كبيراً. يخرج الصبيّ من لدن يحيى الكبير خلال، وبعد العملية الجراحية التي أجراها في أعقاب فيلم «العصفور».

هناك قدر من السوريالية في هذا الوضع، لكن ليس وفق الفن السوريالي، بل أقرب إلى تركيبة خيالية مناسبة وضعها المخرج في تصميم إنتاجي خاص (ديكورات وألوان وشخصيات). مشاهد المحاكمة ليست متتابعة أو مستديمة، بل يخرج الفيلم منها ويعود إليها بضع مرّات.

محاكمة مخرج لنفسه أمام الجمهور من جهة، والشخصيات التي عايشها من جهة أخرى، فكرة نيّرة. لكن الفيلم لم يَسْلَم من تقلبات عديدة، من بينها أن ثورته ضد نفسه لا تكاد تبدأ حتى يقاطعها بثورة ضد الآخرين، لأنهم - في رأيه - على خطأ (خصوصاً والدته، وشقيقته، وزوجته)، وضد الظروف السياسية التي يذكر أنها أحاطت به بعد ثورة 1952. ما هو مفقود هنا قدرٌ أعلى من الحقيقة، ونسبة أقل من الخيال.

في الفيلم، يتحدّث شاهين عن ابنته الصغيرة، وهو الذي لم يُنجب. ويتحدّث عن أنه كان ناقداً للثورة، وهذا لم يحدث إلا لاحقاً، وإن حدث قبل ذلك، فليس في الفيلم ما يؤيّده. ما هو موجود مشهد يقول فيه ساخراً لكاتب سيناريوهاته (محمد منير): «ما ترسولكم على برّ»، بعدما وجد أن كاتبه الثوري سُجن بسبب آرائه. ومشهد آخر، ربما تأصّل في الواقع، عن مشادّة حامية بينه وبين الرقابة التي لم توافق على سيناريو أحد أفلامه.

يوسف شاهين (مهرجان كان)

ملابسات فيلم

ينطلق الفيلم من تعرّض يحيى لنوبة قلبية يضطر على إثرها إلى السفر مع طبيبه (أحمد محرز) إلى لندن. وما إن يدخل في غيبوبة العملية حتى تنفتح نوافذ الذكريات، بما فيها مشاهد المحاكمة، ومن بينها محاكمة يُواجه فيها نفسه. كل هذا واضح، وجهد شاهين لإتمام مشاهده داخل الشرنقة السوريالية أو خارجها ثابت، لكن هناك دوماً الشعور بأن المخرج أخفى أكثر مما أبدى، في فيلم هو جزء من سيرة حياته.

بعد أن يمضي الفيلم بعض الوقت في مدينة «كان» ومهرجانها حين عرض «ابن النيل» سنة 1951، ينتقل إلى فيلم «جميلة» (1958). تبدو اختيارات شاهين هنا مشوّشة حيال تلك الفترة. يريد أن يحكي «حواديت» كثيرة في وقت محدد، من دون الإفصاح كثيراً عن مضامين بعضها. بعد الفشل في «كان»، نجاحٌ محدود في مهرجان «موسكو» عند عرض «جميلة». ثم هناك فقرة طويلة عن ملابسات عرض فيلمه اللاحق «باب الحديد» في مهرجان «برلين»، في المسابقة. في «حدوتة مصرية»، نراه وقد اضطر للبقاء في القاهرة، لأنه لم يكن يملك المال الكافي للسفر. في مشهد ضمن هذا الفصل، يُعلِمنا أن 6 من أعضاء لجنة التحكيم أرادوا منحه جائزة أفضل فيلم، قبل أن تُمنح لفيلم آخر «Wild Strawberries» لإنغمار برغمان.

يسرا ونور الشريف في «حدوتة مصرية» (مصر إنترناشنال)

ميزات مهمّة

استرجع شاهين، في لقاء خاص بيننا بعد سنوات من عرض «باب الحديد» في مهرجان «برلين»، أن جمهور المهرجان الألماني فُوجئ به يظهر على مسرح الصالة من دون عرج، إذ اعتقدوا أن شاهين الممثّل أعرج فعلاً، كما هو حاله في الدور الذي أدّاه. وفي الفيلم، ينفي أنه كان في برلين أساساً! أحد الأسباب التي جعلت يوسف شاهين مخرجاً مرموقاً، هو اختياره أساليب سرد ومعالجات غير سائدة بين باقي المخرجين العرب. لذا فإن أفلامه، من بعد مرحلته الأولى، تستند إلى تجربة المخرج الذاتية ورؤيته، وكنه حياته، وهي من مميزات سينماه الأهم.

اعتمد شاهين على تأليف أدوات تعبير تنطلق من ذاته ورؤيته. طبعاً، كان قد بدأ بإخراج أفلام عادية المستوى (أو أقل، في عدد منها)، لكن منذ السبعينات انصرف إلى إنجاز أفلامه الأهم (باستثناء «باب الحديد» في الخمسينات).

انتمى إلى النبتة المصرية فيه، غير أنه استلهم من الثقافات الأجنبية ما يكفي ليترك في أفلامه تأثيراً شكليّاً مهمّاً نراه في إدارة الممثلين، وفي اختيار زوايا وأحجام اللقطات، وتحريك الكاميرا، كما في المونتاج والإيقاع العام للفيلم الواحد.

ما يُعرقل سيرته في «حدوتة مصرية»، كما في رباعيته الذاتية عموماً، هو مزجه ما حدث بما لم يحدث (وهناك كثير من هذا التناقض)، بغرض إرضاء نزعة إعجاب بالنفس، ورغبة في التباهي. في ذلك، هو مثل شخص يصفّق لنفسه: هنا ينتقد نفسه، لكنه يمنعها من إدانته في مشهد آخر، ويؤكّد نبوغه مباشرة في كل الحالات.