تسير الفنانة ريما خشيش عكس التيار الرائج على الساحة. ومن خلال ألبومها الجديد «يا من إذا» وهو الثامن في مسيرتها الفنية، تطلق مجموعة موشحات. هذا النوع من الفنون بات نادراً اليوم إصداره وغناؤه، ولكنها تعدّه الأقرب إلى قلبها، خاصة أنها تربّت على الفن الأصيل منذ طفولتها.
تقدّم خشيش الألبوم تحية وفاء للمؤلّف والموسيقي المصري فؤاد عبد المجيد. فقد تأثرت بأعماله، لا سيما أنها التقته وهي في الثالثة عشرة من عمرها. ويتضمن 10 موشحات من أعمال الموسيقي الراحل، من بينها «وبأفكاري» و«أمن الفراق» و«يا شادي أسمعنا». تعيد قراءتها بروح جديدة تجمع بين النفس الشرقي والرؤية الأوروبية المعاصرة. ويمتزج فيها الجاز مع البيانو والكونترباص وغيرهما.

لماذا تمشي خشيش عكس التيار من خلال عمل قد لا يحقق لها الشعبية والانتشار المطلوبين؟ توضح لـ«الشرق الأوسط»: «أعرف تماماً أن ما أقدمه قد لا يجذب شريحة كبرى من المستمعين. ولكن أخيراً لاحظت اهتمام الجيل الشاب بهذا القالب الفني. لكن خياري يأتي من قناعة تامة تتملكني. فأنا أغني ما يروق لي وما يشكّل عندي الرضا الشخصي ويقنعني. الجماهيرية ليست هدفي، بل الغناء على أفضل مستوى».
ريما ابنة الجنوب تأثرت بوالدها عازف القانون كامل خشيش. بدأت الغناء في التاسعة من عمرها. كانت عضواً في فرقة بيروت للتراث بقيادة المايسترو سليم سحاب. كما درست الموسيقى العربية الكلاسيكية في المعهد الوطني للموسيقى. وإضافة إلى تجارب فنية أخرى استطاعت خشيش تكوين هوية فنية خاصة بها.
يرافق ريما في هذا المشروع فريقها الموسيقي الدّائم الذي وقف معها على المسرح لأكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً. ويتألّف من مارتن أورنشتاين (كلارينيت)، وطوني أوفرووتر (كونتر باص)، ويوست لايبارت (درامز). فيما ينضمّ إليهم للمرّة الأولى عازف البيانو خوان رودريغيز، الذي يضيف بأدائه نفَساً حيوياً على المجموعة.

سُجّل الألبوم بأسلوب العزف الحيّ. ما يتيح للمستمع أن يعيش اللحظة الموسيقية بكل صدقها وتفاعلها. وتشير في سياق حديثها: «استغرق مني الألبوم تحضيرات مكثفة في نحو سنتين. ولطالما فكّرت في تكريم الفنان الراحل من خلال عمل متكامل له. وكنت غالباً ما أُلون ألبوماتي السابقة بأعماله. وفي آخر مرة التقيته اتفقنا على التعاون في مشروع موشحات جديد، ولكنه رحل قبل إتمامه».
عندما التقت بعائلته أخيراً استطاعت أن تحوز 7 موشحات من مؤلفاته. واختارت واحدة منها «يا من إذا» لتدرجها في هذا الألبوم.
لم تقارب خشيش غناء البوب لأنها كما تذكر لـ«الشرق الأوسط» اعتادت على النمط الغنائي الثقيل. «عندما يعتاد شخص ما على مستوى فني معين، لا يعود يقتنع بأنماط أخرى».
حتى الأغاني الخاصة التي سبق أن قدمتها تصفها بأنها تشبهها. وتحافظ فيها على مستوى غنائي صعب. فهذا التحدّي يحفزّها على التطور.
عندما تستمع إلى أغاني ألبوم خشيش، تلاحظ تعدد موضوعاته. كما يرتكز على الفصحى. وتستوقفك مرات كلمات عربية صعبة. تعلّق: «غالباً ما تحمل الموشحات موضوعات تتعلّق بالحب. وهناك كلمات عربية قديمة تستخدم فيها يمكن ألا نفهمها. وقد جلست مع أستاذ لغة عربية كي أستطيع فهمها وغناءها. لم أفكّر بالركون إلى لغة أسهل وأقرب إلى الناس. فقد سبق وقمت بذلك في أغاني (وشوشني) و(بكفيني) من ألحان ربيع مروة. ولكن الموشحات تستوجب كلاماً أصعب إجمالاً».
تقول خشيش إن الموشّح هو قالب فني تعشقه. «إنه يرتكز على تنوع كبير وواسع. وتكمن حلاوته في قصر أغانيه وإيقاعاته العربية القديمة. ولذلك يملك هذا التميز الذي يختلف فيه عن غيره. وأعدّه قالباً فنياً مرناً يوفّر مساحات واسعة في عملية توزيعه موسيقياً».
الموشّح يرتكز على تنوع كبير وتكمن حلاوته في قصر أغانيه وإيقاعاته العربية القديمة
منذ اعتلت ريما خشيش المسرح في الثامنة من عمرها، كرّست نفسها لاكتشاف جماليّات الصّوت العربيّ وإيقاعاته الكلاسيكيّة. مع مرور السّنوات، بنت ريما عالَمها الخاصّ الذي يتنقّل بين الأنماط الموسيقيّة دون أن يفقد جذوره العربيّة.
تتنوّع أعمالها لتتضمّن الطّرب العربي الحديث، وإعادات لأعمال صباح وسيّد درويش، مروراً بتجاربها في الجاز، وصولاً إلى غنائها لشعر إيتيل عدنان وتعاونها الوثيق مع الفنّان ربيع مروّة.
اليوم، يأتي ألبوم «يا من إذا» ليواصل هذا المسار الفني المتفرّد، ويسهم في إبراز خشيش ضمن لغة فنية قائمة بذاتها.
تعدّ الفنانة اللبنانية أن الموشّح سرقها من الفنون الأخرى. ولكنها في المقابل عندما غنّته قدّمته بأسلوب حديث. وعن كيفية اختيارها لأغاني ألبومها من ضمن مجموعة كبيرة يملكها الراحل فؤاد عبد المجيد تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كان من السهل عليّ القيام بهذه الخيارات لأنني أسمعها منذ صغري. وقد حفظت قسماً لا يستهان به منها».
الأصالة الفنية التي تدور ريما خشيش في فلكها لا تقتصر على غناء الموشحات فقط، تخبر «الشرق الأوسط» بمشروع جديد تنوي تنفيذه. إنني أحضر لطبع ألبوم «يا من إذا» على أسطوانات مدمّجة (سي دي). وكذلك على أخرى معروفة ورائجة قديماً من نوع الـ«فينيل». فهناك اليوم موجة الرجوع إلى هذا النوع من الأسطوانات الغنائية في أوروبا. وهي موضة تذكرنا بزمن الفن الجميل عندما كنا نتغنّى بامتلاكنا أسطوانات من هذا النوع للسيدة فيروز والراحلين كأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما من عالمنا العربي. فيما كنا نتباهى من ناحية ثانية بأسطوانات من النوع نفسه لمغنين أجانب كالفيس برسلي وإديت بياف وميراي ماتيو وغيرهم. وسأقوم بهذه الخطوة من باب الأصالة. وهناك شركات توزيع عديدة تتولى هذه المهمة. هذه الأسطوانات توفّر لسامع محتواها جودة كبيرة بالصوت. فعندها يكون الصوت مميزاً، ويتمتع بخصوصيات كثيرة.









