يستخلص الإنسان كلما تقدّم في العمر الخبرات التي تعلّمه غضّ النظر عن أمور كثيرة قد تتسبب له في الانزعاج. وهو الأمر الذي تنادي به الفنانة إيمان منصور من خلال أغنيتها الجديدة «طنّش». وتقول فيها: «طنّش، اعمل حالك مش سامع. طنّش خليك ماشي ومش قاشع. طنّش خليك بحياتك لامع. طنّش هيك هيك كل إشي مش نافع». وتشير فيها إلى أن الحياة تغيّرت وما عادت كما من قبل. فصار القلق سيّدها والمفاجآت غير السارة عنوانها.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تروي سبب اختيارها كلمة «طنّش» عنواناً لأغنيتها. «كلما كبرنا في العمر صعبت علينا الحياة أكثر. وكلمة (طنّش) نستخدمها بشكل كبير في يومياتنا لتجاوز مواقف لا نحبّها. فجذبتني هذه الكلمة لأنها تحمل بطيّاتها الطريقة الفضلى للتخلّي عن القلق. ومعها نستطيع تجاوز مواقف وأفكار تمدّنا بالسلبية».
وترى منصور أن عالم اليوم تسوده السطحية، وأن الناس صارت تغض النظر عن الأمور الأساسية. «من هذا المنطلق قدّمت هذه الأغنية. رغبت في أن تكون بمثابة جرس إنذار يحرّك الوعي عند الناس، فتدعوهم إلى عدم العيش على الهامش من دون ملاحظة مآسٍ كثيرة تحصل هنا وهناك. والأهم هو أن نجري التغيير في أنفسنا كي تتبدّل معالم هذا العالم السطحي».
معظم موضوعات الأغاني التي تختارها إيمان منصور تحمل رسائل اجتماعية مباشرة. فهي تبتعد عن النصوص المسطحة والفارغة من محتوى هادف. ففي أغنيتها الأولى «ابعد» تناولت موضوع المشاكل التي يعاني منها الشخص عند انفصاله عن الشريك. وفي أغنية «لو حبّيت» تناولت رسالة اجتماعية حول التحرّش الإلكتروني. وفي أغنية «إلا وطنا» تطرّقت إلى موضوع الهجرة عند الشباب العربي. فلماذا تتمسّك بهذه الخيارات؟ تردّ: «أنا من الأشخاص الذين يؤمنون بالفن بوصفه رسالة. ولذلك خياراتي الفنية تتمتع بنظرة تحمل أبعاداً إنسانية واجتماعية. أشعر وكأن من واجبي بصفتي وجهاً معروفاً أن أسلّط الضوء على مشكلاتنا. وهي مسؤولية ترافقني دائماً وتسكن خياراتي. ولا أجد في هذا الأمر صعوبة لأني حسّاسة جداً وتهمّني المبادئ والقيم الإنسانية بشكل عام. وهو أمر أعتبره جزءاً لا يتجزأ من شخصيتي الفنية والحقيقية».
إيمان منصور هي من أصل فلسطيني تحمل الجنسية الفرنسية وتقيم في لبنان. وتتمنى يوماً أن تتعرّف إلى وطنها الأم. منذ صغرها تعلّقت بفلسطين وأهلها بحيث لا تفوّت أي خبر عنها. وهو ما زوّدها كما تقول بنضج في التفكير. وتوضح: «لطالما انشغالاتي واهتماماتي اتخذت منحى مغايراً عن باقي أبناء عمري. تأثرت بمعاناة أهل وطني وتوقهم إلى الإنسانية الحقيقية في حياتهم. وفي الوقت نفسه ألاحظ تغييرات كثيرة تحصل في هذا العالم. فكما الأخلاق كذلك المبادئ تبدّلت. وصارت السلبية والسطحية تملآن الدنيا، وانعكس الأمر على الإنسان بحدّ ذاته. فعندما كنت صغيرة كنت أرى الناس يتمتعون بالمحبة والرفق بالآخر. ولكن اليوم كل شيء تلخبط وما عادت الأمور كما كانت عليه. فكل هذا يؤثر بصورة غير مباشرة على خياراتي الفنية الهادفة».
للمرة الثانية تتعاون إيمان مع المخرج دان حداد في أغنيتها «طنّش». وكذلك الأمر مع المؤلف والملحن روبير الأسعد. «أنسجم تماماً مع هذين الشخصين في خياراتي الفنية. فالثاني هو من أصل فلسطيني ألتقي معه بأفكاري، وكأن رابط الوطن يجمعنا بشكل عفوي. وعندما سمعت الأغنية للوهلة الأولى شعرت بأهمية هذه الكلمة ووقعها الإيجابي على الناس. فاخترتها من دون أي تردد؛ لأن الكلمة بسيطة وجذابة في الوقت نفسه. واعتبرتها صرخة تحدث الحرية عند صاحبها عندما يلفظها».
بالنسبة لدان حداد تصفه بأنه «يملك رؤية إخراجية مميزة لا تشبه غيرها. فصورته تعكس عمق تفكيره، ولذلك أستمتع بالتعاون معه. وفي هذا السياق يمرر دان حداد رموزاً كثيرة في كليب (طنّش). كتلك التي تحكي عن الناس الذين يتاجرون بالحجر والبشر. ولكن قلّة من الناس قد يلاحظون تلك الرسائل من مشاهدتهم الأولى للعمل. فالأغنية بشكل عام هادئة، ولكنها تحمل رسالة وقضية في آن. فتروي قصة بطريقة غير مباشرة».
اعتمدت إيمان منصور في شكلها الخارجي خلال الأغنية «لوكات» مختلفة. فبدّلت أزياءها وتسريحة شعرها أكثر من مرة. ويأتي ذلك من باب حرصها على إعطاء كل مشهدية مكونها الخاص برسالة تتضمنها. وتعلق لـ«الشرق الأوسط»: «أتعاون مع فريق (ايبرا) أنسجم معه تماماً بخصوص نظرته الثلاثية الأبعاد. فيعمل بدقة على أي مؤثّر يمكن أن يضيف إلى المشهد. وأعجبت برؤيته المستقبلية في خياراته للأزياء وشكلي الخارجي ككل. وزوّد كل مقطع من الأغنية بما يناسبه. وأنا شخصياً أحببت كثيراً الإطلالة الأولى لي في الكليب. وهي مستوحاة من عالم المستقبل والطاقة الإيجابية معاً».
الأغنية الخليجية تجذبني وتليق بأسلوبي
إيمان منصور
وعن كيفية اختيارها لأعمالها الغنائية والأشخاص الذين تستشيرهم حولها، تقول: «عادة وعندما أعثر على أغنية تدخل قلبي مباشرة أبدأ بالتفكير بها. فالإحساس بالكلام كما باللحن هما أمران أساسيان عندي. وأركن إلى والدتي لأستشيرها، وكذلك إلى أستاذتي في الموسيقى غادة شبير. ولكن في جميع الأحوال يعود القرار الأخير لي».
وتشير إيمان إلى أنها بصدد التحضير لأغانٍ جديدة. ومن بينها واحدة باللبنانية. وعما إذا هي تنوي الغناء بالخليجية تختم لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الأغنية الخليجية تجذبني وأشعر بأن هذه اللهجة تليق بأسلوبي الغنائي. وفي النهاية أعتبر أن الفن عامة لا يرتبط بلهجة معينة. فوسائل التواصل الاجتماعي أسهمت أيضاً في انتشار جميع اللهجات وطبع الفن بالعالمية. وهناك أجانب يستمعون اليوم إلى الموسيقى الشرقية والأغاني العربية، ويستمتعون بها من باب شمولية الفن».