متعة الحوار مع جيل الممثلين المخضرمين في لبنان لها مذاقها الخاص، فتجاربهم المتراكمة ومواجهتهم لواقع درامي شهد طلعات ونزلات زادتهم صلابة وشغفاً.
يأتي كلامهم من ذهب عندما يعطون رأيهم أو ملاحظاتهم حول الساحة وأهلها، ويغبّ منهم محاورهم العبر كونهم يشكلون مرجعاً يستحق التوقف عنده.
تعدّ الممثلة نوال كامل واحدة من الجيل المخضرم في الأعمال المسرحية والدرامية، وإطلالتها في أعمال مختلطة أو محلية إضافة تطبع المشاهد الذواق. وفي مسلسل «عَ أمل» الرمضاني، تطلّ على محبيها بأداء عفوي وحقيقي اشتهرت به. وتجسد فيه شخصية الأم رجاء رأس عائلة تتخبط في مشكلات كثيرة. فهي عانت الأمريّن بسبب ظروف قاسية مرت بها، في مجتمع ذكوري بامتياز تجاهد بصمت وبعقل حكيم كي تحافظ على عائلتها.
تشير نوال كامل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل عمل درامي تشارك به يولّد عندها تجربة مضافة إلى مشوارها، وترفض مقولة دور صغير أو كبير؛ لأن كل ممثل برأيها يؤدي دور بطولة مهما كانت مساحته. وتعلق: «يجب التوقف عن تصنيف أدوار الممثلين بكبيرة وصغيرة، أحياناً ومن خلال مشهد واحد يطلّ به الممثل يمكنه أن يحدث الفرق. وهو ما حصل معي في مسلسل (أنا)، فعلق أدائي بذاكرة المشاهد رغم أن دوري كان قصيراً جداً».
لا تتوقف نوال كامل أمام نقاط تعدّها سطحية في عالم الدراما، وأي كاريكاتير تؤديه كما تقول يثري مهنتها. «المهم ألا أكرر نفسي، وأن أترجم الورق على أرض الواقع بمصداقية. قلم الكاتب يمكن أن يزود كل دور يلعبه صاحبه بالمعرفة، فيقف على ثقافات وتقاليد جديدة، كما هي حالي اليوم في (عَ أمل). وللمخرج دوره الأساسي، لأنه صاحب العين الثاقبة من خارج الإطار، فيوجه الممثل ويزوده بعلم من نوع آخر. فلكل مخرج أسلوبه في العمل وكنت سعيدة جداً في التعامل مع اسمين كبيرين في عالم التأليف والإخراج. نادين جابر صاحبة قلم يلمس المشاعر ويعكس الواقع، أما رامي حنا فهو يتفوق على نفسه في إخراج محترف ومتقن، حتى إننا كزملاء مهنة نتعاون، ولا بأس بأن نستفيد مرات من خبراتنا ونتبادلها بين بعضنا البعض».
اكتشفت خلال دوري في «عَ أمل» تفاصيل مجتمع لبناني كنت أجهله
رأيها بجيل الشباب من الممثلين قاطع وصريح: «يملكون جرأة جميلة لم نكن نتمتع بها. يملأهم الحماس وشغف المهنة ويتمتعون بمستوى ثقافي ممتاز. جيلنا كان ينقصه الكثير، ولكن الاحتراف يولد مع التجارب والالتزام والجدية في العمل. وكل هذه العناصر موجودة عند الممثلين الشباب».تصف الممثلة اللبنانية نص «عَ أمل» بالجديد من نوعه. حتى إن دور الأم الذي غالباً ما يسند إليها حمل في طياته قالباً مختلفاً. «ليس هناك من أم تشبه أخرى بشكل تام، ولذلك كل دور لعبته تميز بخط درامي خاص به.
تقصير الدولة لا ينحصر فقط بعدم اهتمامها بالفنان اللبناني فهي غائبة على جميع الأصعدة
واكتشفت من خلال دوري في «عَ أمل» تفاصيل مجتمع لبناني كنت أجهله. فهو يدور في فلك القرية بعيداً عن المدينة، فأهلها لا يزالون يتبعون تقاليد اجتماعية متخلفة رغم أننا نعيش في عام 2024. لقد استفدت من دوري على أصعدة كثيرة وتعرفت إلى أسلوب حياة كنت أملك فكرة خجولة عنه. فحمل الدور لي متعة من نوع آخر؛ كوني أشارك في تأدية قصة تنبع من رحم الواقع. هؤلاء الناس موجودون في الحقيقة، وقلة منا تعرفهم عن قرب».
لأول مرة وضعت نوال كامل الحجاب على رأسها كي تؤدي دوراً درامياً. وهو ما جعلها تعيش تجربة جديدة بكل مقاييسها. «استمتعت بعيش حياة غيري وتفاجأت بكمية العنف التي تسود تلك المجتمعات، فلم أستطع أن أهضمها، لا سيما فيما يتعلق برفض الأهل تعليم بناتهم، وبتقاليد تفرض زواج البنت الكبرى قبل الأصغر منها. شعرت بأن تلك الشخصيات هي من عداد الأموات تجهل كل ما يحصل حولها، فحياتها لا تشبه واقعاً يتطور ويتقدم مع الزمن، ولذلك تعيش متقوقعة ومقيدة بعادات مجتمع لا تعرف غيره».
أنا في الحقيقة لا أحب كثرة الكلام وأحياناً يكون الصمت أبلغ
تؤكد نوال كامل أن كل دور تؤديه يجب أن تحبه وإلا فهي لن تستطيع إقناع المشاهد بتمثيلها. وعندما قرأت نص «عَ أمل» أعجبت بما تتناوله كاتبته نادين جابر من أفكار تسهم في توعية المجتمع. ورداً على بعض الانتقادات التي واجهت المسلسل في بداياته تقول: «ليس هناك من عمل كامل بشكل تام. هناك دائماً نواقص تواجهه وهو أمر طبيعي. المهم هو ألا تؤثر على مجريات أحداث العمل».
تتميز نوال كامل بأدائها العفوي أمام الكاميرا، فيشعر مشاهدها بأنها بالفعل تنتمي للشخصية التي تجسدها. فهي لديها مفهوم تمثيل خاص بها، وتوضح: «عندما أقرأ النص أتفحص الشخصية وأغرق في خطوطها، وعندما أصدقها فقط أستطيع أن أتقمصها، وهذا الأمر يظهر جلياً في أدائي. وكوني لم أدخل معاهد تمثيل اتبعت هذا الأسلوب، فتغيب نوال كامل تماماً عني، ويتحول كل تفكيري نحو الشخصية التي أجسدها، ولذلك تتغذى من مصداقيتي فتولد حقيقية وتلقائية تقنع المشاهد. وبالتأكيد ملاحظات المخرج أضعها في قالبها المطلوب، لا أتفلسف في أدائي، والموهبة تشكل عنصراً أساسياً في هذا الإطار. كما أن تراكم التجارب يمكن الممثل من استخدام أدواته بحرفية».
لا أفكر بالمجهول الذي ينتظرني في المستقبل ولا أخاف منه
في أحد منشوراتها عبر صفحتها على «إنستغرام» كتبت نوال كامل تقول: «الكلام فن لا يتقنه إلا من تعلم الإصغاء». فهل تعد نفسها قليلة الكلام؟ ترد: «نعم أنا في الحقيقة لا أحب كثرة الكلام، وأحياناً يكون الصمت أبلغ. وأردت في هذه العبارة القول إنه من الأفضل أن يكون كلامنا مفيداً وموزوناً، فلا نكثر منه لمجرد تعبئة الوقت».
وعند الحديث عن الدراما المحلية يأخذ كلامها منحى ابنة الكار العاتبة، وتضع الأصبع على الجرح: «لا أدري لماذا أعمالنا اللبنانية غائبة عن الساحة. ليس حقيقياً ما يتم تداوله بأن لهجتنا غير محبوبة من قبل المشاهد العربي. العكس صحيح، وهو يكن لها كل الإعجاب. والأمر هذا نلمسه على أرض الواقع ونسمعه من جميع إخواننا العرب. كما أنه لدينا جميع القدرات التمثيلية والتأليفية والإخراجية وعلى المستوى المطلوب. وهنا أستغل الفرصة وأدعو جميع شركات الإنتاج اللبنانية ومن دون استثناء لإعادتها إلى الساحة. فنحن نحتاج نقل موضوعاتنا اللبنانية أمام الكاميرا. لبنان يملك ميزات عدة وعلى جميع الأصعدة اجتماعية وثقافية ناهيك عن طبيعته الخلابة. وفي الماضي القريب كان يفرض القانون اللبناني على محطات التلفزة إدراج الإنتاجات الدرامية المحلية على شبكات برامجهم. وبرأيي يجب تقوية هذه الإنتاجات، ومن واجب تلك الشركات الإسهام في إحيائها من جديد».
أخيراً، خسر لبنان الممثل فادي إبراهيم، وعاد موضوع تملص الدولة اللبنانية من الاهتمام بالفنان اللبناني إلى الواجهة. فهل تخاف من الغد، وما هو تعليقها على إهمال الدولة لفنانيها؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «تقصير الدولة لا ينحصر فقط بعدم اهتمامها بالفنان اللبناني. فهي غائبة على جميع الأصعدة والبلد برمته مهمل. وأنا شخصياً لا أفكر بالمجهول الذي ينتظرني في المستقبل. ولا أخاف منه لأني على ثقة بأن رب العالمين هو من يسندني، وكل اتكالي مبني عليه».
وفي حال قدر لها كتابة قصة درامية تلعب بطولتها فهي تقول: «لست كاتبة جيدة ولكن في حال قدر لي ذلك، أختار تأليف قصة درامية عن انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) من عام 2020. لا أعلم لماذا يتجاهلون هذه المأساة ولا أحد يتحدث عنها أو يبحث عن مرتكبها. فهو حصد مئات الضحايا وبعضهم لا يزال يعاني حتى الساعة. وأختار مخرجاً يملك تطلعاتي ومشاعري نفسيهما نحو هذا الموضوع. أما الدور الذي يمكن أن ألعبه فلا تحديد معين له. يمكنني أن أجسد أي شخصية عانت الأمرّين من هذا الحادث المأساوي».
وتختم نوال كامل متحدثة عن طبيعة الحلقات النهائية لمسلسل «عَ أمل»: «تابعوا المشاهدة لأنه يحمل مفاجآت كثيرة. وبما أن قصته نابعة من الواقع فيمكنكم أن تتخيلوا طبيعة نهايته. والأهم يكمن في إيصال الرسالة التي يحملها، وأنا متأكدة من ذلك».