ليس بالصدفة جرى اختيار المخرج كميل طانيوس لتحمل حفلات موسم الرياض الفنية توقيعه. فهو صاحب تجارب متراكمة وخبرات واسعة في مجال تصوير الكليبات والبرامج التلفزيونية والحفلات الفنية. وقف وراء كاميرته في حفلات تكريمية لكبار الفنانين العرب، ومن بينها لصلاح الشرنوبي والراحلين رياض السنباطي وبليغ حمدي، كذلك وقع طانيوس حفلة «نجمات العرب» بمناسبة ليلة رأس السنة في فعاليات موسم الرياض، وأخرى أحياها فنانون آخرون كأحلام وأنغام وتامر عاشور.
يعتبر طانيوس أن هذه الحفلات هي بمثابة ملعبه الحقيقي. تجاربه الإخراجية في هذا النوع من الأعمال تعود لسنوات عدة. بعضها كان يجري في لبنان، وغيرها في بلدان عربية مثل الكويت والسعودية. وعندما بدأت الأزمات في لبنان تتفاقم، كانت فعاليات موسم الرياض أخذت تشق طريقها بقوة. فاختير كواحد من طاقم الفنانين المعتمدين فيها.
ويقول طانيوس لـ«الشرق الأوسط»: «كنت محظوظاً بهذا الاختيار الذي حملتني معه شركة (بنش مارك) المنظمة للحفلات مسؤولية كبيرة. وأرى في كل حفل أوقعه بطلب من معالي المستشار تركي آل الشيخ في هذا الصدد، بمثابة تكريم لي».
يشيد كميل طانيوس بالانفتاح الكبير والتطور الهائل الذي تشهده السعودية «عندما أغيب لأسبوع واحد عن المملكة ألمس تغييرات ملحوظة. فهي بحالة تجدد دائم عمرانياً وثقافياً وفنياً، وإذا ما بقيت على هذا المنوال، فهي ستتجاوز مستويات عالمية».
ألتزم بإيقاع عمل معين وإحساس مرهف... وألا أفقد تركيزي
إخراج حفلات غنائية ضخمة تتضمن أكثر من عنصر بصري وغرافيكي وديكورات مسرح، إضافة إلى مطربين مشهورين، ماذا تتطلب من مخرجها؟ يرد طانيوس لـ«الشرق الأوسط»: «أولاً، ممنوع أن يحصل فيها خطأ لأنها مباشرة. كما على مخرجها أن يملك رؤية فنية متجددة. ويجب بالتالي أن تحضر الخبرات والثقة بالنفس. ولا يجب أن ننسى الفريق التابع للمخرج الذي بات يعرف كل شاردة وواردة يطلبها المخرج».
ولم ينس كميل طانيوس أن يعرج على صفة سرعة البديهة التي يجب أن يتحلى بها المخرج «تكون بمثابة رادار عنده بحيث يلحق بأي لقطة تحضر على المسرح ولو بصورة مفاجئة. قد يواجه الفشل مرات، فالطلعات والنزلات أمر بديهي في أي مهنة. ولكن الأهم هو هذا الشعور بالنجاح والاحتفال به عندما ينجز المخرج مهمته على المستوى المطلوب».
عدد الكاميرات التي تصور هذا النوع من الحفلات في موسم الرياض تتراوح ما بين 28 و32 كاميرا. وعلى المخرج ألا يفوت أي تفصيل كي ينقل الحدث بكل حلاوته وطبيعيته. «في حفل تكريم طلال مداح كان هناك 32 كاميرا وكان المطلوب من فريق الإخراج سرعة اقتناص اللحظات الجميلة. فالنقل المباشر هو أمر خطير ويحمّل مخرجه مسؤولية كبرى وشعورا بالخوف. فركائز النجاح في هذا العمل تتألف من الخوف والخبرة والثقة بالنفس. وعندما أشعر يوماً بأنني لم أعد قادراً على التجديد، لا بد أن أتوقف عن القيام بهذا العمل. فعدم حضور عنصر المنافسة يخفف من تحفيز المخرج كي يبدع أكثر».
يتمسك طانيوس في القيام بعمله بعيداً عن مقولة «نسخة عن». «لكل برنامج تلفزيوني خطه الخاص الذي يفرض على مخرجه التجدد. وهو أمر يختلف تماماً عن إخراج الحفلات الغنائية. ففي برنامج (سعودي أيدول) بحثت عن المختلف ونقلت عبره مجموعة من الأفكار، فجاء متناسقاً وغير تقليدي أو نسخة عن برنامج مشابه آخر».
سرعة البديهة التي يجب أن يتحلى بها المخرج تكون بمثابة رادار عنده
يعيش المخرج اللبناني فترة قلق عارمة قبل تنفيذ مهمته لحفل معين «يتملكني الشعور بالخوف من الوقوع في التكرار. كما أخاف أن أخسر الثقة التي أعطيت لي. ومع معالي المستشار تركي آل الشيخ القلق يتضاعف. فهو يملك عيناً ثاقبة ويتدخل بأدق التفاصيل. ولذلك يجب أن أكون على المستوى المطلوب».
يؤكد كميل طانيوس أنه أثناء العمل يجب أن يكون التركيز رفيقه «أي كلمة أو حركة ليست بمكانها من شأنها أن تفقدني تركيزي. فأحرص على ألا أخرج من مزاجي وإلا فإن المشكلة ستحصل. ولذلك على المخرج الالتزام بإيقاع عمل معين وبإحساس مرهف، بحيث لا تفلت مشاعره منه في تلك اللحظات. فكما لاعب كرة القدم أو أي رياضة أخرى في حال خسر تركيزه يخسر مباراته».
لا جديد ألمسه في صناعة «الفيديو كليب» وقلة منها تلفتني
ولكن هل يتدخل المخرج بأزياء وأغاني المطرب على المسرح؟ يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «كفريق عمل نطلع على كل تفصيل يرتبط بالمسرح وعملية الإخراج. كما أن الفنان يهمه استشارة المخرج والأخذ برأيه فيما يخص ثيابه والفرقة الموسيقية ورسوم الـ(غرافيك) على المسرح. هناك تعاون كبير يحصل بينه وبين النجم الفنان. وما أعتز به هو هذه العلاقة الجميلة بيني وبين جميع الفنانين. فيكفي أنهم يتنفسون الصعداء لمجرد معرفتهم بأنني من يقف في الـ(ريجيه) (كابينة الإخراج). فالثقة هنا تلعب الدور الأساسي، إذ يعرف الفنان الضيف أن مخرج العمل أهل له، فيطمئن بأنه لا مفاجآت سيتعرض لها على المسرح. هذه العلاقة القديمة المتجددة تخولني معرفة أخذ اللقطة المناسبة للفنان ومن الزاوية التي يحب. فالضغط الأكبر يحمله المخرج وليس الفنان من هذه الناحية. ويكون كل الاتكال عليه وعلى فريق عمله».
يفتخر كميل طانيوس بعلاقاته الوطيدة مع الفنانين «أعرف من خلالها أن عملي طيلة 30 عاماً حصد نتائجه المرجوة. ومن دون تجارب ناجحة وعكسها لا يمكن للمخرج الوصول إلى المكان الذي يرتقيه».
يضع اليوم طانيوس إخراج الفيديو الكليب خلفه «لقد صار ورائي من زمن ولا أذيع سراً إذا قلت إنه لا جديد ألمسه في هذه الصناعة اليوم. فغالبية الكليبات تكرر نفسها وتشكّل نسخاً عن بعضها، وقلة منها تلفتني».