شربل وجاد الصافي يطبّقان المقولة المعروفة «أباً عن جد» بكل ما للكلمة من معنى. هما ابنا جورج الصافي نجل الراحل وديع الصافي، وبوصفهما حفيدين لأحد عمالقة الغناء في الوطن العربي تشرّبا الفن والموسيقى والغناء تلقائياً. وعندما يتذكران طفولتهما، يحضر ظل جدهما لاشعورياً. ولأنهما يتمتعان بموهبتَي العزف والغناء قررا أن يكملا ما بدأه والدهما ومن قبله جدهما. يقولان: «لا شك تأثرنا بكل هذه الأجواء التي تربينا عليها منذ نعومة أظافرنا. نكمل مسيرة وديع الصافي معاً وبثبات، ولكن بنسخة معاصرة وعلى طريقتنا. أما الأساس فلن يتغير لأنه مزروع فينا، ويسكننا عن طريق والدنا وجدنا».
اختار كل من شربل وجاد الفن مهنة لهما، ولكنهما دخلاه من باب العلم والدراسة. شربل يتخصص بقسم الـ«ميوزك آندستري»، بينما توجّه جاد بدراسته إلى البكالوريا التقنية الخاصة بالموسيقى. كل بأسلوبه رسم طريقه في الفن بحيث لا يدخلانه من بابه العادي. ويوضح شربل في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الفن ما عاد يسير بالأطر نفسها، كما في الماضي. فهو تطور وصار يتطلب عناصر مجتمعة كي يحقق مبتغاه. الصوت والأداء والحضور عند المغني ضرورة، ولكن إذا لم يعرف كيف يستثمر مواهبه، في المكان المناسب لن يطال الشهرة التي يتمناها».
هذا رأي شربل ابن الـ19 عاماً، أما جاد ابن الـ16 عاماً فله رأي آخر: «بصراحة الغناء وحده ما عاد يشكل المهنة الأمثل، إذ يجب أن تواكبه ملكات أخرى مثل الإنتاج الفني والتوزيع الموسيقي، وبالتوازي معها يمكننا أن نحقق أهدافنا بشكل أفضل».
تعتقد للوهلة الأولى بأنك بصدد محاورة مغنيَين موهوبَين صاعدَين، ولكنك لا تلبث أن تكتشف أن الفن مترسخ فيهما نضجاً ومعرفة وصلابة. فـ«الأخوان الصافي» وهو اسمهما الفني الذي اشتهرا به، يدركان تماماً مصاعب المهنة. لذلك يتحصنان بالعلم؛ كي لا تذهب موهبتهما هدراً، في زمن لا يفرّق بين الصحيح والخطأ إلا بصعوبة.
ويعلق جاد في سياق حديثه الذي تَشارك فيه مع أخيه شربل لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن هناك صعوبات جمة ستعترضنا في مشوارنا الغنائي. فهو مثل غيره من مجالات العمل، فيه السلبيات كما الإيجابيات. أحياناً سنضطر إلى التنازل قليلاً عن قواعد فنية تربينا عليها كي نستطيع مواكبة العصر، ولكننا بالتأكيد لن ننجرف إلى مطارح لا تشبهنا من أجل الوصول إلى الشهرة».
تشعر بأن جاد لديه أحلام كبيرة في مجال الفن يخطط لها بصمت ومن دون شوشرة. يحكي ما يخطر على باله وبعفوية مطلقة. أما شربل فهو يزن كل كلمة يقولها، ويعبّر عن آرائه بتأنٍ: «بصراحة أخاف من هذا المجال، ولكننا في المقابل شخصان صلبان. نستطيع أن نواجه الصعوبات لأننا تربينا على المواجهة والاجتهاد. وبالنهاية لن أستمر في أداء أغاني جدي كي أبرز موهبتي. ولذلك نبحث عن المختلف الذي يناسبنا. فأذواق الناس تتبدل بسرعة اليوم، إلا أننا نراهن على محبتهم لنا وللفن الراقي الذي نقدمه».
يروي شربل أنه كان في السادسة من عمره عندما بدأ العزف على الكمان. «كنت أدندن أغاني جدي، وبعدما أهداني آلة عود موقعة منه رحت أتعلم العزف عليها. وأنا اليوم أجيد العزف على الآلتين». وماذا عنك يا جاد؟ «أعزف على آلتَي البيانو والغيتار، وأجتهد لإجادة الإنتاج والتوزيع الموسيقيَين».
فكرة انطلاقهما ثنائياً من آل الصافي بدأت معهما منذ فترة الجائحة. ويوضح شربل: «مثل غيرنا من اللبنانيين، كنا محجورين في البيت عندما طالعتنا والدتي بفكرة تسجيل لقطات مصورة ونشرها على السوشيال ميديا. فما كنا نقوم به يومياً وحدنا صرنا نتشاركه مع الناس».
بعد أول فيديو مصور نشراه عبر وسائل التواصل الاجتماعي انفتحت الأبواب أمامهما: «اتصل بنا الإعلامي هشام حداد إثر سماعه أغنية مزجنا فيها بين (باسا دوبلي) الإسبانية و(لا عيوني غريبة) لوديع الصافي. كرّت السبحة وصرنا بين ليلة وضحاها (الأخوان الصافي)».
من الحفلات التي لا يمكنهما نسيانها تلك التي أحياها في «موسم الرياض». «إنها من أجمل التجارب التي عشناها معاً على مسرح بهذا المستوى. كانت بمثابة الحلم الذي تحقق انطلاقاً من (مسرح أبو بكر سالم) الضخم. قبلنا، حلم مئات الفنانين بالوقوف على خشبته، ونحن كانت لنا الفرصة للبدء من هناك». ويكمل شربل: «شعور لا يمكن وصفه من الفرح والفخر غمرنا، لا سيما أن تفاعل الجمهور معنا كان هائلاً».
سؤال بديهي حول الرهبة التي اعترتهما في تلك اللحظات، ويرد شربل: «الرهبة تحضر في كل مناسبة نقف فيها على المسرح وأمام الجمهور. فالشعور بالمسؤولية يولدها تلقائياً عندنا. ولكن في (موسم الرياض) تضاعف هذا الشعور، خصوصاً أننا نقف أمام آلاف الحاضرين، ونغني باسم لبنان. هناك كان الغلط ممنوعاً وكذلك ارتكاب أي هفوة؛ لأن جميع أنظار العالم موجهة إلينا. ولكننا نجحنا في هذه التجربة، وأتمنى تكرارها».
من ناحيته يعبر جاد عن تلك اللحظات بطريقته الصريحة: «كنت في الماضي أؤكد أن الوقوف على المسرح لا يصيبني بالخوف. ولكن في (موسم الرياض)، وفي الكواليس انتابني هذا الشعور بقوة. ولم أستطع سوى التوجه لأخي شربل بالقول (بالتوفيق)».
الانسجام بين الأخوين يبدو بوضوح، وهما يؤكدان أنهما يمكن أن يملكا وجهات نظر مختلفة، ولكن بالخلاصة يصلان إلى التفكير نفسه. «لا نتوقف كثيراً عند هذه الأمور لأنها بديهية والأهم الوصول إلى النتيجة المرجوة».
يعترف «الأخوان الصافي» بأنهما قطفا من جدهما ووالدهما ثمار الفنون الناضجة. ويخبر شربل «الشرق الأوسط»: «لا نتذكر كثيراً نصائح جدي لأننا كنا لا نزال طفلين وبسنٍّ صغيرة. أكثر ما حُفر عندي هو وجوده في بيتنا في أيامه الأخيرة، نتحلق حوله وهو يغني ويعلمني كيف يجب أن أستخدم العُرب بالنوتات الموسيقية. كان يملك تقنيات جمة في الأداء والصوت. ولكنه كان يردد دائماً أنه يجب ألا نهتم بما يقوله الناس، لأنه لا يمكننا أن نرضي الجميع».
ومن والدهما جورج تعلما التركيز على الأداء، والابتعاد عن النشاز. ويتابع شربل: «إنها قواعد أساسية زودنا بها والدي، وحفظناها وأخذناها بعين الاعتبار».
يحدثاك «الأخوان الصافي» عن أعمالهما الجديدة، وأحدثها أغنية «حضرة الزعلان». وقد صوراها فيديو كليب بتوقيع من مدير أعمالهما روبير بيضا. وعن مشروعات المستقبل يقول شربل: «نبحث عن أغنية جديدة وعصرية تحقق الـ(ترند) وتروق للشباب بعمرنا» وهنا يتدخل جاد: «وعندنا جولة غنائية في ولايات أميركية عدة خلال سبتمبر (أيلول) الحالى». ولماذا تبحثان عن الأغنية الـ«ترند» يكفي أنكما تجيدان الطرب الأصيل؟ يوضح شربل: «للأسف، يجب أن نواكب عصرنا بهذه الطريقة. نعرف تماماً أن الأغاني التي كان يقدمها الراحل وديع الصافي مختلفة تماماً. فهي لا تموت لأنها أصيلة ويتم تردادها حتى الساعة؛ لأن هذا هو الفن الصحيح. ولكن الناس ما عادت تهتم بقدرات الصوت وحسن الأداء ومضمون الكلام. الأهم بالنسبة لهم كلمة واحدة يحفظونها وتلفت انتباههم. والفنان بدوره يسجل نجاحاً باهراً ولو لفترة وجيزة».
أذواق الناس تتبدل بسرعة... ونراهن على محبتهم للفن الراقي
يعتبر «الأخوان الصافي» نفسيهما من أهم العازفين والمغنين؛ ولذلك فهما لن يستسلما مهما بلغت بهما الصعوبات. ويقول شربل: «إننا مميزان بثقافتنا الفنية، ونادراً اليوم ما نلتقي بمغنٍ يعزف أيضاً. سنبقى نحاول إلى أن نحقق أمانينا».
وهل هذا يعني أنكما ستخلعان عباءة وديع الصافي جدكما؟ يرد شربل: «القصة لا تتعلق بخلع عباءة جدي على قدر ما هي مواكبة الحداثة والعصرنة. فنحن نغني لجميع الفنانين مثل عمرو دياب، والسيلاوي، وملحم بركات، ووائل كفوري، ونانسي عجرم، ومروان خوري وغيرهم. وهذا لا يعني أننا خرجنا عن عباءة وديع الصافي، لأن هذه المهمة ليست سهلة أبداً. ولكن مع الوقت ومع إصدارنا أغنية تلو الأخرى على طريقتنا، سنستطيع الإبحار في عالم يشبهنا أكثر. قد نواجه انتقادات وعكسها، ولكن هذا الأمر طبيعي في الفن».
ويختم الشقيقان لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تربينا على التواضع والأصالة بالفن، ولكن بالتغيير نستفيد ونتقدم، لأن وديع الصافي حالة فنية لن تتكرر».