أثار كلام «غوغل» أخيراً عن تزايد إيرادات الشركة، وتحقيقها مليارات الدولارات خلال العام الحالي، من خلال منتجات الذكاء الاصطناعي وخدماته، مخاوف حول استخدام المحتوى.
وفي حين يعاني ناشرون من انخفاض الزيارات المباشرة لمواقعهم نتيجة لروبوتات الذكاء الاصطناعي التي تقدّم ملّخصات الأخبار من دون حاجة المُستخدم للنقر المباشر، رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» في تزايد تلك الإيرادات توزيعاً مجحفاً للمستحقات المالية، لا سيما وأن روبوتات الذكاء الاصطناعي غُذتها أساساً أرشيفات المنصات الإخبارية.
توماس كوريان، الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل كلاود»، قال إن الطلب على خدمات الشركة المعزّزة بالذكاء الاصطناعي يتزايد بمعدلات أسرع من الإيرادات نفسها. وذكر خلال مشاركته في مؤتمر «غولدمان ساكس كوميوناكوبيا آند تكنولوجي» في سان فرانسيسكو، الأسبوع الماضي، أن «هناك نماذج متعددة من الإيرادات تشمل الاستهلاك والاشتراكات وخطط البيع الإضافي». ثم أردف أن «حجم الطلبات المؤجلة لدينا الآن بلغ 106 مليارات دولار، وهو ينمو أسرع من الإيرادات، وأكثر من 50 في المائة من هذا الحجم سيتحول إلى إيرادات خلال العامين المقبلين».
من جهة ثانية، تحدثت تقارير عن أن شركة «ألفابت» - الشركة الأم لـ«غوغل» - حققت خلال الربع الثاني من العام الحالي إيرادات بلغت 13.62 مليار دولار بزيادة 32 في المائة عن العام السابق. وأرجع التقارير ذلك إلى «خدمات الذكاء الاصطناعي».
هاني سيمو، خبير المشروعات الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أوضح أن إيرادات «غوغل» الضخمة من الذكاء الاصطناعي تأتي عبر حزمة متنوعة من الخدمات والمنتجات التي تقدمها لشرائح مختلفة «بعضها موجه للأفراد بشكل مباشر، وأكبر مثال لها «جيميني»، وبعضها موجّه إلى الشركات مثل خدمات «غوغل» السحابية». وتابع: «بالنسبة للناشرين، التوجّه المتزايد لاعتماد المستخدمين على سؤال الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، أو الاعتماد على خدمة ملخصات (غوغل) للأخبار المجهزة بالذكاء الاصطناعي عوضاً عن زيارة المواقع، ألقت بضغط متزايد على نموذج أعمال الصحف حول العالم».
وأوضح سيمو: «تُظهر الدراسات انخفاضاً في عدد الزيارات يصل إلى نحو 80 في المائة في بعض الأحيان عندما تُغني ملخّصات الذكاء الاصطناعي عن الحاجة إلى زيارة المحتوى الأصلي... وقد تؤثر هذه التراجعات المتتالية على قوة العلامة التجارية للناشرين نفسها، ما لم تجرِ الاستجابة لهذا التحول بالشكل والوقت المناسب».
سيمو رأى، من ناحية ثانية، أن سبب الفجوة بين إرادات «غوغل» المتصاعدة وانخفاض إيرادات الناشرين، يعود إلى «بطء تطوير نظم وآليات تضبط عملية استخدام الذكاء الاصطناعي للمحتوى سواء للتدريب أو التلخيص». وشرح أن «وجود آليات واضحة لتعويض الناشرين عن استخدام محتواها في تدريب الذكاء الاصطناعي، لا يزال في مراحل التشكيل والتطوير»، ونتيجة لذلك، غالباً ما يعتمد التعويض على اتفاقيات ثنائية بين الناشرين وشركات الذكاء الاصطناعي وليس اتفاقيات عالمية. وأضاف: «بتنا نلاحظ أن الشركات الكبرى، ومنها (غوغل) تحكم علاقتها مع الناشرين ضمن نصوص اتفاقيات الاستخدام المرتبطة في مختلف خدماتها، ونصوص هذه الاتفاقيات يدخل عليه تعديلات وتطويرات لتشمل جوانب الذكاء الاصطناعي... وبشكل متزايد، يحتاج المختصون في المؤسسات الصحافية الاطلاع على نصوص هذه الاتفاقيات وتغيراتها فيما يخص استخدام المحتوى في الذكاء الاصطناعي».
وعلى صعيد التحديات، أشار سيمو إلى أن الناشرين يواجهون في معركتهم مع التكنولوجيا عدة تحديات، وقال: «إن الموازنة الدقيقة بين الابتكار وحقوق الناشرين تشكل أحد ابرز التحديات لجميع الأطراف، يضاف إليها صعوبة تحديد ما إذا كان محتوى الناشرين قد استُخدم في مجموعات بيانات أو في أي نطاقات قضائية أو جغرافية يقع هذا الاستخدام».
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في شهادة أمام القضاء، مايو (أيار) الماضي، قال أحد نواب رئيس «غوغل» إن «فريق البحث يستطيع استخدام المحتوى المأخوذ من مواقع ناشرين حتى لو اختار هؤلاء منع استخدام محتواهم لتدريب نماذج ذكاء اصطناعي مثل جيميني».
حول هذه النقطة، علّق فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، قائلاً إن «اعتماد (غوغل) على محتوى الناشرين مُعترَف به، وبالتالي، هناك أزمة تخص الاستخدام العادل... ويجب التفرقة بين الاستخدام العادل والاستخدام التجاري للمحتوى. صحيح أن تداول المعلومات حق للجميع لأغراض بحثية، لكن تحول المسار إلى حقوق مالية عبر استغلال المعلومات لتحقيق أرباح من خلال اشتراكات أو إعلانات أمر يحتاج إلى تنظيم من خلال آليات واضحة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن».
رمزي حدّد ثلاثة تحديات تشكل ضغطاً على الناشرين: «الأول يتمثل في أن الناشرين أمام هيمنة حقيقية تمارسها شركات التكنولوجيا، رغم جهود الاتحاد الأوروبي للحد من تبعات الصراع الراهن. والثاني يتصل بإثبات الضرر الذي يقع على الناشرين بسبب استغلال المحتوى دون إذن أو تنظيم. أما التحدي الثالث فهو بطء وتيرة التقاضي، التي قد تستغرق سنوات بينما تتطور التكنولوجيا، وتستحوذ على المزيد من المعلومات كل يوم، بل وتحقق أرباحاً كبيرة».



