هل بياناتك في خطر؟... إليك تصنيف أكثر أدوات الذكاء الاصطناعي انتهاكاً للخصوصية

تقرير يكشف أين تذهب بياناتك ومن يقرأها!

التصنيف اعتمد على 3 محاور رئيسة هي استخدام بيانات التدريب والشفافية وجمع البيانات ومشاركتها مع أطراف ثالثة (غيتي)
التصنيف اعتمد على 3 محاور رئيسة هي استخدام بيانات التدريب والشفافية وجمع البيانات ومشاركتها مع أطراف ثالثة (غيتي)
TT

هل بياناتك في خطر؟... إليك تصنيف أكثر أدوات الذكاء الاصطناعي انتهاكاً للخصوصية

التصنيف اعتمد على 3 محاور رئيسة هي استخدام بيانات التدريب والشفافية وجمع البيانات ومشاركتها مع أطراف ثالثة (غيتي)
التصنيف اعتمد على 3 محاور رئيسة هي استخدام بيانات التدريب والشفافية وجمع البيانات ومشاركتها مع أطراف ثالثة (غيتي)

في الوقت الذي تُحدث فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي ثورة في طريقة عملنا وتعلمنا وتواصلنا، تزداد وتيرة الاعتماد على نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) والأدوات التوليدية، مثل «تشات جي بي تي» وأمثاله. هذه الأدوات توفر للمستخدمين راحة وكفاءة غير مسبوقتين، ولكن تأتي هذه الراحة على حساب الخصوصية أحياناً.

تقرير جديد صادر عن «إنكوغني» (Incogni) يلقي الضوء على كيفية تعامل أبرز منصات الذكاء الاصطناعي مع بيانات المستخدمين، كاشفاً عن فروق كبيرة في مدى احترام الخصوصية والشفافية.

بين الابتكار والانتهاك

مع تسارع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، نادراً ما يسأل المستخدمون: من يرى ما أكتبه؟ وما مصير تلك البيانات؟ تعتمد هذه النماذج في تدريبها وتحسين أدائها على البيانات بما فيها ما يدخله المستخدمون بأنفسهم. لكن طريقة استخدام تلك البيانات تختلف بشكل كبير من منصة إلى أخرى.

قامت«إنكوغني» بتحليل تسع منصات رائدة باستخدام 11 معياراً متعلقاً بالخصوصية، لتقييم مدى التزامها بحماية معلومات المستخدمين.

تقرير «إنكوغني» 2025 يصنّف أبرز منصات الذكاء الاصطناعي بحسب مدى احترامها لخصوصية المستخدمين بناءً على 11 معياراً دقيقاً (غيتي)

منصات تجمع بين الأداء والخصوصية

1. Le Chat (Mistral AI)

جاءت هذه المنصة في المرتبة الأولى، بفضل جمعها المحدود للبيانات، وإتاحة خيار عدم مشاركة بيانات المستخدم مع النموذج. رغم أن الشفافية ليست مثالية، فإنها تُعدّ الأكثر احتراماً للخصوصية.

2. ChatGPT (OpenAI)

حلّت «ChatGPT» في المرتبة الثانية، بفضل سياسات واضحة تتيح للمستخدمين إلغاء مشاركة المحادثات مع النظام، إلى جانب توفير وثائق خصوصية سهلة الوصول والفهم.

3. Grok (xAI)

نموذج «غروك» من شركة «xAI» احتل المركز الثالث. وتبين أنه يتمتع بأداء جيد فيما يتعلق بالخصوصية، لكنه متأخر نسبياً في مجالات الشفافية ومشاركة البيانات.

كما جاءت نماذج «Claude» من شركة «Anthropic» في مرتبة قريبة، وإن كانت هناك بعض المخاوف حول كيفية تفاعلها مع بيانات المستخدم.

من جاء في قاع التصنيف؟

احتلت الشركات التقنية الكبرى المراتب الأدنى في التصنيف. جاءت «ميتا إيه آي» (Meta AI) في ذيل القائمة، تليها «جيمناي» (Gemini) من «غوغل» و«كوبايلوت» من «مايكروسوفت». وُجد أن هذه المنصات لا تتيح للمستخدمين خيار إلغاء استخدام محادثاتهم لأغراض التدريب. كما أنها تشارك البيانات داخلياً، وأحياناً مع جهات خارجية. وأيضاً تستخدم سياسات خصوصية عامة وغامضة لا تفصل كيفية تعاملها مع بيانات الذكاء الاصطناعي تحديداً.

يشكل التقرير أداة مهمة لتوعية المستخدمين ودفع الشركات نحو الشفافية ودعم الجهات التنظيمية في وضع تشريعات رقمية عادلة (أدوبي)

المعايير المتبعة

اعتمدت «إنكوغني» في تصنيفها لمدى احترام منصات الذكاء الاصطناعي للخصوصية على ثلاث فئات رئيسة من المعايير، تشكل مجتمعة صورة شاملة لكيفية تعامل كل منصة مع بيانات المستخدم.

المعيار الأول يتمثل في استخدام بيانات التدريب، ويقيس ما إذا كانت المنصات تستخدم محادثات المستخدمين في تدريب نماذجها، وما إذا كان بإمكان المستخدم إلغاء هذا الاستخدام. أظهرت النتائج أن منصات مثل OpenAI وMicrosoft وMistral وxAI تتيح للمستخدمين خيار الانسحاب من عملية استخدام بياناتهم لأغراض التدريب، وهو ما يُعدُّ خطوة مهمة نحو تعزيز التحكم الشخصي. في المقابل، لا توفر منصات مثل Google وMeta وDeepSeek وPi AI هذا الخيار؛ ما يثير تساؤلات حول مدى التزامها بمنح المستخدمين حرية الاختيار. من جهة أخرى، تميزت نماذج «كلود» (Claude) التابعة لشركة «أنثروبيك» (Anthropic) بعدم استخدامها بيانات المستخدمين في التدريب على الإطلاق.

أما المعيار الثاني، فهو الشفافية، والذي يقيّم مدى وضوح المنصة في شرح سياساتها المتعلقة بجمع البيانات واستخدامها. في هذا المجال، حصلت OpenAI وAnthropic وMistral وxAI على أعلى التقييمات، بفضل وثائقها الواضحة وسهولة الوصول. في المقابل، جاءت «مايكروسوفت» و«ميتا» في مرتبة أقل نظراً لصعوبة الوصول إلى التفاصيل الدقيقة في وثائقهما، بينما لجأت «غوغل» و«ديب سيك» و«باي إيه آي» و«Pi AI» إلى دفن المعلومات المهمة داخل سياسات خصوصية مطوّلة يصعب على المستخدم العادي تتبعها أو فهمها.

أما الفئة الثالثة والأخيرة، فهي جمع البيانات ومشاركتها، حيث ركّز التقييم على نوعية البيانات التي تجمعها التطبيقات، وما إذا كانت تشارك هذه البيانات مع أطراف خارجية. برزت منصتا «Le Chat» و«Pi AI» أكثر الأدوات احتراماً لخصوصية المستخدم في هذا الجانب؛ إذ جمعتا الحد الأدنى من بيانات الهاتف المحمول. على النقيض، كشفت الدراسة عن أن «Meta AI» و«Gemini» و«Grok» تجمع كميات كبيرة من البيانات الحساسة مثل الموقع الجغرافي، الصور، وأرقام الهواتف، بل وتقوم أحياناً بمشاركتها مع جهات خارجية؛ وهو ما يشكل مصدر قلق حقيقي فيما يخص أمن المعلومات الشخصية.

تطبيقات الهواتف المحمولة

نظراً لأن عدداً كبيراً من المستخدمين يتفاعلون مع أدوات الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، شمل تقرير «إنكوغني» أيضاً تحليلاً دقيقاً لإصدارات «آي أو إس» (iOS) و«أندرويد» (Android) الخاصة بهذه المنصات؛ بهدف تقييم مستوى الأمان والخصوصية في بيئة الهاتف المحمول.

وقد أظهر التحليل تبايناً واضحاً في مستويات جمع البيانات بين التطبيقات. في المقدمة، جاء تطبيقا «Le Chat» و«Pi AI» أكثر التطبيقات التزاماً بالخصوصية، حيث اقتصر جمع البيانات فيهما على الحد الأدنى؛ ما جعلهما من بين الخيارات الأكثر أماناً للمستخدمين على الهاتف.

أما تطبيق «تشات جي بي تي» فصُنّف في فئة المخاطر المتوسطة؛ إذ يجمع بعض البيانات، لكنها لا تُقارن من حيث الكم أو النوع مع المنصات الأخرى الأقل احتراماً للخصوصية.

في المقابل، احتلت تطبيقات «Grok» و«Claude» و«Gemini» و«DeepSeek» مرتبة عالية في مستوى جمع البيانات، في حين جاءت «Meta AI» في ذيل القائمة بوصفها الأسوأ من حيث الخصوصية. فقد تبين أنها تجمع مجموعة كبيرة من البيانات الحساسة مثل الاسم والموقع الجغرافي والبريد الإلكتروني، بل وتقوم بمشاركة هذه المعلومات أحياناً مع أطراف خارجية؛ ما يُثير قلقاً كبيراً بشأن حماية معلومات المستخدمين الشخصية في بيئة الهاتف المحمول.

كشف تحليل إصدارات تطبيقات الهواتف عن أن جمع البيانات على الأجهزة المحمولة قد يكون أكثر تدخلاً وخطورة من استخدام المنصة على الويب (أدوبي)

ما أهمية التصنيف؟

تبرز أهمية هذا التصنيف في كونه أكثر من مجرد ترتيب تقني؛ فهو يمثل أداة توعوية وتنظيمية في آنٍ واحد، تخدم المستخدمين وصناع القرار والشركات على حد سواء.

أولاً، على مستوى الأفراد، يسهم التصنيف في توعية المستخدمين؛ إذ يسلط الضوء على كيفية تعامل كل منصة مع البيانات الشخصية، وهو أمر لا يعرفه الكثير من المستخدمين عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. ومن خلال هذا التقييم، يصبح بإمكانهم اتخاذ قرارات مبنية على وعي ومعرفة، واختيار المنصات التي تحترم خصوصيتهم فعلياً.

ثانياً، يلعب التصنيف دوراً تحفيزياً في دفع المنصات نحو مزيد من الشفافية، حيث يشكّل الضغط المجتمعي أداة فعالة لإجبار الشركات على تحسين سياساتها وتقديم خيارات أكثر وضوحاً وتحكماً للمستخدم فيما يتعلق بالبيانات التي يتم جمعها أو استخدامها.

وأخيراً، يُعدّ هذا التصنيف مفيداً أيضاً على صعيد السياسات العامة؛ إذ يساهم في تمكين الجهات التنظيمية من خلال توفير بيانات موثوقة، ومبنية على تحليل دقيق؛ ما يساعد في صياغة تشريعات رقمية أكثر توازناً وحداثة تستجيب للتطورات المتسارعة في عالم الذكاء الاصطناعي.

الخيارات أمام المستخدم

أما بالنسبة للمستخدم، فإن التقرير يقدم مجموعة من الخيارات العملية التي يمكن اتخاذها لتعزيز الخصوصية الرقمية عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

في البداية، يُنصح باختيار منصات مثل «Le Chat» و«ChatGPT» و«Grok»؛ كونها من الأدوات التي توفر مستوى جيداً من الشفافية وتتيح للمستخدمين التحكم الفعلي في كيفية استخدام بياناتهم، بما في ذلك إمكانية إلغاء مشاركة المحادثات في تدريب النماذج.

كما يُعدّ تعديل إعدادات الخصوصية خطوة ضرورية، حيث ينبغي على المستخدمين التأكد من تفعيل خيار الانسحاب من استخدام المحادثات في التدريب إن توفر، والاطلاع على خيارات مشاركة البيانات المتاحة في إعدادات الحساب.

أخيراً، وقبل تثبيت أي تطبيق ذكاء اصطناعي على الهاتف، من المهم مراجعة أذونات التطبيق بعناية خصوصاً تلك المتعلقة بجمع البيانات مثل الموقع الجغرافي أو جهات الاتصال أو الصور، ومعرفة ما إذا كانت تُشارك مع جهات خارجية؛ لضمان تقليل المخاطر على الخصوصية الشخصية إلى أدنى حد ممكن.

التوازن هو الحل

تستمر أدوات الذكاء الاصطناعي في دفع حدود الابتكار، ولكن كما أظهر «تصنيف خصوصية» عام 2025، ليست كل المنصات سواءً في احترام بياناتك. الدرس واضح: اختر أدوات تُصمم بخصوصيتك في الاعتبار، وادعم السياسات التي تحاسب المنصات، وساهم في بناء مستقبل رقمي لا يُضحّي بالحقوق من أجل الراحة.


مقالات ذات صلة

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

الاقتصاد أحد المصانع في السعودية (واس)

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي»، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست».

«الشرق الأوسط» (الرياض )
تكنولوجيا شاشة مبهرة وأداء متقدم وبطارية طويلة العمر

أخف كمبيوتر محمول في العالم يواكب ثورة الذكاء الاصطناعي المحلي

إن كنت ممن يتنقلون كثيراً للعمل أو الدراسة، فسيعجبك كمبيوتر «تكنو ميغابوك إس 14» Tecno Megabook S14 الذي يتميز بأنه أخف كمبيوتر محمول بقطر 14 بوصة وزناً.

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا ميزات التصوير بتطبيق كاميرا "ابل"

دليلك للتحكم في كاميرا هاتفك الذكي الجديدة

حقق التصوير الفوتوغرافي عبر الهواتف الذكية قفزات كبرى، منذ إطلاق أول كاميرا لهاتف «آيفون» بدقة 2 ميغابكسل، عام 2007. واليوم، أصبحت الهواتف

جي دي بيرسدورفر (نيويورك)
علوم الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته

نظرة إلى الذكاء الاصطناعي... وصحة الدماغ في 2025

إليكم ما يقوله أربعة من الاختصاصيين في حول الجوانب العلمية التي أثارت اهتمامهم في عام 2025. الذكاء الاصطناعي: محتوى منمق وغير منطقي نحن نغرق في بحر من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا القفل الذكي «نوكي«

أفضل الأقفال الذكية

• القفل الذكي «نوكي» Nuki. يتميز القفل الذكي «نوكي» بمكونات عالية الجودة، وقدرات تكامل سلسة، وتصميم أنيق، كما تصفه الشركة. يعتبر هذا القفل المبتكر جديداً على ال

غريغ إيلمان (واشنطن)

من الطاقة إلى الرقاقة: تحالف سعودي - أميركي نحو عصر تقني جديد

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

من الطاقة إلى الرقاقة: تحالف سعودي - أميركي نحو عصر تقني جديد

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

في عام 1945، وعلى سطح البارجة الأميركية «كوينسي»، وُلد تحالف غيّر وجه العالم. لقاء جمع الملك عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وكانت لحظته انطلاقة شراكة نفطية، وولادة تحالف سعودي - أميركي أعاد تشكيل خريطة الطاقة الدولية.

واليوم، يتكرر هذا اللقاء الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ولكن بلغة مختلفة تواكب تحولات العصر. إذ تمثل زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب انطلاقة عصر جديد لاقتصاديات المستقبل التقنية من الرقائق الإلكترونية الدقيقة والحوسبة إلى الذكاء الاصطناعي.

الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب خلال حضورهما منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي في واشنطن (رويترز)

فمنذ اللحظة الأولى لهذه الزيارة، برز التحول نحو عصر تقوده التكنولوجيا واضحاً. ففي أول ظهور إعلامي مشترك لولي العهد السعودي والرئيس الأميركي، لم يكن السؤال الافتتاحي للصحافيين عن الأمن أو السياسة أو الطاقة، بل كان عن الرقائق الإلكترونية.

ومن هنا، تعكس أولوية السؤال عن الرقائق الإلكترونية قبل ملفات استراتيجية أخرى الدور المحوري الذي باتت تؤديه هذه الرقائق في تشكيل عالمنا التقني، حيث أصبحت هذه الرقائق بنية تحتية غير مرئية للاقتصادات العالمية، وبها تُقاس القوة الأمنية والسيادة التقنية للدول.

الرقائق الإلكترونية نفط هذا العصر

في عالم اليوم، باتت أشباه الموصلات (أو ما تُعرف بالرقائق الإلكترونية) الأساس لكل تقنية نعتمد عليها في حياتنا المعاصرة. فهي تُعدّ المحرك الخفي لكل ما نستخدمه من هواتف، وسيارات، وطائرات، وصولاً إلى الأجهزة الطبية وأنظمة الذكاء الاصطناعي. جميعها تعتمد بشكل رئيسي على هذه الرقائق. عملياً، لا يمكن لأي جهاز إلكتروني حديث أن يعمل من دونها.

أثر هذا الاعتماد الكبير على هذه الرقائق (أو ما يُعرف بالرقاقات) انكشف بشكل واضح، خصوصاً خلال جائحة «كورونا». فقد أدى النقص في إمداد رقاقات متناهية الصغر إلى التسبب في شلل خطوط إنتاج مصانع سيارات عملاقة حول العالم، نظراً لاعتماد السيارات الحديثة في عملها على هذه الرقاقات، إذ يصل عددها من 1000 إلى 3000 في السيارة الواحدة بحسب النوع والمواصفات.

والمفارقة أن هذه الرقائق، رغم أهميتها الاستراتيجية، فإنها صغيرة جداً لا تُرى بالعين المجردة. فعلى سبيل المثال، يضم معالج (A19) الأحدث من شركة «آبل» لجهاز «آيفون 17»، الذي لا يتجاوز حجم ظفر الإصبع، ما بين 25 و30 مليار ترانزستور تم تصنيعها بتقنية (3 نانومتر) من شركة (TSMC).

شعار شركة الرقائق «إنفيديا» في مقرها الرئيسي بوادي السيليكون (د.ب.أ)

لذلك أصبحت هذه الرقائق الصغيرة جداً تمثل القلب النابض للعالم التقني، بل وأساس القوة الاقتصادية للدول. لذا برزت شركات أشباه الموصلات مثل «إنفيديا» (Nvidia)، و«تي إس إم سي» (TSMC)، و«برودكوم» (Broadcom) ضمن قائمة أعلى عشر شركات قيمة سوقية في العالم، بل إن شركة «إنفيديا» - المتخصصة فقط في تصميم الرقائق الإلكترونية - تصدرت القائمة كأعلى شركة قيمة سوقية في العالم منذ الربع الثاني من عام 2025. وبهذا يمكن اعتبار الرقائق الإلكترونية نفط القرن الحادي والعشرين، ومن يمتلك هذه التقنية يمتلك مفاتيح القوة الاقتصادية والقيادة العالمية.

الرقائق والطاقة: عنوان سباق الذكاء الاصطناعي

أدى التسارع الهائل في قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى ارتفاع غير مسبوق في الطلب على الرقائق الإلكترونية المتقدمة، مثل وحدات المعالجة الرسومية (GPUs)، والدوائر المتخصصة (ASICs)، والمعالجات الأخرى عالية الأداء. وفي ضوء هذا التحول، أصبحت هذه الرقائق أصولاً وطنية استراتيجية، تؤثر في التنافسية الاقتصادية والسيادة التكنولوجية للدول، مما دفع الحكومات حول العالم إلى تسريع جهودها لتأمين سلاسل الإمداد، وتوطين الإنتاج، وحماية تقنيات أشباه الموصلات الحساسة.

ومع ذلك، في هذه المرحلة الجديدة من سباق الذكاء الاصطناعي، لم يعد أداء الرقائق الإلكترونية سوى نصف المعادلة، بينما يتمثل النصف الآخر في القدرة على توفر كميات هائلة من الطاقة اللازمة لتدريب وتشغيل هذه الرقائق داخل مراكز بيانات الحوسبة المتقدمة. وهنا تكمن الميزة التنافسية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية لتكون لاعباً عالمياً في هذا السباق.

إيلون ماسك خلال حفل عشاء بالبيت الأبيض أقامه الرئيس دونالد ترمب احتفاءً باستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (رويترز)

فكما تكتسب مادة السيليكون الخام قيمتها الحقيقية عندما تتحول إلى رقاقة إلكترونية، يكتسب النفط السعودي بُعداً استراتيجياً مختلفاً عندما يُستخدم لتوليد الطاقة لتشغيل وتبريد مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. فالمملكة، من خلال تحويل مواردها النفطية إلى كهرباء موثوقة ومنخفضة التكلفة للحوسبة المتقدمة، تُعظّم القيمة الاقتصادية لمواردها الطبيعية، وتضع نفسها في قلب الاقتصاد الرقمي العالمي. وبهذا، لم يعد دور المملكة مقتصراً على تصدير الطاقة فحسب، بل امتد ليشمل تمكين القدرة الحاسوبية التي تقوم عليها اقتصاديات المستقبل.

تكشف كثافة استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة طبيعة هذا التحول. فقد أظهرت دراسات حديثة أن توليد رد واحد من الذكاء الاصطناعي من 500 كلمة قد يستهلك كمية طاقة تعادل شحن هاتف ذكي لمرة واحدة. ومع نمو أحمال الذكاء الاصطناعي، بدأ السؤال المحوري الذي يُشكّل اقتصاد اليوم يتحول من: كم تبلغ تكلفة برميل النفط؟ إلى: كم تبلغ تكلفة حوسبة رمز («توكن») واحد للذكاء الاصطناعي؟

اليوم، أصبحت الرقائق الإلكترونية القلب النابض للذكاء الاصطناعي، بينما باتت الطاقة هي الأكسجين لهذه الرقائق. وضمن هذه المعادلة الثلاثية (رقائق - ذكاء اصطناعي - طاقة)، تقف المملكة العربية السعودية في موقع قوة فريد كواحدة من أكبر منتجي الطاقة في العالم.

في الوقت الحالي، يخضع الوصول إلى تقنيات أشباه الموصلات المتقدمة، بما في ذلك رقائق الذكاء الاصطناعي، لقيود تنظيمية مشددة للغاية من قبل الحكومة الأميركية، تُقنّن عملية بيع هذه الرقائق كمنتجات، من دون الحديث عن نقل صناعتها. لذلك، لا تُمنح موافقات الوصول لهذه التقنيات إلا لحلفاء يتمتعون بتوافق استراتيجي ويملكون بيئات تنظيمية مستقرة وآمنة لهذه الرقائق المتقدمة، كواحدة من أكثر التقنيات حساسية وتأثيراً في ميزان القوى العالمي. وقد برزت السعودية كأحد هؤلاء الحلفاء الاستراتيجيين.

إذ لم تأتِ الشراكات التقنية الأخيرة بين المملكة وكبرى الشركات الأميركية مصادفة، بل جاءت كنتيجة للبيئة الاستثمارية التنافسية للسعودية، التي تجعلها قبلة للشركات الأميركية، كون المملكة تملك:

  • تحالفاً استراتيجياً طويل الأمد مع الولايات المتحدة.
  • ثقلاً اقتصادياً لدولة ضمن مجموعة العشرين ذات قدرة استثمارية كبيرة.
  • تكلفة استهلاك طاقة منخفضة جداً، تقل بما يصل إلى 30 - 40 في المائة مقارنة بالولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك، لم تعد المملكة مجرد شريك للشركات الأميركية، بل امتداداً استراتيجياً لهذه الشركات لتطوير قدراتها التقنية. فبالنسبة للولايات المتحدة، يضمن التعاون مع حليف استراتيجي مثل السعودية بقاء التقنيات الحساسة ضمن منظومات موثوقة تشترك في المصالح والمعايير الأمنية. أما بالنسبة للمملكة، فيفتح هذا التعاون مساراً متسارعاً لنقل التقنية، وتوطين سلاسل الإمداد، وخلق وظائف نوعية عالية القيمة، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030».

في ضوء هذه المعطيات، شهدت المملكة مؤخراً تزايداً متسارعاً في استثمارات كبرى الشركات الأميركية، بدءاً من إنشاء «كوالكوم» (Qualcomm) مركزاً لتصميم الرقائق في المملكة، مروراً بإنتاج خوادم مراكز البيانات محلية الصنع عبر شراكات تجمع «إتش بي إي» (HPE) و«إيه إم دي» (AMD) مع شركة «الفنار» السعودية، وبناء «أمازون ويب سيرفيسز» (AWS) مراكز بيانات وحوسبة متقدمة داخل المملكة، وصولاً إلى شراكات تجمع شركات أميركية مثل «إنتل» (Intel) و«إنفيديا» (Nvidia) و«سوبرمايكرو» (Supermicro) و«غروك» (Groq) مع شركات سعودية، بهدف بناء مراكز بيانات متخصصة في الذكاء الاصطناعي.

تحالف يربح فيه الجميع

على الرغم من التمويل الكبير الذي يقدمه قانون دعم برنامج أشباه الموصلات الأميركي (CHIPS Act) منذ إطلاقه عام 2022، لا تزال صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة، تشمل ارتفاع تكاليف التصنيع المحلية، ومحدودية إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها. وتتفاقم هذه التحديات مع تصاعد المنافسة العالمية، بالتوازي مع النمو المتسارع للتقنيات المتقدمة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد بشكل أساسي على توفر رقائق عالية الأداء، إلى جانب احتياج كميات هائلة من الطاقة لأغراض الحوسبة بتكلفة اقتصادية تنافسية.

لذلك، تحتاج الشركات الأميركية للحفاظ على تنافسيتها العالمية إلى شركاء يملكون أسواقاً كبيرة ومستقرة. وتبرز السعودية هنا بوصفها شريكاً استراتيجياً قادراً على توفير العمق الاستثماري والتشغيلي، إلى جانب الوصول الموثوق إلى إمدادات طاقة منخفضة التكلفة، بما يدعم توسع قدرات أشباه الموصلات الأميركية، من التصميم والتصنيع إلى استضافة وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي خارج الحدود الأميركية، مع الحفاظ الكامل على التوافق مع المصالح الأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة.

لهذا، جاءت زيارة ولي العهد الأخيرة في توقيت مثالي، في لحظة باتت فيها منظومة أشباه الموصلات الأميركية بحاجة إلى شراكات دولية موثوقة ومتوافقة للحفاظ على ريادتها وتنافسيتها العالمية. وقد أسفرت الزيارة عن نتائج تاريخية، من أبرزها:

  • إطلاق شراكة استراتيجية سعودية - أميركية في مجال الذكاء الاصطناعي.
  • موافقة الولايات المتحدة على تصدير 35 ألف وحدة معالجة رسومية متقدمة (GPUs) إلى المملكة، بالتوازي مع استثمارات سعودية في قطاع أشباه الموصلات تبدأ بـ50 مليار دولار لتصل مستقبلاً إلى مئات المليارات.
  • توسع واسع لكبرى شركات الرقائق والذكاء الاصطناعي الأميركية داخل المملكة.

إن حجم هذه الاتفاقيات يتجاوز إطار التقدم التدريجي، ليعكس تحولاً تقنياً استراتيجياً يضع السعودية في موقع متقدم بين القوى التقنية الصاعدة عالمياً. فبالنسبة للمملكة، يمثل هذا التحالف تحولاً نوعياً بكل المقاييس، إذ يفتح المجال أمام توطين أجزاء محورية من سلسلة القيمة لصناعة أشباه الموصلات، وتطوير رأس المال البشري المحلي في مجالات التقنية العميقة، واستضافة مراكز عالمية للحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب استقطاب الكفاءات التقنية العالمية، وتسريع تحقيق مستهدفات «رؤية السعودية 2030» في الريادة التقنية وتنويع الاقتصاد. ولا تندرج هذه الجهود في إطار مجرد اللحاق بالركب، بل في سياق القفز إلى مقدمة الاقتصادات التكنولوجية العالمية.

ختاماً، لقد قدمت هذه الزيارة ما هو أبعد من الاتفاقيات، إذ أعادت رسم مسار تحالف استراتيجي امتد لعقود، وانتقلت به من قاعدة بنائه النفطية إلى تحالف يقوم أيضاً على اقتصاديات المستقبل التقنية. واليوم، تدخل السعودية والولايات المتحدة عصراً جديداً، لا كشريكين في الطاقة فحسب، بل كشريكين في بناء الأساس التكنولوجي الذي سيحدد معالم القيادة العالمية لعقود مقبلة.


روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر لدعم برنامجها الفضائي

وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)
وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)
TT

روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر لدعم برنامجها الفضائي

وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)
وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)

تعتزم روسيا إنشاء محطة طاقة نووية على سطح القمر خلال العقد المقبل، لتوفير ​الطاقة لبرنامجها الفضائي على القمر ودعم محطة أبحاث روسية - صينية مشتركة، وسط سباق القوى الكبرى لاستكشاف الكوكب.

ومنذ أن أصبح رائد الفضاء السوفياتي يوري جاجارين، أول إنسان ينطلق إلى الفضاء عام 1961، تفتخر روسيا بمكانتها بوصفها قوة رائدة ‌في استكشاف الفضاء، ‌لكنها تراجعت في العقود القليلة ‌الماضية، خلف الولايات ​المتحدة ‌والصين بشكل كبير.

وتعرضت طموحات روسيا لانتكاسة كبيرة في أغسطس (آب) 2023، عندما اصطدمت مركبة الفضاء «لونا - 25» غير المأهولة بسطح القمر أثناء محاولتها الهبوط عليه، في وقت أحدث فيه إيلون ماسك ثورة في عمليات إطلاق المركبات الفضائية التي كانت ذات يوم ‌مجالاً تتفوق فيه روسيا.

وقالت ‍وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس) في بيان، إنها تخطط لبناء ‍محطة طاقة على القمر بحلول عام 2036، ووقعت عقداً مع شركة «لافوتشكين أسوسييشن» الفضائية للقيام بذلك.

مركبة فضائية تدور حول كوكب القمر (إكس)

وقالت «روسكوسموس» إن الغرض من المحطة ​هو تزويد برنامج روسيا القمري بالطاقة، بما في ذلك المركبات الجوالة والمرصد والبنية التحتية لمحطة الأبحاث القمرية الدولية الروسية - الصينية المشتركة.

وأضافت: «يعدّ المشروع خطوة مهمة نحو إنشاء محطة علمية دائمة على القمر والانتقال من بعثات فردية إلى برنامج طويل الأمد لاستكشاف القمر».

ولم تذكر «روسكوسموس» صراحة أن المحطة ستكون نووية، إلا أنها أشارت إلى أن من بين المشاركين شركة «روس آتوم» النووية الحكومية ومعهد كورتشاتوف، ‌وهو أكبر معهد للبحوث النووية في روسيا.


ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة
TT

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

إذا كنت تفكر في شراء دمية دب ناطقة لطفلك، فمن المرجح أنك تتخيلها تهمس بنصائح جيدة، وتعلمه أمور الحياة. ربما لا تتخيل هذه الدمية اللطيفة وهي تمارس أدواراً جنسية، أو تُقدم نصائح للأطفال الصغار حول كيفية إشعال أعواد الثقاب.

لكن هذا ما وجدته مجموعة أبحاث المصلحة العامة (PIRG)، وهي منظمة معنية بحماية المستهلك، في اختبار أجرته أخيراً على ألعاب جديدة لموسم الأعياد.

انفلات الدب «كوما»

وجدت المجموعة أن دمية الدب «كوما» Kumma من شركة «FoloToy، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتستخدم نموذج «جي بي تي-40» GPT-40 من شركة «أوبن إيه آي» لتشغيل عملية نطقها، كانت على «استعداد تام للخروج عن الموضوع» أثناء حديثها مع الأطفال.

وجدت «PIRG» أن دمية الدب «كوما» من «فولوتوي» FoloToy، والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتستخدم نموذج GPT-40 من OpenAI لتشغيل نطقها وحديثها، كانت على استعداد تام للخروج عن الموضوع أثناء حديثها مع الأطفال.

محادثات صوتية

يُعدّ استخدام وضع الصوت في نماذج الذكاء الاصطناعي لألعاب الأطفال أمراً منطقياً: فهذه التقنية مصممة خصيصاً للألعاب السحرية التي يعشقها الأطفال. ولذا تتكاثر الدمى الواقعية التي تُصدر أصواتاً مثل التجشؤ، والكائنات الرقمية الشبيهة بـ«تاماغوتشي» (اللعبة الشبيهة بالساعة-البيضة) التي يرغب الأطفال في محاولة الحفاظ عليها.

وتكمن المشكلة في أنه على عكس الأجيال السابقة من الألعاب، يمكن للأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تتجاوز الاستجابات المبرمجة، والمُدققة بعناية، والمناسبة للأطفال، إلى خلق استجابات غير مطلوبة، وغير ملائمة.

مشكلة سلامة الأطفال

تُسلط مشكلة «كوما» الضوء على مشكلة رئيسة في الألعاب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي: فهي غالباً ما تعتمد على نماذج ذكاء اصطناعي تابعة لجهات خارجية لا تملك السيطرة عليها، والتي يُمكن اختراقها حتماً، سواء عن طريق الخطأ، أو عمداً، ما يُسبب مشكلات تتعلق بسلامة الأطفال.

وتقول كريستين ريفا، المتخصصة في قانون المستهلك بجامعة ريدينغ في إنجلترا: «هناك غموض كبير حول نماذج الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الألعاب، وكيفية تدريبها، وما هي الضمانات التي قد تحتويها لتجنب تعرض الأطفال لمحتوى غير مناسب لأعمارهم».

«ابتعدوا عن ألعاب الذكاء الاصطناعي»

لهذا السبب، أصدرت منظمة «فيربلاي» Fairplay المعنية بحقوق الطفل تحذيراً للآباء قبل موسم الأعياد، تنصحهم فيه بالابتعاد عن ألعاب الذكاء الاصطناعي، حفاظاً على سلامة أطفالهم. وتقول راشيل فرانز، مديرة برنامج «ازدهار الأطفال الصغار خارج الإنترنت» التابع لمنظمة «فيربلاي»: «هناك نقص في الأبحاث التي تدعم فوائد ألعاب الذكاء الاصطناعي، ونقص في الأبحاث التي تُظهر آثارها على الأطفال على المدى الطويل».

إيقاف بيع دمية «كوما»

وبينما أوقفت شركة «فولوتوي» بيع دمية «كوما»، وسحبت «أوبن إيه آي» إمكانية وصول «فولوتوي» إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، فإن هذه مجرد شركة واحدة من بين العديد من شركات تصنيع ألعاب الذكاء الاصطناعي. فمن يتحمل المسؤولية في حال حدوث خطأ ما؟

وتقول ريفا إن هناك غموضاً في هذا الشأن أيضاً. وتضيف: «قد تتعلق مسائل المسؤولية بالبيانات، وطريقة جمعها، أو حفظها. وقد تتعلق بالمسؤولية عن دفع لعبة الذكاء الاصطناعي الطفل لإيذاء نفسه، أو الآخرين، أو تسجيل البيانات المصرفية لأحد الوالدين».

مخاطر انعدام الإشراف القانوني

وتخشى فرانز من أن المخاطر -كما هو الحال مع شركات التكنولوجيا الكبرى التي تتسابق دائماً للتفوق على بعضها البعض- تكون أكبر بكثير عندما يتعلق الأمر بمنتجات الأطفال التي تصنعها شركات الألعاب. وتقول: «من الواضح تماماً أن هذه الألعاب تُطرح في الأسواق دون أبحاث، أو ضوابط تنظيمية».

وترى ريفا أن شركات الذكاء الاصطناعي التي تُزوّد ​​الألعاب بالنماذج التي تُساعدها على «التحدث»، وشركات الألعاب التي تُسوّقها، وتبيعها للأطفال، ستكون مسؤولة قانونياً في القضايا القانونية.

وتضيف: «بما أن خصائص الذكاء الاصطناعي مُدمجة في المنتج، فمن المرجح جداً أن تقع المسؤولية على عاتق مُصنّع اللعبة»، مشيرةً إلى أنه من المُحتمل وجود بنود قانونية في العقود التي تُبرمها شركات الذكاء الاصطناعي تحميها من أي ضرر، أو مخالفة. وتتابع: «هذا يعني أن مُصنّعي الألعاب، الذين قد لا يملكون في الواقع سوى سيطرة ضئيلة على نماذج التعلم الآلي المُستخدمة في ألعابهم، سيتحملون مخاطر المسؤولية القانونية».

مقاطعة شراء ألعاب الأطفال

لكن ريفا تُشير أيضاً إلى أنه بينما تقع المخاطر القانونية على عاتق شركات الألعاب، فإن المخاطر الفعلية «تعتمد كلياً على طريقة عمل نموذج التعلم الآلي»، ما يُوحي بأن شركات الذكاء الاصطناعي تتحمل أيضاً بعض المسؤولية. ولعل هذا ما دفع «أوبن إيه آي» إلى تأجيل تطوير ألعاب الذكاء الاصطناعي مع «Mattel» هذا الأسبوع.

وتقترح ريفا اقتراحاً بسيطاً: «إحدى الخطوات التي يمكننا اتخاذها كمجتمع، بصفة أننا مسؤولون عن رعاية الأطفال، هي مقاطعة شراء هذه الألعاب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»