في القيادة الذاتية... من يتحمّل القرار الأخلاقي عند اللحظة الحاسمة؟

دراسة تترجم التفكير الأخلاقي إلى خوارزميات قيادة

مع انتشار السيارات ذاتية القيادة تبرز الحاجة إلى أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات أخلاقية في مواقف مصيرية على الطريق (غيتي)
مع انتشار السيارات ذاتية القيادة تبرز الحاجة إلى أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات أخلاقية في مواقف مصيرية على الطريق (غيتي)
TT

في القيادة الذاتية... من يتحمّل القرار الأخلاقي عند اللحظة الحاسمة؟

مع انتشار السيارات ذاتية القيادة تبرز الحاجة إلى أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات أخلاقية في مواقف مصيرية على الطريق (غيتي)
مع انتشار السيارات ذاتية القيادة تبرز الحاجة إلى أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات أخلاقية في مواقف مصيرية على الطريق (غيتي)

مع اقتراب السيارات ذاتية القيادة من الاندماج في حياتنا اليومية، يبرز سؤال مصيري: ماذا يحدث عندما تضطر هذه المركبات لاتخاذ قرارات فورية قد تعني حياةً أو موتاً؟ ففي الوقت الذي يعمل فيه المهندسون على تحسين أجهزة الاستشعار وأنظمة الملاحة والنماذج الذكية، تظهر تحديات أعمق.

دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين قدّمت تجربة جديدة تماماً لاستكشاف هذا السؤال. ولكن هذه المرة، لم يُختبر فيها المهندسون أو عامة الناس، بل تم اختيار الفلاسفة كمشاركين أساسيين. الهدف هو الاستفادة من قرون من التفكير الأخلاقي لفهم كيف يمكن ترجمة القيم إلى خوارزميات قيادة.

تطوير لمعضلة «عربة الترام»

بُنيت الدراسة على معضلة «عربة الترام» الشهيرة، وهي تجربة فكرية أخلاقية تطرح أسئلة حول الاختيار بين نتيجتين ضارتين. لكن بدلاً من تقديم سيناريوهات نظرية، ركّز الباحثون على مواقف واقعية قد تواجهها سيارات ذاتية القيادة على الطرقات. في أحد السيناريوهات، قد تضطر السيارة للاختيار بين الانحراف ودهس أحد المشاة أو الاستمرار في المسار وتعريض الركاب للخطر. وفي آخر، يجب المفاضلة بين عدد من الأشخاص الذين يعبرون الشارع بشكل غير قانوني وطفل يعبر في ممر مشاة. هذه قرارات معقدة تتطلب أكثر من استجابة تقنية، بل إنها تستدعي حكماً أخلاقياً.

تواجه أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تحديات كبيرة مثل اختلاف القيم بين الثقافات وصعوبة اتخاذ قرارات فورية في مواقف طارئة (غيتي)

لماذا الفلاسفة؟

اختيار الفلاسفة لم يكن صدفة؛ فهم المتخصصون في معالجة المناطق الرمادية من السلوك البشري. من خلال تحليل ردود فعلهم على هذه المواقف، يأمل الباحثون استخلاص أنماط يمكن تحويلها إلى منطق برمجي. فعلى عكس الدراسات التي تعتمد على الرأي العام، تضيف هذه المقاربة طبقة من العمق؛ فهي لا تسأل فقط عما يفعله الناس، بل ما يجب عليهم فعله. إنه فارق جوهري في بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تتصرف بشكل أخلاقي، لا فقط شعبوي.

وتهدف الدراسة إلى المساهمة في بناء «الأطر الميتا-أخلاقية»، وهي أنظمة عليا توجه سلوك الخوارزميات في المواقف المعقّدة. هذه الأطر ليست أوامر جامدة، بل مناهج مرنة تسمح للذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات محسوبة بناءً على السياق. هذه المعرفة قد تؤثر مستقبلاً على مجالات مثل التنظيم القانوني والتأمين والمسؤولية، والأهم ثقة الجمهور؛ فكلما شعر الناس بأن السيارة الذكية تفكر أخلاقياً، زادت احتمالات قبولهم لها.

الوعي الاجتماعي على الطريق

تشير دراسات أخرى إلى أن إدماج «الوعي الاجتماعي» في أنظمة القيادة الذاتية، يمكن أن يقلّل من الحوادث بشكل ملحوظ. فعندما يتم تدريب الأنظمة على توقع تصرفات البشر، كأن يتوقع النظام عبور طفل مفاجئاً في منطقة مدارس، تقل فرص الاصطدام وتحسن النتائج للركاب والمشاة على حد سواء. وهذا يعزز فكرة أن الأخلاق في الذكاء الاصطناعي لا تعني فقط كيفية التصرف في أسوأ السيناريوهات، بل كيفية تجنبها من الأساس.

خبراء يقولون إن نجاح القيادة الذاتية في المستقبل لن يعتمد فقط على التقنية بل على دمج التفكير الأخلاقي والتعاون بين المجتمع والتقنيين والمشرّعين (شاترستوك)

التحديات المقبلة

لكن حتى أكثر النماذج الأخلاقية تقدماً ستواجه تحديات عملية. القرارات على الطرقات تُتخذ في أجزاء من الثانية، في حين تستغرق المعايير الفلسفية وقتاً لا يتناسب مع سرعة الحياة الواقعية. كما أن التحيز الثقافي وتحديد المسؤولية القانونية وإمكانية التوحيد بين الدول... كلها مسائل لم تُحل بعد؛ فقرار تعتبره ثقافة معينة أخلاقياً، قد ترفضه أخرى. وصول السيارات ذاتية القيادة يفتح الباب لثورة في عالم التنقل، لكنها لن تنجح بالاعتماد على الأجهزة فقط. تُظهر هذه الدراسة أن برمجة المنطق الأخلاقي باتت جزءاً لا يمكن تجاهله من تصميم الأنظمة.

التحدي لم يعد تقنياً فحسب، بل أخلاقياً أيضاً، ومعالجته تتطلب تعاوناً بين المهندسين والفلاسفة وصنّاع القرار، والمجتمع ككل. ففي مستقبل قد تتخذ فيه السيارة قرارات مصيرية نيابة عن السائق، لن يكون السؤال فقط: «هل تقود السيارة جيداً؟»، بل: «هل تقود بحكمة؟».


مقالات ذات صلة

محافظ «المركزي» الجنوب أفريقي: رسوم ترمب قد تزيل 100 ألف وظيفة

الاقتصاد باحثون عن عمل ينتظرون فرصة مؤقتة على جانب الطريق في إيكنهوف (رويترز)

محافظ «المركزي» الجنوب أفريقي: رسوم ترمب قد تزيل 100 ألف وظيفة

أكد محافظ البنك المركزي في جنوب أفريقيا، ليسيتيا كغانياغو، أن الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على البلاد قد تتسبّب في فقدان نحو 100 ألف وظيفة.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الاقتصاد موظفو الإعلام يلتقطون صوراً وفيديوهات لسيارة «تسلا» موديل «واي» في أول صالة عرض لـ«تسلا» بالهند (رويترز)

«تسلا» تفتتح أول صالة عرض لها في ثالث أكبر سوق للسيارات بالعالم

افتتحت شركة «تسلا» يوم الثلاثاء أول صالة عرض لها في الهند، مسجلةً بذلك ظهورها الأول المنتظر في ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد عامل يسير بجوار سيارات حديثة الصنع جاهزة للشحن في ميناء كاواساكي بجنوب طوكيو (رويترز)

ترمب ينتقد اختلال التوازن في تجارة السيارات مع اليابان

هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب مجدداً اختلال التوازن في تجارة السيارات بين أميركا واليابان، قبل أيام من زيارة مقرّرة لوزير الخزانة سكوت بيسنت إلى طوكيو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر المفوضية ببروكسل (رويترز)

أوروبا تحدد شروطاً مسبقة في أي اتفاق تجاري مع أميركا

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الحصول على إعفاء فوري من الرسوم الجمركية على قطاعات رئيسية في إطار أي اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة من المقرر إبرامه قريباً.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد شعارا شركتي «رينو» و«نيسان»... (رويترز)

«رينو» تخسر 11 مليار دولار في 6 أشهر بسبب «نيسان»

قالت شركة «رينو» الفرنسية، إنها ستعلن خسارة غير نقدية تقدَّر بـ11.20 مليار دولار على صلة بحصتها في «نيسان»، عن النصف الأول للعام.

«الشرق الأوسط» (باريس)

بعد الصورة والفيديو... «أدوبي» تضيف المؤثرات الصوتية إلى «فايرفلاي»

أداة التصنيف التلقائي الجديدة تضيف علامات ذكية إلى الملفات الصوتية مما يُسهّل تنظيمها والبحث عنها ضمن المشاريع (أدوبي)
أداة التصنيف التلقائي الجديدة تضيف علامات ذكية إلى الملفات الصوتية مما يُسهّل تنظيمها والبحث عنها ضمن المشاريع (أدوبي)
TT

بعد الصورة والفيديو... «أدوبي» تضيف المؤثرات الصوتية إلى «فايرفلاي»

أداة التصنيف التلقائي الجديدة تضيف علامات ذكية إلى الملفات الصوتية مما يُسهّل تنظيمها والبحث عنها ضمن المشاريع (أدوبي)
أداة التصنيف التلقائي الجديدة تضيف علامات ذكية إلى الملفات الصوتية مما يُسهّل تنظيمها والبحث عنها ضمن المشاريع (أدوبي)

أعلنت شركة «أدوبي» توسعة كبرى في إمكانيات منصّتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي «فايرفلاي»، مقدِّمة مجموعة جديدة من الأدوات التي تدفع حدود الإبداع في إنتاج الفيديو وتصميم الصوت والرسوم المتحركة. لم تعد «فايرفلاي» مجرد أداة لتوليد الصور أو المؤثرات النصية فحسب، بل أصبحت شريكاً إبداعياً ذكياً في مجالات الصوت والحركة والفيديو.

ويمثّل هذا الإعلان خطوة استراتيجية في تطوّر رؤية «أدوبي» للذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تضيف «فايرفلاي» قدرات جديدة تشمل توليد المؤثرات الصوتية من النصوص، وسير عمل فيديو مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ووضع علامات تلقائية للمقاطع الصوتية. وقد صُمّمت هذه الأدوات لتلبية احتياجات المبدعين المتزايدة لإنتاج محتوى سريع ومرن وسهل الاستخدام دون التضحية بالجودة أو الأصالة.

«أدوبي» تطلق تحديثات جديدة لـ«فايرفلاي» تشمل قدرات في الصوت والفيديو والرسوم المتحركة مدعومة بالذكاء الاصطناعي (أدوبي)

مؤثرات صوتية من النص

من أبرز الابتكارات الجديدة قدرة «فايرفلاي» على توليد مؤثرات صوتية انطلاقاً من الأوصاف النصية؛ إذ يكفي أن يكتب المستخدم وصفاً مثل «أمطار خفيفة على سطح معدني» أو «أصوات ألعاب إلكترونية قديمة»، حتى يتم توليد ملف صوتي عالي الجودة يُطابق الوصف فوراً.

وتعتمد هذه الميزة على نماذج الذكاء الاصطناعي المطوّرة داخلياً لدى «أدوبي»، والمدرّبة على محتوى مرخّص وصوتيات من مكتبة «أدوبي ستوك» (Adobe Stock)؛ مما يضمن الاستخدام التجاري الآمن للمحتوى. ويُعد ذلك اختصاراً كبيراً للوقت والجهد، خصوصاً لمحرّري الفيديو، وصنّاع البودكاست، والمسوّقين الرقميين الذين اعتادوا على تصفّح مكتبات صوتية ضخمة للعثور على المؤثر المناسب.

حالياً، تُطرح هذه الميزة بنسخة تجريبية مبكرة في تطبيقَي الفيديو الرئيسيَّين لدى أدوبي «بريميير برو» (Premiere Pro) و«أفتر إفكتس» (After Effects) على أن يتم توسيع نطاقها لاحقاً.

تصنيف تلقائي للصوتيات

تُعالج «أدوبي» أيضاً إحدى المشكلات الشائعة في إنتاج المحتوى، وهي إدارة المؤثرات الصوتية وتنظيمها. فقد قدّمت أداة جديدة داخل «فايرفلاي» تُستخدم في إضافة علامات تعريف تلقائية للمقاطع الصوتية، بحيث تُوصف تلقائياً من حيث النوع، والمزاج، والسياق المناسب للاستخدام.

يتم دمج هذه البيانات الوصفية داخل أنظمة إدارة المحتوى الخاصة بـ«أدوبي»، مما يُسهّل على الفرق الإبداعية البحث عن الملفات الصوتية وفرزها وإعادة استخدامها، خصوصاً في المشروعات الكبيرة متعددة الفرق.

الأمر المطلوب: لقطة مقرّبة لطائر أحمر لامع وجميل يجثم على مادة ناعمة وبيضاء وفاخرة تشبه الفرو (أدوبي)

تجربة فيديو مدعومة بالذكاء الاصطناعي

أصبح «فايرفلاي» الآن مدمجاً مباشرة داخل تطبيق «بريميير برو» (Premiere Pro)؛ مما يُتيح تنفيذ عدد من المهام الذكية داخل بيئة العمل دون الحاجة إلى مغادرة التطبيق، مثل التحرير النصي للمقاطع من خلال تعديل النصوص المكتوبة، واقتراح لقطات «B-roll» ملائمة لمحتوى الفيديو أو المزاج المطلوب وأدوات إزالة العناصر من الإطار باستخدام تقنيات توليد الفيديو التفاعلي.

كل هذه الميزات مدمجة في تجربة «بريميير برو» الأساسية، وقد طُوّرت بالتعاون مع صُنّاع محتوى محترفين من مجالات السينما و«اليوتيوب» والإنتاج التلفزيوني. وتشدد «أدوبي» على أن جميع هذه الأدوات تعتمد على بيانات مرخّصة ومصادر مسؤولة، مما يميّزها عن أدوات أخرى قد تُثير مخاوف قانونية أو أخلاقية بسبب تدريبها على بيانات مسروقة أو غير مرخّصة.

نحو ذكاء متعدد الوسائط

توسعة «فايرفلاي» تعكس رؤية «أدوبي» لتقديم ذكاء اصطناعي متعدد الوسائط، يبدأ من الصور والنصوص ويصل إلى الصوت والفيديو والرسوم المتحركة. فالمبدعون اليوم مطالبون بإنتاج محتوى سريع ومتنوّع عبر منصات وأساليب متعددة، وغالباً تحت ضغط الوقت أو الموارد. وهنا، توفّر «أدوبي» حلاً عملياً وقابلاً للتوسّع ضمن باقتها الإبداعية.

أين الذكاء الأخلاقي؟

تواصل «أدوبي» الالتزام بتطوير ذكاء اصطناعي مسؤول وآمن تجارياً. فكل محتوى يتم توليده عبر «فايرفلاي» يُرفق بما يُعرف بـ«شهادات المحتوى» (Content Credentials)، وهي بمثابة بطاقة تعريف رقمية توضّح كيف ومتى تم إنشاء المحتوى، وهو ما يعزّز الشفافية والثقة لدى المستخدمين والعلامات التجارية.

بهذه التحديثات، لم تعد «فايرفلاي» مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت محرّكاً إبداعياً متكاملاً يعمل إلى جانب المبدعين، ويدعمهم في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، من المؤثرات الصوتية، إلى تحرير الفيديو، وصولاً إلى تنظيم المحتوى الذكي.