ذكاء اصطناعي لعمليات «التفكير» والاستدلال المنطقي

شرح لطريقة عمل برامج الدردشة المطورة

نظام "ديب سيك"
نظام "ديب سيك"
TT

ذكاء اصطناعي لعمليات «التفكير» والاستدلال المنطقي

نظام "ديب سيك"
نظام "ديب سيك"

تعرض شركات مثل «أوبن إيه آي» و«ديب سيك» الصينية، روبوتات دردشة مصممة «للتأمل والتفكير» قبل الإجابة على طلبات المستخدمين. وفيما يلي شرح لأسلوب عملها.

«تفكير» الذكاء الاصطناعي

وكانت شركة «أوبن إيه آي»، كشفت في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن إصدار جديد من «تشات جي بي تي» مصمم لتنفيذ عمليات الاستدلال المنطقي اللازمة لإنجاز مهام على صلة بالرياضيات والعلوم وبرمجة الحاسوب.

وعلى عكس الإصدارات السابقة من روبوت الدردشة، يمكن لهذه النسخة الجديدة قضاء وقت في «التفكير» في مسائل معقدة قبل التوصل إلى حل.

وسرعان ما أعلنت الشركة أن تقنية الاستدلال المنطقي الجديدة الخاصة بها، تفوقت على الأنظمة الرائدة في هذا المجال، خلال سلسلة من الاختبارات المعنية بتتبع تقدم الذكاء الاصطناعي.

والآن، تطرح شركات أخرى، مثل «غوغل» و«أنثروبيك» و«ديب سيك» الصينية، تقنيات مماثلة.

وهنا، ثمة تساؤلات تطرح نفسها: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفكر منطقياً مثل الإنسان؟ وماذا يعني أن يفكر الكومبيوتر؟ هل تقترب هذه الأنظمة حقاً من عتبة الذكاء الحقيقي؟

إليك الدليل المرشد للإجابة عن هذه التساؤلات.

«تفكير منطقي»

* ماذا يعني أن يفكر نظام للذكاء الاصطناعي على نحو منطقي؟

يعني الاستدلال المنطقي ببساطة، أن يقضي روبوت الدردشة وقتاً إضافياً في العمل على حل مشكلة ما.

في هذا الصدد، شرح دان كلاين، بروفسور علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، وكبير مسؤولي التكنولوجيا لدى مؤسسة «سكيلد كوغنيشن»، الناشئة بمجال الذكاء الاصطناعي: «يُقصد بالتفكير المنطقي بذل النظام مجهوداً إضافياً بعد طرح سؤال ما عليه».

في هذه الحالة، يقسم النظام المشكلة إلى عدد من الخطوات الفردية، أو يحاول حلها عبر أسلوب التجربة والخطأ.

وفي حين تجيب النسخة الأصلية من «تشات جي بي تي» عن الأسئلة فوراً، فإن أنظمة الاستدلال المنطقي الجديدة، يمكنها العمل على حل المشكلة في غضون ثوانٍ عديدة وكثيرة، أو حتى دقائق، قبل الإجابة.

وفي بعض الحالات، يُحسّن نظام الاستدلال المنطقي منهجه تجاه حل مسألة ما، محاولاً مراراً وتكراراً تحسين الطريقة التي اختارها للوصول إلى حل. وفي أحيانٍ أخرى، قد يجرب عدة طرق مختلفة لمعالجة المسألة، قبل أن يستقر على إحداها، أو قد يعود ويراجع بعض الحلول التي أنجزها قبل ثوانٍ قليلة، فقط للتأكد من صحتها.

ببساطة، يبذل النظام كل ما في وسعه للإجابة عن سؤالك. ويشبه هذا إلى حد ما طالباً في المدرسة الابتدائية يُكافح لإيجاد طريقة لحل مسألة رياضية، فيُدوّن عدة خيارات مختلفة على ورقة.

* ما نوع الأسئلة التي تتطلب من نظام الذكاء الاصطناعي الاعتماد إلى الاستدلال المنطقي؟ يمكن للذكاء الاصطناعي اللجوء إلى الاستدلال المنطقي في أي شيء، لكن هذا التفكير المنطقي يبدي فعالية أكبر عند طرح أسئلة تتعلق بالرياضيات والعلوم وبرمجة الحاسوب.

نظام "تشات جي بي تي"

الفروق بين النظم السابقة و«المفكرة»

* ما الفرق بين الروبوتات المعتمدة على الاستدلال المنطقي وربوتات المحادثة السابقة؟ يمكنك أن تطلب من روبوتات المحادثة السابقة أن توضح لك كيفية وصولها إلى إجابة معينة أو أن تتحقق من عملها. ونظراً لأن روبوت المحادثة الأصلي ChatGPT كان يتعلم من النصوص على الإنترنت، حيث يعرض الناس كيفية وصولهم إلى إجابة أو التحقق من عملهم، فإنه يستطيع القيام بهذا النوع من التأمل الذاتي كذلك.

ومع ذلك، يذهب نظام الاستدلال المنطقي إلى أبعد من ذلك، ويمكنه الاضطلاع بهذه الأمور حتى من دون أن يُطلب منه ذلك. ويمكنه إنجاز الأمر عبر سبل أكثر شمولاً وتعقيدًا.

وتطلق الشركات على نظام استدلال المنطقي لأنها تبدو وكأنها تعمل بشكل أشبه بشخص يفكر بجد في مشكلة صعبة.

* ما أهمية الذكاء الاصطناعي الاستدلالي الآن؟ تنظر شركات مثل «أوبن إيه آي»، إلى الذكاء الاصطناعي الاستدلالي باعتباره السبيل الأمثل لتحسين أداء روبوتات الدردشة لديها. على امتداد سنوات، اعتمدت هذه الشركات على مفهوم بسيط: كلما زادت بيانات الإنترنت التي يجري ضخها في روبوتات الدردشة الخاصة بها، كان أداء هذه الأنظمة أفضل.

إلا أنه عام 2024، استنفدت مثل هذه الشركات تقريباً جميع النصوص الموجودة على الإنترنت. ويعني ذلك أنها بحاجة إلى طريقة جديدة لتحسين روبوتات الدردشة الخاصة بها. لذلك بدأت في بناء أنظمة تفكير الاستدلال المنطقي.

بناء نظم الاستدلال المنطقي

* كيف تبني نظاماً للتفكير الاستدلالي المنطقي؟ العام الماضي، بدأت شركات، مثل «أوبن إيه آي»، في تبني تكنولوجيا تسمى التعلم المعزز.

عبر هذه العملية - التي قد تمتد لأشهر - يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي تعلم أنماط السلوك، من خلال تجارب واختبارات مكثفة. مثلاً، عبر حل آلاف المسائل الرياضية، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي معرفة أي الطرق تؤدي إلى الإجابة الصحيحة، وأيها لا.

من جهتهم، صمم الباحثون آليات تغذية استرجاعية معقدة تكشف أمام النظام متى أحسن التصرف ومتى أخطأ.

وقال جيري توريك، الباحث لدى «أوبن إيه آي»: «يشبه الأمر تدريب كلب. إذا نجح النظام، تُقدم له كعكة. وإذا لم ينجح، تقول له: (كلب سيء)».

* هل التعلم المعزز مجدٍ؟ يُجدي التعلم المعزز نفعاً في مجالات مُعينة، مثل الرياضيات والعلوم وبرمجة الحاسوب، هذه المجالات التي يُمكن للشركات فيها رسم الحدود الفاصلة بين السلوك الجيد والرديء بوضوح. كما تحمل مسائل الرياضيات إجابات قاطعة.

في المقابل، لا يُجدي التعلم المعزز نفعاً في مجالات مثل الكتابة الإبداعية والفلسفة والأخلاق، حيث يصعب التمييز بين الجيد والرديء. وشرح باحثون أن هذه العملية يُمكن أن تُحسّن أداء نظام الذكاء الاصطناعي بشكل عام، حتى عندما يُجيب عن أسئلة خارج نطاق الرياضيات والعلوم.

في ذلك الصدد، أوضح جاريد كابلان، كبير مسؤولي شؤون العلوم في «أنثروبيك»: «يتعلم روبوت الدردشة تدريجياً أنماط التفكير، التي تقوده نحو الاتجاه الصحيح وتلك التي لا تقوده».

* هل التعلم المعزز وأنظمة تفكير الاستدلال المنطقي هما الشيء نفسه؟ لا. التعلم المعزز يمثل الأسلوب الذي تستخدمه الشركات لبناء أنظمة التفكير المنطقي لديها. بمعنى آخر، فإنه يشكل مرحلة التدريب، التي تسمح في النهاية لروبوتات الدردشة بالتفكير المنطقي الاستدلالي.

أخطاء الذكاء الاصطناعي «المفكر»

* هل لا تزال أنظمة التفكير المنطقي هذه ترتكب أخطاء؟ بالتأكيد. كل ما يفعله روبوت الدردشة المنطقي قائم على الاحتمالات، وهو يختار مساراً أشبه بالبيانات التي تعلم منها - سواء كانت تلك البيانات من الإنترنت أو وُلدت من خلال التعلم المعزز. بعض الأحيان، يقع اختياره على خيار خاطئ أو منافي للمنطق.

* هل هذا هو المسار المفضي إلى آلة تُضاهي الذكاء البشري؟

يختلف خبراء الذكاء الاصطناعي حول إجابة هذا السؤال. إذ لا تزال هذه الأساليب جديدة نسبياً، ولا يزال الباحثون يحاولون فهم حدودها. وفي مجال الذكاء الاصطناعي، غالباً ما تتطور الأساليب الجديدة بسرعة كبيرة في البداية، ثم تبدأ في التباطؤ.

* خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

احذر قبل المشاركة... تريندات «دُمَى الذكاء الاصطناعي» متعة أم تهديد للخصوصية؟

تكنولوجيا التطبيقات قد تستخدم صور الوجه في تقنيات التعرف البيومتري دون علم المستخدمين (كاسبرسكي)

احذر قبل المشاركة... تريندات «دُمَى الذكاء الاصطناعي» متعة أم تهديد للخصوصية؟

تحذِّر «كاسبرسكي» من مخاطر مشاركة الصور والمعلومات الشخصية عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي الترفيهي، لما قد تسببه من انتهاك للخصوصية وسرقة الهوية.

نسيم رمضان (سان فرنسيسكو - الولايات المتحدة)
تكنولوجيا أفضل خدمات الألعاب السحابية

أفضل خدمات الألعاب السحابية

تحمل الألعاب السحابية في طياتها إمكانات تعد بمستقبل مذهل؛ فبدلاً من أن تكون مقيداً بجهاز تحكم أو كومبيوتر قوي، تتيح لك خدمات البث الجديدة حرية نقل ألعابك من جها

هيلي بيري (نيويورك)
خاص الرؤية المستقبلية لـ«غوغل» ترتكز على تعدد الوسائط وتعاون العوامل الذكية وديمقراطية بناء حلول الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

خاص ما بعد النماذج الضخمة... «غوغل» تمهّد لعصر الذكاء التعاوني متعدد الوسائط

«غوغل» تكشف في «كلاود نكست 2025» عن تحول الذكاء الاصطناعي من النماذج إلى الإنتاج، مؤكدة أن العوامل الذكية تقود مستقبل الأعمال والابتكار.

نسيم رمضان (لاس فيغاس)
علوم واجهات تفاعل الدماغ والكمبيوتر تواجه اختباراً حاسماً

واجهات تفاعل الدماغ والكمبيوتر تواجه اختباراً حاسماً

تعمل كل من شركات «نيورالينك» و«سينكرون» و«نيوراكل» على توسيع نطاق التجارب السريرية، وتحاول جاهدة الوصول إلى منتجات فعلية، كما كتب أنطونيو ريغالادو،

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الواقع الافتراضي يستخدم لإنشاء بيئات ثلاثية الأبعاد تفاعلية تحاكي الواقع (المعاهد الوطنية للصحة في أميركا)

تطبيقات الواقع الافتراضي تعزز علاج الأمراض النفسية

لا يزال التشخيص الدقيق أحد أكبر التحديات في مجال الطب النفسي، حيث يتغير تشخيص أكثر من نصف المرضى النفسيين خلال 10 سنوات.

محمد السيد علي (القاهرة)

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»
TT

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»

بدأ الذكاء الاصطناعي يجد مكانه بسرعة في مكان العمل، ولكن هذا العام سيُذكر باعتباره اللحظة التي تجاوزت فيها الشركات مجرد تجربة الذكاء الاصطناعي وبدأت في البناء حوله، وفقاً لما ورد في منشور على مدونة «مايكروسوفت» مرفق بتقريرها السنوي لمؤشرات اتجاهات العمل Work Trend Index.

عام الشركات الرائدة

كجزء من هذا التحول، تُطلق مايكروسوفت على عام 2025 اسم «عام الشركات الرائدة». وقال جاريد سباتارو، مدير التسويق للذكاء الاصطناعي في قسم العمل في «مايكروسوفت»، في المنشور: «مثل الشركات الرقمية الأصلية في الجيل السابق، تُدرك هذه الشركات قوة الجمع بين الرؤى البشرية التي لا تُعوض، والذكاء الاصطناعي والوكلاء لتحقيق قيمة هائلة».

وستُبنى هذه الشركات، التي تُسمى «الشركات الرائدة» (أو الشركات الجبهوية) Frontier Firm على «الذكاء عند الطلب، مدعومة بفرق (هجينة) من البشر والوكلاء، وهذه الشركات تتوسع بسرعة، وتعمل بمرونة، وتولد قيمة أسرع»، وفقاً للتقرير.

وجادلت «مايكروسوفت» بأنه في غضون العامين إلى الخمسة أعوام المقبلة، ستكون كل شركة في طريقها لتصبح واحدة من هذه الشركات.

استراتيجيات «دمج الوكلاء»

وأوضحت «مايكروسوفت» أن 82 في المائة من القادة أجابوا، في استطلاع لها، بأن هذا عام «محوري» لإعادة التفكير في الاستراتيجيات والعمليات الرئيسية، بينما قال 81 في المائة إنهم يتوقعون دمج الوكلاء «بشكل معتدل أو مكثف» في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم في غضون 12 إلى 18 شهراً مقبلة.

وتُعد النتائج تتويجاً لبيانات استطلاع رأي من 31000 من العاملين في 31 دولة، واتجاهات التوظيف وسوق العمل في «لنكدإن LinkedIn»، وتريليونات إشارات الإنتاجية من «Microsoft 365» والمحادثات مع الخبراء، والشركات الناشئة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

3 مراحل انتقالية

وتتوقع مايكروسوفت أن يتم الانتقال إلى الشركات الرائدة على 3 مراحل. المرحلة الأولى، كما ذكرت، هي:

* أولاً - الذكاء الاصطناعي سيعمل مساعداً لتبسيط مهام العمل.

* ثانياً - إضافة وكلاء الذكاء الاصطناعي كـ«زملاء رقميين»، يمكنهم تولي مهام محددة.

* أمّا الخطوة الثالثة فتتطلب مزيداً من الحرية: إذ يُحدد البشر توجيهات الوكلاء الذين يديرون عمليات الأعمال وسير العمل بأكملها، مع قيام البشر بالتحقق من صحة البيانات عند الحاجة.

ويُقدم هذا مثالاً على دور سلسلة التوريد. إذ يمكن للوكلاء التعامل مع الخدمات اللوجيستية الشاملة، بينما يمكن للبشر توجيه الوكلاء وحل الاستثناءات وإدارة علاقات الموردين.

وكلاء الذكاء الاصطناعي

لا تزال أدوات وكلاء الذكاء الاصطناعي في مراحلها الأولى، لكن الشركات المنتجة لها تُراهن بشدة على أن الذكاء الاصطناعي الوكيل يُمثل الأفق الرئيسي المقبل، وهو تُحقق ابتكارات سريعة.

أصدرت «أوبن إيه آي» أخيراً أداة «Operator»، وهي أداة تُؤتمت المهام عبر الويب، إلى جانب Deep Research، التي تقول إنها قادرة على جمع المعلومات من جميع أنحاء الويب وتلخيصها في تقارير سهلة الفهم. وأطلقت «أمازون» نموذجاً مُصمماً للسيطرة على متصفح الويب الخاص بالمستخدم وتنفيذ مهام بسيطة. كما قدمت «أنثروبيك Anthropic»، نظما مُبتكرة من «كلود»، إضافة إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي من «غوغل».

وظائف جديدة في عصر الذكاء الاصطناعي

وذكر التقرير: «هذا التحول متعدد الأوجه - فكل صناعة ودور سيتطور بشكل مختلف مع انتشار التكنولوجيا في قطاع الأعمال والمجتمع». كما خلق عصر الإنترنت مليارات الوظائف المعرفية الجديدة - من مديري وسائل التواصل الاجتماعي إلى مصممي تجربة المستخدم - فإن عصر الذكاء الاصطناعي يُفسح المجال بالفعل لوظائف جديدة، مع المزيد منها في المستقبل.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات « تريبيون ميديا».