دراسة جديدة: نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية تفتقر لفهم حقيقي للعالم

أجراها باحثون بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

بحسب الدراسة أظهرت نماذج الذكاء الاصطناعي أنها لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم (أدوبي)
بحسب الدراسة أظهرت نماذج الذكاء الاصطناعي أنها لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم (أدوبي)
TT

دراسة جديدة: نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية تفتقر لفهم حقيقي للعالم

بحسب الدراسة أظهرت نماذج الذكاء الاصطناعي أنها لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم (أدوبي)
بحسب الدراسة أظهرت نماذج الذكاء الاصطناعي أنها لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم (أدوبي)

أظهرت نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، مثل النماذج التي يقوم عليها نموذج «GPT-4»، قدرات مذهلة في توليد النصوص، سواء أكان ذلك في كتابة الشعر، أو تأليف المقالات، حتى تقديم حلول برمجية. تُدرَّب هذه النماذج، المعتمدة على بنى معمارية متقدمة تُعرف باسم «المحوّلات» (Transformers)، على توقع تسلسل الكلمات، ما يمكّنها من الاستجابة للمطالبات بطرق تحاكي فهماً يشبه البشري. ومع ذلك، تشير أبحاث حديثة إلى أن هذه النماذج، على الرغم من قدراتها المثيرة للإعجاب، قد لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم.

خريطة لمدينة نيويورك الأميركية (أدوبي)

التنقل في مدينة نيويورك دون خريطة

في دراسة حديثة قادها آشِش رامباتشان، أستاذ مساعد في الاقتصاد وباحث في مختبر نظم المعلومات واتخاذ القرار بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (LIDS)، قام الباحثون باختبار مدى قدرة نموذج لغوي مبني على «المحوّلات» على التنقل في مدينة نيويورك. وبينما أظهر النموذج دقة عالية في تقديم توجيهات دقيقة خطوة فخطوة عبر شبكة شوارع المدينة، تراجع أداؤه بشكل كبير عندما تمت إضافة عراقيل مثل إغلاق بعض الشوارع والتحويلات.

وعندما حلّل الباحثون أنماط التنقل التي أنتجها النموذج، اكتشفوا أن «خرائط» مدينة نيويورك التي كوّنها النموذج كانت تحتوي على مسارات غير واقعية، مثل شوارع غير موجودة وروابط غير دقيقة بين تقاطعات متباعدة. هذا الاكتشاف أثار تساؤلات حول حدود هذه النماذج، خاصة في البيئات التي تتطلب دقة كبيرة.

التداعيات في العالم الحقيقي

تنطوي هذه القيود على تداعيات هامة. فعلى الرغم من أن نماذج الذكاء الاصطناعي تبدو قادرة على التعامل مع مهام معقدة، فإن أداءها قد يتراجع بشكل كبير عندما تتغير المتغيرات البيئية، ولو بشكل بسيط. على سبيل المثال، قد يتمكن النموذج من التنقل في خريطة ثابتة لمدينة نيويورك، لكنه يتعثر عند مواجهة تحديات غير متوقعة، مثل إغلاق الشوارع. ويحذر فريق البحث من أن استخدام هذه النماذج في تطبيقات حقيقية قد يؤدي إلى فشل غير متوقع إذا واجهت سيناريوهات خارجة عن بيانات التدريب.

لعبة «أوثيللو» هي لعبة ألواح استراتيجية يشارك فيها لاعبان يلعبان على لوح مقسم إلى 8 × 8 مربعات غير مختلفة اللون (أدوبي)

مقاييس لتقييم الفهم

لمزيد من التعمق في مدى قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على تكوين «نماذج للعالم»، أي تمثيلات داخلية للقواعد والهيكليات، طوّر الفريق مقياسين جديدين للتقييم، هما «تمييز التسلسل» و«ضغط التسلسل».

يقيس «تمييز التسلسل» قدرة النموذج على التمييز بين سيناريوهات مختلفة، مثل تمييز موضعين مختلفين على لوحة لعبة «أوثيللو». ويقيّم المقياس ما إذا كان النموذج يفهم أن مدخلات مختلفة تحمل دلالات مختلفة.

أما مقياس «ضغط التسلسل» فيقيّم قدرة النموذج على إدراك الحالات المتطابقة، مثل وضعين متطابقين على لوحة لعبة «أوثيللو»، ويفهم أن خطوات التحرك التالية من كل وضع يجب أن تكون متشابهة.

قام الفريق باختبار هذه المقاييس على فئة معينة من المسائل تشمل تسلسلاً محدداً من الحالات والقواعد، مثل التنقل في شبكة شوارع أو لعب «أوثيللو». من خلال هذه التقييمات، سعى الباحثون لفهم ما إذا كانت النماذج قد طوّرت بالفعل نماذج منطقية للعالم.

العشوائية قد تؤدي إلى فهم أعمق

كشف البحث عن نتيجة غير متوقعة، حيث أظهرت النماذج التي دربت على تسلسلات عشوائية قدرة أكبر على بناء نماذج داخلية دقيقة مقارنة بتلك التي دربت على بيانات منظمة. على سبيل المثال، في لعبة «أوثيللو»، كانت النماذج المدربة على حركات عشوائية قادرة على التعرف على جميع الحركات الممكنة، حتى الحركات غير المثلى التي لا يلجأ إليها اللاعبون المحترفون.

وأوضح كيون فافا، الباحث الرئيسي وأستاذ زائر في جامعة هارفارد، أنه «من الناحية النظرية، عندما يتم تدريب النموذج على حركات عشوائية، فإنه يرى مجموعة كاملة من الاحتمالات، بما في ذلك الخيارات غير المحتملة». ويبدو أن هذا التعرض الواسع «يساعد النموذج في تكوين نموذج أكثر دقة للعالم، وإن لم يلتزم بالأسلوب الأمثل».

ورغم هذه النتائج، لم يستطع أي من النماذج تكوين نموذج منطقي متكامل للعالم في مهمة التنقل. وعندما أضاف الباحثون تحويلات إلى خريطة نيويورك، فشلت جميع النماذج في التكيف. وأشار فافا إلى أن «التراجع في الأداء كان مفاجئاً؛ إغلاق واحد في المائة فقط من الشوارع تسبب في انخفاض الدقة بشكل حاد، من أداء شبه مثالي إلى 67 بالمائة فقط».

تراجع أداء نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل كبير عندما تتغير المتغيرات البيئية ولو بشكل بسيط (أدوبي)

بناء نماذج للعالم موثوقة

تسلط نتائج هذه الدراسة الضوء على تحدٍ كبير، يتمثل في أنه عندما تبدو المحوّلات قادرة على أداء مهام معينة، فإنها قد تفتقر إلى الفهم الأساسي للقواعد. وشدّد رامباتشان على ضرورة الحذر، قائلاً: «غالباً ما يفترض الناس أنه بما أن هذه النماذج تحقق نتائج رائعة، فلا بد أنها طوّرت فهماً جوهرياً للعالم. لكن دراستنا تشير إلى أننا بحاجة إلى النظر في هذا الافتراض بعناية وعدم الاعتماد على الحدس فقط».

ويخطط الباحثون لتوسيع دراستهم لتشمل تحديات أكثر تعقيداً حيث قد تكون القواعد غير معروفة كلياً أو متغيرة. وباستخدام مقاييسهم التقييمية على هذه المجالات، يأملون في فهم حدود نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل وتوجيه تطويرها في المستقبل.

تداعيات أوسع وأهداف مستقبلية

تتجاوز تداعيات هذا البحث فهم العالم الافتراضي، وتمس التطبيقات العملية. إذا كانت نماذج الذكاء الاصطناعي غير قادرة على تكوين نماذج داخلية دقيقة للعالم، فإن ذلك يثير تساؤلات حول استخدامها في مجالات تتطلب منطقاً دقيقاً، مثل القيادة الذاتية، والأبحاث العلمية، والتخطيط اللوجستي. ويقول الباحثون إن الحاجة ملحة لإعادة التفكير في كيفية تدريب هذه النماذج وتقييمها لتكون أكثر تكيفاً وموثوقية.

هذا البحث مدعوم من قبل عدة مؤسسات، بما في ذلك مبادرة علوم البيانات في جامعة هارفارد، ومؤسسة العلوم الوطنية، ومؤسسة ماك آرثر. سيتم عرض الدراسة في مؤتمر نظم معالجة المعلومات العصبية، حيث سيواصل الباحثون مناقشة تعقيدات نماذج الذكاء الاصطناعي واستكشاف مسارات جديدة لتطويرها.


مقالات ذات صلة

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

تكنولوجيا ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستتأثر السياسات التكنولوجية بنتائج الانتخابات الأميركية بشكل كبير بسبب اختلاف رؤى كل مرشح حول تنظيم الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات ومكافحة الاحتكار.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا توفر «غاما» منصة ذكية لإنشاء العروض التقديمية بسرعة معتمدة على الذكاء الاصطناعي لتبسيط عملية التصميم (غاما)

كيف تسهّل منصة «غاما» العروض التقديمية عبر الذكاء الاصطناعي؟

يمكن الآن للمستخدمين تحويل أفكارهم إلى شرائح عرض احترافية وجاهزة في ثوانٍ، ودون عناء التنسيق اليدوي.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
يوميات الشرق شعار تطبيق «تيك توك» (رويترز)

عائلات فرنسية تقاضي «تيك توك» بعد انتحار مراهقَين

رفعت 7 عائلات فرنسية دعوى قضائية ضد تطبيق «تيك توك»، متهمة المنصة بتعريض أطفالها المراهقين لمحتوى ضار أدى إلى انتحار اثنين منهم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
خاص تستثمر «ساس» أكثر من مليار دولار في بحث وتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي مع التركيز على السعودية كسوق رئيسية لها في المنطقة (شاترستوك)

خاص «ساس»: دمج البيانات الحقيقية والاصطناعية سيقود التحول الرقمي في السعودية

في حديث لـ«الشرق الأوسط»، تؤكد شركة «ساس» التزامها بدعم أهداف رؤية 2030 عبر استثمارات في البحث والتطوير لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (دبي)
تكنولوجيا شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)

عبر «ميتا»... باحثون صينيون يطوّرون نموذج ذكاء اصطناعي لأغراض عسكرية

كشف محللون و3 أوراق أكاديمية، أن مؤسسات بحثية مرتبطة بجيش التحرير الشعبي الصيني تستغل نموذج «لاما» في تطوير أداة ذكاء اصطناعي لاستخدامها في تطبيقات عسكرية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
TT

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)

بينما يبدأ الناخبون الأميركيون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تولي صناعة التكنولوجيا في أميركا اهتماماً كبيراً للنتائج المحتملة التي ستكون لها تأثيرات كبيرة على الذكاء الاصطناعي، وخصوصية البيانات، وتنظيمات مكافحة الاحتكار، والابتكار التقني بشكل عام. هذه القضايا أصبحت أكثر إلحاحاً مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي، ما يجعل من الضروري تقييم كيفية تأثير سياسات كل مرشح على مستقبل التكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والسلامة

يعدّ الذكاء الاصطناعي أحد القضايا التقنية الأكثر أهمية في هذه الانتخابات، حيث تتسارع وتيرة تطوير وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكذلك النقاشات حول تنظيمها، والمعايير الأخلاقية، والتنافسية العالمية.

وقد أعربت المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس عن التزام قوي بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مركزةً على أهمية الالتزام بمعايير أخلاقية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقت إدارة بايدن - هاريس تنظيمات جديدة للذكاء الاصطناعي في عام 2023، تهدف إلى معالجة قضايا مثل الشفافية الخوارزمية، والتحيزات المحتملة، ومعايير الأمان. وتهدف هذه التدابير إلى حماية المستهلكين ومنع الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، ولكن بعض خبراء الصناعة يخشون أن تعيق هذه التدابير الابتكار. وترى هاريس أنه من دون الضوابط المناسبة، يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وعواقب غير مقصودة، ما يعكس نهجاً حذراً لتكامل الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول مع مراعاة المخاوف الأخلاقية.

من المتوقع أن يمنح المرشح الجمهوري دونالد ترمب شركات التكنولوجيا الكبرى حرية أكبر بالأسواق الأميركية (أدوبي)

على النقيض من ذلك، يدعو مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب إلى اتباع نهج أكثر حرية فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي. ترمب يرى أن التنظيم الزائد يمكن أن يعرقل بقاء الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، خاصة أمام دول مثل الصين التي تستثمر بشكل كبير في هذه التكنولوجيا مع قيود تنظيمية أقل. ومن المتوقع أن يركز ترمب، بالتعاون مع قادة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك مالك شركة «إكس» على تخفيف الضوابط حول تطوير الذكاء الاصطناعي لدفع الابتكار بوتيرة أسرع. وقد يساهم هذا النهج في تحقيق تقدم تكنولوجي أسرع، لكن البعض يخشى أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات اجتماعية غير متوقعة ويخلق تحديات فيما يتعلق بالشفافية والمساءلة في استخدام الذكاء الاصطناعي.

الاختلاف بين هاريس وترمب حول الذكاء الاصطناعي يعكس النقاشات الأوسع حول تحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم، حيث تركز هاريس على ضرورة ضمان الأمان والاعتبارات الأخلاقية، بينما يركز ترمب على الميزة التنافسية مع حواجز تنظيمية أقل أمام قطاع التكنولوجيا.

يرى مراقبون أن الانتخابات ستحدد مسار التكنولوجيا بين تنظيم حذر أو حرية أكبر (أدوبي)

خصوصية البيانات

بلا أدنى شك، أضحت خصوصية البيانات واحدة من أهم القضايا الملحة في مشهد التكنولوجيا، حيث ازداد الوعي بالطرق التي تتبعها الشركات لجمع وتخزين واستخدام البيانات الشخصية، ما يخلق طلباً متزايداً على قوانين شاملة لحماية خصوصية البيانات التي تضمن حقوق الأفراد وتدعم النمو الرقمي.

ولطالما كانت كامالا هاريس مناصرة قوية لحماية خصوصية البيانات، مستلهمةً من خلفيتها كمدعية عامة سابقة لولاية كاليفورنيا، حيث أشرفت على تنفيذ قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) الذي يمكن لجميع سكان كاليفورنيا بموجبه ممارسة الحق في طلب جميع البيانات الخاصة بهم التي قامت الشركات بتخزينها. وتؤمن هاريس بأهمية وضع معايير فيدرالية لحماية البيانات، تدعم من خلالها تمكين الأفراد من السيطرة على بياناتهم، وتنظم كيفية جمع ومشاركة الشركات للمعلومات، وتعزز الشفافية. ويمكن أن توفر هذه التدابير ثقة أكبر للمستهلكين في الخدمات الرقمية، لكنها قد تفرض أيضاً أعباء امتثال إضافية على شركات التكنولوجيا، خاصة الشركات الصغيرة التي تملك موارد محدودة.

في مقابل ذلك، لم يحدد دونالد ترمب موقفاً واضحاً بشأن خصوصية البيانات. خلال فترة رئاسته السابقة، كانت إدارته تفضل تقليل الأعباء التنظيمية على الشركات، وامتد هذا النهج إلى تشريعات الخصوصية. ويركز ترمب بشكل عام على تعزيز النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أن تقليل القوانين التنظيمية يسمح للشركات بالازدهار دون تدخل بيروقراطي. في حين أن هذا النهج قد يوفر مرونة لشركات التكنولوجيا، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يأتي على حساب حقوق خصوصية المستهلك وأمن البيانات.

وجهات النظر المتباينة بين المرشحَين حول خصوصية البيانات تؤكد على أهمية الانتخابات المقبلة في تحديد المستقبل الرقمي، حيث يمكن أن يؤدي موقف هاريس إلى مشهد أكثر تنظيماً يهدف إلى حماية بيانات المستهلك، بينما قد يركز نهج ترمب على مرونة الشركات، ما يترك حماية الخصوصية بشكل أكبر للشركات نفسها.

كامالا هاريس أظهرت دعمها تنظيم الذكاء الاصطناعي لضمان السلامة ومعالجة التحيزات الخوارزمية (أ.ف.ب)

تنظيمات مكافحة الاحتكار

دور الشركات التكنولوجية الكبيرة في الاقتصاد هو موضوع آخر مثير للجدل في انتخابات 2024. هيمنة شركات مثل «أبل» و«غوغل» و«ميتا» و«أمازون» أدت إلى دعوات من كلا الحزبين لتشديد الرقابة المتعلقة بمكافحة الاحتكار واتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز المنافسة العادلة. ويدرك كلا المرشحين التحديات التي تطرحها هذه الشركات القوية، لكنهما يقترحان حلولاً مختلفة.

أبدت كامالا هاريس دعماً مستمراً لنهج إدارة جو بايدن الصارم تجاه تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار. وقد قامت الإدارة بملاحقة عدد من القضايا البارزة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، بهدف كبح الممارسات الاحتكارية، وزيادة المنافسة، وخلق ظروف سوق أكثر عدالة. كما يشمل برنامج هاريس التزاماً بتفكيك الاحتكارات التكنولوجية إذا لزم الأمر، مع التركيز على الحالات التي تتحكم فيها الشركات التكنولوجية الكبرى بشكل مفرط في الأسواق أو تعرقل الابتكار. ويشير نهج هاريس إلى استعدادها لاستخدام السلطة الفيدرالية لمساءلة الشركات الكبرى ومنع الممارسات غير التنافسية، بهدف تحقيق توازن بين مصالح المستهلكين والشركات الصغيرة.

دونالد ترمب كان أيضاً ناقداً للتكنولوجيا الكبيرة، لكن نهجه في تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار كان أقل تنظيماً. بينما عبّر ترمب عن استيائه من شركات التكنولوجيا الكبيرة، غالباً ما كانت دوافعه مدفوعة بخلافات شخصية، ولم تتبع إدارة ترمب نهجاً ثابتاً تجاه تنظيم الاحتكار. إذا فاز ترمب في الانتخابات، فمن المتوقع أن تتبنى إدارته نهجاً أقل تنظيماً بشكل عام، مع التركيز على تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد. قد يوفر هذا مزيداً من الحرية للشركات التكنولوجية الكبرى، لكنه قد يثير المخاوف بشأن قوة السوق غير المقيدة وقلة المنافسة.

تحظى خصوصية البيانات بأهمية قصوى مع تزايد الوعي بحماية المستخدمين (أدوبي)

الاستثمار في الاقتصاد المستقبلي

يعتمد مستقبل قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة أيضاً على آراء كل مرشح حول تعزيز الابتكار. ويدرك كل من هاريس وترمب أهمية الاستثمار في التكنولوجيا من أجل النمو الاقتصادي، لكن لديهما رؤى مختلفة حول أفضل السبل لدعم الابتكار في عالم رقمي سريع التغير.

كامالا هاريس قدّمت نفسها كداعم لسياسات داعمة للتكنولوجيا، بما في ذلك المبادرات للاستثمار في وصول الإنترنت عريض النطاق، وصناعة أشباه الموصلات، والبنية التحتية الرقمية. ويعكس تركيزها على خلق بيئة تقنية تنافسية ومنظمة إيمانها بدور الحكومة في توجيه الابتكار المسؤول. وتدعو هاريس أيضاً إلى سياسات تشجع على تكوين قوة عمل تقنية متنوعة وشاملة، بهدف جعل الاقتصاد الرقمي متاحاً لجميع الأميركيين. ومع ذلك، فإن التزامها بالإجراءات التنظيمية، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات، دفع بعض قادة الصناعة إلى التساؤل عما إذا كانت سياساتها قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة التقدم التكنولوجي.

أما دونالد ترمب فيظهر دعماً لبيئة غير منظمة لتشجيع الابتكار، مع التركيز على الحوافز الاقتصادية وتقليل تدخل الحكومة. اختياره جيه دي فانس شريكاً مرشحاً له يدعم موقفه الذي يحظى بدعم شخصيات بارزة في وادي السيليكون الذين يفضلون الحد الأدنى من التنظيم، خاصة فيما يتعلق بالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا واستثمارات رأس المال الجريء. ومن المتوقع أن تركز سياسات ترمب على تقليل الحواجز أمام شركات التكنولوجيا الناشئة وخلق بيئة صديقة للأعمال مع قيود تنظيمية أقل. في حين أن هذا النهج قد يحفز النمو الاقتصادي، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يؤدي إلى نقص الرقابة، ما قد يضرّ بالمستهلكين أو يؤدي إلى ممارسات تجارية غير أخلاقية.

ومن خلال التركيز على التنظيم والاعتبارات الأخلاقية أو على إلغاء التنظيم والنمو الاقتصادي، يعكس كل مرشح نهجه في الابتكار الفجوة الآيديولوجية الأوسع حول كيفية تطوير قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

محورية لمستقبل التكنولوجيا

يقدم المرشحان في الانتخابات الرئاسية الأميركية للناخبين رؤيتين متمايزتين لمستقبل سياسة التكنولوجيا. يتمحور نهج كامالا هاريس حول التنظيم المسؤول، وحماية المستهلك، والمعايير الأخلاقية، بهدف خلق قطاع تكنولوجي يركز على العدالة والمساءلة. على النقيض من ذلك، يركز نهج دونالد ترمب على إلغاء التنظيم والابتكار السريع، مع أولوية للنمو الاقتصادي والتنافسية الوطنية.

وكما يبدو، يمثل كل مسار فوائده ومساوئه المحتملة، حيث يمكن أن يؤدي نهج هاريس إلى صناعة تقنية أكثر أماناً وعدالة، لكنه قد يبطئ بعض أشكال الابتكار، بينما قد تسهم سياسات ترمب في تسريع التقدم التقني والنمو الاقتصادي، لكنها قد تثير المخاوف بشأن الخصوصية واحتكار السوق والممارسات الأخلاقية.