النظارات الذكية... تطورات كبرى

تدمج الحوسبة بسلاسة أكثر في الحياة اليومية

نظارات "اوريون" الجديدة"
نظارات "اوريون" الجديدة"
TT

النظارات الذكية... تطورات كبرى

نظارات "اوريون" الجديدة"
نظارات "اوريون" الجديدة"

في حدث تقني باهر، وقف مارك زوكربيرغ على مسرح في كاليفورنيا أخيراً وهو يحمل ما بدا أنه زوج من النظارات السوداء السميكة، وأطلق إعلاناً جريئاً: هذه هي أوريون Orion، «أكثر النظارات تقدما في العالم على الإطلاق».

نظارات «أوريون»

تسمح هذه النظارات، التي لا تزال مجرد نموذج أولي في الوقت الحالي، للمستخدمين بإجراء مكالمات الفيديو ومشاهدة الأفلام ولعب الألعاب فيما يسمى بـ«الواقع المعزز»، حيث تتداخل الصور الرقمية مع العالم الحقيقي.

وأظهرت مقاطع الفيديو التوضيحية في «ميتا كونكت»، المؤتمر السنوي للشركة، أشخاصاً وهم يلعبون لعبة «بونغ» Pong على النظارات، حيث تعمل أيديهم كمجاديف. كما أظهرت كذلك استخدام النظارات لعرض شاشة تلفزيون على جدار فارغ تماماً. وقال زوكربيرغ: «كثير من الناس قالوا إن هذه هي أروع تقنية رأوها على الإطلاق».

وبرغم أنك لن تتمكن من شراء النظارات في أي وقت قريب، فإن «ميتا» تروج لمنتجات أبسط بكثير في هذه الأثناء: سماعة الرأس «كويست» الجديدة، وجولة جديدة من تحديثات البرامج لنظارات «راي بان» الذكية الخاصة بالشركة، التي تحتوي على كاميرات ومساعد صوتي بالذكاء الاصطناعي على متنها، ولكن ليس هناك شاشة في العدسات.

تطور تصاميم النظارات

يبدو أن «أوريون» هي محاولة لدمج هذين الجهازين، مما يجلب تجربة حاسوبية غامرة بالكامل إلى تقنية قد يكون الناس بالفعل مرتاحين لوضعها على وجوههم. ولن تكون، كما قد لاحظت، المنتج الوحيد للنظارات الذكية الذي ظهر في الأشهر الأخيرة. إذ تعمل «أمازون»، و«غوغل»، و«أبل»، و«سناب» جميعها رسمياً على بعض إصدارات هذه التقنية، أو يُشاع أنها تفعل ذلك.

تختلف كل شركة قليلاً من حيث التنفيذ، لكنها تشير إلى فكرة واحدة: أن المستقبل يتعلق بدمج الحوسبة بشكل أكثر سلاسة في الحياة اليومية.

لم تعد الهواتف الذكية مثيرة للاهتمام، وقد تراجع سوقها خلال السنوات القليلة الماضية. الفكرة الجديدة الرئيسية هناك هي الشاشات القابلة للطي، التي تسمح فعلياً لهاتفك بالتحول إلى جهاز لوحي - برغم أن مبيعات الأجهزة اللوحية قد تباطأت أيضاً. لم يتم اعتماد أجهزة الواقع الافتراضي التي أنفقت عليها الشركات المليارات على نطاق واسع.

تراهن هذه الشركات بشكل كبير على رغبة الناس في التحقق من الطقس من دون إخراج الهاتف الذكي - وأنهم أكثر استعداداً لارتداء زوج من نظارات «راي بان» المزودة بكاميرات بدلاً من قضاء ساعات في عالم الميتافيرس «الخيالي». وبعد سنوات من البدايات الخاطئة في مجال النظارات، فإنهم يراهنون على أن الذكاء الاصطناعي - على الرغم من بعض الإخفاقات البارزة - سيكون ما يساعدهم في النهاية على تحقيق هذه الرؤية.

سلسلة تطويرات تاريخية

عملت شركات التكنولوجيا على النظارات الذكية لعقود. بدأت أول النظارات الذكية الحقيقية للمستهلكين في الظهور في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، لكن لم يحقق أي منها الرواج.

* نظارات «غلاس» Glass. في عام 2013، أطلقت «غوغل» نظاراتها الشهيرة التي يمكن استخدام الإطار المعدني الرقيق فيها المزود بكاميرا وشاشة صغيرة فوق إحدى العينين للتحقق من رسائل البريد الإلكتروني والتقاط الصور والحصول على الاتجاهات.

وكانت النظارات متقدمة على عصرها، لكن الجمهور العام شعر بالخوف من فكرة الكاميرات الموجودة على الوجه التي تراقبهم باستمرار. وفي عام 2015، تخلت «غوغل» عن الفكرة القائلة بأن نظارة «غلاس» قد تكون يوماً ما منتجاً للمستهلك، برغم أن النظارات استمرت كجهاز مؤسسي حتى العام الماضي.

* نظارات «سبكتاكلس» Spectacles. لم يردع فشل نظارة «غلاس» الشركات الأخرى من تجربة الأمر. في عام 2016، أطلقت «سناب شات» أول جيل من نظاراتها التي تسمح للمستخدمين بالتقاط الصور ومقاطع الفيديو من الكاميرات المثبتة فوق كل عين، ثم نشرها على حسابهم.

* نظارات «إيكو فريمز» Echo Frames. في عام 2019، انضمت «أمازون» إلى المضمار عندما أعلنت عن هذه النظارات الذكية - من دون كاميرا مدمجة والمزودة بمساعد «أليكسا» - والتي بيعت للجمهور في العام التالي.

* نظارات «راي بان» Ray-Ban. وأطلقت «ميتا»، التي كانت تسمى سابقاً «فيسبوك»، أول إصدار من تعاونها مع شركة «راي بان» في عام 2021، على الرغم من عدم اكتساب النظارات رواجاً. ثم هناك سماعات الواقع الافتراضي، مثل خط «كويست» من «ميتا».

* نظارة «فيجين برو» Vision Pro. في الصيف الماضي، أعلنت «أبل» عن هذه النظارات. واعتبر بعض الخبراء هذا «عصر النظارات الذكية»، برغم أن الغرض الدقيق من هذه السماعات غالية الثمن غير واضح.

تقبل ضعيف من الجمهور

يبدو أن المستهلكين يتساءلون أيضاً عن الغرض من ورائها. أفاد أحد المحللين أن مبيعات نظارة «فيجين برو» كانت ضئيلة للغاية لدرجة أن «أبل» قلصت من إنتاجها. وبحسب موقع «ذا إنفورميشن»، أوقفت الشركة العمل على النموذج التالي، بينما ألغت «ميتا» جهازها المنافس بالكامل.

من بعض النواحي، تعد لحظة النظارات هذه نوعا من التراجع: اعترافاً بأن الناس قد يكونون أقل ميلا للانغماس تماماً في الواقع الافتراضي أكثر من ارتداء زوج من النظارات الشمسية التي يمكنها تسجيل الفيديو. من المفترض أن تبدو هذه الأجهزة - والإحساس الذي تبعثه - أكثر طبيعية، مع السماح بميزات الحوسبة المحيطة، مثل القدرة على تشغيل الموسيقى في أي مكان فقط عن طريق التحدث أو بدء مكالمة هاتفية من دون الحاجة إلى وضع سماعات الرأس.

تطورات وإشكالات الذكاء الاصطناعي

* الذكاء الاصطناعي هو جزء كبير من هذه التطويرات. التطورات الجديدة في نماذج اللغات الكبيرة تجعل من روبوتات الدردشة الحديثة تبدو أكثر ذكاء وأكثر تحادثية، وهذه التقنية تجد بالفعل طريقها إلى النظارات. وتحتوي كل من نظارات «ميتا» و«أمازون» على مساعدين صوتيين مدمجين يمكنهم الإجابة على الأسئلة (كيف تتنفس الحيتان؟) ويمكنهما تشغيل الموسيقى (شغل «Teenage Dirtbag»).

يمكن لنظارات «راي بان» من «ميتا» القيام بعملية «البحث» باستخدام كاميراتها، مما يوفر وصفاً صوتياً لما هو موجود في مجال رؤيتها. ومن تجربتي، يمكن أن تكون الدقة صائبة أو خاطئة: عندما طلبت من المساعد الصوتي العثور على كتاب شعر على رف الكتب الخاص بي، قال إنه لم يكن هناك كتاب، متجاهلاً مجموعة مختارة من كلمة الشعر في العنوان، برغم أنه حدد نسختي من «ذا ووترغيت» لجوزيف رودوتا عندما طلبت منه العثور على كتاب عن المَعلم، وهو واحد من معالم واشنطن.

وقال زوكربيرغ، في فعالية «كونكت»، إن الشركة تخطط لمواصلة تحسين الذكاء الاصطناعي، مع إصدارين كبيرين في الأشهر القليلة المقبلة. ستمنح هذه التحديثات النظارات القدرة على الترجمة في الوقت الفعلي، وكذلك مسح رموز «الاستجابة السريعة» وأرقام الهواتف على المنشورات أمامك. وأضاف أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً على «تذكر» أشياء مثل مكان ركن سيارتك.

وأظهر أحد العروض التوضيحية امرأة وهي تفتش في خزانة ملابسها وتطلب من المساعد الصوتي الذكي مساعدتها في اختيار ملابس لحفلة ذات طابع خاص.

* إشكالات الذكاء الاصطناعي واضحة. ولكن ما إذا كان مساعدو الذكاء الاصطناعي سوف يتحلون في واقع الأمر بالقدر الكافي من الذكاء لكي يدركوا أن كل هذا لا يزال يشكل سؤالاً مفتوحاً إلى حد ما. بشكل عام، يسعى الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الاستشهاد بمصادره، وغالباً ما يخطئ في فهم الأمور، مما قد يحد من الفائدة الكلية للنظارات الذكية.

وعلى الرغم من أن الشركات تقول إن التكنولوجيا سوف تتحسن يوماً بعد يوم، فإن هذا ليس مؤكداً تماماً: إذ ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه عندما حاولت شركة «أمازون» تزويد المساعد «أليكسا» بنماذج لغة كبيرة جديدة، أصبح المساعد في الواقع أقل موثوقية في بعض المهام.

تحديات صعبة

إن منتجات مثل «أوريون» - التي لا تعد فقط بميزات الذكاء الاصطناعي وإنما أيضاً باندماج كامل وسلس للعالم الرقمي في الواقع المادي - تواجه تحديات أكثر صعوبة. من الصعب حقاً أن تدمج الكثير من القدرات في نظارات تبدو شبه طبيعية. إذ تحتاج إلى أن تكون قادراً على تركيب بطارية وكاميرا ومكبرات صوت وشرائح معالجة كل ذلك في جهاز واحد. في الوقت الحالي، حتى بعض من أكثر النظارات الحديثة تتطلب منك أن تكون مرتبطاً بأجهزة إضافية لاستخدامها.

ووفقاً لأليكس هيث من موقع «ذا فيرج»، تتطلب نظارات «أوريون» «قرص الحوسبة» اللاسلكي الذي لا يمكن أن يكون أكثر من نحو 12 قدماً بعيداً عنها - وهو أمر لم يذكره زوكربيرغ بالتأكيد على المسرح.

ولا تتطلب أحدث نظارات «سناب»، التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر، أي أجهزة إضافية - ولكن عمر البطارية لديها يستمر 45 دقيقة فقط، ولا تزال تبدو كبيرة وغير عملية. أصبحت مشكلة الأجهزة مصدر إزعاج لأجيال من النظارات الذكية، ولا يوجد في الأفق حل أنيق.

ولكن ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه هذا الجيل من النظارات الذكية ليس الأجهزة أو البرامج. إنه تحدٍ فلسفي. فقد يشعر الناس الآن بالضغوط من الطريقة التي تسللت بها التكنولوجيا بصورة شاملة إلى تفاعلاتنا اليومية. إنهم يشعرون بالإدمان على هواتفهم.

* «ذي أتلانتيك»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

الجمهوريون يسعون لكسب أصوات مسيحيي «الآميش» في بنسلفانيا المتأرجحة

الولايات المتحدة​ لافتة تدعم الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)

الجمهوريون يسعون لكسب أصوات مسيحيي «الآميش» في بنسلفانيا المتأرجحة

يسعى الحزب الجمهوري إلى جذب أصوات طائفة «الآميش» المسيحية في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة في الانتخابات المقبلة، رغم أن «الآميش» نادراً ما يدلون بأصواتهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث خلال فعالية انتخابية في بيتسبرغ ببنسلفانيا الأميركية 26 أكتوبر 2024 (رويترز)

بايدن ينتقد ماسك بسبب تقرير عن عمله بشكل غير قانوني في أميركا

انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن، إيلون ماسك بسبب «نفاقه بشأن الهجرة» بعد تقرير منشور يفيد بأن الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» عمل ذات يوم بشكل غير قانوني في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ خلال فعالية انتخابية في ميشيغان 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

​الناخبون الأميركيون يخشون العنف والمساعي لقلب النتائج بعد الانتخابات الرئاسية

يقترب الناخبون الأميركيون من الانتخابات الرئاسية بقلق عميق بشأن ما قد يتبع العملية الانتخابية بما في ذلك احتمال اندلاع عنف سياسي ومحاولات لقلب النتائج.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تمثال ذهبي لترمب على هيئة بطل خارق خلال تجمع لأنصاره بفلوريدا في 27 أكتوبر 2024 (رويترز)

السياسة الخارجية في عهدة ترمب... هز الثوابت في العالم مجدداً؟

في ظل احتمالات فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات، فإن المخاوف تزداد من قدرته على هز الثوابت والقواعد في السياسة الخارجية الأميركية.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك يشارك في فعالية انتخابية لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر يوم 5 أكتوبر (أ.ب)

ماسك يتعهد بخفض تريليونَي دولار من الميزانية إذا فاز ترمب بالانتخابات

قال الملياردير الأميركي إيلون ماسك، إنه يستطيع خفض تريليونَي دولار على الأقل من الميزانية الفيدرالية، في حال فوز ترمب بالانتخابات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

سيدة تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها إلى الانتحار

السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)
السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)
TT

سيدة تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها إلى الانتحار

السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)
السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)

اتهمت سيدة أميركية روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار بعد أن أصبح «مهووساً به».

وبحسب صحيفة «الغارديان»، فقد رفعت ميغان غارسيا دعوى مدنية ضد شركة Character.ai، المطورة لروبوت الدردشة الذي كان يستخدمه نجلها سيويل سيتزر (14 عاماً)، في محكمة فيدرالية بولاية فلوريدا، أمس (الأربعاء)، متهمة إياها بـ«الإهمال والقتل الخطأ لابنها والقيام بممارسات تجارية خادعة».

وتوفي سيتزر في أورلاندو بولاية فلوريدا في فبراير (شباط) الماضي. وفي الأشهر التي سبقت وفاته، استخدم سيتزر روبوت الدردشة ليلاً ونهاراً، وفقاً لغارسيا.

ميغان غارسيا ونجلها (صورة من حسابها على فيسبوك)

وقالت الأم: «كان سيتزر مفتوناً بالروبوت وأطلق عليه لقب دينيريس تارغيريان - شخصية في مسلسل (صراع العروش Game of Thrones) - وقد كان يرسل رسائل نصية إلى الروبوت عشرات المرات يومياً من هاتفه ويقضي ساعات بمفرده في غرفته يتحدث معه».

وأكملت: «لقد كان ابني يعاني من الاكتئاب، وقد سأله الروبوت في وقت ما عما إذا كان قد وضع خطة لقتل نفسه، واعترف سيتزر بأنه فعل ذلك لكنه لا يعرف ما إذا كانت الخطة ستنجح أو عما إذا كانت ستسبب له ألماً كبيراً، وحينها أخبره الروبوت بأن هذا ليس سبباً لعدم المضي قدماً في الخطة».

وأضافت غارسيا في بيان صحافي: «لقد أساء روبوت الدردشة الخطير إلى ابني واستغله، وتلاعب به حتى أنهى حياته».

وتابعت: «لقد دمرت هذه المأساة عائلتنا، لكنني أتحدث علناً في هذا الأمر لتحذير العائلات من مخاطر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخادعة والمسببة للإدمان وأطالب بمساءلة (Character.AI) ومؤسسيها و(غوغل) في هذا الشأن».

ونفت «Character.AI» ما جاء في الدعوى. وقالت في تغريدة: «نحن حزينون بسبب الخسارة المأساوية لأحد مستخدمينا ونريد أن نعرب عن أعمق تعازينا للعائلة. بوصفنا شركة، نأخذ سلامة مستخدمينا على محمل الجد».