كيف يمكن فهم معضلة حاجة الذكاء الاصطناعي للطاقة العالية أمام السعي لتحقيق الاستدامة؟

نائبة رئيس مكتب الاستدامة الهندسية في «سيسكو» تشرح لـ«الشرق الأوسط»

تستهلك مراكز البيانات طاقة هائلة لخدمة الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
تستهلك مراكز البيانات طاقة هائلة لخدمة الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
TT

كيف يمكن فهم معضلة حاجة الذكاء الاصطناعي للطاقة العالية أمام السعي لتحقيق الاستدامة؟

تستهلك مراكز البيانات طاقة هائلة لخدمة الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
تستهلك مراكز البيانات طاقة هائلة لخدمة الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

مما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي التوليدي أحدث ثورة في مختلف القطاعات؛ من الرعاية الصحية والتمويل إلى الترفيه والتعليم. لكن نموه السريع أثار مخاوف كبيرة بشأن زيادة استهلاك الطاقة واستدامتها. التقت «الشرق الأوسط» على هامش حدث «سيسكو لايف» الذي عقد في مدينة لاس فيغاس الأميركية مع دينيس لي، نائبة رئيس مكتب الاستدامة الهندسية في «سيسكو» للحديث عن كيفية أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر استدامة، وتسليط الضوء على التقاطع بين التكنولوجيا المتقدمة والمسؤولية البيئية.

دينيس لي نائبة رئيس مكتب الاستدامة الهندسية في «سيسكو» متحدثة لـ«الشرق الأوسط» (سيسكو)

متطلبات الطاقة للذكاء الاصطناعي

يُعد اعتماد الذكاء الاصطناعي على مراكز البيانات الضخمة لنماذج التدريب وتشغيل التطبيقات عاملاً رئيسياً في استهلاكه العالي للطاقة. تتطلب مراكز البيانات هذه طاقة كبيرة للحوسبة والتبريد، مما يؤدي غالباً إلى تحديات بيئية. تقول دينيس لي إنه عادةً بالنسبة لمراكز البيانات، «يتم التفكير في جميع الأنظمة المختلفة بشكل مستقل، وعندما تضاف الاستدامة إلى المعادلة، فإنك تحتاج إلى التفكير في أن جميع هذه الأنظمة تعمل معاً منذ البداية».

وتتابع لي بأن تكامل الأنظمة المختلفة، مثل الشبكات والخوادم والتخزين والتبريد، يعدّ أمراً بالغ الأهمية لإنشاء مراكز بيانات موفرة للطاقة. وتضيف أن احتياجات الحوسبة الخاصة بالذكاء الاصطناعي تتطلب اتباع أساليب مبتكرة لتصميم مراكز البيانات، والابتعاد عن الأساليب التقليدية مثل الأرضيات المرتفعة وتكييف الهواء إلى خيارات أكثر استدامة مثل التبريد السائل.

«سيسكو»: الاستدامة في الذكاء الاصطناعي ليست مسعى منفرداً بل تتطلب جهوداً جماعية (شاترستوك)

التصميم من أجل الاستدامة

يتضمن بناء مركز بيانات مستدام أكثر من مجرد اختيار التقنيات المناسبة، بل يتطلب أيضاً دراسة متأنية للموقع وتوافر الموارد. تقول دينيس لي: «إذا كنت تبني مركز بيانات جديداً تماماً، فلن تقوم ببنائه أينما تريد فحسب، بل على أساس الوصول إلى الطاقة، ومن الناحية المثالية، الطاقة المتجددة».

في المناطق التي تتمتع بوفرة ضوء الشمس ولكن المياه محدودة، تكون حلول التبريد المبتكرة ضرورية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي استخدام أنظمة الحلقة المغلقة للتبريد السائل إلى تقليل هدر المياه. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية يمكن أن تقلل بشكل كبير من البصمة الكربونية لمراكز البيانات على حد وصفها.

كفاءة التبريد ومراكز البيانات

إذن يعد التبريد عاملاً رئيسياً في استهلاك الطاقة في مركز البيانات. تمثل أنظمة تكييف الهواء التقليدية جزءاً كبيراً من استخدام الطاقة. وتسلط دينيس لي الضوء على أن «التبريد اليوم في مراكز البيانات، مجرد تكييف الهواء والمراوح... يمثل نحو 34 في المائة من الطاقة المستهلكة». ومن خلال اعتماد أنظمة التبريد السائلة، «يمكن لمراكز البيانات تحقيق وفورات كبيرة في الطاقة تماثل تلك النسبة وهذا مهم». يمكن لهذه الأنظمة أن تقلل بشكل كبير من الحاجة إلى تكييف الهواء الذي يستهلك الكثير من الطاقة.

دور «سيسكو» في الذكاء الاصطناعي المستدام

تلعب شركة «سيسكو»، رغم من كونها شركة شبكات في المقام الأول، دوراً حاسماً في تعزيز كفاءة استخدام الطاقة في مراكز البيانات من خلال الشراكات الاستراتيجية والتقنيات المبتكرة. وتؤكد دينيس لي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» من لاس فيغاس، أهمية التعاون. وتَعِد بأن ما تحاول «سيسكو» القيام به هو الدخول في شراكة مع البائعين المناسبين والتقنيات المناسبة؛ «حتى تتمكن من جعل النظام البيئي أكثر ارتباطاً بشكل فعال».

ترى دينيس لي أن الاستدامة في الذكاء الاصطناعي ليست مسعى منفرداً، بل تتطلب جهوداً جماعية في جميع أنحاء الصناعة. وتوضح «أن الشيء الجميل في الاستدامة هو عدم وجود منافسة... بل علينا جميعاً أن نفعل ذلك معاً». ومن خلال بناء معايير مفتوحة وتصميمات معيارية وأنظمة قابلة للتشغيل البيني، «يمكن للشركات العمل معاً لإنشاء مراكز بيانات أكثر كفاءة واستدامة».

وتشدد لي على أن الشراكات الاستراتيجية حيوية في هذه العملية. ومن خلال التعاون مع الموردين المتخصصين في وحدات توزيع الطاقة الذكية وحلول التبريد وتصميمات الرفوف، تهدف «سيسكو إلى إنشاء نظام بيئي متصل وموفر للطاقة».

«سيسكو»: بناء مراكز البيانات يجب أن يتم على أساس الوصول إلى الطاقة المتجددة (شاترستوك)

التغلب على تحديات تبني ممارسات الاستدامة

وعلى الرغم من الفوائد الواضحة، فإن العديد من الشركات بطيئة في تبني ممارسات الاستدامة. تعزو دينيس لي سبب ذلك إلى التصورات الأولية للاستدامة باعتبارها مجرد مسألة امتثال أو تنظيمية. ومع ذلك، فإن السرد يتغير مع إدراك المؤسسات أن الممارسات المستدامة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى توفير التكاليف وزيادة الربحية.

وتنوه لي إلى أن الشركات تدرك الآن أن الاستثمار في التقنيات والممارسات الموفرة للطاقة من الممكن أن يوفر فوائد مالية طويلة الأجل. وتشير إلى أنه «إذا تمكنت من أن تظهر لهم أن بإمكانهم توفير المال من خلال القيام بذلك، فبالطبع سيرغبون في القيام بذلك».

ويُعد تحقيق التوازن بين الأهداف قصيرة المدى وطويلة المدى أمراً بالغ الأهمية للشركات لضمان الربحية والاستدامة على حد تعبيرها؛ نظراً لأن الأجيال الشابة تعطي الأولوية للعمل لدى الشركات التي تتمتع بممارسات استدامة قوية، تنصح دنينيس لي المؤسسات بمواءمة قيمها مع هذه التحولات الثقافية لجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها.

دورة حياة منتج «سيسكو» المستدامة

تدمج «سيسكو» الاستدامة في منتجاتها طوال دورة حياتها بالكامل، بدءاً من الإنتاج وحتى إدارة نهاية العمر الافتراضي. ويشمل ذلك ضمان اتباع الموردين للممارسات النظيفة، وتقليل استهلاك الطاقة لمنتجاتهم، وتعزيز التدوير من خلال إعادة تدوير المكونات وإعادة استخدامها. وتشدد لي على التزام شركتها بتقليل النفايات الإلكترونية إلى الحد الأدنى.

فمع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي يصبح التحدي المتمثل في زيادة استخدام الطاقة والاستدامة أكثر إلحاحاً. ومن خلال دمج الاستدامة في كل جانب من جوانب تطوير الذكاء الاصطناعي وإدارة مراكز البيانات، يمكن للصناعة أن تمهد الطريق لمستقبل أكثر خضرة وكفاءة.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجيةالسعودي يفتتح فعالية «الطريق إلى الرياض» في نيويورك

الخليج جانب من فعالية «الطريق إلى الرياض» التي نظمتها المملكة في نيويورك (واس)

وزير الخارجيةالسعودي يفتتح فعالية «الطريق إلى الرياض» في نيويورك

افتتح الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، الخميس، الفعالية رفيعة المستوى تحت عنوان «الطريق إلى الرياض»، التي نظمتها المملكة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة والمهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة خلال جلسة «الطريق إلى الرياض» («الشرق الأوسط»)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للمشاركة الفاعلة في «كوب 16» بالرياض

شدّدت السعودية، الخميس، على أهمية تعزيز التعاون الدولي على الأصعدة كافة لمواجهة التحديات البيئية، ومضاعفة الجهود للحد من تدهور الأراضي، وتقليل أثار الجفاف.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية هذا الصيف في أوروبا (أرشيفية - رويترز)

صيف 2024 الأكثر حرارة على الإطلاق في جنوب شرقي أوروبا

أفاد تقييم أولي لخدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي، بأن درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية هذا الصيف في منطقة جنوب شرقي أوروبا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق اكتشاف صفيحة تكتونية جديدة يبلغ عمرها 120 مليون عام (جامعة أوترخت الهولندية)

اكتشاف جزء مفقود من الأرض منذ زمن طويل في «بورنيو»

يُجري الخبراء باستمرار اكتشافات جديدة عن كوكبنا ما بين العثور على قارات مفقودة منذ مئات السنين إلى اكتشاف محيطات شاسعة مخفية تحت قشرة الأرض.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مبنى المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)

صناديق استثمار الحوكمة البيئية الأوروبية تحقق 13 % عوائد خلال العام الحالي

أظهرت بيانات أداء صناديق الاستثمار الأوروبية التي تستثمر في الأدوات الملتزمة بقواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية، أنها حققت عوائد بمعدل 13 في المائة العام الحالي

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)

معضلة «يوتيوب» تواجه المستخدمين... ارتفاع الأسعار أم الإعلانات غير اللائقة

رفعت «يوتيوب» أسعار «بريميوم» في أكثر من 15 دولة بما في ذلك السعودية (د.ب.أ)
رفعت «يوتيوب» أسعار «بريميوم» في أكثر من 15 دولة بما في ذلك السعودية (د.ب.أ)
TT

معضلة «يوتيوب» تواجه المستخدمين... ارتفاع الأسعار أم الإعلانات غير اللائقة

رفعت «يوتيوب» أسعار «بريميوم» في أكثر من 15 دولة بما في ذلك السعودية (د.ب.أ)
رفعت «يوتيوب» أسعار «بريميوم» في أكثر من 15 دولة بما في ذلك السعودية (د.ب.أ)

تواجه منصة «يوتيوب» التي تعد الأكبر في العالم لمشاركة الفيديوهات، انتقادات مزدادة من المستخدمين الذين يواجهون تحديات مزدوجة تتعلق بزيادة الإعلانات غير الملائمة، وارتفاع أسعار الاشتراكات في خدمة «يوتيوب بريميوم». هذه المشكلة تضع المستخدمين في موقف صعب بين دفع مبالغ أكبر للاشتراك في الخدمة المدفوعة، أو الاستمرار في مشاهدة الإعلانات التي قد تتضمن محتوى غير مناسب.

الإعلانات غير الملائمة: مصدر للإزعاج

تعتمد «يوتيوب» على برمجيات لعرض الإعلانات بناءً على اهتمامات المستخدم، إلا أن هذه البرمجيات قد تعرض أحياناً إعلانات غير ملائمة أو تحتوي على محتوى غير مناسب، مما يسبب إزعاجاً كبيراً للمستخدمين، خصوصاً العائلات التي تسمح لأطفالها باستخدام المنصة.

ارتفاع أسعار الاشتراك في «يوتيوب بريميوم»

في محاولة لتقديم تجربة أفضل وخالية من الإعلانات، تقدم «يوتيوب» خدمة «يوتيوب بريميوم»، التي تتيح للمستخدمين مشاهدة الفيديوهات من دون إعلانات. ومع ذلك، شهدت أسعار هذه الخدمة ارتفاعاً كبيراً في كثير من الدول، بما في ذلك السعودية، حيث وصل سعر الاشتراك الفردي إلى 26.99 ريال سعودي، بينما ارتفع الاشتراك العائلي إلى 49.99 ريال سعودي شهرياً.

عدد مستخدمي «يوتيوب» في السعودية

في عام 2024، بلغ عدد مستخدمي «يوتيوب» في السعودية نحو 28.3 مليون مستخدم، أي ما يعادل 76 في المائة من إجمالي عدد السكان، بحسب أحدث البيانات. تعكس هذه النسبة مدى شعبية المنصة في المملكة، مما يفسر تأثير الزيادة في الأسعار على شريحة كبيرة من المستخدمين.

الخيارات المتاحة للمستخدمين

يواجه المستخدمون الآن خيارين:

1. الاستمرار في استخدام «يوتيوب المجاني» وتحمل الإعلانات غير الملائمة والمزعجة.

2. الاشتراك في خدمة «يوتيوب بريميوم» للتخلص من الإعلانات، ولكن مع دفع تكلفة إضافية قد تكون مرتفعة لبعض المستخدمين.

في ظل ازدياد الإعلانات غير الملائمة وارتفاع أسعار الاشتراكات، يجب على الآباء اتخاذ خطوات لحماية أطفالهم من التعرض للمحتوى غير المناسب. يمكن تحميل تطبيق «يوتيوب للأطفال» أو مراقبة الاستخدام بشكل مباشر للتأكد من أن المحتوى المعروض آمن. احرصوا على حماية أبنائكم الصغار من الإعلانات غير المناسبة على الإنترنت، وذلك من خلال استخدام الأدوات المناسبة أو التحقق المستمر من المحتوى الذي يتعرضون له.