البابا فرنسيس... قبَّل أقدام أمراء الحرب واحتضن الرجل المشوَّه

أقواله وأفعاله جعلت منه شخصية روحية محبوبة وخارجة عن المألوف

البابا فرنسيس... قبَّل أقدام أمراء الحرب واحتضن الرجل المشوَّه
TT

البابا فرنسيس... قبَّل أقدام أمراء الحرب واحتضن الرجل المشوَّه

البابا فرنسيس... قبَّل أقدام أمراء الحرب واحتضن الرجل المشوَّه

يوم دخل البابا فرنسيس عالم «إنستغرام» سنة 2016، جمعَ مليون متابع في أقلّ من 12 ساعة، محطّماً بذلك أرقاماً قياسية سجّلها فنانون ومشاهير على صفحات التواصل الاجتماعي.

هو بابا الفاتيكان الأوّل الذي تصدّر غلاف مجلة «رولينغ ستون»، ورُسم على هيئة شخصية كرتونيّة في مجموعة من القصص المصوّرة، كما تحوّل إلى «سوبرمان» أو «سوبربابا» على أحد جدران مدينة روما.

جداريَّة في روما تصوِّر البابا فرنسيس كـ«سوبرمان» (أ.ف.ب)

لم يحصل ذلك لمجرّد أنه رأس الكنيسة الكاثوليكية؛ بل لأنّه -فور حصوله على هذا اللقب- دخل القلوب من دون استئذان. أما مفتاحُه إلى تلك القلوب فكان الكثير من البساطة والتواضع، إلى جانب أقوالٍ وأفعالٍ متقدّمة في الإنسانية، ليستحقّ لقب «شخصية العام» من مجلّة «تايم» التي سمّته «بابا الناس» في 2013.

البابا فرنسيس على غلاف مجلة «تايم» وبطلاً لقصصٍ مصوَّرة

على امتداد 12 سنة من ولايته البابويّة، تعدّدت القرارات والمواقف التي جعلت من فرنسيس شخصية روحيّة خارجة عن المألوف. من محاربة الفساد داخل مؤسسات الفاتيكان، مروراً بتبنّيه قضية اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وليس انتهاءً بترحاله الذي شمل 66 بلداً وقرّبه أكثر من الناس.

البابا الكيميائيّ

الكيمياء التي تَخصص فيها طالباً، نقلها خورخي ماريو بيرغوليو معه إلى الكنيسة، بعد انخراطه في الحياة الكهنوتيّة. فقد وضع البشر في طليعة اهتماماته، اقترب منهم وأصغى إليهم، وهُم بادلوه تلك المحبة.

البابا فرنسيس خلال سنواته الكهنوتيّة الأولى في الأرجنتين (موقع أخبار الفاتيكان)

عرف الفقر، فبدأ مسيرته عامل تنظيف وحارساً ليلياً، قبل أن ينتقل للعمل في أحد مختبرات العاصمة الأرجنتينية؛ حيث ولد في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1936. أما الدعوة الدينية التي أتت في مطلع عشريناته، فأوحت له بها جلسة اعترافٍ مع أحد الكهنة عام 1955.

لاحقاً، وعندما ترقّى لمنصب رئيس أساقفة بوينس آيرس عام 1998، لم يتبدّل الكثير في أسلوب عيش بيرغوليو. ظلّ يطهو طعامه بنفسه، ويستخدم الحافلة في تنقّلاته اليوميّة، ويخصص وقتاً للعب كرة القدم مع أطفال الأحياء المحرومة.

يقول البابا فرنسيس إنه تعلَّم التواضع وهو يلعب كرة القدم في شوارع الأرجنتين (أ.ب)

الإقامة في غرفة فندق

وكأنه تقليدٌ يعكس إصراره على العيش ببساطة، رفض البابا فرنسيس أن يستقلّ السيارة البابويّة يوم انتخابه في 13 مارس (آذار) 2013. انتقل إلى الفندق مع زملائه الكرادلة داخل الحافلة المخصصة لهم، بعد أن تلقّى التهاني منهم وقوفاً وليس جالساً على العرش البابويّ. بخطواته اللافتة تلك، أوحى بأنه آتٍ لإرساء منهجٍ سلوكي جديد في الفاتيكان، قائمٍ على استئصال مظاهر البذخ والرفاهية، واستبدال الزهد بها، والاقتراب من البشر والإصغاء إليهم وخدمتهم.

البابا فرنسيس مستقلاً الحافلة إلى جانب زملائه الكرادلة (رويترز)

هو الذي تعمّد اختيار اسم قدّيس الفقراء فرنسيس الأسيزي، ليرافقه في بابويّته، وباشر فوراً في استلهام أفعاله. في اليوم الذي تلا تسلّمه منصبه، زار البابا كردينالاً مريضاً في المستشفى؛ حيث تبادلَ الحديث مع الموظفين والمرضى. وفور عودته من تلك الزيارة، أبلغ الدوائر المختصة بأنه لن يقيم في القصر البابوي كما أسلافه؛ بل سيمكث في أحد أجنحة الفندق التابع للفاتيكان.

تطهير «بنك الفاتيكان»

من بين القرارات الأولى التي اتّخذها البابا فرنسيس عقب تسلّمه منصبه: إلغاء المكافآت المالية التي كانت تُقدّم لموظّفي الفاتيكان كلّما انتُخب بابا جديد، والتي تقدَّر بملايين اليوروات. حوّل ذلك المبلغ للأعمال الخيريّة، كما أوقف المكافآت السنوية الخاصة بالكرادلة المشرفين على «مصرف الفاتيكان».

خلال سنته الحَبريّة الأولى، قاد البابا فرنسيس حملة تطهيرٍ داخل المؤسسة الماليّة الفاتيكانيّة، والتي كانت تدور حولها شبهات فساد وتبييض أموال.

حوَّل البابا فرنسيس المكافآت المالية الممنوحة لموظَّفي الفاتيكان إلى الأعمال الخيرية (موقع أخبار الفاتيكان)

بابا التواضع

تسلّمَ فرنسيس كنيسة مثقلة بقضايا مالية وأخلاقية، تسببت في شرخٍ بين المؤمنين المسيحيين وكنيستهم. ولكن البابا، وبسلوكه المنفتح على الناس وبقربِه منهم، أعاد الملايين إلى ساحة القدّيس بطرس بعد سنواتٍ من الجفاء. ووفق أرقام الفاتيكان، فإنّ سنته الأولى شهدت مشاركة 6 ملايين شخص في الاحتفالات الدينية التي ترأسَها. بينما كان قد اقتصر الحضور خلال السنة التي سبقتها على مليوني شخص.

هدم البابا فرنسيس الجدران ولم يرتدِ قفّازات. برع في ترميم صورة كنيسة متواضعة تحتضن أبناءها، ولا سيما الأكثر بؤساً. أثمر ذلك شعبية كبيرة تجاه رجل لا يوفّر فرصة لاحتضان طفلٍ، أو مريض، أو حتى شخصٍ مصاب بتشوّهاتٍ وتقرّحاتٍ من شبه المستحيل أن يلمسها أحد.

البابا فرنسيس يقبِّل رجلاً مصاباً بمرض جلدي نادر خلال لقائه المؤمنين في ساحة القديس بطرس (موقع أخبار الفاتيكان)

في تقليدٍ خاص بعيد القيامة لدى المسيحيين، غسل البابا فرنسيس عام 2013 أقدامَ 12 سجيناً وقبّلها. أما المفارقة في تصرّفه ذاك، فكانت أنّ جزءاً من هؤلاء السجناء الأحداث كانوا من المسلمين، ولم تقتصر الرتبة الكنَسيّة على أبناء الطائفة المسيحية.

البابا فرنسيس غاسلاً أقدام المساجين في «رتبة خميس الأسرار» عام 2013 (موقع أخبار الفاتيكان)

وفي مشهدٍ أثار صدمة كبيرة حول العالم سنة 2019، ركع فرنسيس وقبّل أقدام قادة جنوب السودان المتناحرين، في حركة عبّرت عن توسّله لهم كي لا يعودوا إلى الحرب الأهليّة. وسط ذهول رئيس جنوب السودان سلفا كير وأمراء حربٍ آخرين، جثا البابا بصعوبة، وكان حينها في الـ82 من عمره، ولثم أحذيتهم.

قضايا البابا فرنسيس

مقابل عدم إنجاز الكثير في ملفّ تورّط عدد من الكهنة في قضايا تحرّش واستغلال جنسي للقاصرين، وعدم الإيفاء بالوعود التي أطلقت حول تطوير دور المرأة ومراتبها داخل الكنيسة، حقق البابا فرنسيس إنجازاتٍ في مجالاتٍ أخرى.

- المهاجرون غير الشرعيين

في طليعة القضايا التي تبنّاها البابا فرنسيس، معاناة المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين. تزامنَت ولايته البابويّة مع تفاقم تلك المشكلة، فوضع نُصب عينَيه الإضاءة عليها والمساعدة قدر المستطاع في التخفيف من وطأتها.

حثّ العالم على التعامل مع اللاجئين والمهاجرين بصفتِهم بشراً لديهم حقوق، وللغاية هذه زار بابا الفاتيكان عدداً من مراكز اللجوء حول العالم. وفي عام 2016 حلّ ضيفاً استثنائياً على جزيرة لسبوس اليونانيّة؛ حيث قصد مخيّم موريا الذي يضمّ آلاف المهاجرين.

لقاء البابا فرنسيس مع المهاجرين غير الشرعيين في جزيرة لسبوس عام 2016 (أ.ف.ب)

وفي 2019، أعلن الفاتيكان أن البابا تبرّع بمبلغ 500 ألف دولار مخصصٍ لتأمين السكن والطعام للمهاجرين غير الشرعيين من المكسيك إلى الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، وجّه رأس الكنيسة الكاثوليكية انتقاداتٍ إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قائلاً إنه «شخص يفكّر حصراً ببناء الجدران بدل الجسور».

- البابا الرحّالة

في عهد البابا فرنسيس، ما عادت أوروبا مركز الكاثوليكية. فمن خلال رحلاته الرعويّة التي امتدّت شرقاً وغرباً وشملت القارات كافة، كان الحَبر الأعظم يؤكّد أن المسيحيّة ليست طائفة غربيّة حصراً. حطّ في دولٍ مثل: اليابان، وكازاخستان، وبنغلاديش، ومصر، والعراق؛ حيث يمثل المسيحيّون فيها أقلية. كما عيّن كرادلة من بلادٍ لم تكن ممثّلة عادة في الفاتيكان، مضاعفاً بذلك حظوظ غير الأوروبيين بأن يخلفوه إلى البابويّة، هو الأرجنتيني الجنسية، وأول بابا من أميركا اللاتينية منذ أكثر من ألف عام.

البابا فرنسيس معتمراً القبَّعة المكسيكية التقليدية أو «السومبريرو» خلال توجُّهه إلى مكسيكو عام 2016 (أ.ب)

- المثليّة والمناخ والحروب

اتّخذ البابا فرنسيس مواقف متقدّمة في موضوع المثليّة الجنسية، فبدا أكثر تسامحاً وتعاطفاً من أسلافه مع هذه الفئة المجتمعية. وإذ حثّ الكهنة حول العالم على تقبّل المثليين، قال: «من أنا حتى أطلق الأحكام عليهم؟».

أما في شأن المناخ، فقد خصص البابا فرنسيس عام 2015 وثيقة بابويّة للبيئة، محذّراً من أخطار استغلال الطبيعة والتغيّر المناخي. وبذلك، يعدُّ البابا الأول الذي أولى الموضوع البيئي اهتمامه.

أَولى البابا فرنسيس اهتماماً كبيراً بالشأن البيئي (أ.ف.ب)

سياسياً، لعب البابا فرنسيس دوراً محورياً في ترميم العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة الأميركية. أما مع الصين، فقد عمل على تقريب وجهات النظر، بعد سنواتٍ من التباعد بين بكين والفاتيكان.

وإذا كان قد انتُقد على موقفه الفاتر من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتردّده في انتقاد الغزو وفلاديمير بوتين، فقد بدا أكثر تشدّداً في الحرب الإسرائيلية على غزة. وصف البابا فرنسيس الضربات الإسرائيلية الجويّة على القطاع الفلسطيني بالوحشيّة، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حثّ المجتمع الدولي على التحقيق فيما إذا كان ما يحصل في غزة هو إبادة للفلسطينيين.

البابا فرنسيس قُرب مجسَّم الطفل يسوع ملفوفاً بالكوفيَّة الفلسطينية في الفاتيكان (رويترز)

«بابا الناس» في الحياة والممات

كان خورخي بيرغوليو في الـ21 من عمره عندما أصيب بالتهابٍ رئوي حادّ هدّد حياته، ما اضطرّ الأطباء آنذاك إلى استئصال جزءٍ من رئته. ولكن الصدر بقي نقطة ضعفه طيلة حياته، وقد شكّل السبب المباشر لوفاته.

تحضّر البابا فرنسيس لرحيله، ففي نوفمبر 2024 أمر بتعديل طقوس الجنازة البابويّة حتى تصبح جنازته أشبه بتلك التي تقام لأُسقف، وليس لحَبرٍ أعظم. كما أوصى بأن يُستبدَل تابوت خشبي اعتياديّ بالنعوش الثلاثة التي يُدفن فيها الباباوات عادة، والمصنوع كلٌّ منها من الرصاص وخشب السرو والسنديان.

الإطلالة الأخيرة للبابا فرنسيس في قدَّاس الفصح قبل ساعات من وفاته (رويترز)

هو البابا الأول منذ عام 1903 الذي أوصى بأن يُدفن خارج الحرم الفاتيكاني. ارتأى أن يكون مثواه الأخير في كاتدرائية سانتا ماريا ماجيوري في روما. لعلّه أراد أن يستريح في مكانٍ قريب من زحمة البشر ودفئهم، محتفظاً بلقبه «بابا الناس».


مقالات ذات صلة

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

العالم العربي احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة في الضفة الغربية المحتلّة بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)
شؤون إقليمية البابا ليو يتفقد الطراز المعماري لجامع السلطان أحمد في إسطنبول خلال زيارته له يوم 29 نوفمبر (أ.ب)

بابا الفاتيكان يتجول داخل جامع السلطان أحمد في ثالث أيام زيارته إلى تركيا

زار البابا ليو الـ14 جامع السلطان أحمد في إسطنبول المعروف بـ«الجامع الأزرق» في أول زيارة لدار عبادة ومعلم إسلامي بارز منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي مرحباً ببابا الفاتيكان في القصر الرئاسي في أنقرة أمس (أ.ف.ب)

البابا يُدشّن أولى زياراته الخارجية من تركيا

دشّن بابا الفاتيكان، ليو الرابع عشر، أولى زياراته الخارجية من تركيا، حيث وصل إلى العاصمة أنقرة، أمس (الخميس)، في زيارة تستمر 4 أيام، ينتقل بعدها إلى لبنان.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
المشرق العربي السيارة التي استخدمها بابا الفاتيكان الراحل فرنسيس خلال زيارته لبيت لحم منذ أكثر من 10 أعوام (أ.ب)

سيارة استخدمها البابا الراحل فرنسيس تتحول إلى عيادة متنقلة لأطفال غزة

تحولت سيارة استخدمها البابا الراحل فرنسيس قبل أن تتحول إلى عيادة متنقلة لتقديم الرعاية للأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
يوميات الشرق البابا فرنسيس في استاد مدينة زايد الرياضية بأبوظبي... فبراير 2019 (د.ب.أ)

كاميرا للبابا فرنسيس تُباع بنحو 7.5 مليون دولار

بيعت كاميرا من ماركة «لايكا» كانت للبابا فرنسيس، ضمن مزاد أُقيم في فيينا، السبت، مقابل 7.49 مليون دولار، على أن يعود ريع المزاد لجمعية البابا الراحل الخيرية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

إحراق سيارة تحمل لافتة لمناسبة عيد يهودي في ملبورن الأسترالية

الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)
الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)
TT

إحراق سيارة تحمل لافتة لمناسبة عيد يهودي في ملبورن الأسترالية

الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)
الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)

تحقق الشرطة الأسترالية بشأن «حريق مشبوه» بعدما اندلعت النيران في سيارة وُضعت عليها لافتة للاحتفال بعيد الأنوار اليهودي (حانوكا) في ملبورن، اليوم (الخميس).

وأُحرقت السيارة الخالية التي وُضعت على سقفها لافتة كُتب عليها «عيد حانوكا سعيد» بينما كانت متوقفة عند منزل، بحسب ما أظهرت صور بثّتها شبكة «إيه بي سي».

وذكرت شرطة فيكتوريا، في بيان، أن «الحريق المشبوه» وقع في الساعات الأولى من صباح الخميس في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن.

وتم إخلاء المنزل كإجراء احترازي.

وقالت الشرطة إن «المحققين تعرّفوا على شخص قد يكون قادراً على مساعدتهم في تحقيقهم ويجرون عمليات بحث بشأن مكانه».

وشددت السلطات الأسترالية القوانين والعقوبات المرتبطة بجرائم الكراهية بعد إطلاق النار الذي استهدف حفلاً لمناسبة «حانوكا» على شاطئ بونداي في سيدني، وأسفر عن مقتل 15 شخصاً.

وقال الحاخام إيفي بلوك من كنيس حاباد في سانت كيلدا إنه من الواضح أن حادثة إحراق السيارة تندرج في إطار الاعتداءات المعادية للسامية.

وأفاد لوكالة الصحافة الفرنسية: «نشكر الله لأن أحداً لم يتعرض إلى الأذى... لكن ما يجري هو تصعيد متواصل مع تكرار هذه الأحداث».

وأضاف: «لا يشعر أفراد جاليتي اليهودية في سانت كيلدا وملبورن بالأمان في منازلهم وبلدهم».


تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
TT

تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)

أدانت المفوضية الأوروبية ومسؤولون في الاتحاد، الأربعاء، بشدة العقوبات الأميركية المفروضة على خمس شخصيات أوروبية ذات صلة بتنظيم قطاع التكنولوجيا، ومن بينها المفوض السابق تييري بروتون.

كانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت، الثلاثاء، حظر منح تأشيرات دخول لبروتون وأربعة نشطاء، متهمة إياهم بالسعي إلى «إجبار» منصات التواصل الاجتماعي الأميركية على فرض رقابة على وجهات النظر التي يعارضونها.

وصعّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجماتها على قواعد الاتحاد الأوروبي بعدما فرضت بروكسل في وقت سابق من هذا الشهر غرامة على شركة «إكس» التابعة لإيلون ماسك، لانتهاكها بنود قانون الخدمات الرقمية (DSA) المتعلقة بالشفافية في الإعلانات وطرقها، لضمان التحقق من المستخدمين، ومن أنهم أشخاص حقيقيون.

«محاولة للطعن في سيادتنا»

وجاء في بيان صادر عن المفوضية: «لقد طلبنا توضيحات من السلطات الأميركية وما زلنا على تواصل معها. وإذا لزم الأمر، فسنرد بسرعة وحزم للدفاع عن استقلاليتنا التنظيمية ضد الإجراءات غير المبررة».

وأضافت: «تضمن قواعدنا الرقمية بيئة عمل آمنة وعادلة ومتكافئة لجميع الشركات، ويتم تطبيقها بشكل عادل ودون تمييز»، مشددة على أن «حرية التعبير حق أساسي في أوروبا، وقيمة جوهرية مشتركة مع الولايات المتحدة»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت المفوضية إن «الاتحاد الأوروبي سوق موحدة مفتوحة وقائمة على القواعد، وله الحق السيادي في تنظيم النشاط الاقتصادي، بما يتماشى مع قيمنا الديمقراطية والتزاماتنا الدولية».

بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن «قرار الولايات المتحدة فرض قيود على سفر مواطنين ومسؤولين أوروبيين غير مقبول»، وإن «فرض أميركا قيوداً على سفر مواطنين ومسؤولين أوروبيين محاولة للطعن في سيادتنا».

وأضافت أن أوروبا «ستواصل الدفاع عن قيمها والقواعد الرقمية العادلة والحق في تنظيم فضائنا الخاص».

«يرقى إلى مستوى الترهيب»

ونددت دول في الاتحاد الأوروبي بالإجراء الأميركي.

وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، أن حظر التأشيرات «يرقى إلى مستوى الترهيب والإكراه ضد السيادة الرقمية الأوروبية».

وقال على «إكس»: «تدين فرنسا قرارات تقييد التأشيرات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد تييري بروتون وأربع شخصيات أوروبية أخرى»، مؤكداً أن الأوروبيين سيواصلون الدفاع عن «سيادتهم الرقمية» و«استقلالهم التنظيمي».

بدوره، أعلن متحدث ​باسم الحكومة البريطانية، الأربعاء، أن بريطانيا ملتزمة بدعم الحق في حرية التعبير. وقال في بيان نقلته وكالة «رويترز»: «مع أن كل ⁠دولة تمتلك الحق في ‌وضع قواعد التأشيرات ‍الخاصة بها، إلا أننا ‍ندعم القوانين والمؤسسات التي تعمل على إبقاء (شبكة) الإنترنت خالية من ​المحتوى الأكثر ضرراً».

وأضاف: «يجب ألا تُستخدم ⁠منصات التواصل الاجتماعي لنشر مواد الاستغلال الجنسي للأطفال أو التحريض على الكراهية والعنف أو نشر معلومات زائفة ومقاطع فيديو لهذا الغرض».

وفي برلين، أكد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن القرار «غير مقبول»، مضيفاً: «يضمن قانون الخدمات الرقمية أن أي نشاط غير قانوني خارج الإنترنت، يكون غير قانوني أيضاً عبر الإنترنت».

«إجراءات غير مقبولة بين الحلفاء»

كما دانت وزارة الخارجية الإسبانية حظر التأشيرات، منددة بـ«إجراءات غير مقبولة بين الشركاء والحلفاء».

وقالت في بيان: «تعرب الحكومة الإسبانية عن تضامنها مع المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون وقادة منظمات المجتمع المدني الذين يكافحون التضليل وخطاب الكراهية»، مشددة على أن ضمان «مساحة رقمية آمنة» أمر «أساسي للديمقراطية في أوروبا».

وشمل الحظر بروتون، المسؤول الأوروبي السابق عن تنظيم قطاع التكنولوجيا، الذي غالباً ما تصادم مع كبار النافذين فيه مثل ماسك بشأن التزاماتهم قواعد الاتحاد الأوروبي.

كما استهدف الإجراء عمران أحمد من مركز مكافحة الكراهية الرقمية (CCDH)، وهي منظمة تحارب الكراهية عبر الإنترنت والمعلومات المضللة والكاذبة، وآنا لينا فون هودنبرغ وجوزفين بالون من منظمة «هايت إيد» (HateAid) الألمانية، وكلير ميلفورد التي تقود مؤشر التضليل العالمي (GDI) ومقره المملكة المتحدة.

«إدارة تحتقر سيادة القانون»

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية والخدمات ستيفان سيجورنيه، الأربعاء، إن العقوبات الأميركية على سلفه، لن تمنعه من القيام بعمله.

وكتب على منصة «إكس»: «لقد عمل سلفي تييري بروتون بما يخدم المصلحة العامة الأوروبية، ملتزماً بالتفويض الذي منحه الناخبون عام 2019».

وأضاف: «لن تسكت أي عقوبة سيادة الشعوب الأوروبية. تضامني الكامل معه ومع جميع الأوروبيين المتضررين».

ونددت منظمة «هايت إيد» بالعقوبات. ووصفت في بيان الخطوة الأميركية بأنها «عمل قمعي من قبل إدارة تحتقر سيادة القانون بشكل كبير، وتحاول بكل الوسائل إسكات منتقديها».

ويقود ترمب هجوماً كبيراً على قواعد التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي التي تفرض لوائح على ضوابط مثل الإبلاغ عن المحتوى الإشكالي، وهو ما تعده الولايات المتحدة هجوماً على حرية التعبير.

وقد نددت واشنطن بالغرامة البالغة 140 مليون دولار التي فرضها الاتحاد الأوروبي في بداية ديسمبر (كانون الأول) على منصة «إكس» المملوكة لماسك، ووصفها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنها «هجوم على جميع منصات التكنولوجيا الأميركية والشعب الأميركي من جانب حكومات أجنبية».


ولاية أسترالية تشدد قوانين حيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب بعد هجوم بونداي

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
TT

ولاية أسترالية تشدد قوانين حيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب بعد هجوم بونداي

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)

أقرت ولاية نيو ساوث ويلز في أستراليا، الأربعاء، حزمة واسعة من القواعد الجديدة المتعلقة بحيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب، وذلك عقب واقعة إطلاق النار العشوائي التي حدثت على شاطئ بونداي، وأدت إلى فرض «قيود على حيازة الأسلحة النارية» وحظر عرض «الرموز المتعلقة بالإرهاب» في الأماكن العامة، و«تعزيز صلاحيات الشرطة للحد من الاحتجاجات».

وأقر برلمان ولاية نيو ساوث ويلز مشروع قانون لتعديل تشريع الإرهاب وتشريعات أخرى، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بعد أن وافقت الغرفة العليا في البرلمان عليه، بغالبية 18 صوتاً مقابل 8 أصوات، خلال جلسة طارئة.

كريس مينز رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز (رويترز)

وقال كريس مينز، رئيس وزراء نيو ساوث ويلز، إن بعض السكان في الولاية يرفضون حزمة التعديلات ‌الصارمة، لكنه أكد ‌أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على سلامة ‌المواطنين.

يأتي ​ذلك ‌في أعقاب إطلاق النار الذي وقع في 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، خلال احتفال بعيد «حانوكا» اليهودي، وأدى إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة العشرات.

وأضاف مينز للصحافيين: «لقد تغيّرت سيدني وولاية نيو ساوث ويلز إلى الأبد نتيجة ذلك العمل الإرهابي».

وكانت الغرفة الأدنى في البرلمان أقرت مشروع القانون، الثلاثاء، بدعم من «حزب العمال» الحاكم المنتمي إلى تيار يسار الوسط، و«حزب الأحرار» المعارض، فيما عارض «الحزب الوطني» إجراء تعديلات على تشريعات الأسلحة، قائلاً إن «وضع حد لحيازة الأسلحة سيضر بالمزارعين».

وأدى هجوم بونداي المسلح، الأكثر ‌إزهاقاً للأرواح في أستراليا منذ نحو ‍3 عقود، إلى إطلاق دعوات لتشديد قوانين الأسلحة النارية، واتخاذ إجراءات أشد صرامة ضد معاداة السامية.

خبراء الأدلة الجنائية خلال معاينة جثة أحد الضحايا بموقع إطلاق النار بشاطئ بونداي في سيدني (أرشيفية - إ.ب.أ)

وتنص القوانين الجديدة على أن يكون الحد الأقصى لمعظم التراخيص الممنوحة للأفراد هو 4 قطع من الأسلحة النارية، مع السماح بما يصل إلى 10 للمزارعين.

وتعتقد الشرطة أن المسلحَين المشتبه في تنفيذهما الهجوم استلهما أفكارهما من تنظيم «داعش» الإرهابي. وقُتل أحد المنفذَين واسمه ساجد أكرم (50 عاماً) برصاص الشرطة، في حين اتُّهم ابنه نافيد (24 عاماً) بارتكاب 59 جريمة؛ منها القتل والإرهاب.

لكن جماعات ناشطة نددت بالقانون، وأشارت إلى عزمها الطعن فيه دستورياً. وقالت جماعات «فلسطين أكشن» و«يهود ضد الاحتلال» و«بلاك كوكاس»، إنها ستتقدم بطعن قانوني ضد ما وصفتها بأنها «قوانين قمعية مناهضة للاحتجاج» جرى تمريرها على عجل في برلمان الولاية.

وأضافت في بيان: «من الواضح أن حكومة (الولاية) تستغل هجوم بونداي المروع للدفع بأجندة سياسية تقمع المعارضة السياسية وانتقاد إسرائيل، وتحد من الحريات الديمقراطية».

لقطة من فيديو بصفحة رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز على «إكس» تُظهره وهو يلتقي بمستشفى في سيدني السوري أحمد الأحمد الذي انتزع سلاح أحد المهاجمَين خلال هجوم شاطئ بونداي (أ.ف.ب)

وتوعد رئيس الوزراء، أنتوني ألبانيزي، بتشديد الإجراءات ضد خطاب الكراهية، إذ تعتزم الحكومة الاتحادية تقديم تشريعات لتسهيل ملاحقة من يروجون للكراهية والعنف، وإلغاء أو رفض منح التأشيرة لأي شخص متورط في خطاب الكراهية.

ورداً على الانتقادات الموجهة للحكومة بأنها لا تبذل جهوداً كافية ‌للحد من معاداة السامية، قال ألبانيزي إنه تحدث إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، الثلاثاء، ودعاه إلى إجراء زيارة رسمية لأستراليا في أقرب وقت ممكن.

اعتقال مؤيد

وفي السياق ذاته، قالت شرطة أستراليا الغربية إن رجلاً اعتقل في بيرث عقب تحقيق في كتابته «تعليقات معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي». وبعد ساعات من الهجوم المميت على احتفال يهودي بشاطئ بونداي تردد أن الرجل أبدى دعمه لمطلقَي النار عبر تطبيق «إنستغرام». ونقلت وسائل الإعلام المحلية المنشور الذي يقول: «أدعم مائة في المائة مطلقَي النار في نيو ساوث ويلز. الحق في الدفاع عن النفس ضد اليهود، وكل اليهود المستقبليين». واتُّهم الرجل، الذي يبلغ 39 عاماً، «بارتكاب سلوك يهدف إلى المضايقة العنصرية، وحمل أو حيازة سلاح ممنوع، وتخزين سلاح ناري ومواد ذات صلة في مخزن غير ملائم».

رواد شاطئ بونداي يفرون بعد إطلاق النار (أ.ف.ب)

وصادرت الشرطة كثيراً من الأسلحة المسجلة، وكذلك كمية من الذخيرة عند تنفيذ مذكرة تفتيش بمنزل الرجل، الثلاثاء، في إطار «عملية دالوود» التي أطلقتها شرطة أستراليا الغربية عقب الهجوم الإرهابي بشاطئ بونداي. وقالت نائبة رئيس وزراء أستراليا الغربية، ريتا سافيوتي، في مؤتمر صحافي الأربعاء، إن الشرطة عثرت «على أسلحة ممنوعة وأعلام على صلة (بميليشيا) حزب الله و(حماس)». وقالت شبكة «إيه بي سي» الأسترالية إن ممثلي الادعاء قالوا، أمام إحدى محاكم بيرث، إن قائمة تسوق لإعداد قنبلة، و6 بنادق مسجلة، ونحو 4 آلاف طلقة، عثر عليها في مقر سكن الرجل».