عندما تهوي الإمبراطوريات

إطلاق صاروخ «توماهوك» من الغواصة الأميركية «نبراسكا» قبالة كاليفورنيا (رويترز)
إطلاق صاروخ «توماهوك» من الغواصة الأميركية «نبراسكا» قبالة كاليفورنيا (رويترز)
TT

عندما تهوي الإمبراطوريات

إطلاق صاروخ «توماهوك» من الغواصة الأميركية «نبراسكا» قبالة كاليفورنيا (رويترز)
إطلاق صاروخ «توماهوك» من الغواصة الأميركية «نبراسكا» قبالة كاليفورنيا (رويترز)

يقول المثل العاميّ: «عند تغيير الأمم احفظ رأسك». تغيير الأمم يعني تغيير المهيمن، وتغيير المهيمن يعني مزيداً من الصراعات والحروب، ومزيد من الحروب يعني أن التحوّلات والتغييرات في موازين القوى العالميّة أصبحت واضحة ومؤثّرة، وبشكل ما، تسعى الدول الصاعدة إلى تغيير الستاتيكو كي يعمل النظام الجديد لصالحها. مقابل ذلك، تسعى الدولة المهيمنة للحفاظ على الستاتيكو؛ لأنها مستفيدة منه. وبين السعي لضرب الستاتيكو من جهة، والسعي للحفاظ عليه من جهة أخرى، تتغيّر الأمم، ويتقدّم الصراع الجيوسياسيّ على كل ما عداه، وتكثر الحروب، ويغيب الشرطيّ العالمي، ويظهر عجز المؤسسات الدولية، والتي من المفروض أن تكون المرجعيّة لحلّ النزاعات والحروب.

إذن ما النظام العالميّ؟

هو نظام، ومجموعة قوانين ومعاهدات، اتفق عليها الأقوياء، خصوصاً أنها نتجت عن ديناميكيّة موازين القوّة بين هؤلاء الأقوياء. وهو؛ أي النظام العالميّ، من صنع الأقوياء، وهم الذين يديرونه، وهم الذين يغيّرونه عما كان بالاتفاق والتنسيق، أو عبر القوّة. لكن الأكيد أن القوة هي دائماً العنصر الأهم في ديناميكيّة التغيير. في أغلب الأحيان، هناك دائماً دخيل جديد على نادي الأقوياء. وبمجرّد دخوله النادي، فهو يُغيّر حتماً قوانين اللعبة الداخليّة، الأمر الذي يستلزم عملية تأقلم جديدة، قد تكون عملية التأقلم هذه سلميّة، لكن عادةً، هي دمويّة. يقول بعض المؤرّخين إن اللاعب الجديد القادم إلى نادي الأقوياء يأتي دائماً من الأطراف «Periphery». تقاتلت ألمانيا وأوروبا وأميركا مرّتين في حربين عالميّتين. تعب الأفرقاء الأوروبيّون، واستنزفوا كل عناصر القوّة لديهم، ليصبحوا هامشيّين في لعبة نادي الكبار. وعليه، برزت الولايات المتحدة الأميركيّة لاعباً مهيمناً في عالم ثنائيّ الأقطاب، مقابل الاتحاد السوفياتيّ، والذي يَعدُّه المفكّرون نسخة مُنقّحة عن الإمبراطوريّة الروسيّة التي سقطت عام 1922. بكلام آخر، الاتحاد السوفياتيّ هو إمبراطوريّة بطرس الأكبر، وكاترين الكبرى، لكن تحت غطاء آيديولوجيّ جديد، اشتراكية لينين للوصول إلى شيوعيّة مُتخيّلة.

إطلاق صاروخ توماهوك من مدمرة أميركية في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - أ.ب)

أسس النظام العالميّ

لا بد للنظام العالميّ من أن يرتكز على لاعبين من كلّ المستويات، فيه القوى العظمى، القوى الكبرى كما القوى الإقليميّة الكبرى. وأخيراً الدول العاديّة ذات الوزن المتواضع. يوجد بين هذه الدول تراتبيّة وهرميّة. ترتكز وتقوم هذه التراتبيّة على ما تملكه هذه الدول من عناصر قوّة الدولة؛ وهي: السياسة، والاقتصاد، والقوّة العسكريّة، كما التكنولوجيا الحديثة.

تُشكّل المؤسسات الدوليّة عامل امتصاص التوتّرات والنزاعات بين هذه الدول، خصوصاً العظمى والكبرى. في هذه التركيبة، تدفع، عادة، الدول ذات الوزن المتواضع كثيراً من الأثمان، كما تشكّل القوى العظمى الإقليميّة بيضة القبّان في التوازنات بين الأقوياء.

في كل تركيبة للنظام العالميّ، يوجد عادة مركز الثقل «Core». وخلال العهد الرومانيّ، كانت روما المركز. في عهد الإمبراطوريّة البريطانيّة، كانت لندن المركز. وخلال الحرب الباردة، كانت كفّة الميزان لمركز ثقل النظام العالميّ تميل نحو عاصمة الولايات المتحدة الأميركيّة واشنطن. بعد سقوط الاتحاد السوفياتيّ، ثُبّت مركز ثقل العالم مؤقتّاً في واشنطن لتُعرف تلك المرحلة القصيرة على أنها مرحلة النظام العالميّ الأحاديّ «Unipolarity».

يُطلق بعض الخبراء على المرحلة الحاليّة التي يمرّ بها النظام العالميّ مرحلة النظام المُتعدّد الأقطاب، كما يُطلق البعض الآخر عليها مرحلة «اللاقطبيّة»، خصوصاً بعد دخول اللاعب من خارج إطار الدولة «Non State Actor» بقوّة على ديناميكية اللعبة في النظام العالميّ، حتى إنه حلّ مكان الدول - الأمة في كثير من الدول، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

صاروخ باليستي روسي خلال عرض عسكري في الساحة الحمراء بموسكو (أ.ف.ب)

يتميّز عادة مركز ثقل النظام العالميّ بأنه الأغنى، والأقوى، والأكثر مصداقيّة في العالم، هو ذلك المركز المُحبّب للبعض، ومرهوب الجانب من البعض الآخر. هكذا نصح ماكيافيللي أميره بأن يكون «محبوباً، ومرهوب الجانب» في الوقت نفسه. أما المصداقيّة فهي ترتكز على ربط القول بالفعل. عندما يُهدّد يُنفّذ. ومن يُخالف الوضع القائم، عليه أن يدفع الثمن.

لكن، ووفق المؤرّخ البريطاني بول كينيدي، تقوم الإمبراطوريات على عاملَي «الثروة» و«القوّة»؛ الثروة لتصرف على القوّة، والقوّة لتحمي الثروة، لكن مع الوقت، تصل الإمبراطوريات إلى مداها الأقصى «Overstretched»، فتسقط عندها.

ينتج النظام العالميّ الجيوسياسيّ والمفروض من قِبل المهيمن، نظاماً اقتصاديّاً موازياً له ليخدم مصالح المهيمن. إذن هناك أولويّة جيوسياسيّة على البعد الاقتصادي، لكن التغيير الجيوسياسيّ للنظام العالميّ القائم - أي نظام - يبدأ عادة من التغيير في النظام العالميّ الاقتصاديّ. ألا يحدث هذا الأمر، اليوم، بين الولايات المتحدة الأميركيّة والصين؟ وبذلك تكون معادلة التغيير على الشكل التالي: جيوسياسيّ يفرض الاقتصادي، ليعود الاقتصادي ليُغيّر الجيوسياسيّ، وهكذا دواليك. لكن المهمّ في قيام النظام العالميّ هو تلك العلاقة الجدليّة بين «الثروة» و«القوّة».

حال النظام العالميّ الحاليّ

ينظر المفكّر الأميركيّ الراحل جورج مودلسكيّ إلى أن مدّة حياة النظام العالميّ - أي نظام - هي تقريباً 100 سنة، مقسّمة على 4 مراحل، لكلّ منها 25 سنة، المرحلة الأولى هي مرحلة الحرب الكبرى، الثانية هي مرحلة صعود المهيمن، الثالثة هي مرحلة فقدان المهيمن الشرعية والمصداقيّة في عيون اللاعبين الدوليين. أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة فقدان مركز الثقل «Core» القدرة على إدارة أزمات وشؤون النظام الذي أنتجه، وبذلك يصبح العالم «لا مركزيّاً». وبناء عليه، قد يمكن طرح الأسئلة التالية: ألا يمرّ عالم اليوم بالمرحلة الثالثة؛ مرحلة فقدان شرعيّة المهيمن؟ ألا نعيش، اليوم، في عالم لا مركزيّ، يفتقد المدير - البوليس الدوليّ، الأمر الذي يحتّم حفظ الرأس لأن الأمم بدأت عملية التغيير؟



ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».