الداتا والحرب!

مسيّرة إسرائيلية فوق قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
مسيّرة إسرائيلية فوق قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الداتا والحرب!

مسيّرة إسرائيلية فوق قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
مسيّرة إسرائيلية فوق قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

صنّف بعض الخبراء الداتا بأنها نفط القرن الـ21. من دون داتا لا تدور عجلة حياة الإنسان في الكون. لا تواصُل من دون داتا. لا تطوُّر من دون داتا. من يملك الداتا يملك القوّة. من يملك الداتا يملك القدرة على القرار، وإلا ما معنى تراكم التجارب الإنسانيّة؟ كانت الداتا، وهي الآن، وستبقى إلى الأبد. يتقدّم الطب ويتطوّر، فقط إذا توفّرت الداتا الكافية عن الحالة المرضيّة. فالأوبئة تضرب جهاز المناعة عند الإنسان، لأن هذا الجهاز المناعي لا يملك الداتا المُسبقة عن التركيبة الجينيّة عن هذا الوباء. وعندما تتوفّر الداتا عن الخريطة الجينيّة للوباء، يسعى الإنسان إلى حقن هذه الداتا في جهاز المناعة.

دورة تحويل الداتا

إن جمع الداتا لا يعني مطلقاً القدرة الفوريّة على استعمالها. فهناك مراحل لا بد للداتا من أن تمرّ بها كي تصبح مفيدة وهي: جمع الداتا، وتنقية وتحليل الداتا. بعد التحليل الذي يحوّل الداتا العمياء إلى معرفة، تُوزّع هذه المعرفة بهدف الاستعمال. وكلّما استُعملت هذه المعرفة، أنتجت مزيداً من الداتا، وهكذا دواليك.

تتطلّب الداتا وسائل لجمعها، تحليلها ومن ثَمّ توزيعها عبر وسائط معيّنة (Medium)، وهي: البرّ، والبحر، والجو، والفضاء ثم الفضاء السيبراني مع الثورة المعلوماتيّة. وكلّما كان وسيط نقل الداتا سريعاً، كان زمام المبادرة بيد من يملك هذا الوسيط. من هنا الصراع الأميركي – الصيني على تكنولوجيا الـG - 5.

هناك الداتا الصحيّة الإيجابيّة، وهناك الداتا الخبيثة. فالأمر يتعلّق بنيات المُستعمل ولأي هدف. ألا نعيش اليوم حرب المعلومات (Information Warfare) إلى جانب الحروب الدمويّة؟

تتنافس الدول على جمع وتخزين الداتا. كما تتنافس على من هو أسرع في جمعها، تحليلها ومن ثَمّ استعمالها. وقد يمكن القول حاليّاً، إن هناك سباقاً حاداً بين هذه الدول كما كان سباق التسلّح التقليدي كما النووي من قبل. خصوصاً أن هذه الداتا ستلعب دوراً حاسماً في حروب القرن الـ21. يقول الكاتب الأميركي بول شار إن الصراع بين الدول الكبرى والعظمى اليوم، يدور في أربعة مسارح للحرب للسيطرة على الداتا، والتفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي وهي: الداتا، والحوسبة (Computing)، والموهبة، والمؤسسات التي تستوعب هذه المجالات. كما يذكر الكاتب شار أن المملكة العربية السعودية هي الرائدة في العالم في مجال العمل المؤسساتي بهدف التحضير للمستقبل.

مسيّرة إسرائيلية فوق قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

الحرب والداتا

توجد الداتا في كلّ مستويات الحرب الثلاثة وهي: المستوى الاستراتيجيّ، والعملاني، ومن ثمّ التكتيكيّ. تتداخل هذه المستويات بعضها مع بعض في أثناء الحرب لتتكامل. فعلى سبيل المثال، تجمع المُسيّرة الداتا عن حقل المعركة في أثناء طيرانها. تنقل هذه الداتا إلى المستوى العملاني للتحليل واتخاذ القرار العسكريّ. وعلى نتيجة هذا القرار العسكري ومساهمته في كسب الحرب، يتأثّر القرار الاستراتيجيّ.

وإذا كانت الداتا ضروريّة عن الهدف والعدو. فمن الضروري قياس النجاح بعد التنفيذ. وقياس النجاح يعني جمع الداتا عن الأضرار التي لحقت بالهدف. وعليه، ونتيجة للضرر الذي لحق بالهدف، تُقيَّم الداتا، وتُدرس، وتُحلّل بهدف إما تحسين أداء السلاح عبر تعديل مواصفاته وإما ابتكار تكتيك جديد.

خلال حرب غزة الحاليّة، دخل قائد عسكري إسرائيلي إلى مكتبه وبدأ بتمزيق الخرائط التي اعتمدها مصدراً للداتا المتعلّقة بحربه على الأنفاق. وعندما سُئل عن سبب تصرّفه هذا، أجاب: «الواقع يختلف تماماً عن هذه الخرائط». إذاً هو في عمى استعلامي واستخباراتيّ. وبسبب هذا العمى، وبهدف الخروج منه يكون الثمن عادةً بالدمّ.

في حرب غزة اليوم، تتبدّل الداتا ساعة بساعة. فكّلما تقدّم الجيش الإسرائيلي تتظهّر أمامه داتا مختلفة بسبب زئبقيّة أرض المعركة. وكلّما تراجعت «حماس»، جمعت مزيداً من الداتا عن الجيش الإسرائيليّ. ومع الوقت، وتراكم الداتا لدى الفريقين يبدأ استنتاج الأنماط، والطرق القتالية، ليغيب بذلك عامل المفاجأة.


مقالات ذات صلة

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

المشرق العربي «حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

قال القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان اليوم الاثنين إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض، مؤكدا أن الحركة معنية في الوقت نفسه بوقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض صاروخاً في مدينة نهاريا شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجومين بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلنت فصائل عراقية مسلحة، يوم أمس (الأحد)، مسؤوليتها عن هجومين بالمسيرات على مواقع في جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

بعد أن نجح في التخلص من وزير دفاعه، يوآف غالانت، من دون خسائر فادحة، يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإزاحة رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي.

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.