«رسالة البابا» تُحيي الخلاف بين الفاتيكان والمحافظين الأميركيين

فتحت سجالاً بشأن الإيمان والسياسة والهجرة

البابا ليو الرابع عشر يحتضن طفلة في «ساحة القديس بطرس» بالفاتيكان يوم 12 أكتوبر 2025 (رويترز)
البابا ليو الرابع عشر يحتضن طفلة في «ساحة القديس بطرس» بالفاتيكان يوم 12 أكتوبر 2025 (رويترز)
TT

«رسالة البابا» تُحيي الخلاف بين الفاتيكان والمحافظين الأميركيين

البابا ليو الرابع عشر يحتضن طفلة في «ساحة القديس بطرس» بالفاتيكان يوم 12 أكتوبر 2025 (رويترز)
البابا ليو الرابع عشر يحتضن طفلة في «ساحة القديس بطرس» بالفاتيكان يوم 12 أكتوبر 2025 (رويترز)

أعاد البابا ليو الرابع عشر، أول بابا مولود في الولايات المتحدة، الكنيسة الكاثوليكية إلى قلب السجال الأميركي بشأن قضايا الهجرة والعدالة الاجتماعية، بعد إصداره أول وثيقة بابوية رئيسية له بعنوان: «لقد أحببتكم».

ففي الوقت الذي تكثف فيه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حملاتها لتشديد الرقابة على الحدود وترحيل المهاجرين، وضع البابا الفقراء والمهاجرين في صميم رسالته، داعياً إلى أن يكون «الإيمان المسيحي فعلاً اجتماعياً يتجسد في الدفاع عن الأضعف».

وفتحت الوثيقة، التي وُقّعت في 4 أكتوبر (تشرين الأول)، باباً واسعاً للجدل في الأوساط السياسية والدينية الأميركية، لا سيما بين الكاثوليك المحافظين الذين رأوا في نصوصها امتداداً لنهج البابا الراحل فرنسيس، وتذكيراً بأن الكنيسة لا يمكن أن تنفصل عن واقع البشر اليومي ومعاناتهم.

وفي رسالته، دعا البابا ليو الأساقفة حول العالم إلى مناصرة العدالة الاجتماعية والدفاع عن المهاجرين، مؤكداً أنه «لا يمكن لأي مسيحي أن يعدّ الفقراء مجرد مشكلة مجتمعية؛ إنهم جزء من عائلتنا. إنهم واحد منا». وهذا الخطاب، الذي يذكّر بتوجهات الكنيسة في أميركا اللاتينية، بدا كأنه إعلان نيات لِحَبر أعاد إلى الواجهة لغة أخلاقية تتجاوز السياسة الحزبية، لكنها في الوقت ذاته تُربك التحالف التقليدي بين الكاثوليكية الأميركية والمحافظين الجمهوريين.

بابا «ليبرالي» جديد؟

أثارت تصريحات البابا الأخيرة غضباً متصاعداً داخل أوساط الكاثوليك اليمينيين الذين كانوا يأملون أن يُظهر أول بابا أميركي ميلاً إلى تقليدية أوضح من سلفه. وقال جون هنري ويستن، مؤسس منظمة «علامة الصليب الإعلامية» المحافظة، لصحيفة «واشنطن بوست»، إن البابا «يؤجج الارتباك الأخلاقي» بتصريحاته التي تساوي بين الدفاع عن الحياة ومعاملة المهاجرين، عادّاً حديثه عن أن مؤيدي الإجهاض وداعمي فرض عقوبات قاسية على المهاجرين غير النظاميين، لا يمكنهم الادعاء بأنهم مؤيدون للحياة، «تصريحاً فاضحاً»، وفق تعبيره.

حشود تستمع إلى خطبة البابا ليو الرابع عشر في «ساحة القديس بطرس» بالفاتيكان يوم 12 أكتوبر 2025 (إ.ب.أ)

ويرى آخرون أن البابا ليو «يمدّ خط فرنسيس» في انتقاد رأسمالية السوق، واستخدام لغة لاهوتية تضع «الكرامة الإنسانية» فوق الحسابات الاقتصادية. فقد هاجم في الوثيقة ما سماها «ديكتاتورية الاقتصاد القاتل»، عادّاً العالم واقفاً أمام خيارين: «إما نستعيد كرامتنا الأخلاقية والروحية، وإما نسقط في مستنقع من المخلفات».

وتزامن صدور الوثيقة مع احتدام الجدل داخل الولايات المتحدة بشأن سياسات الهجرة، بعد قرارات إدارة ترمب نشر قوات في عدد من المدن الكبرى. ورغم أن البابا ليو قال إنه «يفضل عدم التعليق على الخيارات السياسية داخل الولايات المتحدة»، فإن مضامين رسالته فُهمت بوصفها نقداً ضمنياً لنهج ترمب، خصوصاً بشأن ترحيل العائلات المهاجرة وإلغاء برامج الحماية المؤقتة.

وفي قمة الفاتيكان المناخية الأخيرة، وجّه البابا انتقادات حادة لمنكري تغيّر المناخ، وبارك قطعة جليد من نهر غرينلاند الذائب، في مشهد رمزي أثار سخرية المحافظين الأميركيين. وكتب الأسقف السابق كارلو ماريا فيغانو، أحد أبرز معارضي البابا فرنسيس سابقاً، على منصة «إكس» إن «البابا الجديد يسير في النهج ذاته. إذا كان الفاتيكان يظن أنه بمنأى عن الهلاك، فسيتعلم قريباً أن الله لا يُستهان به».

صدى الرسالة

في الولايات المتحدة، كانت شيكاغو (مسقط رأس البابا) ساحة اختبار رمزية للرسالة الباباوية الجديدة. فخلال «أسبوع الهجرة الوطني»، أكد رئيس أساقفة المدينة، الكاردينال بليز كوبيتش، أن الكاثوليك مدعوون إلى توسيع مفهوم «الدفاع عن الحياة» ليشمل المهاجرين واللاجئين.

البابا ليو خلال لقائه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس وزوجته أوشا في الفاتيكان يوم 19 مايو 2025 (إ.ب.أ)

وقال في بيان إن «من يدافع عن الأجنة، فعليه أيضاً أن يدافع عن المهاجرين المهددين في حياتهم». كلماته جاءت بعد أن قرر السيناتور الكاثوليكي ديك دوربين التراجع عن قبول جائزة «الحفاظ على الأمل حياً»، إثر انتقاداتٍ لآرائه بشأن الحقوق الإنجابية.

ويؤكد مسؤولون في الفاتيكان أن البابا ليو يسعى إلى تجنب «التصنيف السياسي». وأشار أحد كبار مسؤولي الفاتيكان إلى أن «الفرق بين رؤية ليو والكاثوليك اليمينيين في الولايات المتحدة واضح، لكنه لا يعني بالضرورة قطيعة». ويشير مراقبون إلى أن الوثيقة البابوية الجديدة، التي كُتب بعضها قبل وفاة فرنسيس، تحمل بصمات فكر الكنيسة في أميركا اللاتينية، حيث يُنظر إلى الدفاع عن الفقراء بوصفه جوهر الإيمان، لا هامشه.

بين الإصلاح والاستمرارية

في المقابل، يرى بعض الكاثوليك التقليديين أن البابا الجديد لم يكشف بعد عن ملامح نهجه بالكامل، عادّين أن الوثيقة قد تكون «ديناً مستحقاً لفرنسيس، أكثر منها بياناً تأسيسياً للبابا ليو». لكن آخرين، مثل الكاتب الكاثوليكي أليخاندرو بيرموديز، يعدّون البابا ليو «رمزاً للوحدة». وأضاف أن «طريقة تصرفه طويلة الأمد، ولم يُغلق باب الحوار مع المحافظين أو الليبراليين».

في نهاية المطاف، تكشف رسالة البابا ليو الرابع عشر عن توجهٍ يريد إعادة الكنيسة إلى قلب النقاش العالمي بشأن الفقر والهجرة والبيئة، في مواجهة نزعات العزلة والانقسام. وهي أيضاً تضع الكنيسة الأميركية أمام سؤال جوهري: هل يمكن أن يكون الإيمان حقيقياً إن لم يدافع عن كل إنسان، بغض النظر عن هويته وحدوده وجنسيته؟

وبينما ينتظر كثيرون الوثيقة البابوية التالية لتحديد ملامح «عصر ليو»، يبدو الصدام بين الفاتيكان وإدارة ترمب - وإن لم يُعلَن رسمياً - بات أمراً واقعاً.


مقالات ذات صلة

ترمب سينظر في إعفاء المجر من العقوبات المفروضة على النفط الروسي

العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان خلال اجتماع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

ترمب سينظر في إعفاء المجر من العقوبات المفروضة على النفط الروسي

أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، بأنه سينظر في إعفاء بلاده من العقوبات التي فُرضت على شراء النفط الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (رويترز)

الشرع يلتقي ترمب الاثنين بـ«صفحة بيضاء»

يدخل الرئيس السوري أحمد الشرع الاثنين بـ«صفحة بيضاء» إلى البيت الأبيض، ليكون أول سوري يزور واشنطن العاصمة، بعد أيام فحسب من رفع اسمه من لوائح الإرهاب الأممية.

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

ترمب «منفتح» على طلبات إيرانية لرفع العقوبات

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن إيران طلبت رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، معرباً عن انفتاحه على مناقشة هذا الأمر.

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف (إ.ب.أ)

الكرملين ينفي تكهنات بوجود خلاف بين لافروف وبوتين

نفى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الجمعة، التكهنات بوجود خلاف بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب يتحدث خلال عشاء مع قادة آسيا الوسطى في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض (أ.ف.ب)

ترمب يشيد بالطاقات «الهائلة» لدول آسيا الوسطى الخمس

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالطاقات «الهائلة» لدول آسيا الوسطى، وذلك خلال استقباله في واشنطن للمرة الأولى قادة الجمهوريات السوفياتية السابقة الخمس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نقل 7 أشخاص إلى المستشفى بسبب «طرد يحتوي على مسحوق أبيض» في قاعدة «أندروز»

7 أشخاص أدخلوا إلى المستشفى بعد فتح طرد «مشبوه» يحتوي على مسحوق أبيض (رويترز)
7 أشخاص أدخلوا إلى المستشفى بعد فتح طرد «مشبوه» يحتوي على مسحوق أبيض (رويترز)
TT

نقل 7 أشخاص إلى المستشفى بسبب «طرد يحتوي على مسحوق أبيض» في قاعدة «أندروز»

7 أشخاص أدخلوا إلى المستشفى بعد فتح طرد «مشبوه» يحتوي على مسحوق أبيض (رويترز)
7 أشخاص أدخلوا إلى المستشفى بعد فتح طرد «مشبوه» يحتوي على مسحوق أبيض (رويترز)

أُدخل 7 أشخاص المستشفى بعد فتح طرد «مشبوه» يحتوي على مسحوق أبيض في قاعدة «أندروز» العسكرية القريبة من واشنطن التي تستخدم للرحلات الرئاسية، وفق ما أوردت وسائل إعلام أميركية، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوردت شبكة «سي إن إن» أن تحاليل أولية للمادة التي لم تعرف طبيعتها خلصت إلى أنها غير خطرة، لكنّ تحقيقاً فتح لكشف الملابسات.

وأفادت «سي إن إن» بأن الأشخاص السبعة نُقلوا إلى المستشفى الخميس، وخرجوا في وقت لاحق.

وأشارت شبكة «فوكس نيوز» إلى قول بعضهم إنهم يعانون صداعاً.

ونقلت «سي إن إن» عن مصادر مطّلعة على التحقيق قولها إن الطرد كان يحتوي أيضاً على «مواد دعاية سياسية».

وجاء في بيان لقاعدة «أندروز» أوردته وسائل إعلام أميركية أنها «استجابت لحادث هنا اليوم بعدما فتح فرد طرداً مشبوهاً».

وتابع البيان: «جرى إخلاء المبنى وملحقاته احترازياً». وأضاف: «جرى إرسال عناصر الاستجابة الأولية التابعين لقاعدة (أندروز) إلى الموقع وتثبتوا من عدم وجود تهديدات آنية، ثم سلموا الموقع لمكتب التحقيقات الخاصة».

والقاعدة قريبة من العاصمة الفيدرالية الأميركية، وغالباً ما تستخدم لرحلات كبار المسؤولين في الإدارة.


مسؤولون: المخابرات الأميركية رصدت وجود تحذيرات إسرائيلية من ارتكاب جرائم حرب في غزة

فلسطينيون يصلون أمام الأنقاض بعد عودتهم إلى حيّهم المدمر بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)
فلسطينيون يصلون أمام الأنقاض بعد عودتهم إلى حيّهم المدمر بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)
TT

مسؤولون: المخابرات الأميركية رصدت وجود تحذيرات إسرائيلية من ارتكاب جرائم حرب في غزة

فلسطينيون يصلون أمام الأنقاض بعد عودتهم إلى حيّهم المدمر بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)
فلسطينيون يصلون أمام الأنقاض بعد عودتهم إلى حيّهم المدمر بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)

كشف 5 مسؤولين أميركيين سابقين لـ«رويترز»، أن الولايات المتحدة جمعت معلومات مخابراتية العام الماضي تُفيد بأن مستشارين قانونيين في الجيش الإسرائيلي حذّروا من وجود أدلة قد تدعم اتهامات تتعلق بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في حملتها العسكرية في غزة، وهي عمليات اعتمدت على أسلحة زوّدتها بها الولايات المتحدة.

وقال المسؤولون إن هذه المعلومات، التي لم يُكشف عنها من قبل، كانت من بين أكثر التقارير المخابراتية إثارةً للدهشة التي عُرضت على كبار صانعي القرار الأميركيين خلال الحرب، إذ أشارت إلى وجود شكوك داخل الجيش الإسرائيلي بشأن قانونية أساليبه، في تناقض واضح مع الموقف العلني لإسرائيل الذي يدافع عن عملياتها.

آلية عسكرية إسرائيلية في حي الشجاعية بمدينة غزة (أ.ب)

وقال اثنان من المسؤولين الأميركيين إن هذه المعلومات لم يجرَ تداولها على نطاق واسع داخل الحكومة الأميركية حتى أواخر إدارة الرئيس السابق جو بايدن، عندما نُشرت على نطاق أوسع قبل جلسة إحاطة في الكونغرس في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وفاقمت هذه المعلومات المخابراتية من المخاوف في واشنطن بشأن سلوك إسرائيل في حرب قالت إنها ضرورية للقضاء على مقاتلي حركة «حماس».

وكانت هناك مخاوف من أن إسرائيل تتعمد استهداف المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وهي جريمة حرب محتملة نفتها إسرائيل بشدة.


وسط انتقادات حادة... واشنطن ترفض مراجعة سجلها في حقوق الإنسان بالأمم المتحدة

المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف بسويسرا (رويترز)
المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف بسويسرا (رويترز)
TT

وسط انتقادات حادة... واشنطن ترفض مراجعة سجلها في حقوق الإنسان بالأمم المتحدة

المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف بسويسرا (رويترز)
المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف بسويسرا (رويترز)

أكدت الولايات المتحدة قرارها غير المسبوق بعدم المشاركة في المراجعة الدورية الشاملة لأدائها في مجال حقوق الإنسان أمام الأمم المتحدة التي كانت مقررة اليوم الجمعة، مثيرة انتقادات حادة من مسؤولين أميركيين وناشطين حقوقيين، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأكدت البعثة الأميركية في جنيف هذا الأسبوع أن مقعد الولايات المتحدة سيبقى شاغراً خلال المراجعة الدورية لسجلها في مجال حقوق الإنسان بعد ظهر الجمعة، طبقاً لما أعلن سابقاً في أغسطس (آب).

وبذلك تكون الولايات المتحدة ثاني دولة بعد إسرائيل عام 2013، لا تحضر هذا التدقيق منذ بدء العمل بنظام المراجعة الدورية هذا الذي يشرف عليه مجلس حقوق الإنسان عام 2008.

وعلقت عزرا زيا مديرة منظمة «هيومن رايتس فيرست» معتبرة القرار «مخيباً للأمل... وإشارة سيئة... تضعف عملية ساهمت في التقدم المحرز على صعيد حقوق الإنسان في العالم بأسره، بما في ذلك في الولايات المتحدة».

تشرف زيا الجمعة على إحدى الفعاليات العديدة التي ينظمها ناشطون ومسؤولون أميركيون في الأمم المتحدة في جنيف للتعبير عن مخاوفهم حيال وضع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، ولا سيما منذ عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني).

ويأتي قرار واشنطن عقب مرسوم أصدره ترمب في فبراير (شباط)، يأمر بانسحاب الولايات المتحدة من عدة هيئات تابعة للأمم المتحدة، ولا سيما مجلس حقوق الإنسان.

وسبق أن سحب ترمب بلاده من المجلس خلال ولايته الرئاسية الأولى، لكن إدارته شاركت في ذلك الحين في المراجعة عام 2020.

وبررت واشنطن قرارها في أغسطس، مبدية معارضتها «لتسييس حقوق الإنسان داخل نظام الأمم المتحدة».

وحذر فيل لينش مدير «الخدمة الدولية لحقوق الإنسان» من أن «انسحاب الولايات المتحدة لا يقوض بشكل خطير الطابع العالمي للعملية فحسب، بل كذلك المبدأ القاضي بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان غير قابل للتصرف وينطبق على الجميع بالتساوي».

كما قال مسؤول أميركي كبير سابق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» طالباً عدم كشف اسمه: «إنه من المؤسف والمثير للسخرية أننا من المساهمين في وضع المعايير وهذه الآلية التي ننسحب منها اليوم».

إشارة خطيرة

شدد مسؤول سابق آخر ساهم في مشاركات الولايات المتحدة السابقة في إطار المراجعة، على أن «عدم المشاركة هي بمثابة إشارة في غاية الخطورة».

وأضاف: «إننا نخسر شرعيتنا في قيادة حقوق الإنسان على مستوى العالم... هذا أمر يصعب تقبله».

أثارت هذه المقاطعة الأميركية استنكار المجتمع المدني الذي يشارك عادة في المراجعات من خلال تقديم تحليلات وتوصيات.

وأبدى عدد من المجموعات والجامعيين والمسؤولين الأميركيين مخاوف جراء حرمانهم من هذا المنبر، عارضين قائمة من التطورات المقلقة في الولايات المتحدة.

وذكروا بصورة خاصة قمع الاحتجاجات وعسكرة ملف الهجرة ونشر الحرس الوطني في مدن أميركية والقمع ضد الجامعات والمؤسسات الفنية والضربات على سفن يشتبه بتهريبها مخدرات في الكاريبي والمحيط الهادئ.

وحض كثيرون الأسرة الدولية على اتخاذ موقف ودعم الجهود الرامية إلى التدقيق في أعمال الحكومة الأميركية.

وقالت شاندرا بهاتناغار مديرة مكتب الرابطة الأميركية للحريات المدنية في كاليفورنيا إن «مجلس حقوق الإنسان ونظام الأمم المتحدة ومجموعة الأمم المتمسكة بحقوق الإنسان والديمقراطية، هي الجهات القادرة على إلقاء الضوء على هذه الانتهاكات».

ورأى روبرت سليم هولبروك مدير مركز ِAbolitionist Law Center الناشط من أجل حقوق السجناء وإصلاح نظام السجون، أنه «إزاء تقويض حرياتنا المدنية، فإن هذه المؤسسات ستكتسب أهمية متزايدة في المستقبل».

ويخشى البعض أن تشكل مقاطعة الولايات المتحدة سابقة، وقال سانجاي سيتي منسق «مبادرة الحرية الفنية»: «نأمل ألا يصبح الانسحاب من المجلس أمراً شائعاً».