فقدان صاروخ «ستارشيب» العملاق أثناء رحلته التجريبية التاسعة

لحظة انطلاق مركبة الفضاء ستارشيب من تكساس اليوم الثلاثاء في تاسع رحلة تجريبية غير مأهولة (رويترز)
لحظة انطلاق مركبة الفضاء ستارشيب من تكساس اليوم الثلاثاء في تاسع رحلة تجريبية غير مأهولة (رويترز)
TT

فقدان صاروخ «ستارشيب» العملاق أثناء رحلته التجريبية التاسعة

لحظة انطلاق مركبة الفضاء ستارشيب من تكساس اليوم الثلاثاء في تاسع رحلة تجريبية غير مأهولة (رويترز)
لحظة انطلاق مركبة الفضاء ستارشيب من تكساس اليوم الثلاثاء في تاسع رحلة تجريبية غير مأهولة (رويترز)

انتهت الرحلة التجريبية التاسعة لصاروخ ستارشيب العملاق التابع لشركة سبايس إكس المملوكة لإيلون ماسك الثلاثاء بفقدان مركبته الضخمة التي يُرجّح أنّها انفجرت عند هبوطها، وفقا لمسؤول في الشركة.وقال دان هوت المسؤول في سبايس إكس خلال بثّ مباشر «لقد فقدنا رسميا الاتصال بستارشيب قبل بضع دقائق. إنها بالتالي نهاية الرحلة التجريبية التاسعة»، مشيرا إلى «عودة غير متحكّم بها» إلى الغلاف الجوي للطبقة العليا من الصاروخ التي كان يفترض أن تُنهي رحلتها في المحيط الهندي.

وكانت مركبة الفضاء ستارشيب التابعة لشركة سبيس إكس من تكساس انطلقت الثلاثاء في تاسع رحلة تجريبية غير مأهولة بعد أن انتهت المحاولتان السابقتان بالفشل. وستارشيب هي مركبة فضاء مستقبلية تحمل طموحات إيلون ماسك للسفر إلى مختلف الكواكب.

انطلقت المركبة الفضائية المكونة من مرحلتين، والمركبة على متن صاروخ «ستارشيب» المثبت على معزز دفع صاروخي ضخم «سبيس إكس سوبر هيفي»، في نحو الساعة (2330 بتوقيت غرينتش) من موقع الإطلاق «ستاربيس» التابع للشركة على ساحل خليج تكساس بالقرب من براونزفيل.

أظهر بث مباشر لعملية الإطلاق ارتفاع الصاروخ من برج الإطلاق إلى السماء، بينما كانت مجموعة محركات «رابتور» القوية على متن «سوبر هيفي» تصدر صوتا قويا وسط كرة من اللهب وسحب متصاعدة من العادم وبخار الماء. أطلقت سبيس إكس منظومة ستارشيب مع معزز دفع صاروخي من طراز «سوبر هيفي» سبق له التحليق لأول مرة، بهدف إثبات قابليته لإعادة الاستخدام. ولن يحاول المعزز، الذي يبلغ طوله 71 مترا، في المرحلة الأولى العودة إلى منصة الإطلاق، وإنما سيستهدف خليج المكسيك من أجل هبوط متحكم فيه.

ومنحت الجهات التنظيمية الاتحادية سبيس إكس ترخيصا لأحدث محاولة تحليق للمركبة ستارشيب قبل أربعة أيام فقط، ما أنهى تحقيقا في حادث أدى إلى إيقاف ستارشيب لنحو شهرين. توقفت رحلتا الاختبار الأخيرتان في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) بعد لحظات من انطلاقهما، إذ انفجرت المركبة إلى أجزاء في أثناء صعودها، ما أدى إلى تناثر الحطام فوق أجزاء من منطقة البحر الكاريبي وتعطيل عشرات الرحلات الجوية التجارية في المنطقة.

ووسّعت إدارة الطيران الاتحادية مناطق خطر الحطام حول مسار الصعود لإطلاق اليوم الثلاثاء، وهو الرحلة التجريبية التاسعة الكاملة لمشروع ستارشيب. ووقع الإخفاقان المتتاليان السابقان في مراحل مبكرة من رحلات الاختبار التي أنجزتها سبيس إكس بسهولة من قبل، ما تسبب في انتكاسة كبيرة لبرنامج سعى ماسك، رجل الأعمال الملياردير الذي أسس شركة الصواريخ عام 2002، إلى تسريعه هذا العام.

وماسك أغنى رجل في العالم وداعم رئيسي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو متلهف لنجاح التجربة خصوصا بعد تعهده في الأيام القليلة الماضية بإعادة تركيز اهتمامه على مشروعاته التجارية المتنوعة، بما في ذلك سبيس إكس، عقب انخراطه المضطرب في السياسة ومحاولاته تقليص البيروقراطية الحكومية.

يعتمد ماسك على ستارشيب لتحقيق هدفه المتمثل في إنتاج مركبة فضائية كبيرة متعددة الأغراض من الجيل التالي، قادرة على إرسال البشر والبضائع إلى القمر في وقت لاحق من هذا العقد، وفي نهاية المطاف، إلى المريخ.


مقالات ذات صلة

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق جاريد إسحاقمان مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمنصب مدير وكالة الفضاء الأميركية (رويترز)

رائد فضاء ملياردير يسعى إلى قيادة «ناسا»... وإعادة البشر إلى القمر

حث الملياردير الذي قام بالسير في الفضاء، جاريد إسحاقمان، أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، اليوم الأربعاء، على التحرك بسرعة بشأن ترشحه لقيادة وكالة الفضاء الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق شرارة هائلة تعبُر الفضاء نحو مجالنا المغناطيسي (ناسا)

عاصفة مغناطيسية في الطريق... تحذيرات بعد انفجار شمسي هائل

الانفجار من فئة «X1.9»، وهي الفئة الأقوى من الانفجارات الشمسية، وقد اندلع من منطقة بقع شمسية ناشئة حديثاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة «كيوريوسيتي» الجوالة التابعة لوكالة «ناسا» تستكشف سطح المريخ (ناسا)

حل مبتكر لبناء أول مساكن بشرية على المريخ

كشفت دراسة إيطالية عن حل مبتكر قد يغيّر مستقبل الاستيطان البشري على المريخ، عبر استخدام بكتيريا قادرة على تحويل غبار الكوكب الأحمر مادة بناء صلبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

روبيو: الغرامة الأوروبية على «إكس» اعتداء على الشعب الأميركي

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)
TT

روبيو: الغرامة الأوروبية على «إكس» اعتداء على الشعب الأميركي

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)

أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم (الجمعة)، أن قرار الاتحاد الأوروبي بفرض غرامة مالية كبيرة على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي هو اعتداء على الشعب الأميركي من قبل حكومات أجنبية، كما يعد هجوماً على جميع شركات التكنولوجيا الأميركية.

وأضاف روبيو في منشور على «إكس»: «أيام فرض الرقابة على الأميركيين عبر الإنترنت قد ولت».

وقررت الجهات المنظمة لقطاع التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي في وقت سابق اليوم تغريم «إكس»، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، 120 مليون يورو بسبب «انتهاكات» تتعلق بالمحتوى على الإنترنت بعد تحقيق استمر لعامين، وأمهلت المنصة 60 يوماً لتقديم حلول و90 يوماً للتنفيذ.

وانتقد رئيس لجنة الاتصالات الاتحادية الأميركية بريندان كار قرار المفوضية الأوروبية، قائلاً إن أوروبا تغرم شركات التكنولوجيا الأميركية لأنها ناجحة، وتسعى للحصول على أموال غير مستحقة.

وحذر نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس الاتحاد الأوروبي، أمس (الخميس)، من فرض عقوبات على «إكس»، قائلاً إن على أوروبا «دعم حرية التعبير بدلاً من مهاجمة الشركات الأميركية بسبب أمور تافهة».

وقالت المفوضية الأوروبية في وقت سابق اليوم رداً على فانس إن قوانين المحتوى الرقمي «ليست رقابة».


أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
TT

أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)

قُتل أربعة أشخاص في ضربة جوية أميركية ضد قارب يُشتبه في تهريبه مخدرات شرق المحيط الهادئ، في خضم مساءلات في الكونغرس حيال ما إذا كانت الولايات المتحدة ارتكبت جريمة حرب خلال هجوم في سبتمبر (أيلول) الماضي بجنوب البحر الكاريبي لاستهدافها شخصين نجوا من الضربة الأولى.

ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكو 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)

وأعلنت القيادة العسكرية الجنوبية في الجيش الأميركي وقوع الضربة الـ22 ضد «قوارب المخدرات» الخميس، وسط انتقادات متزايدة من المعارضة الديمقراطية للضربات التي بدأت في 2 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 87 شخصاً حتى الآن، من دون تقديم أي دليل على صلاتهم بتهريب المخدرات. وأفادت عبر منصات التواصل الاجتماعي بأنها استهدفت «قارباً في المياه الدولية تديره منظمة مصنفة إرهابية»، مضيفة أن «معلومات استخبارية أكدت أن القارب كان يحمل مخدرات غير مشروعة، ويعبر طريقاً معروفاً لتهريب المخدرات في شرق المحيط الهادئ». وأكدت «مقتل أربعة رجال من إرهابيي المخدرات كانوا على متن القارب».

ووقعت الضربة في وقت تواجه فيه إدارة الرئيس دونالد ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث انتقادات، بسبب عملية وجهت خلالها القوات الأميركية ضربة ثانية على قارب سبق أن قُصف في البحر الكاريبي، مما أدى إلى مقتل ناجيَين اثنين من الضربة الأولى. وقُتل 11 شخصاً في الضربتَين الأولى والثانية.

السيناتور مارك كيلي (أ.ب)

واحتدم الجدال الأسبوع الماضي عندما أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن اثنين من الناجين من الضربة الأولى كانا متشبثين بقاربهما المشتعل، قُتلا في ضربة ثانية أذن بها هيغسيث.

وبعد مشاهدة مقطع فيديو قدمته وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى أعضاء من الكونغرس، وعُرض خلال جلسة مغلقة مع المسؤول عن العمليات الخاصة في القوات المسلحة الأميركية الأميرال فرنك برادلي، أكد كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب جيم هايمز، أن الضربة أدت إلى مقتل «بحّارَين غارقين»، موضحاً أن الفيديو يُظهر «شخصين من الواضح أنهما في حالة حرجة، من دون وسيلة تنقل، قتلتهما الولايات المتحدة»، ومشيراً إلى أن الأميرال برادلي قدّم «عناصر سياقية» في شأن قراره. وأضاف: «نعم، كان في حوزتهما مخدرات»، لكنهما «لم يكونا في وضع يسمح لهما بمواصلة مهمتهما بأي شكل من الأشكال».

صورة مجمّعة للرئيسين الأميركي ترمب والفنزويلي مادورو (أ.ف.ب)

ودافع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري توم كوتون عن القرار، واصفاً إياه بأنه «عادل». وأكد على غرار هايمز، أن الأميرال نفى تلقيه أمراً من وزير الدفاع بالقضاء على جميع البحارة على متن السفينة.

تأتي هذه الحملة العسكرية الأميركية في إطار تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا. ويتهم ترمب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأنه زعيم كارتل لتهريب المخدرات. أما مادورو فينفي ذلك بشدة، مندداً بمحاولة الولايات المتحدة إطاحة حكومته بذريعة مكافحة تهريب المخدرات.

ومع استمرار هذا التوتر، تواجه فنزويلا عزلة جوية بعدما أعلن الرئيس ترمب إغلاق المجال الجوي لهذا البلد في أميركا الجنوبية، وبعدما علّقت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها حرصاً على سلامة طائراتها وركابها.

أنصار المعارضة الفنزويلية يشاركون في وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين الفنزويليين في بوغوتا بكولومبيا (رويترز)

ونشر ترمب تحذيراً جاء فيه: «كل شركات الطيران والطيارين وتجار المخدرات والبشر، يُرجى اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا وحولها مغلقاً تماماً».

وألغت شركتا «بوليفانا دي أفياسيون» و«ساتينا» الكولومبيتان رحلاتهما إلى كاراكاس الخميس، فيما مدّدت شركة «كوبا إيرلاينز» البنمية تعليق رحلاتها حتى 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وسبق أن علقت شركات «إيبيريا» و«تي إيه بي» و«أفيانكا» و«غول» و«لاتام» و«إير أوروبا» والخطوط الجوية التركية و«بلاس ألترا» رحلاتها إلى فنزويلا. واتهمت كاراكاس هذه الشركات بـ«الانخراط في أعمال إرهاب الدولة» التي تمارسها واشنطن، وألغت تراخيص تشغيلها.

ولا يؤثر إغلاق المجال الجوي الذي أشار إليه ترمب على الرحلات التي تقل مهاجرين رحّلتهم الولايات المتحدة إلى فنزويلا. ووصلت، الأربعاء، طائرة تقل عدداً من هؤلاء، وكان من المتوقع وصول طائرة أخرى الجمعة.


انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
TT

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أظهرت حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوسطاً المستشار الألماني فريدريتش ميرتس (يمين) ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز خلال اجتماع في جوهانسبرغ على هامش قمة العشرين... 22 نوفمبر 2025 (د.ب.أ)

المكالمة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ونقلتها لاحقاً غالبية الصحف الأميركية، لم تكن محادثةً بروتوكوليةً. فقد حذَّر ميرتس مما وصفها بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية. ورغم نفي باريس استخدام عبارات قاسية، فإن الرسالة الأوروبية باتت واضحة: لا ينبغي لأوكرانيا الدخول في تسوية مع بوتين بوعود عامة أو ضمانات غير مكتملة.

وردَّت موسكو بسخرية على ما نُسب إلى المستشار الألماني. وكتب كبير المفاوضين الروس كيريل دميترييف على منصة «إكس»: «عزيزي ميرتس، أنت لست حتى في اللعبة... لقد أخرجت نفسك من اللعبة عبر التحريض على الحرب، ونسف السلام، ومقترحات غير واقعية، وانتحار الحضارة الغربية، والهجرة، والغباء العنيد».

المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوربيون آخرون يطالبون بتعديلات جذرية على الخطة الأميركية (رويترز)

ومن جانبه، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية في برلين: «أرجو تفهم أنني لا أعلق على تقارير إعلامية فردية. علاوة على ذلك، لا يمكننا من حيث المبدأ الإدلاء بمعلومات عن محادثات سرية».

وأشار المتحدث إلى تصريحات ميرتس في المؤتمر الصحافي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الاثنين الماضي. وكان ميرتس قد تحدَّث خلالها عن مكالمة هاتفية مشتركة مع الرئيس الأوكراني، والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وشركاء أوروبيين آخرين، وقال إنهم يحافظون على تماسك المجتمع عبر الأطلسي قدر الإمكان.

مصادر دبلوماسية أوروبية تشير إلى أن الخشية الأساسية لا ترتبط فقط بسرعة التحرك الأميركي، بل بتصاعد شعور بأن واشنطن باتت تتعامل مع ملف الحرب بوصفها قوةً منفردةً، متجاوزةً شركاءها في «الناتو» والاتحاد الأوروبي. فاجتماعات المفاوضين الأميركيين الأخيرة في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وغياب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن اجتماع وزراء خارجية «الناتو» الذي ناقش الخطة الأميركية، عزَّزا الانطباع بأن إدارة ترمب «تعمل أولاً وتتشاور لاحقاً»، أو «لا تتشاور إطلاقاً».

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس مع الرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)

الأوروبيون الذين يدفعون ثمن الحرب أمنياً واقتصادياً وسياسياً، يخشون أن يتحول أي اتفاق هش إلى عبء عليهم وحدهم إذا اختارت واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها أو اعتماد مقاربة براغماتية تجاه موسكو. ولهذا يطالب عدد من القادة، كما نقلت الصحف الغربية، بتوضيح صريح من الولايات المتحدة حول طبيعة التزاماتها الدفاعية تجاه كييف، وشكل الرد المشترك في حال خرق روسيا الاتفاق.

تصدعات داخل الغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مؤتمر صحافي في نيودلهي (إ.ب.أ)

التسريبات وحدّة النقاشات الأخيرة أعادت إلى الواجهة سؤالاً محورياً: هل بدأت تظهر شقوق فعلية داخل الجبهة الغربية بشأن كيفية التعامل مع موسكو؟ رغم التأكيدات الرسمية على وحدة الموقف، فإن الوقائع تكشف خلافات عميقة. الأوروبيون يعدّون الحرب تهديداً مباشراً لأمنهم، ويخشون أن أي تنازل غير مضمون سيشجع روسيا على اختبار صبر الغرب مجدداً. أما واشنطن، فتبدو أكثر تركيزاً على حساباتها العالمية، من ضبط التوتر مع الصين إلى موازنة الأزمات الإقليمية المختلفة، إضافة إلى هامش المناورة الذي يمنحه ترمب لنفسه بوصفه «وسيطاً مستقلاً» لا يمثل بالضرورة إجماع «الناتو».

هذا التباين تُرجم في مواقف ملموسة، كان أبرزها تقليص الاتحاد الأوروبي خطته لاستخدام مليارات الدولارات من الأصول الروسية المجمّدة، وترك جزء منها في الاحتياط قد تستغله واشنطن لاستمالة موسكو نحو الاتفاق. خطوةٌ فسّرها كثيرون على أنها مؤشر إلى هشاشة التنسيق داخل الغرب أكثر مما هي تنازل تكتيكي.

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس في حديث جانبي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك في لواندا بأنغولا بمناسبة القمة الأوروبية - الأفريقية (د.ب.أ)

زيلينسكي بين ضغط التفاوض وهشاشة الضمانات

الرئيس الأوكراني، المنشغل أيضاً بأزمة فساد داخلية هزّت فريقه، ظهر متحفظاً حيال الاندفاع الأميركي. فبعد التسريبات شدَّد زيلينسكي على ضرورة «الشفافية»، ملمّحاً إلى أنه لن يقبل بتكرار تجارب تفاوضية سابقة جرت من خلف ظهر أوكرانيا. كما أعاد التأكيد على أن كييف تحتاج إلى فهم «الأسس» التي ستقوم عليها الضمانات الأمنية، خصوصاً مع تداول مقترحات تتعلق بانتشار قوات أوروبية داخل أوكرانيا ضمن «قوة طمأنة» لا تزال تفاصيلها غامضة. هذا الوضع يضع كييف أمام معادلة معقدة: من جهة هناك ضغطان عسكري ومالي يفرضان التفكير في حلول سياسية، ومن جهة أخرى هناك خشية من أن أي خطوة غير محسوبة قد ترسم مستقبل البلاد الجيوسياسي لعقود طويلة.

وأجرى زيلينسكي، الخميس، محادثات مع مرشحين محتملين ليحلوا محل رئيس أركانه، أندريه يرماك، الذي استقال الأسبوع الماضي وسط تحقيق في فساد. وفي خطابه المصور الليلي، قال زيلينسكي إن المناقشات ركزت على كيفية عمل المكتب الرئاسي في المستقبل، والتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى. وقال:«سيتم اتخاذ قرار بشأن الرئيس الجديد للمكتب في المستقبل القريب». وتنحى يرماك، الحليف القديم للرئيس، بعد أن أجرت سلطات مكافحة الفساد عمليات تفتيش في مقره. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المداهمات مرتبطة بما وُصفت بأنها «أكبر قضية فساد في البلاد منذ بدء الحرب»، والتي تنطوي على رشاوى مزعومة في المشتريات المتعلقة بالطاقة.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس ووزير الدفاع داخل البوندستاغ خلال جلسة التصويت على قانون التجنيد (رويترز)

جولة مباحثات أميركية - أوكرانية في ميامي

قالت قناة «سوسبيلن» التلفزيونية الأوكرانية الرسمية الجمعة، نقلاً عن مصادر في وفد كييف، إن المحادثات في الولايات المتحدة بين المبعوثين الأوكرانيين والأميركيين قد انتهت. وقام بتمثيل أوكرانيا في المحادثات التي أُجريت في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، رستم عميروف سكرتير مجلس الأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة أندري هناتوف. وقال الرئيس الأوكراني، الخميس، إن الوفد الأوكراني بالولايات المتحدة يسعى لاستيضاح ما تمَّت مناقشته في موسكو، الثلاثاء الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثَي الولايات المتحدة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر. وناقش مطلع الأسبوع الحالي فريق بقيادة عميروف في فلوريدا الخطوات المحتملة لإنهاء الحرب مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وويتكوف، وكوشنر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

ورغم ساعات طويلة من النقاش في موسكو، فإن المحادثات الأخيرة لم تحقق اختراقاً. كما أن اجتماع المفاوض الأوكراني رستم عميروف مع ويتكوف لن يغيّر، على الأرجح، من حقيقة أن الخلافات البنيوية بين كييف وموسكو، ومن ورائهما الغرب، أكبر من أن تُحل باندفاعة دبلوماسية منفردة. لكن كثافة التحركات الدبلوماسية في بروكسل وبرلين وباريس تعكس أن نافذة التفاوض قد فُتحت فعلاً، وأن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.

قال الكرملين، الجمعة، إن روسيا والولايات المتحدة تحرزان تقدماً في محادثات السلام، وإن موسكو مستعدة لمواصلة العمل مع الفريق الأميركي الحالي. وقال المساعد بالكرملين يوري أوشاكوف، الذي شارك في محادثات الثلاثاء في موسكو، لصحيفة «زفيزدا» الجمعة: «إننا، في رأيي، نحرز تقدماً في المفاوضات الأساسية التي ينخرط فيها رئيسانا. إن هذا مشجع، ونحن مستعدون لمواصلة العمل مع هذا الفريق الأميركي». ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن أوشاكوف قوله: «نحن الآن في انتظار رد فعل زملائنا الأميركيين على المناقشة التي أجريناها يوم الثلاثاء».