هل يصبح ماركو روبيو أولى ضحايا الاستقطاب داخل إدارة ترمب؟

الرئيس الأميركي نفى تقريراً حول مواجهة حادّة بين ماسك ووزير الخارجية

روبيو في الكونغرس قبيل خطاب ترمب في 4 مارس (أ.ب)
روبيو في الكونغرس قبيل خطاب ترمب في 4 مارس (أ.ب)
TT

هل يصبح ماركو روبيو أولى ضحايا الاستقطاب داخل إدارة ترمب؟

روبيو في الكونغرس قبيل خطاب ترمب في 4 مارس (أ.ب)
روبيو في الكونغرس قبيل خطاب ترمب في 4 مارس (أ.ب)

منذ تعيينه وزيراً للخارجية، توقَّع دبلوماسيون أميركيون صمود ماركو روبيو في إدارة دونالد ترمب، «عاماً أو عامين على أقصى تقدير». وبينما برز روبيو خلال الأسابيع الستة الماضية منذ تسلم ترمب البيت الأبيض، مدافعاً حازماً عن أجندة الرئيس الأميركي الخارجية، فإنه بدا مستاءً من «تدخّلات» مقربين من ترمب مثل نائب الرئيس جي دي فانس ومسؤول إدارة الكفاءة الحكومية (دوج) إيلون ماسك. وبلغ التوتر أوجه، الخميس، خلال اجتماع جمع مسؤولي إدارة ترمب بماسك؛ لبحث تدابيره لخفض الإنفاق الحكومي، وشهد مواجهةً كلاميةً حادّة بين الملياردير صاحب منصة «إكس» وشركة «تسلا»، وكبير الدبلوماسيين الأميركيين.

رحلة تأقلم

كان ماركو روبيو أحد أكثر مرشّحي ترمب شعبيةَ بين المشرِّعين الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ، خلال إجراءات المصادقة. وينظر معظم المُشرِّعين إلى السيناتور السابق عن فلوريدا، بوصفه مشرِّعاً متمرّساً في السياسة الخارجية، بعد أن ترأسّ اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لدورات عدّة.

ولطالما دافع روبيو عن سياسات جمهورية محافظة بامتياز، لا سيّما حيال روسيا التي انتقدها بشدّة بعد اجتياحها أوكرانيا، والصين التي يعدّها أكبر تهديد للولايات المتحدة. وكان روبيو من أبرز الأصوات الجمهورية التي حملت بقوة على موسكو بعد اجتياحها أوكرانيا في 2022، داعياً إلى تسليح كييف وزيادة العقوبات على موسكو. كما وصف بوتين بأنه «مجرم حرب»، ورأى أن هدفه ليس فقط أوكرانيا بل إعادة تشكيل النظام الأمني الأوروبي. أما فيما يتعلّق بالسياسات تجاه بكين، فكان روبيو من أوائل المُشرِّعين الذين حذَّروا من نفوذ بكين الاقتصادي والتكنولوجي. كما لعب دوراً رئيسياً في تمرير تشريعات تستهدف «هواوي»، وتطبيق «تيك توك»، واستثمارات الصين في القطاعات الاستراتيجية الأميركية.

روبيو متحدّثاً خلال اللقاء المتوتّر بين إدارة ترمب والرئيس الأوكراني في البيت الأبيض... 28 فبراير (رويترز)

ومنذ انضمامه إلى فريق ترمب، بدا روبيو ملتزماً بأولويات السياسة الخارجية التي دفع بها الرئيس الـ47 في أميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأوروبا وآسيا. بل إن إدارة ترمب دفعت به للدفاع عن قراراتها على القنوات التلفزيونية. فسارع للدفاع عن جي دي فانس بعد خطابه المثير للجدل في ميونيخ الذي اتّهم فيه الأوروبيين بقمع حرية التعبير.

أما بعد اللقاء الناري الذي جمع ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، فهاجم روبيو، زيلينسكي، ودعاه إلى تقديم اعتذار لسيد البيت الأبيض، مشكّكاً في سعيه إلى إبرام اتفاق سلام مع روسيا.

في المقابل، دعا مسؤولون سابقون روبيو إلى تقديم استقالته، وأبرزهم مستشار الأمن القومي في إدارة ترمب الأولى جون بولتون. وقال بولتون في مقابلة مع «إم إس إن بي سي»: «هذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك. إذا لم يخرج الآن، أعتقد أن سمعته ستتضرّر لفترة طويلة جداً، وسيكون ذلك أمراً محزناً لأن سجله في الإيمان بسياسة أمن قومي أميركية قوية كان جيداً جداً حتى الآن».

ترمب يتوسَّط بين ماسك وروبيو

أثار خلاف، نقلت تفاصيله صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أن ينفيه الرئيس ترمب الجمعة، بين ماسك وروبيو تكهّنات حول مدى قدرة الأخير على الصمود في الإدارة.

وقال ترمب لصحافي سأله عن تقرير «نيويورك تايمز»: «لم تحصل مواجهة. لقد كنتُ هناك». وأكّد ترمب أن الملياردير المسؤول عن تقليص حجم القوى العاملة في الحكومة الفيدرالية، ووزير الخارجية «يتفقان بشكل رائع». وذكرت الصحيفة أن الرجلين اشتبكا بشدة، الخميس، في أثناء اجتماع لمجلس الوزراء. وفقاً للتقرير، اتهم رئيس شركتَي «تسلا» و«سبايس إكس» وزير الخارجية بأنه لم يطرد «أي شخص» حتى الآن.

الرئيس دونالد ترمب يستمع إلى إيلون ماسك وهو يتحدث في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أ.ب)

وفي دفاعه عن نفسه، أشار الوزير بحسب التقرير إلى المغادرة الطوعية لعدد كبير من الموظفين في وزارته، قبل أن يتساءل ساخراً ما إذا كان ماسك يريد منه إعادة توظيفهم حتى يتمكَّن من فصلهم بشكل أكثر لفتاً للانتباه. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، دافع ترمب بعد ذلك عن وزير الخارجية خلال هذا الاجتماع الذي عُقد على عجل.

وتحدّثت الصحيفة أيضاً عن توتر بين وزير النقل شون دافي، وماسك. واستناداً إلى التقرير، اتّهم الوزير أغنى رجل في العالم بالرغبة في طرد مراقبين للحركة الجوية، بينما أكد رجل الأعمال أن هذا «كذب». وذكر التقرير أن ترمب أنهى الجدل بطلبه توظيف مراقبين للحركة الجوية من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» المرموق، وهو إحدى أكثر مؤسسات البحث تقدماً في العالم، وذلك للتأكد من أنهم «عباقرة».

وبعد هذا الاجتماع الوزاري، أعلن الرئيس الأميركي أنه سيجتمع بحكومته مع ماسك كل أسبوعين، داعياً إلى استخدام «المشرط» وليس «الفأس» لإقالة موظفين حكوميين فيدراليين. وكتب على منصته «تروث سوشيال»: «من المهم جداً أن نُخفِّض القوى العاملة إلى المستوى الذي نحتاج إليه، ولكن من المهم أيضاً أن نحتفظ بأفضل الأشخاص وأكثرهم كفاءة».

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في مقر الوزارة... 27 فبراير (رويترز)

ومنذ بداية الأسبوع، تتالت الإعلانات والخطط لخفض عدد الموظفين: ما بين 40 ألفاً و50 ألفاً في مصلحة الضرائب، وأكثر من 70 ألفاً في وزارة شؤون المحاربين القدامى، بينما تحدَّثت وسائل إعلام أميركية عن تفكيك وزارة التعليم. وقد أفاد عدد من وسائل الإعلام المحلية بوجود توترات بين ماسك ومسؤولين حكوميين يعدّون أساليبه قاسية جداً، ويبدون استياءهم من تعدّيه على صلاحياتهم.

سيناريو إدارة ترمب الأولى

ذكَّر الاستقطاب المتصاعد داخل إدارة ترمب بالعدد القياسي من الاستقالات والإقالات في إدارة ترمب الأولى.

بولتون يجلس وراء ترمب في البيت الأبيض... 9 مايو 2018 (أ.ف.ب)

فقد شهدت ولاية الرئيس الـ45 تعاقب وزيرَي خارجية؛ هما ريكس تيلرسون (1 فبراير/ شباط 2017 - 31 مارس/ آذار 2018) ومايك بومبيو (26 أبريل/ نيسان 2018 - 20 يناير/ كانون الثاني 2021)، و4 وزراء دفاع؛ هم جيمس ماتيس (20 يناير 2017 - 1 يناير 2019)، وباتريك شاناهان (قام بالأعمال من 1 يناير 2019 إلى 23 يونيو/ حزيران 2019)، ومارك إسبر (23 يوليو/ تموز 2019 - 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020) وكريستوفر ميلر (قام بالأعمال من 9 نوفمبر 2020 إلى 20 يناير 2021). كما توالى 4 مستشارين للأمن القومي؛ هم مايكل فلين (20 يناير 2017 - 13 فبراير 2017)، وإتش آر ماكماستر (20 فبراير 2017 - 9 أبريل 2018)، وجون بولتون (9 أبريل 2018 - 10 سبتمبر 2019)، وروبرت أوبراين (18 سبتمبر/ أيلول 2019 - 20 يناير 2021).


مقالات ذات صلة

هل ستهدد الحرب بين ترمب وماسك مستقبل «ماغا»؟

الولايات المتحدة​ ترمب وماسك عندما كانا صديقين في بداية الفترة الرئاسية الثانية مطلع العام الحالي (إ.ب.أ)

هل ستهدد الحرب بين ترمب وماسك مستقبل «ماغا»؟

حذر محللون من أن الخلافات المتصاعدة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وحليفه السابق ايلون ماسك قد تهدد مستقبل «حركة ماغا».

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى وصوله إلى البيت الأبيض (رويترز)

ترمب يصف تأسيس ماسك لحزب سياسي جديد بأنه «سخيف»

انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأحد، إعلان حليفه السابق إيلون ماسك، تأسيس حزب سياسي جديد ووصفه بأنه «سخيف».

«الشرق الأوسط» (نيوجيرسي)
تحليل إخباري إيلون ماسك يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال نزال للمصارعة في فيلادلفيا في مارس الماضي (رويترز)

تحليل إخباري حزب ماسك... طموح سياسي أم انتقام من ترمب؟

أثار إعلان إيلون ماسك عن تأسيس «حزب أميركا» تساؤلات حول قدرته الفعلية على إطلاق حزب جديد وتجاوز الإجراءات القانونية المعقدة التي كرّسها نظام الحزبين.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك يتحدث خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض في مايو الماضي (رويترز) play-circle

ماسك يعلن تأسيس حزب سياسي جديد بعد خلافه مع ترمب

أعلن الملياردير إيلون ماسك، حليف الرئيس دونالد ترمب قبل أن يختلف معه أخيراً، السبت، تأسيس حزبه السياسي الذي أطلق عليه اسم «حزب أميركا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بعد مجلس الشيوخ ينظر مجلس النواب في مشروع الموازنة يوم الأربعاء 2 يوليو 2025 (أ.ف.ب)

بعد «الشيوخ»... «النواب» ينظر في المشروع «الكبير والجميل»

لم تنتهِ معركة مشروع الموازنة «الكبير والجميل» بعد. فبعد أن قطعت شوطاً مهماً في الشيوخ الذي أقره بغالبية بسيطة، يواجه المشروع معركة قد تكون أكثر شراسة في النواب

رنا أبتر (واشنطن)

ولاية تكساس الأميركية تشهد أسوأ كارثة فيضانات منذ 100 عام

مسؤولون يستقلون قارباً أثناء وصولهم للمساعدة في جهود الإنقاذ في معسكر ميستيك على طول نهر غوادالوبي في ولاية تكساس (أ.ب)
مسؤولون يستقلون قارباً أثناء وصولهم للمساعدة في جهود الإنقاذ في معسكر ميستيك على طول نهر غوادالوبي في ولاية تكساس (أ.ب)
TT

ولاية تكساس الأميركية تشهد أسوأ كارثة فيضانات منذ 100 عام

مسؤولون يستقلون قارباً أثناء وصولهم للمساعدة في جهود الإنقاذ في معسكر ميستيك على طول نهر غوادالوبي في ولاية تكساس (أ.ب)
مسؤولون يستقلون قارباً أثناء وصولهم للمساعدة في جهود الإنقاذ في معسكر ميستيك على طول نهر غوادالوبي في ولاية تكساس (أ.ب)

شهدت ولاية تكساس أسوأ فيضانات كارثية منذ أكثر من 100 عام، أدت إلى مقتل 82 شخصاً بينهم 28 طفلاً، وفقدان ما يقرب من 40 شخصاً. ووصف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الفيضانات المدمرة في تكساس بأنها «كارثة المائة عام»، وأشار إلى احتمال زيارته للولاية يوم الجمعة، وأكد أن إدارته تتعاون بشكل وثيق مع الممثلين المحليين للتعامل مع الوضع الخطير.

وقال ترمب للصحافيين مساء الأحد: «لجميع سكان تكساس، سنواصل وجودنا هناك، ونعمل عن كثب... إنه أمر مروع في هذا المكان، مروع للغاية».

ووقعت الفيضانات بعد أن فاض نهر غوادالوبي إثر هطول أمطار غزيرة في منطقة وسط تكساس، فجر يوم الجمعة الماضي، وهو يوم عطلة عيد الاستقلال الأميركي، وتدفقت السيول من التلال إلى النهر الذي ارتفع منسوبه ثمانية أمتار وأدى إلى غرق المنطقة. وأصدر مكتب هيئة الأرصاد الجوية نشرة فيضانات مفاجئة قبل دقائق من هطول الأمطار. وكانت آخر مرة تضررت فيها منطقة نهر غوادالوبي بشدة خلال فيضان عام 1908.

صورة جوية لنهر غوادالوبي في كيرفيل بتكساس الأحد (أ.ف.ب)

وخلال اليومين الماضيين، أعلن مسؤولون عن إنقاذ أكثر من 850 شخصاً، بعضهم تمكن من التشبث بالأشجار.

وأعلنت وزارة الأمن الداخلي تفعيل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، وإرسال فرق الاستجابة الأولية إلى تكساس بعد أن أعلن الرئيس ترمب حالة الكارثة الكبرى، وساهمت مروحيات وطائرات خفر السواحل في جهود البحث والإنقاذ.

وقال حاكم تكساس، جريج أبوت، إن أكثر آثار الفيضانات تدميراً كان ما حدث في مخيم ميستيك الصيفي، وهو مخيم للفتيات يعود تاريخه إلى ما يقرب من قرن من الزمان؛ إذ لا تزال عشر من الفتيات المشاركات في مخيم ميستيك ومرشدة واحدة في عداد المفقودين.

وأعادت هذه الفيضانات الكارثية في ولاية تكساس النقاشات حول قرار الرئيس ترمب تقليص دور الحكومة الفيدرالية في الاستجابة للكوارث الطبيعية، تاركاً الولايات لتتحمل جزءاً أكبر من العبء بنفسها. وتساءل بعض الخبراء عما إذا كانت تخفيضات إدارة ترمب في القوى العاملة الفيدرالية، بما في ذلك الوكالة التي تُشرف على هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، قد أدت إلى فشل المسؤولين في التنبؤ بدقة بشدة الفيضانات وإصدار التحذيرات المناسبة قبل العاصفة.

وصرح ريك سبينراد، المدير السابق للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، بأن إدارة ترمب أشرفت على آلاف عمليات تسريح الوظائف في الوكالة الأم لهيئة الأرصاد الجوية الوطنية، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي؛ ما أدى إلى نقص في الموظفين في العديد من مكاتب الأرصاد الجوية. وأشار سبينراد إلى أنه لا يعلم ما إذا كانت هذه التخفيضات في عدد الموظفين قد ساهمت في عدم وجود تحذير مسبق من الفيضانات الشديدة في تكساس، لكنها ستؤثر حتماً في قدرة الوكالة على تقديم تنبؤات دقيقة وفي الوقت المناسب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن الطوارئ... ويزور تكساس يوم الجمعة المقبل (أ.ب)

ورد ترمب عندما سُئل يوم الأحد عما إذا كانت تخفيضات الحكومة الفيدرالية قد أعاقت الاستجابة للكوارث أو تركت وظائف رئيسية شاغرة في هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، فقال في إشارة إلى سلفه الديمقراطي جو بايدن: «هذا هو وضع المياه، هذا كل ما في الأمر، وكان هذا في الواقع من تدبير بايدن. لكنني لن ألوم بايدن عليه أيضاً. أود فقط أن أقول إن هذه كارثة تستمر 100 عام». ورفض الإجابة عن سؤال حول الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، قائلاً فقط: «إنهم مشغولون بالعمل؛ لذا سنكتفي بهذا القدر».

وقالت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، التي تشرف على الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، إن تحذيراً «متوسطاً» من الفيضانات أصدرته هيئة الأرصاد الجوية الوطنية يوم الخميس لم يتوقع بدقة هطول الأمطار الغزيرة، وقالت إن إدارة ترمب تعمل على تحديث النظام.