أحدث أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق الجزء الأكبر من المساعدات الخارجية صدمة في المجال الإنساني، مهدداً بعمليات تسريح واسعة النطاق في العديد من المنظمات غير الحكومية واحتمال تدمير أخرى بالكامل، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وقبل أقل من أسبوع على عودة ترمب إلى السلطة، أبلغت «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (يو إس أيد) المنظمات غير الحكومية بأنه سيتعيّن تعليق عملياتها فوراً نظراً إلى تجميد الإدارة الجديدة ميزانياتها.
أمر الرئيس الأميركي بمراجعة مدتها 90 يوماً لـ«يو إس أيد» التي تدير برامج صحية وطارئة في نحو 120 بلداً، بما فيها تلك الأكثر فقراً.
ويقود الحملة حليفه الملياردير إيلون ماسك الذي تباهى بتضييق الخناق على «يو إس أيد».
وأصدرت إدارة ترمب إعفاءات مذاك لبعض المساعدات «المنقذة للحياة» بينما شمل التجميد أيضاً استثناء للتمويل المخصص لمصر وإسرائيل.
لكن ما زال هناك إرباك بشأن الكيفية التي سيتم من خلالها تطبيق هذه الإعفاءات، فيما تؤثر الضبابية على الوضع الميداني في عدد من الدول.
وقال مصدر في منظمة غير حكومية في كينيا إن قرار وقف العمل جاء «كالقنبلة».
وطلب المصدر عدم الكشف عن هويته خشية معاقبة إدارة ترمب منظمته الخيرية.
وأفاد العامل في مجال الإغاثة بأن القرار «أثار ذعر الناس»، مشيراً إلى أن الموظفين لم يحصلوا على فرصة للتأقلم مع الواقع الجديد، نظراً لعدم وجود مهلة زمنية لتطبيق القرار.
تم فوراً إعطاء الموظفين إجازة إلزامية غير مدفوعة ولم يعد بإمكان المنظمة دفع إيجاراتهم أو رواتبهم، على قوله.
وسأل بصدمة: «ما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة لمن لديهم أطفال؟».
التعويض مستحيل
بالنسبة للعديد من الموظفين المحليين، فإن قرار الولايات المتحدة سيؤدي إلى البطالة في بلدان تعد اقتصاداتها هشة، وحيث يمثل العثور على وظيفة أخرى مهمة مستحيلة.
تطول التداعيات أيضاً الأجانب العاملين في وكالات الإغاثة.
وقالت عاملة في المقر الأوروبي لمنظمة غير حكومية تمولها الولايات المتحدة: «أبلغنا جميع من يعولون على موازنات الولايات المتحدة بأنه تم تعليق مهامهم مؤقتاً».
.وقالت، طالبة عدم الكشف عن هويتها، إن التداعيات على المغتربين هي أنهم يضعونك في الطيارة ويعيدونك إلى بلادك
والفرق، بحسب قولها، هو «أنه لا مقر إقامة لديك»، نظراً إلى أن العديد من المغتربين العاملين في مجال الإغاثة يتنقلون من مهمة لأخرى ولا مقر لديهم يقيمون فيه في بلدانهم الأصلية.
تدير «يو إس أيد» موازنة قدرها 42.8 مليار دولار تمثل 42 في المائة من المساعدات الإنسانية الموزعة في العالم.
وقالت إنه سيتعين على المنظمات غير الحكومية «تسريح الموظفين بما يتناسب مع اعتمادهم على التمويل الأميركي».
وأضافت: «إذا اعتمدت منظمة غير حكومية بنسبة 60 في المائة على (يو إس أيد)، فسيتعين عليها تسريح 60 في المائة من موظفيها. إذا اعتمدت بنسبة 40 في المائة، فسيتعين عليها تسريح 40 في المائة».
وتابعت أن «التعويض عن خسارة الأموال الأميركية سيكون أمراً مستحيلاً».
«وحشي»
وجاء أقل بقليل من 20 في المائة من تمويله (150 مليون دولار) من الولايات المتحدة العام الماضي، مقدماً دعماً حيوياً لـ1.6 مليون شخص.
في الأثناء، أعلنت منظمة «نورسك فولكيليب» النرويجية غير الحكومية المتخصّصة في إزالة الألغام في جميع أنحاء العالم، الثلاثاء، أنّها ستخفّض قوتها العاملة بأكثر من النصف وستستغني عن خدمات 1700 موظف في 12 دولة بسبب الخطوة الأميركية.
وقال الأمين العام للمنظمة رايموند يوهانسن في بيان إنّ «زوال أكثر من 40 في المائة من التمويل المخصّص لإزالة الألغام وللتخلّص من المواد المتفجّرة، بين ليلة وضحاها، أمر مأساوي بالنسبة إلينا وإلى عملنا».
وأضاف: «لكن الكلفة الأعلى يدفعها الأطفال والمزارعون والمجتمعات المحلية المتضرّرة من الألغام في جميع أنحاء العالم».
وبينما كان من المقرر أن يستمر تجميد التمويل الأميركي المبدئي 90 يوماً، بدأت الإدارة بالفعل خفض عدد العاملين لدى «يو إس أيد»، فيما يخشى كثيرون في قطاع المساعدات تراجعاً كبيراً في الدعم الأميركي.
تعهّد ترمب وماسك علناً بإغلاق «يو إس أيد» تماماً.
وقال رئيس «سوليداريتيه إنترناسيونال» التي تحصل على 36 في المائة من تمويلها من الولايات المتحدة كيفن غولدبرغ: «لا نعاني من الهشاشة إلى حد يدفع للانهيار في غضون 90 يوماً. المشكلة هي، هل سيدوم الأمر 90 يوماً أو أنه سيستمر فترة أطول بكثير؟».
وأضاف أن الشركاء المحليين للمنظمات الدولية غير الحكومية «الذين يعتمدون على قدرتنا على نقل جزء من المساعدات الأميركية المخصصة لنا سيعانون أيضاً».
وعبر عن «قلقه على السلسلة البشرية بأكملها».
وأفاد رئيس منظمة «ميدسان دو موند»، جان فرنسوا كورتي: «العديد من الأفرقاء في قطاع المساعدات سيختفون بسبب تراجع التمويل الرسمي الأوروبي أيضاً».
وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن القرار الأميركي بمثابة «ثورة كارثية» بالنسبة للنظام البيئي الإنساني الذي «يُخنق حتى الموت».
وعبرت الرئيسة التنفيذية بمنظمة أخرى دولية غير حكومية عن خشيتها من أن تكون لأسلوب ترمب "الوحشي" تداعيات في أوروبا حيث تزداد هيمنة الأحزاب اليمينية المتشددة التي تستلهم من الرئيس الأميركي.
وقالت: «إنه زلزال... يدفعنا لإعادة النظر في كل شيء».