وزارة التعليم الأميركية في مرمى ترمب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
TT
20

وزارة التعليم الأميركية في مرمى ترمب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

باتت وزارة التعليم الأميركية في مرمى الرئيس دونالد ترمب الذي وصفها بأنها غير فعالة ومبذرة، ويهيمن عليها اليساريون المتطرفون، ما ينذر بتفكيكها.

وفي مقابلة بُثت، الأحد، قال ترمب لشبكة «فوكس نيوز» إنه سيأمر إيلون ماسك الذي يقود جهوداً لخفض التكاليف، بتحويل أنظاره بعد ذلك إلى وزارة التعليم، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي تأكيد على نيته، وجَّه الرئيس الجمهوري في وقت سابق ليندا ماكماهون، مرشحته لمنصب وزيرة التعليم، «بطرد نفسها من وظيفتها».

وأثار ذلك ضجة كبيرة في أوساط الديمقراطيين ونقابات المعلمين وكثير من أولياء الأمور، حيث وصفوا خطة ترمب لإغلاق الوزارة بأنها هجوم على التعليم العام.

من ناحية أخرى، أشادت الجماعات المحافِظة بهذه الخطوة بوصفها إجراءً طال انتظاره لإعادة تأكيد السيطرة المحلية على الفصول الدراسية الأميركية، لكنهم أقروا أن مهمة تقليص حجم الوزارة لن تكون سهلة.

وقالت بيكي برينغل، رئيسة الرابطة الوطنية للتعليم، أكبر نقابة عمالية في البلاد، إن إغلاق وزارة التعليم سيكون مدمراً للطلاب ذوي الإعاقة والطلاب من ذوي الدخل المنخفض وغيرهم من الأطفال المعرَّضين للخطر.

قالت برينغل: «إذا أصبح هذا حقيقة واقعة، فإن استيلاء ترمب على السلطة من شأنه أن يسرق الموارد لطلابنا الأكثر ضعفاً... ويدمر حماية الحقوق المدنية للطلاب»، مضيفة أن النقابة ستعارض الخطة.

دور فيدرالي تقليدي

أكد الرئيس ترمب ثقته الكاملة بإيلون ماسك الذي كلفه مهمة خفض الإنفاق الفيدرالي.

بعد أن أصبح مستشاراً مقرباً لترمب، تولى أغنى رجل في العالم ورئيس شركات «تيسلا» وإكس وسبايس إكس، قيادة لجنة «الكفاءة» لمراجعة الإنفاق الفيدرالي وتقليصه بشكل كبير.

واتخذ ماسك خطوات غير مسبوقة لإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد)، ما أدى إلى تسريح الآلاف من الموظفين. كما تصاعدت الانتقادات بعد منح فريقه صلاحية الاطلاع على البيانات الشخصية والمالية لملايين الأميركيين عبر وزارة الخزانة.

وأصدر قاضٍ فيدرالي أمراً بتعليق خطة الإدارة لوضع 2200 موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في إجازة مدفوعة الأجر.

تقليدياً، كان للحكومة الفيدرالية دور محدود في التعليم في الولايات المتحدة، حيث كان نحو 13 في المائة فقط من التمويل للمدارس الابتدائية والثانوية يأتي من خزائن فيدرالية، وفقاً للرابطة الوطنية للتعليم، ويتم تمويل الباقي من قبل الولايات والمجتمعات المحلية.

ولكن التمويل الفيدرالي مهم للغاية للمدارس ذات الدخل المنخفض والطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.

والحكومة الفيدرالية ضرورية في فرض حماية الحقوق المدنية الأساسية للطلاب، مثل حكم المحكمة العليا التاريخي لعام 1954 الذي أنهى الفصل العنصري في المدارس العامة، أو القانون الفيدرالي لعام 1990 الذي يضمن الوصول إلى التعليم للطلاب ذوي الإعاقة.

ويرى مايك بيتريلي، رئيس معهد توماس فوردهام، وهو مركز أبحاث يميني: «كان هناك دور فيدرالي تقليدي في محاولة التأكد من حصول الأطفال الأكثر حرماناً على ما يحتاجون إليه. وتطبيق الحقوق المدنية مهم».

أبدى ترمب استعداده لاستخدام السلطة الفيدرالية لتنظيم سياسة المدرسة. في وقت سابق من هذا الأسبوع، أصدر أمراً تنفيذياً بحظر مشاركة الرياضيين المتحولين جنسياً في الرياضات النسائية في المدارس والجامعات.

وأشادت ليندسي بيرك، رئيسة سياسة التعليم في مؤسسة هيريتيج المحافظة، بخطة ترمب للتخلص من الوزارة الفيدرالية، قائلة إنها فشلت في تحسين المعايير الأكاديمية، مع استمرار الطلاب الأميركيين في التخلف عن أقرانهم الدوليين.

وتقول: «الأطفال في كارولاينا الجنوبية يختلفون عن الأطفال في كاليفورنيا، أليس كذلك؟ أعني أن هذه هي الولايات المتحدة، وهي دولة شاسعة ومتنوعة».

وبحسب بيرك فإن «وضع هذه الدولارات في أيدي بيروقراطيين فيدراليين بعيدين لا يعرفون أسماء هؤلاء الأطفال أو آمالهم أو أحلامهم أو تطلعاتهم ليس من مصلحة الأسر».

قانون من الكونغرس

الأمر ليس سهلاً. فبموجب القانون الأميركي، لا يمكن إغلاق وزارة التعليم إلا بموجب قانون صادر عن الكونغرس، ويتفق معظم الخبراء على أن ترمب يفتقر إلى الأصوات اللازمة للقيام بذلك.

ويوضح بيتريلي: «هذه مجرد نقطة نقاش في الغالب، ولن يحدث ذلك. أعتقد أنه بعد بضعة أسابيع من الآن، سيصبح هذا الأمر من الماضي».

ومن غير الواضح كيف ستمضي إدارة ترمب في جهودها لتفكيك الوزارة.

وبحسب بيرك، فإنها قد تسعى إلى نقل بعض وحداتها الرئيسية إنفاذ الحقوق المدنية، وخدمة قروض الطلاب، والإحصاءات، إلى وكالات أخرى.

لكن كيفن كاري، رئيس سياسة التعليم في مؤسسة «نيو أميركا» البحثية الليبرالية، يخشى أن تكون الإدارة الآن في «منطقة غريبة من عدم الشرعية»، ولن تخجل من تفكيك الوكالة بطريقة أو بأخرى.

وأوضح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن السؤال ليس هل سيلغي الكونغرس وزارة التعليم؟ لن يقوم بذلك. السؤال هو، هل سيدمر ترمب وزارة التعليم بمفرده؟».

وشغلت ماكماهون التي اختارها ترمب لمنصب وزيرة التعليم، سابقاً منصب المديرة التنفيذية في رياضة المصارعة المحترفة، ولديها خبرة قليلة في التعليم. وتُعْرَف بصفع ابنتها ذات مرة خلال مباراة مصارعة متلفزة. ومن المقرر أن تعقد جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي لتثبيتها، الخميس.


مقالات ذات صلة

زلزال ميانمار... أول كارثة طبيعية تُعاني من تخفيضات ترمب لتمويل وكالة التنمية الدولية

آسيا متطوعون يبحثون عن ناجين في مبنى متضرر بعاصمة ميانمار (أ.ب)

زلزال ميانمار... أول كارثة طبيعية تُعاني من تخفيضات ترمب لتمويل وكالة التنمية الدولية

لفتت شبكة سكاي نيوز البريطانية إلى أن الزلزال الذي تعرضت له ميانمار وبلغت قوته 7.7 درجة يعد أول كارثة طبيعية تُعاني من وطأة التخفيض الذي أجراه الرئيس الأميركي

العالم المدير العام لمنظّمة الصحّة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية» تخفض موازنتها 20 % بعد انسحاب واشنطن

اقترحت منظمة الصحة العالمية خفض موازنتها بنسبة 20 في المائة إثر قرار أميركا، أكبر مساهم فيها، الانسحاب، الأمر الذي يستدعي تقليص مهماتها وأفراد طاقمها.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية رسام إيراني يرسم إحدى الجداريات المناهضة للولايات المتحدة في طهران (إ.ب.أ)

تحذيرات لإيران من «مجازفة الحرب»

أطلق مسؤولون غربيون تحذيرات جديدة من أن إيران ستتعرض إلى ضربات قوية في حال رفضت عرض التفاوض الذي يقدمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)

ترمب يقاوم ضغوط إقالة مستشاريه بعد «فضيحة سيغنال»

كشفت «فضيحة سيغنال» عن اختلاف جوهري في مقاربة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإدارة حكومته بين ولايتيه الأولى والثانية.

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حديثه في فعالية بالبيت الأبيض (رويترز)

ترمب يضغط لتصعيد الرسوم الجمركية

حث الرئيس الأميركي دونالد ترمب كبار مستشاريه على اتخاذ موقف أكثر حزماً بشأن الرسوم الجمركية واستعداد الإدارة الأميركية لتصعيد كبير في حربها التجارية العالمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يقاوم ضغوط إقالة مستشاريه بعد «فضيحة سيغنال»

الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)
الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)
TT
20

ترمب يقاوم ضغوط إقالة مستشاريه بعد «فضيحة سيغنال»

الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)
الرئيس دونالد ترمب مجتمعاً بأعضاء حكومته في البيت الأبيض 24 مارس (رويترز)

كشفت «فضيحة سيغنال» أو «سيغنال غيت» كما أصبحت تعرف في الإعلام الأميركي، عن اختلاف جوهري في مقاربة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإدارة حكومته بين ولايتيه الأولى والثانية.

فقد كان ترمب في ولايته الأولى حديث العهد بالسياسة، ومحاطاً بجملة من السياسيين المخضرمين وآخرين قادمين من خارج دوائر صنع القرار ومعجبين بخطابه الشعبوي الذي يدعو إلى كسر «تقاليد اتخاذ القرار» في واشنطن. وكان ترمب ينتقد علناً وبحدّة أي «هفوة» أو خطأ صادر من أي مسؤول عيّنه في إدارته الأولى، ولا يتردّد في إطلاق عبارته الشهيرة «أنت مطرود»، التي عرف بها في برنامجه التلفزيوني «أبرنتيس»، لإنهاء خدمة مسؤولين في مناصب رفيعة.

إلا أنه مقاربته في ولايته الثانية تبدو مختلفة، من ناحية تمسّكه بأعضاء حكومته الذين عيّنهم بناءً على مستوى «ولائهم» له ولسياساته.

ترمب يغير مقاربته

اليوم، وبعد الكشف عن تفاصيل «دردشة سيغنال» التي تداول فيها كبار مسؤولي الأمن القومي ووزارة الدفاع خطط العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، على تطبيق غير آمن، توقّع البعض أن يلجأ ترمب مجدداً لعبارة «أنت مطرود»؛ خصوصاً أنه انتقد رفض الرئيس السابق، جو بايدن، إقالة أي مسؤول في إدارته رغم «الفضائح» التي تورطوا فيها.

وخلال المناظرة الرئاسية الوحيدة بين بايدن وترمب العام الماضي، انتقد الرئيس الـ47 سلفه بسبب عدم طرده أي مسؤول عسكري أو مدني بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان. وقبلها انتقده بسبب عدم طرده لوزير الدفاع لويد أوستن الذي تغيب عن مهامه جراء خضوعه لعملية جراحية من دون إبلاغ رئيسه.

وبينما لا تزال تداعيات فضيحة سيغنال مستمرة، يواجه ترمب ضغوطاً متصاعدة لمعاقبة أحد المتورّطين فيها، ولا سيّما مستشار الأمن القومي مايك والتز، الذي أقرّ بإضافة صحافي أميركي بارز يدعى جيفري غولدبيرغ، للمحادثة.

مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض 25 مارس (رويترز)
مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض 25 مارس (رويترز)

ويرى البعض أن أسباباً عدة تقف وراء إحجام ترمب عن طرد موظفي إدارته الثانية، حتى الآن. وبعدما كان فوزه في انتخابات 2016 مفاجئاً له ولفريقه، كان مجبراً على الاعتماد بشكل أكبر على سياسيي واشنطن. لكن فوزه الكاسح في انتخابات 2024 منحه تفويضاً ليس لتنفيذ إرادة الشعب كما يراها فحسب، بل الوقوف في وجه معارضيه كذلك.

ويشعر ترمب هذه المرة أن أحداً لا يمكنه أن يملي عليه ما يجب فعله. فهو الآن محاط إما بمستشارين تعلموا من أخطاء ولايته الأولى، أو من الموالين له بشدة، ويرفضون المبالغة في ردود الفعل التي يمكن أن تشوه أجندته الرئاسية. وخلافاً لما يُشاع عن وجود انقسامات بين فريق عمله الحكومي، سواء على قضايا السياسات الخارجية أو الداخلية، يدرك الجميع أن ترمب يمسك، ليس فقط بزمام إدارته، ولكن الأهم من ذلك، بحزب أعاد تشكيله على صورته، بعدما حيّد إلى حد كبير من منتقديه الداخليين الذين قد يوجهون انتقادات لاذعة لتعييناته.

«لا تنازل» للمعارضين

يرى البيت الأبيض في فضيحة «سيغنال» أنها أول أزمة حقيقية في ولاية ترمب الثانية. ورغم ذلك، لا يُظهر ترمب أي علامات على التنازل وطرد والتز، أو غيره من المتورّطين في «الدردشة المسرّبة». وبينما يقترح بعض المحافظين أن يكون والتز «كبش فداء»، فإن ترمب يقاوم اتخاذ خطوة يشتبه بعض مساعديه أنها ستؤدي ببساطة إلى تأجيج الانتقادات.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في حفل إفطار في البيت الأبيض مساء الخميس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في حفل إفطار في البيت الأبيض مساء الخميس (إ.ب.أ)

وصرّح ترمب للصحافيين هذا الأسبوع بأن والتز «يبذل قصارى جهده» ولا يحتاج إلى اعتذار. وعندما سُئل عما إذا كان ينبغي لوزير دفاعه بيت هيغسيث إعادة النظر في موقفه، عدّ ترمب الأمر «حملة شعواء» وقال إنه «لا علاقة له» بالتسريب.

ونقلت شبكة «سيمافور» عن السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي التقى ترمب شخصياً بعد الانتخابات، وصوّت إلى جانب الجمهوريين لتمرير بعض القوانين، قوله إنه «ليس مندهشاً» من أسلوب ترمب. وأضاف: «لقد اتبعت (الإدارة) نفس الأسلوب: لا تعتذروا أبداً، لا تعترفوا أبداً، وامضوا قدماً. والمفاجأة الوحيدة ستكون إذا ما انقلبوا». ولمح إلى أن ترمب قد يكون محقاً في افتراضه أن واشنطن ستتجاوز ذلك: «أعتقد أن التاريخ علّمهم، أننا جميعاً سنتجاوز ذلك في النهاية، وسنتحدث عن شيء مختلف».

تعميق الهوة مع الديمقراطيين

وبينما يأمل حلفاء ترمب أن يستمر على موقفه ومقاربته الجديدة، يرى الرئيس أن الفرصة لا تزال متاحة أمامه لتعميق الهوة بين «حزبه» الجمهوري، والديمقراطيين الذين دخل حزبهم، ولا يزال، في أزمة عميقة منذ خسارتهم الانتخابات، ويجهدون لتوحيد صفوفهم.

وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث وإيلون ماسك خلال زيارته مبنى البنتاغون 21 مارس (رويترز)
وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث وإيلون ماسك خلال زيارته مبنى البنتاغون 21 مارس (رويترز)

ورغم انخفاض نسبة تأييده إلى أقل من 50 في المائة بعد أكثر من شهرين من عودته إلى البيت الأبيض، يراهن ترمب ليس فقط على تخبط الديمقراطيين، بل وعلى ضعف الاعتراضات الشعبية على إجراءاته وأوامره التنفيذية التي عدّها البعض مدمرة، واقتصارها على معارك أبطالها «قضاة مُسيّسون» ينبغي إقالتهم. ويرى العديد من مسؤولي إدارة ترمب أنه كلّما زادت دعوة الديمقراطيين ومعارضيه إلى طرد شخص ما، زاد احتمال مقاومته للقيام بذلك.