الديمقراطيون يحذرون من تسبب «عاصفة ترمب» في أزمة دستورية

خياراتهم محدودة مع سيطرة الجمهوريين على غرفتي الكونغرس

ترمب يتحدث مع الصحافيين في قاعدة أندروز العسكرية في ماريلاند في 2 فبراير 2025 (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث مع الصحافيين في قاعدة أندروز العسكرية في ماريلاند في 2 فبراير 2025 (أ.ف.ب)
TT

الديمقراطيون يحذرون من تسبب «عاصفة ترمب» في أزمة دستورية

ترمب يتحدث مع الصحافيين في قاعدة أندروز العسكرية في ماريلاند في 2 فبراير 2025 (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث مع الصحافيين في قاعدة أندروز العسكرية في ماريلاند في 2 فبراير 2025 (أ.ف.ب)

تهبّ عاصفة دونالد ترمب على واشنطن مزعزعة أسّس مؤسساتها الحكومية ومنظماتها الفيدرالية، وتاركة حلفاءها وخصومها في حيرة من أمرهم. فالرئيس الأميركي اتخذ سلسلة قرارات تحدى فيها الأعراف والتقاليد، امتحن فيها صلاحياته التنفيذية، وقدرات الكونغرس التشريعية، وحدود السلطة القضائية. ففي نظام بُني على فصل السلطات بهدف الشفافية والمساءلة والمحاسبة، يقف المشرعون حائرين أمام مجموعة من القرارات التي طالت مؤسسات فيدرالية أنشأها الكونغرس وموّلها بحكم صلاحياته الرئيسية المتمثلة بـ«قوة المحفظة»، وفصلت موظفين فيدراليين محميين من النقابات العمالية.

قرارات مثيرة للجدل

ترمب وروبيو في حدث انتخابي في كارولاينا الشمالية في 4 نوفمبر 2024 (رويترز)

أبرز هذه القرارات، وأكثرها إثارة للجدل، قرار إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ودمج بعض أقسامها بوزارة الخارجية تحت إشراف وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أرسل رسالة إلى الكونغرس يبلغه فيها بالقرار، بعد إعلان إيلون ماسك، حليف ترمب ومدير وكالة «دوج»، عن الإغلاق عبر منصة «إكس». يقول روبيو، في رسالته، إن الوكالة قد «تنقل، وتعيد ترتيب، وتدمج بعض مهامها ومكاتبها إلى وزارة الخارجية، في حين أن ما تبقى من الوكالة قد يتم إلغاؤه بالتوافق مع القانون المعمول به».

لكن القانون المعمول به ينص على أن الكونغرس هو الجهة الوحيدة التي تستطيع إنشاء أو إلغاء وكالات فيدرالية ضمن صلاحياته التشريعية، وذلك عبر قرار من المحكمة العليا التي نظرت في المادتين الأولى والثانية من الدستور وحسمت قرارها بناء عليهما. وهذا ما يعتمد عليه الديمقراطيون في مساعيهم لصد قرارات ترمب، إذ وصف بعضهم ما يجري بـ«الأزمة الدستورية»، واعتبروا أن «تفكيك» الوكالة غير قانوني. وقال السيناتور الديمقراطي براين شاتز إن الوكالة «أسست من خلال قانون فيدرالي وبتمويل من الكونغرس. لا يمكن لدونالد ترمب وإيلون ماسك إلغاؤها بـ(ضربة قلم)، هما بحاجة لإقرار قانون».

كلمات ضربها ترمب بعرض الحائط، مؤكداً أنه لا يحتاج إلى عودة إلى الكونغرس في قراره «إلغاء» الوكالة إذا كان الأمر يتعلق بـ«الاحتيال». واتهم المسؤولين في الوكالة بذلك، قائلاً: «نريد أن نقوم بالصواب. وهو أمر كان يجب أن نفعله منذ وقت طويل».

تهديدات ديمقراطية

زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز في مؤتمر صحافي في الكونغرس في 23 يناير 2025 (أ.ف.ب)

وبمواجهة هذه التحديات، لا تملك الأقلية الديمقراطية الكثير من الخيارات لمواجهة ماكينة جمهورية متماسكة في السلطتين التنفيذية والتشريعية.

فقد جرت العادة أن يتحدى الكونغرس الإدارة ويواجهها، في حال كانت الأغلبية في المجلس التشريعي بيد الحزب المعارض للرئيس، عبر عقد جلسات استماع أو استدعاء مسؤولين في الإدارة كما فعل الجمهوريون في عهد بايدن.

لكن هذه ليست الحالة اليوم، إذ يتمتع الجمهوريون بالأغلبية في المجلسين، ما يعني أنهم يتحكمون بأجندة المجلس واللجان المختصة. لذا، تنحصر خيارات الديمقراطيين بخطط تهديدية ومقترحات عامة، عرضها زعيم الديمقراطيين في النواب حكيم جيفريز في رسالة كتبها إلى زملائه الديمقراطيين تهدف لرصّ الصف الديمقراطي.

وعرض جيفريز في رسالته «خطة لمعركة» مؤلّفة من 10 نقاط ترتكز بشكل أساسي على طرح مشروع قانون لصدّ أي اطلاع غير قانوني على أنظمة المعلومات في الوكالات الفيدرالية، التي تمكّن ماسك من خرقها والحصول على معلومات خاصة وحساسة بالموظفين في بعض الوزارات، كوزارة الخزانة. كما وعد بالسعي لرفع دعاوى قضائية للتصدي لقرارات أخرى، كإلغاء حق الجنسية بالولادة، وطرد موظفين فيدراليين، وعدد من المفتشين العامين الذين عينهم الكونغرس للإشراف على الوكالات الفيدرالية ومراقبتها.

خيارات بديلة

النائب الديمقراطي جيري كونولي في مؤتمر صحافي أمام مقر «USAID» في واشنطن في 3 فبراير 2025 (أ.ف.ب)

تتطلّب خطط من هذا النوع وقتاً طويلاً للتنفيذ، وقد لا تبصر النور، خاصة في ظل أغلبية جمهورية في المجلسين. لهذا، هدّد الديمقراطيون باستعمال ورقة التعطيل والعرقلة، خاصة أن الأغلبية الجمهورية ضئيلة وتحتاج إلى تعاون الديمقراطيين لإقرار بعض المشاريع على رأسها تمويل المرافق الفيدرالية الذي سينتهي في منتصف شهر مارس (آذار). وقال جيفريز في رسالته: «لقد كنت واضحاً مع القيادات الجمهورية في النواب، أن أي جهد لسرقة أموال دافعي الضرائب من الشعب الأميركي وإنهاء برامج (الرعاية الصحية) أو سحب التمويل من برامج مهمة للأميركيين، يجب أن يتم الحرص على منعها في مشروع التمويل الفيدرالي المقبل».

أما في مجلس الشيوخ، فقد هدد الديمقراطيون باستعمال قوة التعطيل أو «الفيليبستر»، التي تتمتع بها الأقلية لعرقلة التعيينات الرئاسية مثلاً، وهذا ما تحدث عنه السيناتور الديمقراطي إد ماركي وزميله براين شاتز، الذي تعهد بتجميد كل تعيينات ترمب في وزارة الخارجية بحكم منصبه في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ التي تشرف على الوزارة.

وفي حال لم تنجح هذه الأساليب التشريعية، طرح الديمقراطيون أفكاراً أخرى تحت شعار «المقاومة». فقال النائب جيري كونولي، كبير الديمقراطيين في لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي: «سوف نحارب بكل طريقة ممكنة، في المحاكم، وعلى المنابر، وفي أروقة الكونغرس، ومع الرأي العام». ولعلّ النقطة الأخيرة هي الأهم هنا، إذ تصبّ في خانة ما توعد به جيفريز في خطته لتأسيس حملة للتوعية العامة، داعياً النواب إلى التواصل مباشرة مع الناخبين في ولاياتهم لتحريك الرأي العام الأميركي.

تحفظ جمهوري

زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ جون ثون يتحدث مع الصحافيين في الكونغرس في 28 يناير 2025 (أ.ف.ب)

أما الجمهوريون الذين شملهم عامل المفاجأة في قرارات ترمب، فقد تراوحت ردودهم بين الدعم والحذر، من دون معارضة تذكر. فقال زعيمهم في مجلس الشيوخ جون ثون، لدى سؤاله عن قانونية «تفكيك» الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن سبب القرار هو «معرفة كيف يتم صرف أموال دافع الضرائب الأميركي، وما إذا كانت تتماشى مع أولويات البلاد فيما يتعلق بمصالحنا القومية». تصريح غاب عنه جواب واضح، ويدلّ على عدم رغبة أي جمهوري في مواجهة علنية مع ترمب قد تضعه في مرمى نيران الرئيس الأميركي.

أمّا مشرعون جمهوريون آخرون، كالسيناتور توم ثيليس مثلاً، فـ«تمنّوا» أن يتواصل ترمب مع الكونغرس في قرارات من هذا النوع، في حين عرض آخرون كالسيناتورة الجمهورية ليزا مركوفسكي رؤية مختلفة تفسّر بشكل من الأشكال شخصية ترمب، التي قالت: «النمط الحالي هو أن ثمة قرارات تؤخذ، ويتم نشر الأخبار المرتبطة بها، ثم يترافق هذا مع ردود أفعال متفجرة، ثم نكتشف أن الأمور ليست كما تبدو، مثل تضييق نطاق القرارات الرئاسية أو إلغاء التعريفات الجمركية مثلاً. لذلك أعتقد أننا جميعاً نحاول تحديد الرد المناسب».

تتحدث مركوفسكي هنا عن قرار ترمب تجميد المساعدات الفيدرالية ثم العودة عن قراره، فضلاً عن تأجيل تطبيق التعريفات الجمركية بعد التهديد بها بحق كل من المكسيك وكندا.

حدود القرارات التنفيذية

ترمب وجونسون خلال لقاء الرئيس الأميركي مع نواب جمهوريين في مؤتمرهم بفلوريدا في 27 يناير 2025 (أ.ف.ب)

يحذر كثيرون من أن قرارات ترمب في حال عدم التصدي لها، قد تتوسع لتشمل مرافق أخرى، كوزارة التعليم مثلاً التي وجّه بإلغائها. وهنا يقول رئيس مجلس النواب مايك جونسون بكل وضوح: «الرئيس الأميركي يستعمل صلاحياته التنفيذية بطريقة متناسبة. فقد وكّله الشعب الأميركي بالمهمة. دعونا لا ننسى أنه خاض حملته الانتخابية على أساس إعادة الحس المنطقي والوعي المالي والحرص على أن تكون الحكومة أكثر فاعلية».

إلا أن مقاربة من هذا النوع هي سيف ذو حدين، فترمب ليس لديه ما يخسره، إذ إن ولايته الحالية هي الأخيرة له بحسب الدستور، إلا إذا دفع نحو تغييره كما قال مازحاً. في حين أن الجمهوريين لديهم الكثير يخسرونه في صناديق الاقتراع، في حال شعر الأميركيون بوطأة هذه القرارات. ولعلّ الإجابة عن هذا ستتضح في الانتخابات التشريعية النصفية وموعدها بعد عامين.


مقالات ذات صلة

انقسامات وسط الديمقراطيين تُضعف قدرتهم على مواجهة ترمب

الولايات المتحدة​ الديمقراطيون خلال حضور خطاب ترمب أمام الكونغرس في 4 مارس 2025 (أ.ف.ب)

انقسامات وسط الديمقراطيين تُضعف قدرتهم على مواجهة ترمب

بدلاً من اعتماد استراتيجية موحدة للحزب الديمقراطي تجاه القرارات التنفيذية والتشريعية الجمهورية بالكونغرس يتخبط الديمقراطيون في موجة من التجاذبات العلنية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يوقع على أوامر تنفيذية في البيت الأبيض في 13 فبراير 2025 (رويترز)

قرارات ترمب التنفيذية تحيي الجدل حول «مشروع 2025» المحافظ

عاد «مشروع 2025» الجمهوري المحافظ إلى الواجهة في الولايات المتحدة، بعد نحو شهرين من وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

رنا أبتر (واشنطن)
الاقتصاد مجلس الشيوخ الأميركي (أ.ف.ب)

مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على مشروع قانون لتجنب الإغلاق الحكومي

وافق مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون إنفاق مؤقت لتجنب إغلاق حكومي جزئي بعد تراجع الديمقراطيين عن موقفهم في أزمة نابعة من غضبهم بسبب حملة تقليص الموظفين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مظاهرات في شوارع نيويورك أمس الاثنين تدعو للإفراج عن الطالب الفلسطيني محمود خليل (أ.ف.ب)

قضية الطالب الفلسطيني «محمود خليل» تثير بلبلة في الداخل الأميركي

أثار احتجاز محمود خليل، الطالب الفلسطيني في جامعة كولومبيا، على خلفية احتجاجات حرب غزة، ردود فعل شاجبة في الولايات المتحدة، وطَرَح تساؤلات حول قانونية الخطوة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب خلال خطابه أمام الكونغرس في 4 مارس 2025 (أ.ف.ب)

عصر ترمب «الذهبي» يعزز الانقسامات الأميركية

سلّط خطاب دونالد ترمب أمام الكونغرس الضوء على الانقسامات الكبيرة في المجلس التشريعي وخارجه.

رنا أبتر (واشنطن)

واشنطن: سفير جنوب أفريقيا يجب أن يغادر الولايات المتحدة بحلول يوم الجمعة

عدّت واشنطن سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول «شخصاً غير مرغوب فيه» (إ.ب.أ)
عدّت واشنطن سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول «شخصاً غير مرغوب فيه» (إ.ب.أ)
TT

واشنطن: سفير جنوب أفريقيا يجب أن يغادر الولايات المتحدة بحلول يوم الجمعة

عدّت واشنطن سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول «شخصاً غير مرغوب فيه» (إ.ب.أ)
عدّت واشنطن سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول «شخصاً غير مرغوب فيه» (إ.ب.أ)

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن سفير جنوب أفريقيا في واشنطن، الذي تم إعلان أنه شخص غير مرغوب فيه الأسبوع الماضي، يجب أن يغادر البلاد بحلول يوم الجمعة.

وبعد أن قرر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن السفير إبراهيم رسول لم يعد موضع ترحيب في الولايات المتحدة ونشر قراره يوم الجمعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تم استدعاء موظفي سفارة جنوب أفريقيا إلى وزارة الخارجية وإعطائهم مذكرة دبلوماسية رسمية توضح القرار، حسبما ذكرت الوزارة.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)

وقالت وزارة الخارجية: «لقد أبلغنا السفارة بأن السفير رسول غير مقبول من جانب الولايات المتحدة ليكون ممثلاً لبلاده».

وأوضحت أن امتيازات وحصانات رسول الدبلوماسية انتهت اليوم الاثنين، وأن عليه مغادرة الولايات المتحدة بحلول يوم الجمعة. ولم يكن من الواضح إذا كان رسول موجوداً حالياً في الولايات المتحدة.

وكان روبيو اتهم روبيو السفير رسول بأنه «سياسي عنصري» يكره الرئيس دونالد ترمب.