«تشاتام هاوس»: أميركا اختارت دوراً جديداً في العالم بانتخاب ترمب

ظهر الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الشاشة خلال برنامج إخباري في طوكيو باليابان (أ.ب)
ظهر الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الشاشة خلال برنامج إخباري في طوكيو باليابان (أ.ب)
TT

«تشاتام هاوس»: أميركا اختارت دوراً جديداً في العالم بانتخاب ترمب

ظهر الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الشاشة خلال برنامج إخباري في طوكيو باليابان (أ.ب)
ظهر الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الشاشة خلال برنامج إخباري في طوكيو باليابان (أ.ب)

بعد انتخاب الأميركيين للرئيس السابق دونالد ترمب لفترة حكم ثانية تفصلها 4 سنوات عن الفترة الأولى، ستتسابق دول العالم على إعادة رسم علاقاتها معه، وحساب الآثار المحتملة لوصوله إلى البيت الأبيض، على أوضاعها وقضاياها الحيوية.

وفي تحليل نشره «المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)» البريطاني، نقلت برونوين مادوكس الرئيس التنفيذي للمعهد عن مسؤول ياباني القول: «إننا في العالم تعلمنا التعامل مع الرؤساء الأميركيين الجدد، كما نتعامل مع هدية عيد الميلاد؛ نفتحها ونقول: (هذه بالضبط ما كنا نريده)، أيّاً كانت الهدية».

لكن الأمر قد يكون أكثر تعقيداً مع الرئيس المنتخَب ترمب؛ ففي حين تبتهج روسيا وإسرائيل بفوزه، فإن الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا وحلفاء واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي يواجهون موقفاً أشد تعقيداً. وهذه الدول تحاول بلورة ردِّها في ضوء تصريحات ترمب، مع العلم بأن صعوبة التنبؤ بقراراته وتناقض مواقفه كانا من أهم سمات فترة رئاسته السابقة، وربما أيضاً فترة رئاسته الثانية.

والحقيقة أن أغلب دول العالم تترقب سياسات ترمب تجاه مجموعة كبيرة من الملفات الحيوية؛ من التجارة إلى الصراعات الجيوسياسية، ومن قضايا المناخ إلى العلاقات الأميركية - الأوروبية.

ولعل ملف الرسوم الجمركية التي تعهَّد ترمب بفرضها على واردات الولايات المتحدة، من الصين وكثير من دول العالم، هو الأوسع تأثيراً على علاقات الولايات المتحدة مع دول العالم. ورغم أن الرسوم لن تؤدي إلى انفصال الاقتصادَيْن الأميركي والصيني، فإنها يمكن أن تحدّ من تجارة السيارات الكهربائية وغيرها من الواردات. كما يمكن أن تدمر النمو الاقتصادي العالمي؛ حيث حذر خبراء الاقتصاد (دون أي تأثير واضح على حملة ترمب) من التأثير التضخمي الذي ستخلفه الرسوم الجمركية والضغوط التصاعدية المترتبة على ذلك على أسعار الفائدة والدولار.

ويمكن أن يمتد التأثير إلى الدول الأوروبية، وسيتوقف ذلك على الرسوم التي سيختار ترمب فرضها، وما إذا كانت إدارته ستسعى بنشاط للحد من الانفتاح الاقتصادي الأوروبي النسبي على الصين.

في خطاب النصر الذي ألقاه، كرر ترمب مقولة إنه في عهده لم تكن هناك «حروب جديدة». وإنه في حين يريد قوات مسلحة أميركية قوية، فإنه يفضل عدم استخدامها، معرباً عن رغبته في إنهاء الصراعات بأوكرانيا والشرق الأوسط، وتباهى بقدرته على عقد «صفقات» لتحقيق هذه الغاية.

ولكن برونوين مادوكس تقول في تحليلها إن السؤال الرئيسي المطروح: هو ما إذا كان ترمب سوف يدفع باتجاه وقف القتال في أوكرانيا، وكيف سوف يفعل ذلك؟ وإذا سعى إلى تجميد الصراع على طول خط المواجهة الحالي، فلن يكون هناك ما يكفي لحماية أوكرانيا (أو أوروبا) من المزيد من العدوان الروسي في المستقبل، ما لم تتعهد الولايات المتحدة بمنع ذلك.

وربما تقدم الولايات المتحدة لكييف ضمانات أمنية صريحة، في حين أن عضوية حلف شمال الأطلسي تظل احتمالاً بعيداً. لذلك قد يكون تقديم واشنطن تعهداً أمنياً مباشراً لأوكرانيا أكثر واقعية، لكن هل سيكون مثل هذا الوعد كافياً لإقناع أوكرانيا بوقف القتال؟ فالقيادة والشعب هناك ينظرون إلى الحرب مع روسيا بوصفها حرب وجود، وأن أي تنازل عن الأراضي لروسيا، حتى لو لم يتم ذلك بشكل رسمي، قد يصبح عقبة يستحيل تجاوزها في المفاوضات.

وبالنسبة للصراع في الشرق الأوسط، فإن ترمب يمكن أن يجعله أسوأ أو يفتح الباب أمام استقرار المنطقة. ورغم انحيازه التام لإسرائيل فإن علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، متقلبة.

لا شك أن نتنياهو كان يأمل في فوز ترمب. وإذا انحاز الرئيس الأميركي المنتخب إلى نتنياهو والتيار المتطرف في حكومته الذي لا يقبل بوجود دولة فلسطينية، فسيمثل ذلك خطورة كبيرة.

وسترى قطاعات من المجتمع الإسرائيلي أن حكم ترمب فرصة لضم الضفة الغربية إلى دولتهم والسيطرة على قطاع غزة أو إعادة احتلاله جزئياً، على أمل أن يدفع ذلك الفلسطينيين إلى مغادرة تلك المناطق إلى دول مجاورة.

وقد يجد نتنياهو في وجود ترمب تشجيعاً على شن المزيد من الهجمات ضد إيران.

من ناحية أخرى، يبدو أن ترمب يعني ما يقوله بشأن إنهاء الصراعات، حتى لو كان ذلك فقط من باب الاهتمام بالمصالح الأميركية. لذلك قد يتعرض نتنياهو لضغوط لوقف قصف جنوب لبنان والتوصل إلى اتفاق في غزة مع «حماس»، بما في ذلك إطلاق سراح الرهائن.

إذا انسحب ترمب من اتفاق باريس للمناخ، مرة أخرى، كما فعل في ولايته الأولى، فمن المرجح أن يموت الهدف العالمي لتجنب ارتفاع درجة الحرارة بما يزيد على 5.‏1 درجة مئوية. كما سيتلاشى أي احتمال لتحسين التعاون الغربي مع الصين والهند للتخلص من الانبعاثات الكربونية، وقد يسمح للصين بتصوير نفسها على أنها تتمتع بأرضية أخلاقية عالية فيما يتعلق بقضايا المناخ.

أخيراً، فإن ترمب يتبنى رؤية مختلفة تماماً لدور الولايات المتحدة؛ فهو يؤكد أن استمرار حماية الولايات المتحدة لأوروبا يتوقف على زيادة الإنفاق الأوروبي على الدفاع، بما يجعل موقف الولايات المتحدة داخل «حلف شمال الأطلسي (ناتو)» مؤقتاً. في الوقت نفسه، سيكون لدى كوريا الجنوبية واليابان سبب وجيه للتشكيك في إمكانية الاعتماد على مظلة الحماية الأميركية في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية والصين، وهو ما يمكن أن يدفعهما إلى زيادة الإنفاق العسكري.

معنى هذا أن السياسة الخارجية الأميركية ستصبح أصعب في التنبؤ بها. وقد كان تطبيق ترمب لخططه في ولايته الأولى غير منظَّم ولا فعال بدرجة كبيرة. في الوقت نفسه، فإن ترمب حريص على التحدث إلى القادة الذين يقفون حالياً ضد المصالح «الغربية»، بما في ذلك روسيا. لذلك يخشى حلفاء الولايات المتحدة التقليديون من أنه قد يضحي بالقيم الغربية ويدفع نحو نظام عالمي قائم على الصفقات وليس المبادئ.


مقالات ذات صلة

كيف يؤثّر التوتر الذي يعقب الانتخابات في نفسية الأميركيّ؟

الولايات المتحدة​ خيبة الأمل على وجوه أنصار كامالا هاريس (أ.ب)

كيف يؤثّر التوتر الذي يعقب الانتخابات في نفسية الأميركيّ؟

وسط مشاعر الترقّب والفرح وخيبة الأمل بين معسكرَي المرشحَين للانتخابات الأميركية الحالية، أُصيب البعض في الولايات المتحدة بأعراض التوتر خلال السباق الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يسلم شهادة الإقالة لوزير المالية كريستيان ليندنر بعد عزله من قِبَل المستشار أولاف شولتز (رويترز)

انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا يزيد الضغوط على الاقتصاد

من المتوقع أن يؤدي انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا إلى زيادة معاناة الاقتصاد في الأشهر القادمة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ المغينة الشهيرة بيونسيه تحتضن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)

بين بيونسيه وتايلور سويفت... لماذا لم يكن دعم المشاهير لهاريس كافياً؟

رغم قدرة نجوم ونجمات من عيار بيونسيه وتايلور سويفت مثلاً على استقطاب الحشود الجماهيرية، لم ينجح دعمهما هاريس في التغلب على ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ كامالا هاريس المرشحة الرئاسية الديمقراطية نائبة الرئيس تلقي خطاب الإقرار بالهزيمة بعد الانتخابات الرئاسية يوم 6 نوفمبر 2024 في حرم جامعة هوارد بواشنطن (أ.ب)

تقرير: 5 رجال سببوا هزيمة كامالا هاريس في الانتخابات الأميركية

أشار تقرير لصحيفة «ليبراسيون» إلى 5 أسماء يرى المحللون أنها تسببت في هزيمة هاريس بالانتخابات، هم: إيلون ماسك، وجو بايدن، وآندي مونتغمري، وزيلينسكي، ونتنياهو.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي تصاعد الدخان في لبنان بالقرب على الحدود مع إسرائيل (رويترز)

نائب عن «حزب الله»: الجماعة لا تعلق آمال وقف الحرب على أي إدارة أميركية

قال نائب في مجلس النواب اللبناني عن «حزب الله» إن الجماعة ترحب بأي جهد لوقف الحرب في لبنان لكنها لا تعلق آمالها في وقف إطلاق النار على إدارة أميركية بعينها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بين بيونسيه وتايلور سويفت... لماذا لم يكن دعم المشاهير لهاريس كافياً؟

المغينة الشهيرة بيونسيه تحتضن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)
المغينة الشهيرة بيونسيه تحتضن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)
TT

بين بيونسيه وتايلور سويفت... لماذا لم يكن دعم المشاهير لهاريس كافياً؟

المغينة الشهيرة بيونسيه تحتضن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)
المغينة الشهيرة بيونسيه تحتضن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)

رغم قدرة نجوم ونجمات من عيار بيونسيه وتايلور سويفت مثلاً على استقطاب الحشود الجماهيرية في مختلف أنحاء العالم، لم ينجح دعمهما المرشحة للانتخابات الرئاسية الأميركية، كامالا هاريس، في تمكينها من التغلب على منافسها، دونالد ترمب، الذي انتُخِب للمرة الثانية رئيساً للولايات المتحدة؛ ما أظهر محدودية فاعلية تعويل الحزب الديمقراطي المعتاد على هذا السيل من مشاهير الفن، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

أما ترمب، فعوضاً عن الاعتماد على سحر نجوم هوليوود لِحضّ الناخبين على التصويت له، تمكن، بفضل استعانته في إطلالاته برياضيين وبسواهم من الوجوه المؤثِّرة ذات التوجهات الذكورية، في جذب فئات معيّنة من الجمهور وتشجيعها على الاقتراع لمصلحته. ولم يستطع نجوم السينما والموسيقى الذين جاهروا بتأييدهم كامالا هاريس، وفي مقدّمتهم جورج كلوني وجنيفر لوبيز وليدي غاغا، أن يوفّروا لها ما يكفي من الأصوات للفوز.

ولاحظَ أستاذ الفنون في جامعة نيويورك، لورانس ماسلون، أن هؤلاء لم يكونوا ليتمكنوا من ذلك «في هذه الانتخابات». ورأى في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الناس يدركون ربما أن أسعار الغاز أو البيض لا تشكّل مصدر قلق لبيونسيه وجورج كلوني».

وليس التمازج بين نجوم الفن والشخصيات السياسية ظاهرة جديدة في الولايات المتحدة، بل هو تقليد راسخ فيها أكثر مما هو في أي بلد آخر بالعالم، منذ زمن فرانك سيناترا الذي جمع فرقته «رات باك» لدعم جون كينيدي عام 1960.

وفي 2024، أثمرت حملات لجمع التبرعات في هوليوود توفير عشرات الملايين من الدولارات لتمويل حملة كامالا هاريس التي حطمت الأرقام القياسية.

لكن هذه الاستراتيجية «لن تكون أبداً الحل السحري الذي ينتظره الجميع»، في نظر الأستاذة في جامعة ولاية أريزونا، مارغريتا بنتلي، التي تتولى تدريس مادة تتعلق بالشؤون العامة مخصصة لتايلور سويفت.

ورأت الباحثة أن هزيمة الديمقراطيين يجب أن تدفعهم إلى «تحليل ذاتي عميق» لمعرفة «ما كان يمكن أن ينجح أكثر»، بما في ذلك ما يتعلق بدعم المشاهير.

النجمة الأميركية تايلور سويفت (رويترز)

ترمب يفضّل الرياضيين

قال مارك هارفي الذي أصدر كتاباً عن الالتزام السياسي للنجوم إنه «يجب ألا يتفاجأ أحد كثيراً».

وأوضح أن «البيانات العلمية لا تثبت أن في استطاعة المشاهير التأثير على خيارات الناس في التصويت للمرشحين». ورأى أن تأثير هؤلاء النجوم يقتصر على المجالات التي يتمتعون فيها بخبرة أو تجربة حقيقية؛ فالسياسة قد تكون أقرب إلى أن تكون حلبة مصارعة أو ملاكمة من كونها مسرحاً لحفلة موسيقية.

ويحيط دونالد ترمب نفسه بأسماء كبيرة من عالم الرياضة، على غرار رئيس منظمة «ألتيميت فايتينغ تشامبيونشيب (Ultimate Fighting Championship)» للفنون القتالية دانا وايت الذي كان حاضراً إلى جانبه ليلة فوزه، ووصَفَه الرئيس المُنتخَب بأنه رجل «قوي».

دانا وايت الرئيس التنفيذي لبطولة القتال النهائي يتحدث إلى أنصار المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب (إ.ب.أ)

ومن الرياضيين الدائرين أيضاً في فلك ترمب لاعب الغولف برايسون ديشامبو الذي قال عنه المرشح الجمهوري الفائز الذي يهوى هذه الرياضة وله ناديه الخاص في فلوريدا إنه «رائع». وأقر ترمب بأن ديشامبو يضرب الكرة «أبعد قليلاً» منه.

ووسط تصفيق الجمهور، خصص ترمب مساحة كبيرة لمدح أغنى داعميه، الملياردير إيلون ماسك.

كذلك حصل دونالد ترمب على دعم جو روغان الذي يقدّم أحد أكثر برامج التدوين الصوتي (بودكاست) شعبية في العالم، خصوصاً بين الشباب.

الملياردير الأميركي إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع انتخابي لترمب (أ.ف.ب)

هزيمة مريرة لهوليوود

لاحظ مارك هارفي أن «الذكورية كانت من أقوى القضايا الثقافية التي طغت إلى حدّ كبير» على هذه الانتخابات.

وشرح أن روغان «يركّز باستمرار» على فكرة «الرجل الحقيقي» و«ترمب الذكوري».

لكنّ آشلي سبيلاين التي ترأس شركة استشارية متخصصة في تأثير النجوم على المجتمع قالت إن «قيمة دعم المشاهير للمرشحين وتأثيره في الواقع مسألة قابلة للنقاش».

وأفادت بأن ثمة «أدلة دامغة على أن للمشاهير تأثيراً فعلياً لجهة تعزيز الالتزام المدني العام غير الحزبي»، كدعوة تايلور سويفت إلى الاقتراع، التي دفعت أكثر من 400 ألف شخص إلى الإقبال على موقع إلكتروني لتسجيل الناخبين أسماءهم على لوائح الشطب الانتخابية.

ورغم هزيمة كامالا هاريس، لم تصمت هوليوود، بل أدلى بعض النجوم بمواقف بشأن ما أفضت إليه الانتخابات، ومن بينهم الممثلة الحائزة جائزة الأوسكار جيمي لي كورتيس والممثل جون كوزاك الذي سارع إلى اعتبار ترمب «فاشياً ذا سلطة مطلقة».

حتى إن مغنية الراب كاردي بي نشرت «ستوري» على «إنستغرام» تعبّر فيه عن خيبة أملها بالقول: «أكرهكم كثيراً جميعاً».