«غوانتانامو»: كيف انتهى الأمر بالتراجع عن «صفقة 11 سبتمبر»؟!

ابتعدت عن منصة القضاء بعد حالة من الغضب بين عوائل الضحايا

قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)
قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)
TT

«غوانتانامو»: كيف انتهى الأمر بالتراجع عن «صفقة 11 سبتمبر»؟!

قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)
قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)

في غضون ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي، صدر قراران في إطار قضية هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أصابا أسر الضحايا بالذهول، وأثارا نقاشاً سياسياً حاداً.

في البداية، وافق مسؤول في البنتاغون على اتفاق إقرار بالذنب كان من المفترض أن يحسم القضية بعقوبة السجن مدى الحياة. بعد ذلك، ألغى وزير الدفاع لويد جيه. أوستن الاتفاق فجأة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان احتمال أن يواجه الرجل المتهم بالتخطيط للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنان من المتهمين بالتواطؤ معه، محاكمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

العقل المدبّر لهجمات «11 سبتمبر» خالد شيخ محمد في صورة أفرجت عنها إدارة «غوانتانامو» سابقاً (نيويورك تايمز)

وبذلك، عادت فجأة قضية كانت قد غابت عن الوعي العام طيلة اثني عشر عاماً من الإجراءات التمهيدية، إلى دائرة الضوء. وحتى يومنا هذا، ولم يقترب موعد المحاكمة التي كان بعض أقارب الضحايا البالغ عددهم ثلاثة آلاف ضحية، يتوقون إليها.

ويستند هذا التقرير عن الأيام الثلاثة المصيرية، إلى مقابلات ومحادثات مع مسؤولين في البنتاغون، وأفراد من أسر ضحايا «هجمات 11 سبتمبر»، وأطراف القضية.

الأربعاء - 31 يوليو (تموز)

لم تكن هناك أدنى إشارة إلى ما قد يحدث في ذلك اليوم في القضية التي طواها النسيان في خليج غوانتانامو.

كانت المحكمة منعقدة في جلسة مغلقة -بمعنى دون حضور عام، ولا متهمين- حيث أدلى ضابط متقاعد من الجيش بشهادته، حول الفترة التي قضاها مسؤولاً عن السجن السري، الذي احتُجز فيه المتهمون، بدءاً من عام 2006. وكانت هذه الجولة الـ51 من جلسات ما قبل المحاكمة.

إلا أنه في مرحلة ما، وداخل مكتب بالقرب من البنتاغون، وافق مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية، يتولى مسؤولية المحاكم العسكرية، على اتفاق إقرار بالذنب مع خالد شيخ محمد والمتهمين الاثنين الآخرين بالتواطؤ.

وكان هذا المسؤول العميد المتقاعدة سوزان كيه. إسكالير، وهي محامية، وكانت تشغل منصباً مدنياً لمدة تقارب العام.

وقد فرضت السرية على محتويات الاتفاق، باستثناء السبب الأساسي وراء اتفاق الإقرار بالذنب في قضية عقوبتها المحتملة الإعدام؛ إذ تقول الحكومة إنها لن تسعى إلى المطالبة بعقوبة الإعدام، مقابل تنازل المتهمين عن حق استئناف حكم إدانتهم.

وبعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاق، بدأ أفراد من مكتب المدعي العام لجرائم الحرب في الاتصال بأفراد أسر 2976 شخصاً قُتلوا في الهجمات في نيويورك وبنسلفانيا وضد البنتاغون في 11 سبتمبر 2001، وطلب القائمون بالاتصال من أفراد الأسرة إبقاء المكالمة سرية، ووصفوا الاتفاق بأنه «أفضل الخيارات السيئة».

مقر اللجان العسكرية خلف السياج في خليج غوانتانامو (نيويورك تايمز)

كما أرسل المدّعون رسالة إلى أقارب الضحايا، مستخدمين قائمة بأسماء وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام هواتف أفراد الأسرة والناجين من الهجمات والضحايا الآخرين. وأكد المدعون أنهم لم يتخذوا القرار «بسهولة»، مضيفين: «إن حكمنا الجماعي والمنطقي وحَسن النية مال نحو أن هذا القرار أفضل طريق نحو وضع نهاية للقضية وإقرار العدالة بها». وجاء في الرسالة أن هناك استشاريين نفسيين متاحون وعلى استعداد لمعاونة أقارب الضحايا للتغلب على أحزانهم.

في ذلك الوقت، كان أوستن عائداً إلى الوطن، قادماً من الفلبين، بعد أن أنهى رحلة استغرقت أسبوعاً إلى آسيا. وفي نهاية رحلته التي استغرقت 16 ساعة، وفي نحو الساعة الثالثة مساءً بتوقيت واشنطن، علم أن الاتفاق قد جرى توقيعه للتو -وأن المدعين العموميين أعدُّوا خطاباً لأفراد الأسرة.

في غضون ساعتين، أصدر البنتاغون بياناً من فقرتين يعلن الاتفاق. وقال البيان: «الشروط والأحكام المحددة لاتفاقيات ما قبل المحاكمة غير متاحة للجمهور في الوقت الحاضر».

لم يطَّلع أوستن على الاتفاق، وفوجئ بالقرار. وأمر موظفيه بالبحث في خيارات وزارة الدفاع.

بموجب القانون، تخضع المحاكم العسكرية لإشراف سلطة الانعقاد، وهو الدور الممنوح لوزير الدفاع، لكنّ أوستن، مثل جميع أسلافه، فوّض دور الإشراف هذا إلى محامٍ مستقل ظاهرياً. وعين إسكالير، التي خدمت 32 عاماً في الجيش، في هذا الدور.

وقد أجاز صاحب سلطة الانعقاد قضايا للمحاكمة، ورفض أخرى، بينها توجيه اتهامات إلى رجل تعرض للتعذيب في أثناء وجوده بحجز عسكري. ولصاحب هذه السلطة اتخاذ قرار أيِّ القضايا يمكن المضي قدماً فيها، مع إمكانية صدور حكم بالإعدام، وكذلك التفاوض أو الموافقة على اتفاقات الإقرار بالذنب.

على متن طائرته، كان أوستن يتعامل مع أحدث أزمة في الشرق الأوسط: اغتيال إسرائيل أحد كبار زعماء جماعة «حماس» في أثناء وجوده في طهران، وتصاعُد التهديدات الموجهة إلى العسكريين الأميركيين في المنطقة، والمخاوف بشأن اشتعال حرب أوسع نطاقاً. وقد أجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت. كما ناقش مستجدات الشرق الأوسط مع جيك سوليفان، مستشار الأمن الوطني للرئيس، قبل أن تصل أنباء إبرام الصفقة القضائية إلى الطائرة.

وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع، تحدَّث شرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، مثلما كان الحال مع غيره: «لم يتم طرح القضية». كان مسؤولو الدفاع على علم بأن محمد والرجلين الآخرين قد وقَّعوا على الاتفاقيات، لكن لم يتوقعوا أن إسكالير ستوقِّع بهذه السرعة.

جيمس فيجيانو (على اليسار) وجوزيف فيجيانو جونيور عند إزاحة الستار عن جدار تذكاري عام 2021... كانا يبلغان من العمر 6 و8 سنوات عندما قُتل والدهما المحقق جوزيف فيجيانو من قسم شرطة نيويورك في الهجمات الإرهابية (نيويورك تايمز)

الخميس - الأول من أغسطس (آب)

سادت مشاعر متضاربة بين أفراد مجتمع عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر.

من جهتها، قالت كاثلين فيجيانو، التي قُتل زوجها المحقق في شرطة نيويورك، جوزيف فيجيانو، وصهرها رجل الإطفاء، جون فيجيانو، داخل مركز التجارة العالمي، إنها كانت «غاضبة في الأغلب» إزاء ما حدث.

وكانت فيجيانو، ضابطة شرطة متقاعدة، قد تلقت اتصالاً من المدعين العموميين الذين عرفتهم على مر السنين، يشرحون لها الاتفاق. ومع ذلك، ظلت متمسكة برغبتها في عقد محاكمة، وإنزال عقوبة الإعدام بالمدانين لتحقيق العدالة.

من جهتها، شعرت تيري روكفلر، التي قُتلت شقيقتها لورا في برجي مركز التجارة العالمي، بالارتياح، فهي تعتقد أن القضية ملطخة إلى الأبد بالتعذيب، وبصفتها عضواً في مجموعة الناشطين «عائلات الحادي عشر من سبتمبر من أجل غد سلمي»، فإن الحكم بالسجن مدى الحياة مع الإقرار بالذنب وجلسة علنية لإصدار الحكم، يُعدّ الحل الوحيد الممكن.

داخل خليج غوانتانامو، أخطر المدعي العام كلايتون جي. تريفيت، القاضي المعنيّ بالقضية، العقيد ماثيو إن. مكال، رسمياً بأن الاتفاق قد جرى التوصل إليه، وأن الجانبين حريصان على المضي قدماً في تقديم الإقرارات في المحكمة.

كان العقيد مكال يقترب من اتخاذ القرارات بشأن ما إذا كانت الأدلة الحاسمة قد شوَّهها بالتعذيب.

مع توقيع ثلاثة من المتهمين الأربعة في القضية على اتفاقيات الإقرار بالذنب، كان القاضي حريصاً على تلقي نسخ لمراجعتها «بسرعة»، حسبما قال.

وجرى تسليم الاتفاقيات للمحكمة، ووافق القاضي على إقرارها، حتى يجري تشكيل هيئة محلفين، ربما في العام المقبل.

كما وافق على العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع لإعداد أسئلة للمتهمين حول مدى فهمهم للاتفاق، لتحديد ما إذا كان كل إقرار طوعياً. وحث كلٌّ من محامي الدفاع والادعاء، القاضي على التحرك سريعاً، وتسلم أول إقرار من خالد شيخ محمد، ربما في 14 أغسطس. وبحلول وقت مبكر من بعد ظهر الخميس، بدأت القضية في استثارة أعضاء الكونغرس.

من جانبه، قال السيناتور توم كوتون، الجمهوري من أركنساس، عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «إن سماح جو بايدن وكامالا هاريس لإرهابيي 11 سبتمبر بالإفلات من عقوبة الإعدام أمر مخزٍ. ستنحاز إدارة بايدن - هاريس دوماً إلى جانب القتلة والمجرمين في مواجهة الأميركيين الملتزمين بالقانون».

كانت لجنة الرقابة بمجلس النواب تستعد هي الأخرى لفتح تحقيق فيما إذا كان للبيت الأبيض دور في قرار إسكالير، بخصوص عملية كان من المفترض أن تكون خالية من النفوذ السياسي. في اليوم التالي، كتب النائب الجمهوري جيمس آر. كومير، من كنتاكي، إلى الرئيس بايدن يطلب نسخاً من الاتفاق، وجميع الاتصالات بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع.

الجمعة - 2 أغسطس

بحلول الجمعة، كانت ردود الفعل العنيفة تتراكم، كما قالت تيري سترادا، من منظمة «عائلات 11 سبتمبر المتحدة»، التي قادت لسنوات جهود محاسبة المسؤولين عن الهجمات الإرهابية.

وفي مقابلة تلو الأخرى، كانت تسجل معارضتها للاتفاق القضائي. وقالت إن ما يثير القلق بشكل خاص أن الإعلان عن اتفاق الإقرار بالذنب تزامن مع تنفيذ صفقة تبادل السجناء. إذا حُكم على محمد وشركائه المتهمين بالسجن مدى الحياة، فهل هذا يعني إمكانية إطلاق سراحهم يوماً ما في إطار صفقة؟

وقالت سترادا، التي قُتل زوجها توم سترادا، سمسار السندات، داخل برجي مركز التجارة العالمي: «لم يُظهر هؤلاء المتهمون أي رحمة تجاه أحبائنا، ولم يُظهروا أي رحمة تجاه زوجي». وأكدت رغبتها في «إعادة عقوبة الإعدام إلى الطاولة، لأنها تتناسب مع الجريمة».

داخل البنتاغون، توصَّل أعضاء فريق وزير الدفاع إلى حل، فقد ألغى أوستن الاتفاق في مذكرة من فقرتين بخطوتين.

الخطوة الأولى: جرَّد إسكالير من سلطة التوصل إلى اتفاقات إقرار بالذنب، بخصوص قضية هجمات 11 سبتمبر، وأعلن أنه يملك «السلطة العليا» في هذا الصدد.

الخطوة الثانية: استخدم تلك السلطة «لسحب» صفقات الإقرار بالذنب مع محمد والرجلين الآخرين.

بعد توقيع أوستن على المذكرة مباشرةً، جرى إخطار إسكالير بأنها أُعفيت من سلطة التفاوض على صفقات الإقرار بالذنب في قضية 11 سبتمبر، وفقاً لما ذكره مسؤول بوزارة الدفاع.

إلا أنه في الوقت نفسه، لا تزال تتمتع بسلطة عقد جلسات ثانوية، واتخاذ القرارات بشأن أمور أخرى تتعلق بإدارة المحكمة -مثل تمويل ساعات العمل الإضافية للمحامين المتخصصين في قضايا تصل عقوبتها إلى الإعدام، واتخاذ القرار بشأن المتهم في القضية الذي عُدَّ غير مؤهل للمثول أمام المحكمة.

من جهته، لم يطّلع أوستن على صفقة الإقرار بالذنب بعد، لأنها كانت مختومة داخل محكمة غوانتانامو، وفق مسؤول بارز في وزارة الدفاع.

البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفي غوانتانامو، علم بعض المدعين العموميين ومحامي الدفاع، بالقرار في تقرير إخباري تضمَّن نسخة من المذكرة.

وظهر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي على هاتف فيجيانو في أثناء عودتها بالسيارة إلى المنزل من احتفال بعيد ميلاد حماتها، جانيت فيجيانو.

جاء نص الخبر على النحو التالي: «عاجل: ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب مع ثلاثة رجال متهمين بالتخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأعادها فعلياً كقضية تصل عقوبتها إلى الإعدام».

وأعلنت فيجيانو أنها أفضل هدية عيد ميلاد يمكن أن تتلقاها حماتها على الإطلاق.

السبت - 3 أغسطس

من جهتهم، صُدم أقارب الضحايا الذين أيَّدوا الصفقة بهذا التراجع. وقالت منظمة «أسر الحادي عشر من سبتمبر من أجل غد سلمي»، التي أيَّدت الصفقة، في بيان لها: «ما حدث هذا الأسبوع لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر كان صدمة عاطفية»، مضيفةً: «إن مخاوفنا الكبرى اليوم تتعلق بهذا البلد، ومستقبل أطفالنا وأحفادنا عندما يتم المساس بالمبادئ القانونية».

كما أبدت منظمة «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، التي تموّل المحامين المدنيين في فريق الدفاع عن محمد، رأيها.

وقال أنتوني دي روميرو، المدير التنفيذي للمنظمة: «إن الوزير أوستن تهور بإلقائه عصفوراً في يده لملاحقة عقوبة الإعدام التي لن يتمكن من تحقيقها في إطار هذه المحاكم العسكرية».

* نيويورك تايمز


مقالات ذات صلة

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

الولايات المتحدة​ البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

أفاد قاضٍ عسكري في غوانتانامو بأنه سيواصل قبول إقرارات الذنب من ثلاثة متهمين مقابل أحكام بالسجن المؤبد.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

أثارت موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب، وهو واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو.

كارول روزنبرغ
آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )
خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

خاص ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».