تُجمِع العديد من التعليقات والتحليلات التي حفلت بها الصحافة الأميركية، على أن اختيار الرئيس السابق دونالد ترمب،للسيناتور الجمهوري «المغمور» جيمس ديفيد فانس، نائباً له على بطاقة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، هو إشارة إلى محاولته توسيع «الترمبية» السياسية على المدى الطويل.
ومنذ ما يقرب من 9 سنوات، تحوّل ترمب إلى الوجه الوحيد للسياسة الجمهورية، والزعيم بلا منازع لحركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، ومع اختياره لفانس بدا أنه يدفع به ليكون طليعة القيادة السياسية الجديدة والشابة للحزب الجمهوري.
ومع القيود الدستورية التي تمنع أي شخص من تولّي الرئاسة الأميركية أكثر من فترتين، فقد أضاف ذلك إلحاحاً إضافياً إلى مسألة ما سيأتي بعد ذلك، بالنسبة لما بات يُعرف بـ«الترمبية»، في إشارة إلى الحركة التي ارتبطت بشكل كبير بترمب، الذي نجح في تحويل الحزب الجمهوري بشكل كامل.
وإذا فاز ترمب في انتخابات هذا العام، سيصبح السيناتور الجديد، البالغ 39 عاماً، على الفور المرشح الأوفر حظاً للسباق الرئاسي الجمهوري لعام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلّا في العام 2037، إذا فاز مرتين بالرئاسة.
جيل الألفية الشاب
ويُعدّ فانس أول جيل من جيل الألفية يحصل على منصب كبير، وكان إلى حد بعيد الأكثر عدوانيةً في تفضيلات ترمب من بين المرشحين الذين تم تداولهم.
وخلال تعليقاته ومقابلاته التي سبقت اختياره، كان ترمب واضحاً في تفضيله لفانس، وأنه سيكون الخيار الأكثر موثوقيةً؛ فهو من قدامى المحاربين في مشاة البحرية، وسياسي أعاد تشكيل نفسه تماماً باعتباره متحمساً لحركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».
وفي الأشهر الأخيرة كان دفاعه العدواني عن ترمب، حتى في وسائل الإعلام الرئيسية، هو الذي ساعده على الظهور أمام الرئيس السابق باعتباره وريثاً جديراً.
وبوصفه متحدثاً لبقاً دافع فانس بلا كلل عن ترمب في نشرات الأخبار، وضمن الطريق للوصول إلى قلب مرشح الجمهوريين للرئاسة، خصوصاً بعد استمتاعه بالسجال مع «وسائل الإعلام المعادية» للرئيس السابق، الأمر الذي دفع ترمب للقول بأنه سيكون منافساً رئيسياً لكمالا هاريس في أي مناظرة معها.
تبنى أفكار ترمب
يتبنّى فانس أيضاً بعض الأفكار الأكثر تطرفاً وبعيدة المدى المتوافقة مع ترمب، بما في ذلك دعوته ذات مرة إلى إقالة «كل موظف مدني في الدولة الإدارية»، وفي الأيام الماضية ألقى باللوم على الرئيس بايدن والديمقراطيين في الخطاب الذي «أدّى مباشرةً إلى محاولة اغتيال الرئيس ترمب».
يأمل الجمهوريون أن يؤدي اختياره إلى تعزيز التوجهات الديموغرافية الجديدة للحزب الجمهوري لدى الطبقة العاملة، والشباب، خصوصاً بعدما روى في كتابه «مرثاة هيلبيلي»، نشأته الصعبة في المناطق الفقيرة في ولايتي أوهايو وكنتاكي، وأصبح كتابه الأكثر مبيعاً، والأكثر قراءةً تقريباً من قِبل الليبراليين، الذين يسعون إلى فهم كيف أخفق الديمقراطيون في الانتخابات، التي خرج فيها الناخبون البِيض من الطبقة العاملة بأعداد قياسية لانتخاب ترمب.
وقال الحاكم الجمهوري لأوهايو مايك ديواين: «لقد شهدنا حركة في الحزب الجمهوري لجذب المزيد من العمال ذوي الياقات الزرقاء، واختيار فانس استمرار لذلك».
وأضاف ديواين، بشأن بعض القضايا، بما في ذلك سياساته الخارجية، وموقفه من حرب أوكرانيا، والمساعدات التي تقدمها واشنطن، فإن اختياره يُظهر أن الرئيس السابق «يريد شخصاً قريباً منه في السياسة»، وعدّ اختيار فانس أيضاً بمثابة انتصار للقوى الأكثر انعزالية، التي تضغط من أجل آيديولوجية «أميركا أولاً».
الحرس الآيديولوجي
وبدا واضحاً منذ اليوم الأول لمؤتمر الحزب الجمهوري، حين صاحَب ظهور فانس أمام المؤتمِرين ارتفاع أصوات الاستحسان، في حين أثار ظهور وجه السيناتور ميتش ماكونيل، وهو تجسيد للحزب الجمهوري في فترة ما قبل ترمب، صيحات الاستهجان عندما ظهر على الشاشات الكبيرة فوق المندوبين، وهو ما عُدّ تكريساً للتغيير الذي حصل على «الحرس الآيديولوجي» في الحزب الجمهوري.
وكان تاكر كارلسون، مقدّم البرامج السابق الشهير في محطة «فوكس نيوز»، الذي من المقرر أن يُلقي كلمة في المؤتمر في وقت لاحق من الأسبوع، من بين أولئك الذين شادوا باختيار فانس، وفي إحدى الفعاليات التي أقيمت، الاثنين، قال كارلسون إن أقوى حجة لعضو مجلس الشيوخ في فترة ولايته الأولى كانت في الأعداء الذين جمعهم؛ لأنه تمكّن عبر معارضته الصريحة للتدخلات العسكرية الأميركية في الخارج «من حشد كل شخص سيئ التقيت به طوال حياتي في واشنطن، كان متحالفاً ضد فانس».
ويرى البعض أنه في المدى القريب، من المتوقع أن يقوم فانس بتضخيم رؤية ترمب، بدلاً من إعادة تشكيلها، فهو وصل على بطاقة الترشح، سواء فيما يتعلق بالشؤون الخارجية أو الداخلية، عبر التركيز بدرجة أقل على خفض الإنفاق، وبشكل أكبر على خفض حجم الحكومة الإدارية، والتشكّك في التدخل في الخارج.
ورغم ذلك، لا يُنظر إلى فانس على أنه الاختيار الآمن سياسياً؛ إذ لم يمضِ على شَغله منصباً عاماً أكثر من 18 شهراً، عندما انتُخب عام 2022 للمرة الأولى عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، ولم يسبق له أن خاض أي انتخابات رئاسية، على عكس كبار المتنافسين الآخرين، السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، وحاكم داكوتا الشمالية دوغ بورغوم، اللذَين كانا من بين الاختيارات.