جوليان أسانج... مؤسس «ويكيليكس» المثير للجدل

جوليان أسانج يصعد إلى الطائرة التي أقلته من لندن إلى بانكوك الاثنين (أ.ف.ب)
جوليان أسانج يصعد إلى الطائرة التي أقلته من لندن إلى بانكوك الاثنين (أ.ف.ب)
TT

جوليان أسانج... مؤسس «ويكيليكس» المثير للجدل

جوليان أسانج يصعد إلى الطائرة التي أقلته من لندن إلى بانكوك الاثنين (أ.ف.ب)
جوليان أسانج يصعد إلى الطائرة التي أقلته من لندن إلى بانكوك الاثنين (أ.ف.ب)

بالنسبة لكثيرين فإن جوليان أسانج، الذي توصل إلى صفقة يقر فيها بالذنب مع السلطات الأميركية مقابل إطلاق سراحه، بطل مدافع عن حرية التعبير، لكن آخرين يرون أن الأسترالي البالغ 52 عاماً تعامل بتهوّر مع معلومات سريّة؛ ما عرّض عدداً من المصادر إلى الخطر.

أسس أسانج موقع «ويكيليكس» الذي كشف عن أسرار حكومية حول العالم عبر تسريب معلومات لعل أبرزها ملفّات عسكرية أميركية مرتبطة بحربي العراق وأفغانستان.

وقضى أكثر من عقد من عمره إما محتجزاً أو متحصّناً داخل سفارة الإكوادور في لندن في مسعى لتجنب تسليمه، أولاً إلى السويد حيث واجه اتهامات بالاغتصاب ومن ثم إلى الولايات المتحدة.

احتجاج للمطالبة بإطلاق سراح جوليان أسانج بلندن في 20 مايو 2024 (أ.ب)

وُلد أسانج عام 1971 في تاونسفيل في كوينزلاند، وتنقّل كثيراً في طفولته. ويشير إلى أنه ارتاد 37 مدرسة قبل الاستقرار في ملبورن.

وخلال مراهقته، كشف عن موهبته في القرصنة الإلكترونية التي لفتت أنظار الشرطة الأسترالية إليه، وأقر بمعظم التهم التي وجّهت له، ودفع غرامة عليها.

أطلق «ويكيليكس» عام 2006 بالتعاون مع مجموعة من الناشطين المتقاربين معه فكرياً وخبراء تكنولوجيا المعلومات.

وقال أسانج لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في أغسطس (آب) 2010: «نصنع معياراً جديداً للصحافة الحرّة».

لجوء في سفارة

بدأت معاركه القانونية في العام نفسه بعد وقت قصير من نشره وثائق سريّة بشأن العمليتين العسكريتين الأميركيتين في العراق وأفغانستان. تلت ذلك اتهامات له بالاغتصاب في السويد، أصر على نفيها.

صورة من شريط فيديو لستيلا زوجة جوليان أسانج تتحدث خارج سجن بيلمارش بلندن الثلاثاء (رويترز)

كان في بريطانيا عندما سعت السويد لتسلّمه. منحته الإكوادور حق اللجوء السياسي، وسمحت له بدخول سفارتها في لندن.

أقام أسانج في شقة صغيرة داخل السفارة على مدى 7 سنوات منذ عام 2012، حيث مارس الرياضة على جهاز المشي، واستخدم مصباحاً شمسياً للتعويض عن نقص الضوء الطبيعي. شبّه وضعه بالعيش في محطة فضاء.

لكن فترة إقامته الطويلة في السفارة انتهت، بعدما سلّمته حكومة جديدة وصلت إلى السلطة في كيتو إلى الشرطة البريطانية في أبريل (نيسان) 2019. أوقف بتهمة الهرب دون كفالة، وسُجن.

أغلق المدعون في السويد التحقيق ضده المرتبط بالاغتصاب عام 2019، قائلين إنه على الرغم من الإفادة «ذات المصداقية» للضحية المفترضة فإن الأدلة غير كافية للمضي قدماً.

لكن السلطات الأميركية اتّهمته بانتهاك قانون التجسس الأميركي.

وأوقف مذاك في سجن بيلمارش عالي التحصين في لندن، بينما دارت معركة قضائية مطوّلة لاتّخاذ قرار بشأن تسليمه.

من المقرر أن يمثل أسانج أمام محكمة في جزر ماريانا الشمالية التابعة للولايات المتحدة والواقعة في المحيط الهادئ، حيث سيقر بذنبه بتهمة واحدة هي التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها، مقابل نيل حريّته، لطي صفحة مسلسل قانوني استمر سنوات طويلة.

تساؤلات بشأن علاقته مع روسيا

رأى داعمو أسانج، بمن فيهم الفنان المعارض الصيني آي ويوي ومصممة الأزياء الراحلة فيفيان ويستوود، أن التهم الموجهة لأسانج مدفوعة سياسياً.

وعبّروا مراراً عن مخاوف حيال التداعيات الجسدية والنفسية لفترة سجنه الطويلة.

جوليان أسانج يتحدث لأنصاره من شرفة السفارة الإكوادورية بلندن في 19 أغسطس 2012 (أ.ف.ب)

وأفاد المقرر الأممي الخاص المعنيّ بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، نيلس ميلزر، بأن «المعاناة المتصاعدة بشدة التي تعرّض لها» أسانج خلال فترة اعتقاله ترقى إلى التعذيب.

دعمت أسانج في البداية مجموعات حقوقية وصحف تعاونت معه في تحرير ونشر سجلات الحروب الأميركية.

شملت الأدلة تسجيلاً مصوّراً مسرّباً يظهر مروحية عسكرية أميركية من طراز «أباتشي» وهي تطلق النار على صحافيين اثنين وعدد من المدنيين العراقيين في أحد شوارع بغداد عام 2007، وتقتلهم.

لكن كثيرين انتابهم الهلع عندما نشر «ويكيليكس» الوثائق غير المنقّحة على الإنترنت والتي تضمنت أسماء مخبرين. ونشب خلاف كبير بين أسانج وشركائه الإعلاميين.

وأقرّ محامون في الولايات المتحدة بأنهم «على علم» باختفاء مصادر بعدما نشر «ويكيليكس» أسماءهم، لكن لا يمكنهم إثبات أن اختفاءهم كان بسبب كشف «ويكيليكس» عن هويّاتهم.

طُرحت أسئلة كثيرة أيضاً بشأن علاقة أسانج بروسيا.

خلص تحقيق المدعي الخاص، روبرت مولر، بشأن التدخل في انتخابات 2016 الرئاسية الأميركية، التي فاز فيها دونالد ترمب، إلى أن الروس اخترقوا «على ما يبدو» رسائل حملة المرشحة الديمقراطية حينذاك، هيلاري كلينتون، ومن ثم «نشروا هذه المواد علناً عبر مختلف الجهات الوسيطة بما في ذلك ويكيليكس».

وأسانج والد لطفلين من زوجته ستيلا التي التقاها عندما كانت محامية تدافع عنه. تزوّجا في سجن بيلمارش في مارس (آذار) 2022.


مقالات ذات صلة

نائب ديمقراطي: نائبة الرئيس الأميركي يمكنها تحقيق فوز ساحق

الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (رويترز)

نائب ديمقراطي: نائبة الرئيس الأميركي يمكنها تحقيق فوز ساحق

قال النائب الديمقراطي الأميركي آدم شيف إنه يشعر بأن نائبة الرئيس كامالا هاريس يمكنها أن تفوز فوزاً ساحقاً إذا نافست الرئيس السابق دونالد ترمب في الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن لدى وصوله إلى مطار فيلادلفيا لاستئناف حملته الأحد ويبدو في استقباله مشرّعون من الولاية (أ.ف.ب)

بايدن يعود إلى مسار حملته رغم ضغوط دعوات الانسحاب

يعود الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مسار حملته الانتخابية الأحد عازماً على الصمود رغم الضغوط المتزايدة من السياسيين الديمقراطيين لحمله على التخلي عن ترشحه، وذلك…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بايدن مخاطباً أنصاره في ويسكونسن يوم الجمعة (إ.ب.أ)

تمسّك بايدن بخوض السباق يضع الديمقراطيين في مأزق

فشلت المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن في طمأنة الديمقراطيين الخائفين من خسارة الانتخابات بعد أدائه الكارثي في المناظرة.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ سياح قرب الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن (أ.ف.ب)

من ينقذ «الحلم الأميركي» من اعتلالات الديمقراطية؟

لا يمنع هذا النظام الديمقراطي نظرياً نشوء أحزاب متعددة، لكنه عملياً يحصر الحياة السياسية بحزبين يتبادلان إدارة البلاد عبر البيت الأبيض والكونغرس بمجلسَيه...

أنطوان الحاج
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وجو بايدن خلال المناظرة التي أجرتها «سي إن إن» يوم 27 يونيو (رويترز)

الانتخابات الأميركية: أزمة ثقة في استطلاعات الرأي

تشكِّل استطلاعات الرأي -رغم إخفاقاتها- هيكلاً أساسياً للانتخابات الأميركية، تعتمد عليها الحملات الانتخابية والوسائل الإعلامية لقراءة ميول الناخب وتوجهاته.

رنا أبتر (واشنطن)

لماذا تعدّ دعوات حلفاء ترمب لاستئناف التجارب النووية «كارثية» لأميركا والعالم؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتحدث إلى أنصاره في فلوريدا (أ.ب)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتحدث إلى أنصاره في فلوريدا (أ.ب)
TT

لماذا تعدّ دعوات حلفاء ترمب لاستئناف التجارب النووية «كارثية» لأميركا والعالم؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتحدث إلى أنصاره في فلوريدا (أ.ب)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتحدث إلى أنصاره في فلوريدا (أ.ب)

حذر مقال نشرته قناة «إم إس إن بي سي» الأميركية، السبت، من الدعوات التي أطلقها حلفاء للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لاستئناف إجراء التجارب النووية، وقال إنها «أفكار كارثية تهدد أمن الولايات المتحدة والعالم».

وقال كاتب المقال الصحافي زيشان عليم، إن «حلفاء ترمب يقولون إن إجراء التجارب النووية. سيعزز أمن بلادهم من خلال ضمان أن الولايات المتحدة تتمتع بميزة عسكرية وتكنولوجية حاسمة على القوى النووية الأخرى. ولكن في الواقع، سوف تصبح الولايات المتحدة والعالم أكثر خطورة بسبب ذلك النوع من سباق التسلح الذي قد يشعله هذا النوع من الأسلحة».

وتابع أن «استئناف التجارب النووية ربما يساعد المنافسين النوويين للولايات المتحدة في سد الفجوة التكنولوجية بسرعة أكبر مما كانوا ليفعلوا لولا ذلك، لكنه سيسمح لترمب بالتحدث عن التفوق العسكري الأميركي واستعراض القوة أمام قاعدته الانتخابية».

وأضاف أن «ترمب إذا فاز في الانتخابات الرئاسية، فيمكنه تبني هذه السياسة بسبب الطريقة التي تتماشى بها مع رؤيته الداعية لأن تكون (أميركا أولاً)، لقد رأينا هذا الاتجاه تم التعبير عنه خلال ولاية ترمب مع انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وتركيزه على طلب ميزانيات دفاع ضخمة، وتوقه إلى العروض العسكرية».

وقال إن «شعارات مثل (أميركا أولاً، ترمب أولاً)، لا يصب أي منهما في المصلحة الأمنية لأميركا أو العالم، لكنها ستجعل ترمب يبدو صارماً».

ولفت إلى تسارع شخصيات مؤثرة في دائرة ترمب المقربة إلى فكرة كسر الأعراف الدولية الراسخة لواشنطن واستئناف التجارب النووية الحية، حيث كتب مستشار ترمب للأمن القومي السابق روبرت أوبراين بمجلة «فورين أفيرز» في يونيو (حزيران)، أنه «يجب على واشنطن إجراء تجارب لأسلحة نووية جديدة من أجل الحفاظ على التفوق التقني على الصين وروسيا».

تجربة نووية (أرشيفية - رويترز)

وذكر أن فريق ترمب لم يقر الخطة لاستئناف التجارب النووية ولم يستبعدها، وقالت حملة ترمب في بيان لصحيفة «تايمز» البريطانية، إن الأشخاص خارج الحملة «يتحدثون قبل الأوان» حول الشكل الذي قد تبدو عليه الولاية الثانية، ولكن خلال فترة وجوده في منصبه، أفادت التقارير بأن ترمب ناقش مسألة إمكانية استئناف التجارب النووية، ومن المعقول أن يتمكن من مواصلة ذلك، خصوصاً إذا تعاون مرة أخرى مع المستشارين القدامى الذين يفضلون هذه السياسة.

وقال كريستيان ويتون، الذي عمل مستشاراً لوزارة الخارجية للرئيس جورج دبليو بوش وترمب، لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: «سيكون من الإهمال إطلاق أسلحة نووية ذات تصميمات جديدة لم نختبرها مطلقاً».

وكذلك دعت مؤسسة التراث، وهي مؤسسة فكرية يمينية تدعم مشروع 2025، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الخطة السياسية لولاية ترمب الثانية، إلى أن تقوم الحكومة بتوسيع قدرتها على إجراء تجارب نووية.

وقال كاتب المقال إن استئناف التجارب النووية من شأنه أن «يشجع بشكل خطير على سباق تسلح جديد»، وأضاف أن «الولايات المتحدة منذ عام 1992، امتنعت عن إجراء تجارب نووية ولجأت إلى تقنيات أخرى، بما في ذلك تقييمات الخبراء لمعرفة فاعلية أسلحتها».

وأوضح أن هذه السياسة «ساعدت في دفع معظم الدول بعيداً عن إجراء التجارب النووية التزاماً بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية».

ووفقاً للمقال، يقول كثير من خبراء مكافحة الانتشار النووي إنه إذا استأنفت الولايات المتحدة التجارب، فستكون لدى الدول الأخرى حوافز أكبر للقيام بذلك.

وقال داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة، رداً على مقال أوبراين، إن «استئناف التجارب النووية الأميركية غير ضروري من الناحيتين الفنية والعسكرية، علاوة على ذلك، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل العالمية للتجارب النووية، وزيادة التوترات العالمية، وتفجير الجهود العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية في وقت يتسم بازدياد الخطر النووي».

وتتوافق حجة كيمبال مع تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن. وخلال حملته الرئاسية لعام 2020، حيث أيد بايدن استمرار الولايات المتحدة في الامتناع عن إجراء التجارب النووية، وقال إن قرار الاستئناف سيكون «متهوراً بقدر ما هو خطير».

وكذلك أشار جيفري لويس، الأستاذ وخبير منع الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية بكاليفورنيا، إلى أن استئناف التجارب النووية «سيؤدي إلى نتائج عكسية، ومن شأنه أن يتسبب في خسارة الولايات المتحدة الميزة التي تتمتع بها في معرفتها المتفوقة بترسانتها الخاصة».

وأضاف لويس لصحيفة «الغارديان» البريطانية: «عندما حدث حظر التجارب النووية، كانت الولايات المتحدة قد نفذت أكثر من ألف تجربة، وكانت تمتلك قدرات تكنولوجية الأكثر تقدماً في العالم، لذلك كان لدينا أفضل البيانات وأفضل أجهزة الكومبيوتر، وكنا في موقع يتمتع بميزة هائلة مقارنة بالروس وبالتأكيد بالنسبة للصينيين، وإذا استأنفت التجارب النووية، فإن الولايات المتحدة لن تتعلم القليل جداً عن أسلحتها مقارنة بروسيا والصين».