دعوة نتنياهو تسلّط الضوء على التجاذب والتحدي بين البيت الأبيض والكونغرس

تأزُّم العلاقات يؤثر في صورة الولايات المتحدة بالخارج

تحدى الجمهوريون بايدن في دعوة نتنياهو للحديث أمام الكونغرس (أ.ف.ب)
تحدى الجمهوريون بايدن في دعوة نتنياهو للحديث أمام الكونغرس (أ.ف.ب)
TT

دعوة نتنياهو تسلّط الضوء على التجاذب والتحدي بين البيت الأبيض والكونغرس

تحدى الجمهوريون بايدن في دعوة نتنياهو للحديث أمام الكونغرس (أ.ف.ب)
تحدى الجمهوريون بايدن في دعوة نتنياهو للحديث أمام الكونغرس (أ.ف.ب)

كثيراً ما كانت علاقة البيت الأبيض والكونغرس مزيجاً من الحب والكراهية؛ فالنظام الأميركي الفاصل للسلطات يفرض على الطرفين التعاون والتنسيق لإقرار تشريعات ورسم سياسات تصب في مصلحة الأميركيين، وهو أمر عادة ما يكون سهلاً في حال سيطرة حزب واحد على السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكنه يصبح شبه مستحيل عند انقسام السلطات.

ولعلّ خير دليل على ذلك المشهد الحالي في واشنطن، الذي جسّد انقسامات عميقة وتحديات علنية لم تقتصر على الساحة الداخلية، بل تخطتها لتشمل السياسة الخارجية، ودعوة نادرة من رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، في تحدٍّ صارخ للرئيس الأميركي جو بايدن.

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين كل من «الشرق الأوسط» و«الشرق»، خطورة تحديات من هذا النوع، وتأثيرها في صورة الولايات المتحدة بالخارج.

أثارت دعوة نتنياهو للحديث أمام الكونغرس ردود فعل متناقضة في الكونغرس (د.ب.أ)

دعوة نتنياهو «الأحادية»

أثارت دعوة رئيس مجلس النواب الأميركي لنتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونغرس الانقسامات الحزبية بين مؤيد ومعارض. ويذكر جايسن ستاينبوم، كبير الموظفين السابق في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن هذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها دعوة نتنياهو «من طرف واحد»، مشيراً إلى عام 2015 عندما قام رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر حينها بدعوته للحديث عن معارضته الاتفاق النووي مع إيران، و«تحدي الرئيس السابق باراك أوباما عبر محاولة حشد المعارضة ضد الاتفاق». وقال ستاينبوم إن الأمر سبَّب انقسامات حزبية عميقة؛ لأنه يعكس الاختلافات حيال ملف إسرائيل الذي عادة ما يتوافق عليه الحزبان.

وتحذّر إليزابيث براو، كبيرة الباحثين في «أتلانتيك كاونسيل» من تأثير هذه التجاذبات الداخلية في صورة الولايات المتحدة بالخارج، مشيرة إلى أنه في السابق «كان أعضاء الكونغرس يسعون إلى تقديم وجهة نظر متحدة أمام العالم في السياسة الخارجية» رغم اختلافاتهم الداخلية. ووصفت براو دعوة نتنياهو بـ«الاستفزازية»، قائلة: «على المشرعين الذين يدافعون عن هذه الدعوة ألا ينسوا أن العالم بأجمعه يراقب، ويرى أن الولايات المتحدة منقسمة».

مايك جونسون يتحدث في مؤتمر صحافي بواشنطن في 22 مايو 2024 (إ.ب.أ)

من ناحيتها، تقول بريتني مارتينيز، مديرة الاتصالات السابقة لرئيس مجلس النواب كيفن مكارثي (تولى منصبه من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2023)، إن دعوة من هذا النوع هي «دعوة مرموقة ومهمة للغاية»، مشيرة إلى تردد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر في التوقيع عليها، وهو بروتوكول مطلوب لضمان حديث نتنياهو أمام غرفتي الكونغرس. وتوضح: «لقد قال رئيس مجلس النواب إن شومر أكد له أنه سيوقّع على هذه الدعوة، لكن الأخير يرقص رقصة سياسية». وتلفت مارتينز إلى المعارضة التي يواجهها شومر من أعضاء حزبه، كالسيناتور برني ساندرز الذي أعلن أنه لن يحضر الخطاب، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي التي دعت شومر إلى عدم التوقيع على الدعوة.

شومر يتحدث مع الصحافيين في مبنى الكابيتول بواشنطن في 23 مايو 2024 (رويترز)

ويتحدث ستاينبوم عن موقف شومر الذي ألقى خطاباً في مجلس الشيوخ وجّه فيه انتقادات لاذعة لنتنياهو في سابقة أثارت بلبلة في الأوساط الحزبية الأميركية. ويقول: «يعكس شومر التناقض في الحزب الديمقراطي؛ فهناك من يدعم إسرائيل بين الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، وهناك من ينتقدها بشكل كبير». ويفسر: «أتى شومر من نيويورك إلى الكونغرس عضواً في مجلس النواب مؤيداً جداً لإسرائيل، ثم انتقل إلى مجلس الشيوخ، لكن عندما أصبح زعيماً للديمقراطيين أصبحت لديه مسؤوليات أكبر؛ حيث أصبح عليه تمثيل جميع أعضاء الحزب الديمقراطي، ومن هنا تحدّث ضد نتنياهو بطريقة قوية جداً. والآن عليه أن يتعامل مع هذه اللحظة السياسية الصعبة جداً؛ أي ما إذا كان يجب أن يوقّع على هذه الدعوة».

وفي ظل هذه التجاذبات، تحذر براو من أن مواقف من هذا النوع من شأنها أن «تؤذي الولايات المتحدة على المدى الطويل». وتفسر قائلة: «عندما لا تقدم رؤية متحدة أو متجانسة حيال القضايا الدولية كيف سيعرف العالم ما تمثّله أميركا؟». وتشير إلى أهمية وحدة المواقف الأميركية في السياسة الخارجية؛ «لأن الزعماء الأجانب والرأي العام العالمي يتخذون قراراتهم على هذا الأساس».

ويوافق ستاينبوم على هذه المقاربة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن حرب غزة أدت إلى انقسامات علنية في الحزب الديمقراطي في موسم انتخابي حامٍ، خصوصاً في ظل تخوّف البيت الأبيض والديمقراطيين من خسارتهم في الانتخابات في ولايات متأرجحة بسبب سياسات بايدن تجاه إسرائيل.

الجمهوريون أسقطوا تسوية الهجرة في مجلس الشيوخ (إ.ب.أ)

الهجرة

لا يقتصر تحدي الجمهوريين لبايدن على السياسة الخارجية، بل يزداد في السياسات الداخلية للبلاد، خصوصاً ملف الهجرة الذي يحتل مساحة واسعة من اهتمام الناخب الأميركي؛ فقد اصطدمت مساعي الديمقراطيين لإصلاح الملف بحائط المعارضة الجمهورية. ويذكر ستاينبوم أن الجمهوريين والديمقراطيين تمكنوا من التوصل إلى تسوية في مجلس الشيوخ لإصلاح ملف الهجرة، لكن هذه المساعي سرعان ما انهارت بعد معارضة الرئيس السابق دونالد ترمب لها.

وتتحدث مارتينيز عن تأثير ترمب المتنامي في قاعدته الشعبية وفي الجمهوريين في الكونغرس فتقول: «أعتقد أن قاعدة ماغا (في إشارة إلى شعار (اجعل أميركا عظيمة مجدداً) قوية، وستدعم ترمب دائماً مهما تكلّف الأمر».

وتعطي مارتينيز مثالاً لذلك في محاكمة ترمب بنيويورك، مذكّرة بحضور أعضاء في الكونغرس للمحاكمة للإعراب عن تأييدهم الرئيس السابق، فتقول: «أعتقد أن أعضاء المجلس المنتخبين يظنون أنهم إذا قاموا (بتقبيل الخاتم) فإنهم سينالون ثقة ترمب ودعمه».

ويرى ستاينبوم أن سبب تودد المشرّعين الجمهوريين لترمب، وخضوعهم لدعواته بإسقاط تسويات تشريعية هو خوفهم من خسارة مقاعدهم في الانتخابات التشريعية، ويذكر أن نظام تحديد المقاطعات الانتخابية في الولايات المتحدة أدى إلى ميل بعض المقاطعات الانتخابية إلى أقصى اليمين أو أقصى اليسار؛ ما يعني أن أي مرشح لا يتوافق مع القاعدة الشعبية في مقاطعته يخشى خسارته في الانتخابات التمهيدية لحزبه.


مقالات ذات صلة

أزمة في الكونغرس بسبب «الحمامات» مع وصول أول نائبة متحولة جنسياً

الولايات المتحدة​ مبنى الكابيتول في واشنطن (أ.ف.ب)

أزمة في الكونغرس بسبب «الحمامات» مع وصول أول نائبة متحولة جنسياً

وافق رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون على تشريع قدمته النائبة الجمهورية نانسي ماس مؤخراً يحظر على النساء المتحولات جنسياً استخدام حمام النساء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ يصوّت مجلس الشيوخ الأربعاء على تجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل (رويترز)

مجلس الشيوخ الأميركي لتجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل

يصوّت مجلس الشيوخ الأميركي، الأربعاء، على مشاريع تهدف إلى صدّ تسليم الأسلحة الهجومية لإسرائيل بسبب ممارساتها خلال الحرب في غزة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب خلال لقائه مع الجمهوريين في مجلس النواب 13 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 03:13

تعيينات ترمب المثيرة للجدل تهيمن على إدارته الجديدة

شهد أول أسبوع منذ فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية، سلسلة تعيينات تماشى بعضها مع التوقعات، وهزّ بعضها الآخر التقاليد السياسية المتّبعة في واشنطن.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ زعيم الأغلبية الجمهورية الجديد جون ثون في مجلس الشيوخ في 13 نوفمبر 2024 (رويترز)

جون ثون زعيماً جديداً للجمهوريين في «الشيوخ»

انتخب الحزب الجمهوري في جلسة تصويت مغلقة السيناتور عن ساوث داكوتا جون ثون ليصبح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بسط الجمهوريون سيطرتهم على الكونغرس الأميركي (أ.ب)

«جمهوريو أميركا» يبسطون سيطرتهم على المرافق الفيدرالية

وقع مجلس النواب في قبضة الجمهوريين، ليلوّن المرافق الفيدرالية باللون الأحمر، ويمهد الطريق أمام الرئيس المنتخب دونالد ترمب لبسط سيطرته وتمرير أجنداته.

رنا أبتر (واشنطن)

لن يرد بالمثل... بايدن يحضر حفل تنصيب ترمب

الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض في 13 نوفمبر 2024 (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض في 13 نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

لن يرد بالمثل... بايدن يحضر حفل تنصيب ترمب

الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض في 13 نوفمبر 2024 (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض في 13 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أعلن البيت الأبيض، يوم الاثنين، أنّ الرئيس جو بايدن سيحضر حفل تنصيب دونالد ترمب في يناير (كانون الثاني)، على الرغم من أنّ الملياردير الجمهوري تغيّب قبل أربع سنوات عن مراسم أداء الرئيس الديمقراطي القسم الرئاسي.

وقال آندرو بيتس مساعد المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحافيين إن «الرئيس وعد بأنه سيحضر حفل التنصيب أياً كان الفائز في الانتخابات. هو والسيدة الأولى سيفيان بهذا الوعد وسيحضران حفل التنصيب».

وفي يناير 2021، غادر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته وقتها دونالد ترمب واشنطن قبل ساعات من تنصيب جو بايدن، ليصبح أول رئيس منذ 150 عاماً يقاطع حفل تنصيب خلفه.