غوانتانامو: وفاة الشهود وتلاشي الذكريات يعوقان التقدم في قضية 11 سبتمبر

تتلاشى الشهادات والأدلة الأخرى مع مرور الوقت

واجه الدكتور جيمس ميتشل عالم النفس الذي استجوب خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر صعوبة في تذكر شهادته السابقة في المحكمة هذا الأسبوع (نيويورك تايمز)
واجه الدكتور جيمس ميتشل عالم النفس الذي استجوب خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر صعوبة في تذكر شهادته السابقة في المحكمة هذا الأسبوع (نيويورك تايمز)
TT

غوانتانامو: وفاة الشهود وتلاشي الذكريات يعوقان التقدم في قضية 11 سبتمبر

واجه الدكتور جيمس ميتشل عالم النفس الذي استجوب خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر صعوبة في تذكر شهادته السابقة في المحكمة هذا الأسبوع (نيويورك تايمز)
واجه الدكتور جيمس ميتشل عالم النفس الذي استجوب خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر صعوبة في تذكر شهادته السابقة في المحكمة هذا الأسبوع (نيويورك تايمز)

قبل أربع سنوات، في شهادة دراماتيكية، وصف طبيب نفسي أميركي في جلسة علنية كيف هدد بجز عنق ابن خالد شيخ محمد الصغير، العقل المدبر المتهم لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) إذا تسبب أي هجوم جديد لتنظيم «القاعدة» في مقتل طفل أميركي واحد.

الأربعاء، قال الدكتور جيمس ميتشل، طبيب نفسي متقاعد من سلاح الجو، تولى تعذيب خالد شيخ بالإيهام بالغرق 183 مرة لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عام 2003، أمام قاعة محكمة بدت الصدمة على الحاضرين بها، إن هذا لم يحدث وأكد أنه «لم أذكر شيئا عن قتل ابنه. ولم يكن لديه أبناء من الأساس في ذلك الحين».

واعترف الدكتور ميتشل لاحقا بأنه نسي تهديده، لكن هذه الحادثة تسلط الضوء على تحد جديد يواجه المحكمة العسكرية في قضية أربعة سجناء متهمين بالتآمر في الهجمات التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص في 11 سبتمبر (أيلول) 2001: ذكريات باهتة وغياب شهود تعتبر شهاداتهم أساسية في محاكمة من الممكن أن تفضي إلى عقوبة الإعدام.

نسخة من وثائق من المحكمة العسكرية في غوانتانامو (نيويورك تايمز)

غالبا ما تتلاشى الشهادات والأدلة الأخرى مع مرور الوقت، وهو أحد الأسباب وراء إعطاء القانون للمتهمين جنائيا ولضحاياهم على حد سواء حق التقاضي السريع.

هذا الشهر، كان من ضمن الشهود ضابطان عسكريان متقاعدان مريضان للغاية بحيث تعذر عليهما السفر إلى واشنطن للإدلاء بشهادتيهما بشأن صحة السجناء وظروف السجن في غوانتانامو أوائل عام 2007. كانت هذه الفترة بالغة الحرج في القضية، ويقول المدعون إن المتهمين اعترفوا بجرائمهم طواعية، فيما جادل محامو الدفاع بأن الاعترافات قد جرى تلويثها بالتعذيب والتعاون السري بين مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).

كان ضمن الشهود

معسكر غوانتانامو حيث يحتجز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

أول طبيب نفسي يتعامل مع المتهمين في غوانتانامو، والشاهد الآخر أول قائد سجن لهم، والشاهد الرئيسي الثالث من تلك الفترة هو أول طبيب معالج للسجناء في غوانتانامو، لكنه توفي عام 2018 قبل الحصول على شهادته.

في نوفمبر (تشرين ثاني)، كررت جاكلين ماغواير، مسؤولة رفيعة في (إف بي آي)، 199 مرة أنها لا تتذكر معلومات محددة تعود للوقت الذي قادت فيه التحقيق مع الخاطفين الخمسة الذين استولوا على الطائرة التي تحطمت في البنتاغون، وذلك حين كانت عميلة خاصة في السنة الأولى من عملها.

أما دفع الدكتور ميتشل إلى التذكر كان سهلا إلى حد ما، إذ أظهر له محامي خالد شيخ الصفحة رقم 31362 من محضر جلسة الاستماع التمهيدية لشهادته من يناير (كانون ثاني) 2020. وفي تلك الصفحة، أوضح الدكتور ميتشل أنه استشار محاميا من (سي آي إيه) خلال الفترة التي كان فيها يعذب خالد شيخ بالإيهام بالغرق، وتلقى أمرا بأن يجعل التهديد بقتل ابن سجينه مشروطا بعدم التجاوب مع التحقيقات.

وقال الدكتور ميتشل، الذي تخطى السبعين من عمره الآن، إن المقطع «أعاد تنشيط» ذاكرته، لكن ليس كليا. وشهد هذا الأسبوع أنه في أثناء تهديده عام 2003 كان «يشير إلى ابن خالد الذي ولد للتو». ورد محامي خالد، غاري سواردز، بالقول إن المولود الجديد كان أنثى، وإن خالد كان لديه بالفعل أربعة أبناء أكبر.

برزت مشكلة نسيان الذكريات بشكل متزايد في مرحلة ما قبل المحاكمة، التي بدأت بتوجيه الاتهام عام 2012. وبدلاً من محاولة تقديم المتهمين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) إلى العدالة بسرعة، قامت إدارة جورج دبليو بوش باستجوابهم بوحشية في عامي 2002 و2003 لمحاولة كشف المزيد من الهجمات غير المنفذة - ثم احتجزتهم بمعزل فيما يسمى بـ«المواقع السوداء» لسنوات، وهي فترة لا تزال تفاصيلها سرية.

مدخل معسكر «العدالة» حيث تجري محاكمات هجمات سبتمبر في غوانتانامو (نيويورك تايمز)

من جهتها، أبلغت أنيشا بي. جوبتا، محامية الدفاع، القاضي، الأسبوع الماضي، أنها حاولت التحدث مع اثنين من الشهود الرئيسيين، وإن كانا مجهولا الهوية، حول ما تم فعله بموكلها، وليد بن عطاش، في سجون (سي آي إيه)، وجرى إبلاغها أن أحدهما مات وأن الآخر «مصاب بالخرف ولا يستطيع التحدث إلينا».

وتوفي أحد الشهود المحتملين، كبير المحققين لدى (سي آي إيه) في شبكة سجونها السرية، قبل توجيه الاتهام إلى المتهمين. عام 2003، طلب الضابط من مساعدين طبيين عمل ما يسمى بـ«ترطيب» لخالد شيخ عن طريق المستقيم لأنه رفض شرب الماء أثناء استجوابه. وشكك الخبراء الطبيون في هذا الإجراء، ووصفه محامو الدفاع بأنه اغتصاب.

ويبدو القاضي، العقيد ماثيو مكال، على وشك إصدار حكم في أن مسألة السرية وعرقلة الوصول إلى شهود (سي آي إيه) تشكلان عائقا أمام محاكمة عادلة، لكن القاضي سيتقاعد في وقت لاحق من العام الحالي، وقد يضطر إلى ترك هذا السؤال إلى القاضي التالي، الذي سيكون الخامس الذي يترأس القضية في خليج غوانتانامو.

مشكلة وفاة الشهود أو نسيانهم للتفاصيل تؤثر أيضا على حجة الحكومة. فقد تطوع لي هانسون، وهو شخص قُتل ابنه وزوجة ابنه وحفيدته البالغة من العمر عامين على متن طائرة الركاب «يونياتد 175» في وقت مبكر من القضية للإدلاء بشهادته عما أصاب الضحايا، لكنه توفي عام 2018. ورغم احتفاظ المدعون بشهادته مسجلة صوتيا، سيتعين على القاضي أن يقرر ما إذا كان من الممكن استخدامها في المحاكمة.

الأسبوع الماضي، احتاج جيمس فيتزسيمونز، عميل سابق في (إف بي آي)، إلى سماعة كي يتمكن من سماع المحامين الذين يقفون على بعد أقدام منه داخل المحكمة. وبدا أنه أساء فهم سؤال من محامٍ عسكري، وقال إنه لم يكن على علم ببرنامج (سي آي إيه) الذي استعان سرا بعملاء (إف بي آي) لاستجواب المشتبه بهم في المواقع السوداء.

كذلك أعاقت المشكلات الصحية أيضا إجراءات التقاضي خلال فترة الوباء. مثلاً، الخميس الماضي، أجل القاضي الاستماع إلى المزيد من شهادة الدكتور ميتشل، الأمر الذي كان من المقرر أن يستمر طوال عطلة نهاية الأسبوع، لأن أحد محامي الدفاع، الذي يلزم حضوره في المحكمة، ثبتت إصابته بفيروس كورونا في خليج غوانتانامو.

* (نيويورك تايمز)


مقالات ذات صلة

غوانتانامو: محاكمة تفجير المدمرة «كول» تنطلق بعد 25 عاماً

الولايات المتحدة​ قصف الإرهابيون المدمرة «كول» بمياه ميناء عدن في 12 أكتوبر 2000 وكان يُنظر إليه على أنه مقدمة لهجمات 11 سبتمبر (نيويورك تايمز)

غوانتانامو: محاكمة تفجير المدمرة «كول» تنطلق بعد 25 عاماً

تقرر انطلاق محاكمة سجين متهم بالتخطيط لتفجير المدمرة الأميركية «كول» في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، والتي يمكن أن تصل عقوبة الإدانة فيها إلى الإعدام.

كارول روزنبرغ (واشنطن )
الولايات المتحدة​ «غوانتانامو»: هل «الإيهام بالغرق» الذي تعرض له مدبر «هجمات سبتمبر» سيخفف من عقوبته؟

«غوانتانامو»: هل «الإيهام بالغرق» الذي تعرض له مدبر «هجمات سبتمبر» سيخفف من عقوبته؟

خلال السنوات التي أعقبت إيهام مسؤولين يتبعون «سي آي أيه» الرجل المتهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر بالغرق، طرحت الوكالة تفسيرات لهذا الأسلوب.

كارول روزنبرغ (واشنطن )
أميركا اللاتينية معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)

أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

الكثير من التساؤلات التي تواجه مستقبل عمليات السجون في خليج غوانتانامو تجمعت في قضية إصدار الحكم على أحد قادة تنظيم «القاعدة» المقرين بالذنب.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
العالم الغواصة النووية الروسية «كازان»... (أ.ف.ب)

توسع قواعد التجسس الصينية في كوبا يثير قلق واشنطن

كشفت صور الأقمار الاصطناعية عن محطات تنصت جديدة ومواقع مجهولة الهوية قرب قاعدة بحرية أميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عبد الهادي العراقي في خليج غوانتانامو في صورة قدمها محاموه إلى هيئة المحلفين إذ حُكم على العراقي بالمؤبد بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان (نيويورك تايمز)

«غوانتانامو»: عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» يتلقى حكماً بالسجن 30 عاماً

هيئة محلفين عسكرية أميركية تُصدر حكماً بالسجن 30 عاماً، لكن بموجب صفقة إقرار بالذنب ستنتهي العقوبة في 2032.

كارول روزنبرغ (واشنطن)

ترمب يرد على مزاعم تشكك بإصابته برصاصة في أذنه

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بضمادة على أذنه بعد محاولة اغتياله (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بضمادة على أذنه بعد محاولة اغتياله (رويترز)
TT

ترمب يرد على مزاعم تشكك بإصابته برصاصة في أذنه

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بضمادة على أذنه بعد محاولة اغتياله (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بضمادة على أذنه بعد محاولة اغتياله (رويترز)

ردّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، (الجمعة)، على ما أثير من شكوك بشأن الجرح الذي أصاب أذنه خلال محاولة اغتياله بأن أعاد نشر بيان لطبيبه السابق يؤكد فيه أنّ الجرح ناجم عن رصاصة وليس «شظية»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكتب روني جاكسون، طبيب ترمب السابق الذي بات الآن عضواً جمهورياً في الكونغرس عن ولاية تكساس، على منصة «تروث سوشال» الاجتماعية التي يملكها الرئيس السابق: «لا يوجد دليل على الإطلاق على أنه كان أيّ شيء آخر غير رصاصة»، وأعاد ترمب نشر البيان.

صورة قريبة لأذن ترمب المصابة بمحاولة الاغتيال بعد إزالته الضمادة (أ.ب)

والجمعة نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي بياناً أكّد فيه أنّ «أذن ترمب أصيبت برصاصة سواء أكانت كاملة أو مجزّأة إلى أجزاء صغيرة».

وكان مدير الـ«إف بي آي» كريستوفر راي قال لمشرعين أميركيين، الأربعاء، إنّ هناك بعض الشكوك إن كانت رصاصة أو شظية، كما تعلمون، ما أصاب أذنه».

وأصيب ترمب في أذنه اليمنى خلال تجمّع انتخابي في 13 يوليو (تموز) في بنسلفانيا، ونجا ممّا وصفه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه محاولة اغتيال، عندما أطلق مسلّح ثماني رصاصات عليه في أثناء إلقائه خطاباً.

ولم يصدر أيّ تأكيد لطبيعة جرح ترمب من أي جهة طبية أو من سلطات إنفاذ القانون، وكانت تعليقات راي هي أول تفصيل رسمي مدوّن بهذا الشأن من مسؤول كبير.

ترمب يتحدث في تجمع انتخابي يوم الأربعاء 24 يوليو بعد إزالة الضمادة الكبيرة البيضاء (أ.ب)

وردّاً على بيان مكتب التحقيقات الفيدرالي، قال ترمب في منشور على منصّته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشال»: إنّ «هذا على ما يبدو لي أفضل اعتذار سنحصل عليه من المدير راي، لكنّه اعتذار مقبول بالكامل».

وأصيب اثنان من المشاركين في التجمّع بجروح خطيرة في الهجوم، كما قُتل رجل إطفاء يبلغ 50 عاماً من ولاية بنسلفانيا برصاصة، وفقاً لمسؤولين. وقُتل مطلق النار برصاصة قناص من جهاز «الخدمة السرية»، الحرس الرئاسي الأميركي.

وجعل ترمب من محاولة اغتياله مدماكاً رئيسياً في حملته الانتخابية؛ إذ قال أمام حشد في ميشيغان إنّه «تلقى رصاصة من أجل الديمقراطية».

وفي تجمعاته الانتخابية، لجأ العديد من أنصاره إلى وضع ضمّادات على آذانهم اليمنى، في إشارة إلى الهجوم.

والخميس، نفى ترمب تعليقات راي واتّهمه بالانحياز السياسي.

يرتدي بليك فونج ضمادة فوق أذنه تكريماً لترمب في أثناء حضوره حملة المرشح الجمهوري (رويترز)

وقال: «لقد كانت، للأسف، رصاصة أصابت أذني بقوة. لم يكن هناك زجاج، ولم تكن هناك شظايا».

وأورد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، نُشر الجمعة، أنّ «تحليلاً تفصيلياً لمسارات الرصاصات واللقطات المصورة والصور والصوت (...) يشير بقوة إلى أن ترمب أصيب بأول رصاصة من ثمانٍ أطلقها المسلّح».

ولم تنشر حملة ترمب أيّ تقارير طبية، بل نقلت أقوالاً عن جاكسون، طبيب البيت الأبيض السابق والحليف الوثيق للرئيس السابق.

تظهر صورة لترمب التقطها مصور وكالة «أسوشييتد برس» إيفان فوتشي بينما تدلي مديرة جهاز الخدمة السرية للولايات المتحدة كيمبرلي شيتل بشهادتها أمام لجنة الرقابة والمساءلة بمجلس النواب (أ.ف.ب)

وكان جاكسون موضع جدل في الماضي، إذ توصل تحقيق أجرته وزارة الدفاع الأميركية عام 2021 إلى أنه «استخفّ بمرؤوسيه وتنمّر عليهم وأذلّهم» في أثناء خدمته في البيت الأبيض.

كما قال التحقيق إنه «أدلى بتصريحات جنسية ومهينة حول إحدى مرؤوساته»، إضافة إلى مخاوف بشأن تناوله حبوباً منومة في أثناء الخدمة.

وذكرت وسائل إعلام أميركية في مارس (آذار)، أنّ البحرية الأميركية خفضت رتبة جاكسون من رتبة نائب أميرال إلى نقيب عقب التحقيق.