قاض عسكري يحكم في برنامج التعذيب للـ«سي آي إي» في قضية هجمات سبتمبر

مطالب بإسقاط تهم التآمر عن الهوساوي بسبب طريقة استجوابه واحتجازه

مدخل المحكمة العسكرية في قاعدة غوانتانامو (نيويورك تايمز)
مدخل المحكمة العسكرية في قاعدة غوانتانامو (نيويورك تايمز)
TT

قاض عسكري يحكم في برنامج التعذيب للـ«سي آي إي» في قضية هجمات سبتمبر

مدخل المحكمة العسكرية في قاعدة غوانتانامو (نيويورك تايمز)
مدخل المحكمة العسكرية في قاعدة غوانتانامو (نيويورك تايمز)

طلب محامي الدفاع، يوم الاثنين، من قاض عسكري رفض تهم التآمر في 11 سبتمبر (أيلول) ضد سجين تعرض للتعذيب خلال احتجازه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)، واصفاً شبكة السجون السرية الخارجية التي احتُجز فيها الرجل بأنها جزء من «مشروع إجرامي دولي واسع النطاق» يتاجر بالتعذيب.

ولطالما كرر محامو الدفاع في القضية على مدار سنوات أنه يتعين إغلاق القضية استناداً إلى مبدأ قانوني، نادراً ما لاقى النجاح، يتعلق «بسلوك الحكومة الفاضح»، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» الخميس.

وأصبح المحامي والتر رويز أول من يقدم الحجة إلى قاض عسكري نيابة عن مصطفى الهوساوي، المتهم بمساعدة خاطفي طائرات 11 سبتمبر في تحويلات الأموال وترتيبات السفر.

وقال إن استجواب واحتجاز موكله جرى بالطريقة التي «تهز الضمير»، لذا يجب إسقاط تهمة التآمر عن الهوساوي. وفي مرافعة استمرت ليوم تقريباً، استخدم رويز وثائق حكومية لإثبات أن السجين تعرض لاعتداء جنسي في الشهر الأول من احتجازه، وتعرض للتعذيب بالإيهام بالغرق من قبل الاستخبارات المركزية، وحُرم من النوم، وعُزل في ظروف أشبه بالزنزانة المظلمة بدءاً من عام 2003 لبناء أساس تستند إليه قضاياهم ضد سجناء الاستخبارات المركزية.

وأعاد المدعون ما يسمى بفرق التحقيق النظيفة من عملاء فيدراليين لاستجواب المتهمين في خليج غوانتانامو في عام 2007، دون استخدام العنف أو التلويح به.

السجين مصطفى الهوساوي تعرض للتعذيب في السجون السرية الخارجية الأميركية والتي تعرف باسم «المواقع السوداء» (مواقع التواصل الاجتماعي)

لكن رويز قال: «بغض النظر عن عدد فرق التحقيق النظيفة التي يجلبونها إلى هذه المحكمة، فإنهم لا يستطيعون تنظيف الأمر من حقيقته؛ إذ إنها تفوح وتنبعث منها رائحة الإكراه والتعذيب والوحشية والانحطاط». بدأ برنامج «المواقع السوداء» التابع للاستخبارات المركزية من قبل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وتم إغلاقه من قبل الرئيس باراك أوباما.

محتجزون بسجون الوكالة في أفغانستان وتايلاند وبولندا

واحتُجز نحو 100 مشتبه بهم بمعزل، ومن دون تهم في سجون الوكالة في أفغانستان، وتايلاند، وبولندا، وأماكن أخرى، بعيداً عن متناول المحاكم الأميركية.

وقال رويز إن الولايات المتحدة أنفقت مئات الملايين من الدولارات لدفع دول أجنبية للسماح لها بإنشاء منشآت لوكالة الاستخبارات المركزية في الخارج، ونقلت السجناء حول العالم واستخدمت اثنين من علماء النفس لإدارتها، ولإنشاء البرنامج والحفاظ عليه. وأطلق عليه رويز اسم «المشروع الإجرامي الدولي واسع النطاق الذي يعمل بشكل مباشر خارج نطاق القانون المحلي والدولي».

ودافع المدعي العام الرئيسي، كلايتون جي تريفيت الابن، عن البرنامج ووصف كشف تعاون مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) مع وكالة الاستخبارات المركزية في «المواقع السوداء» بأنه استجابة من أمة جريحة وخائفة في حالة حرب «بينما كانت الأبراج لا تزال مشتعلة».

وقال تريفيت إنه في 12 سبتمبر 2001، خلص بوش إلى أن الولايات المتحدة «لم يعد بمقدورها تحمل» مواصلة نهج «القبض والاعتقال والاتهام والملاحقة القضائية» البسيط في إنفاذ القانون.

مدخل إلى المجمع القانوني في خليج غوانتانامو حيث ظلت قضية 11 سبتمبر غارقة في جلسات الاستماع السابقة للمحاكمة سنوات (نيويورك تايمز)

وأوضح تريفيت أنه من المنطقي أن ينسق مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقاته مع وكالة الاستخبارات المركزية، خاصة أن عدم التنسيق الاستخباراتي كان يعدّ السبب في عدم منع هجمات 11 سبتمبر، مضيفاً: «سيكون الأمر فظيعاً لو لم يفعل ذلك».

وتشير توقيتات المرافعة إلى أن العقيد ماثيو مكال، رابع قاض يرأس القضية، سيكون قادراً على اتخاذ قرار بشأن المسألة التي يحتمل أن تحسم القضية قبل تقاعده في وقت لاحق من هذا العام.

معسكر «دلتا» بغوانتانامو حيث يحتجز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

جدول مزدحم من الشهادات

ولدى القاضي جدول مزدحم من الشهادات حول برنامج وكالة الاستخبارات المركزية ودور مكتب التحقيقات الفيدرالي فيه هذا الشهر وفي وقت لاحق من العام نفسه. ولطرح حجته في جلسة علنية، أمضى رويز ساعات في عرض وثائق سرية على القاضي - وليس على الجمهور - واتهم مجتمع الاستخبارات الأميركي بالإفراط في تصنيف المعلومات لإخفاء «أسرار قذرة».

وقال عن إحدى الوثائق بشكل خاص: «لن تؤدي بالضرورة إلى تدمير الأمن القومي للولايات المتحدة. ولكن من المؤكد أنها ستكون محرجة وغير مستساغة ومفزعة». جادل رويز بأنه على الرغم من سعي إدارة بوش «لتشريع التعذيب» من خلال مذكرات وزارة العدل التي تجيز إيهام المدانين بالغرق و«تقنيات الاستجواب المعززة» الأخرى، فإن السجل يظهر أن خاطفي الهوساوي «تجاوزوا وتجاهلوا وانتهكوا حتى تلك الخطوط التوجيهية المحددة».

على سبيل المثال، لم تعترف وكالة الاستخبارات المركزية مطلقاً بإيهام الهوساوي بالغرق. لكن في أبريل (نيسان) 2003، خلال الشهر الثاني من احتجازه، وفقاً لدراسة مقدمة لمجلس الشيوخ، «صرخ الهوساوي طالباً النجدة من الله»، بينما كان يتعرض لتقنية الإيهام بالغرق في سجن تابع لوكالة الاستخبارات المركزية شديد القسوة في أفغانستان، يحمل الاسم الرمزي «كوبالت».

وقال رويز إن بعض الانتهاكات كانت «انتقاماً صريحاً أو عقاباً»، بينما كان البعض الآخر نتيجة لعدم التدريب والتوجيه المناسبين، أو ما سماه الدكتور جيمس ميتشل، عالم النفس الذي أجرى عمليات الإيهام بالغرق للمعتقلين لصالح وكالة الاستخبارات المركزية منذ سنوات، «انحراف مسيء».

وحض رويز القاضي على رفض حجّة الادعاء بأنه في المحاكمة، ستعتمد الحكومة على أدلة جمعها مكتب التحقيقات الفيدرالي بوصفها جزءاً من تحقيق جنائي، وليس على جمع المعلومات الاستخباراتية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية التي كانت تستجوب المتهمين في أحداث 11 سبتمبر من عام 2002 إلى عام 2006، قبل نقلهم إلى خليج غوانتانامو.

وقال إن الشهادات لسنوات أظهرت «علاقة تبادلية ما بين وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، من دون خط فاصل واضح». وعرضت المرافعة هيمنة وكالات الاستخبارات على ما يمكن أن يعرفه الجمهور.

وطلب تريفيت، المدعي العام، من القاضي منع رويز من عرض مقالة صحافية علانية للمحكمة، بالإضافة إلى مذكرة نُشرت علانية على موقع المحكمة العليا الأميركية. ووافق العقيد مكال، القاضي، على ذلك.

وقال: «لدي واجب حماية ما قيل لي إنه معلومات سرية». وقد غاب الهوساوي والمتهمون الثلاثة الآخرون عن المحكمة في أثناء المرافعة.

وقال ماثيو إنجل، ممثل المتهم وليد بن عطاش، إن ثمة حالة توتر في السجن بشأن تغيير ممارسات أو سياسات أعادت «إجراءات أمنية لم تكن موجودة منذ أكثر من عقد».

وقد عين البنتاغون مؤخراً القائد الثالث والعشرين لعملية الاعتقال التي مر عليها عقدان من الزمان، وهو عقيد في الجيش كان مسؤولاً عن كتيبة شرطة عسكرية في السجن من عام 2018 حتى عام 2020.


مقالات ذات صلة

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

الولايات المتحدة​ البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

أفاد قاضٍ عسكري في غوانتانامو بأنه سيواصل قبول إقرارات الذنب من ثلاثة متهمين مقابل أحكام بالسجن المؤبد.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

أثارت موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب، وهو واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو.

كارول روزنبرغ
آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )
خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

خاص ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».