تسوية الهجرة في مهب التجاذبات السياسية الأميركية

وزير الأمن القومي «ضحية انتخابية»

مظاهرات معارضة للهجرة غير الشرعية على الحدود مع المكسيك في 3 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
مظاهرات معارضة للهجرة غير الشرعية على الحدود مع المكسيك في 3 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

تسوية الهجرة في مهب التجاذبات السياسية الأميركية

مظاهرات معارضة للهجرة غير الشرعية على الحدود مع المكسيك في 3 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
مظاهرات معارضة للهجرة غير الشرعية على الحدود مع المكسيك في 3 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

اصطدمت التسوية الحزبية حول ملف الهجرة بحائط التجاذبات السياسية، فبعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق في مجلس الشيوخ إثر مفاوضات شاقة وطويلة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تساقط دعم الجمهوريين في المجلس تدريجياً للتسوية التي تفاوضوا عليها، رغم تنازلات ديمقراطية كبيرة على الملف الذي تم ربطه بتمويل أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.

زعيم الجمهوريين في الشيوخ ميتش مكونيل يصل إلى الكونغرس في 5 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

حدود «مسيّسة»

ومع أن مصير التسوية كان شبه محسوم في مجلس النواب ذات الأغلبية الجمهورية الرافضة لإقراره فإن المفاجأة الأكبر أتت من القيادات الجمهورية في مجلس الشيوخ، تحديداً زعيمهم هناك ميتش مكونيل الذي وبعد دعمه للتسوية، دعا الجمهوريين في اجتماع مغلق إلى التصويت ضد إقرارها. السبب: تغيير في مزاج الناخب الأميركي في البلاد منذ البدء بالمفاوضات منذ 4 أشهر. وذلك في دليل واضح على تنامي تأثير الرئيس السابق، دونالد ترمب، على أعضاء حزبه في الكونغرس، حتى أولئك الذين يعارضونه في العلن، مثل مكونيل.

فبعد أن أظهرت أرقام الاستطلاعات تزايداً في اهتمام الناخب الأميركي بملف الهجرة، ليتصدر الملف لائحة أولوياتهم، بدأ ترمب في تحريض حزبه على رفض التسوية، مستنداً على أرقام أخرى تدل على تدهور شعبية بايدن بسبب تعاطيه مع الملف لتصل نسبة المعارضين له إلى 63 في المائة بحسب أرقام لشبكة «إيه بي سي» بالتعاون مع إيبسوس، أظهرت كذلك أن 34 في المائة من الأميركيين يثقون بالجمهوريين لحل أزمة الهجرة، أكثر من ثقتهم بالديمقراطيين التي وصلت نسبتها إلى 24 في المائة.

ترمب دعا الجمهوريين إلى إسقاط تسوية الهجرة (رويترز)

لكن رغم هذه الدعوات، استمر المفاوضون الجمهوريون والديمقراطيون في محاولة التوصل إلى توافق على أزمة متجذرة في الولايات المتحدة، بمباركة زعيمهم في الشيوخ، ومعارضة زعيمهم في النواب، ليعلنوا في نهاية المطاف عن اتفاق يخصص 20 ملياراً لأمن الحدود ضمن حزمة شاملة من المساعدات الطارئة التي طلبتها إدارة بايدن من الكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتصبح قيمتها بحسب الاتفاق الجديد 118 مليار دولار، منها 62 ملياراً لأوكرانيا، و 14 ملياراً لإسرائيل، و10 مليارات للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة وأوكرانيا، و5 مليارات لشركاء الولايات المتحدة في منطقة الإندو باسيفيك مثل تايوان.

جونسون يسعى لإقرار تمويل إسرائيل بشكل منفصل (أ.ف.ب)

مصير المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل

ويقول الجمهوريون إنهم سيسعون إلى فرض تعديلات على التسوية خلال مسار التصويت عليها في المجلس، ما يترك الباب مفتوحاً لاحتمال ضئيل بإقرارها في نهاية المطاف، وهذا ما تحدث عنه السناتور الجمهوري مايك راوندز الذي قال: «لن نتمكن من إنهاء هذا في 3 أيام والتوصل إلى اتفاق لفرض تعديلات... لا يجب أن نستسلم الآن، وإن نخسر كل شيء لأننا لم نعط الأشخاص فرصة لاستيعاب التسوية».

لكن هذا لا ينطبق على مجلس النواب الذي رفض الجمهوريون فيه رفضاً قاطعاً النظر في التسوية، لأسباب عدة تتراوح بين معارضتهم لمد غصن زيتون للديمقراطيين، ورفضهم لتوفير مزيد من الأموال لأوكرانيا، ما يعني أن حظوظ إقرار أي تسوية متعلقة بالهجرة أو أي تمويل إضافي لكييف هي شبه معدومة حتى الساعة هناك، إلا أن هذا لا ينطبق بالضرورة على تمويل إسرائيل، الذي تعهد رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالنظر فيه منفصلاً هذا الأسبوع في مجلس النواب. الأمر الذي ولّد موجة من الاعتراضات من قبل الديمقراطيين الذين يعلمون أن إقرار تمويل إسرائيل يعني فعلياً إطلاق رصاصة الرحمة على جهود إصلاح ملف الهجرة وتمويل أوكرانيا في الوقت نفسه، نظراً للدعم الأكبر في صفوف الحربين لتل أبيب مقارنة بالملفين الآخرين، ولهذا عمد البيت الأبيض عن قصد بدمج تمويل الملفات هذه في حزمة المساعدات التي طلبها من الكونغرس.

بايدن يصافح رئيس مجلس النواب في الكونغرس 1 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

مناورة انتخابية

ومع انهيار جهود إقرار التسوية تدريجياً في الكونغرس، يعوّل الجمهوريون على تحميل بايدن مسؤولية الأزمة الحدودية، آملين أن يكلفه هذا مقعده في البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية، أما البيت الأبيض فيلعب لعبة مضادة، وهي رمي الكرة في ملعب الجمهوريين، وتحميلهم مسؤولية فشل مساعي حل الأزمة.

وهي استراتيجية تعكس التوترات المتزايدة بين الحزبين في موسم الانتخابات، وهي توترات ستصل إلى ذروتها في الكونغرس مع عزل مجلس النواب المرتقب لوزير الأمن القومي أليخاندرو مايوركاس الذي يتهمه الجمهوريون بالتسبب في أزمة الحدود، وهي خطوة تحصل للمرة الأولى منذ 150 عاماً، ومن شأنها أن تتطور لتصل إلى محاكمة مايوركاس في مجلس الشيوخ بهدف خلعه من منصبه، الأمر الذي سوف يوفر مشاهد درامية للطرفين، خاصة الجمهوري، لاستعمالها في الحملات الانتخابية، رغم أن نتيجة هذه الجهود ستفشل في نهاية المطاف في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية.


مقالات ذات صلة

رئيس مجلس النواب الأميركي يرفض قول إن ترمب خسر انتخابات 2020

الولايات المتحدة​ مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأميركي (رويترز)

رئيس مجلس النواب الأميركي يرفض قول إن ترمب خسر انتخابات 2020

تجاهل الجمهوري مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأميركي، سؤالاً، الأحد، عما إذا كان قد قبل بخسارة دونالد ترمب أمام الرئيس الديمقراطي جو بايدن في انتخابات 2020.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) يصافح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون (رويترز)

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

رفض الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة حاملة الطائرات الرائدة للبحرية البريطانية بسبب عدد الخطوات خلال زيارته إلى المملكة المتحدة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض (أرشيفية- إ.ب.أ)

بايدن يشكِّك في «سلمية» انتخابات الرئاسة الأميركية

قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه غير واثق من أن الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل ستكون سلمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن: على إسرائيل البحث عن بدائل لاستهداف منشآت نفطية إيرانية

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم (الجمعة)، إن إسرائيل لم تحسم أمرها بعد بشأن الرد على الضربة الإيرانية التي استهدفتها، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقارير: قرصنة صينية لأنظمة تنصت أميركية

رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)
رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)
TT

تقارير: قرصنة صينية لأنظمة تنصت أميركية

رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)
رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)

أفادت صحيفة أميركية بأن قراصنة إلكترونيين من الصين تمكّنوا من الوصول إلى شبكات مقدمي خدمات النطاق العريض في الولايات المتحدة، وحصلوا على معلومات من أنظمة تستخدمها الحكومة الأميركية في التنصُّت على المحادثات الهاتفية، بعد الحصول على موافقات قضائية.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» السبت، عن مصادر مطلعة قولها إن «فيرايزون كوميونيكيشنز» و«لومين تكنولوجيز» من بين شركات الاتصالات التي تعرضت شبكاتها للاختراق الذي جرى اكتشافه في الآونة الأخيرة.

وقالت الصحيفة إن القراصنة ربما تمكنوا على مدى شهور من الوصول إلى البنية التحتية للشبكات التي تستخدمها تلك الشركات للتعاون في تنفيذ طلبات أميركية مشفوعة بموافقات قضائية للحصول على بيانات متعلقة بالاتصالات. وأضافت أن المتسللين نجحوا كذلك في اختراق أنظمة أخرى تستخدم الإنترنت.

وردّت وزارة الخارجية الصينية، الأحد، بأنها ليست على علم بالهجوم الذي ورد في تقرير الصحيفة، لكنها أشارت إلى أن الولايات المتحدة سبق أن «لفّقت رواية كاذبة» تتهم الصين بتنفيذ هجوم إلكتروني.

وأضافت الوزارة في بيان: «في الوقت الذي أصبح فيه أمن الإنترنت تحدياً مشتركاً لجميع البلدان في أنحاء العالم، فإن مثل هذا النهج الخاطئ لن يؤدي إلا إلى إعاقة جهود المجتمع الدولي لمواجهة التحدي بشكل مشترك من خلال الحوار والتعاون»، وفق ما نقلت وكالة «رويترز».

وكانت بكين قد نفت في الماضي مزاعم الحكومة الأميركية وغيرها من الجهات بأنها استخدمت قراصنة إلكترونيين لاختراق أنظمة كومبيوتر أجنبية.

وقالت وكالة «رويترز» إن شركتي «فيرايزون كوميونيكيشنز» و«لومين تكنولوجيز» لم تردا على طلبات للتعليق على الفور.

وذكرت «وول ستريت جورنال» أن مجموعة قراصنة من الصين نفّذوا الهجوم بهدف جمع معلومات استخباراتية.