الاستخبارات الأميركية... وتمرد «فاغنر»

خبراء أميركيون: الرئيس الروسي خدع الغرب... وازداد قوة في حرب «الاستنزاف»

عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون (أ.ب)
عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون (أ.ب)
TT

الاستخبارات الأميركية... وتمرد «فاغنر»

عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون (أ.ب)
عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون (أ.ب)

«شأن داخلي روسي. لا علاقة لنا به»، تطمينات تكرّرت على لسان مسؤولين أميركيين في الآونة الأخيرة رداً على تمرد مجموعة «فاغنر» في روسيا، جاءت بعد اتهامات مبطّنة للاستخبارات الأميركية بلعب دور في هذا التحرك، لكن النفي أتى قاطعاً من جانب الاستخبارات، رغم تقارير أشارت إلى أنها كانت على علم بخطط «فاغنر» قبل حصولها، من دون مشاركتها مع العديد من الحلفاء نظراً لـ«حساسيتها الفائقة».

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، الرّد الأميركي على «تمرد فاغنر»، ولماذا لم تشارك الاستخبارات الأميركية معلوماتها عن التمرد مع الحلفاء.

رئيس «فاغنر» يفغيني بريغوجين خلال مغادرته مدينة روستوف (أ.ب)

هل تلاعب بوتين بالولايات المتحدة؟

تعد ريبيكا كوفلر، وهي مسؤولة سابقة عن الملف الروسي في وكالة الاستخبارات الدفاعية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقق هدفه و«تلاعب بالغرب مستهزئاً بواشنطن وبأوروبا». وتعتقد كوفلر، التي كتبت كتاباً بعنوان «ألاعيب بوتين»، أن الرئيس الروسي وافق على عملية «تمرد فاغنر»، واصفة إياها بعملية «إعلام كاذب». وشرحت مقاربتها قائلة: «لقد لعب بوتين على مخاوف الشعب الروسي؛ أي الخوف من الثورة والخوف من الغرب. وقال إن الولايات المتحدة متورطة في التمرد، وعزز هذا الادعاء بتصريحات سابقة من الرئيس بايدن وعدد من المسؤولين الأميركيين بأنه لا يمكن لبوتين أن يستمر في السلطة، مع التلميح إلى ضرورة تغيير النظام». وتقول كوفلر إنه لهذا السبب، شهدنا تكراراً في المواقف الأميركية بأن لا علاقة لها بما جرى.

وتعد آنا بورشفاسكايا، كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، نظرية «تواطؤ بوتين» مثيرة للاهتمام، مشيرة إلى استراتيجية «التحكم العكسي» التي يعتمد عليها الرئيس الروسي. فقالت: «إنه تعبير روسي، والفكرة منه هي دفع الخصم إلى نقطة الشلل وتضليله. وهذا مفهوم حقيقي». وترجح أن يكون قد اعتمد على هذه الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، لكنها تساءلت: «لست مقتنعة بأن الدولة الروسية منظمة إلى درجة أن كل ما رأيناه هو مسرحية. فاستناداً إلى مراقباتي، فإن النزاع بين بريغوجين ووزير الدفاع الروسي كان حقيقياً».

بوتين يقول لشعبه إن أميركا تسعى لقلب النظام في روسيا (أ.ب)

وأضافت بورشفاسكايا: «أما فيما يتعلّق بالرأي العام الروسي، فلا شك أن بوتين يعرض احتلال روسيا لأوكرانيا بتعابير وجودية للشعب الروسي». وتوضح: «من وجهة نظره، يحاول الغرب احتلال روسيا بواسطة أوكرانيا. ولهذا السبب ينبغي على الجميع وضع خلافاتهم جانباً ليتحدوا معاً، وأن ينسوا الخسائر للبقاء على قيد الحياة. لذا فقد يكون حشد دعم الشعب الروسي إحدى نتائج هذه الأحداث».

من ناحيته، يعد مارك كانسيان، وهو كبير المستشارين في مجلس الأمن القومي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنه من الطبيعي أن يلقي الروس وبوتين باللوم على الولايات المتحدة في كل سوء. وقال: «إنهم يلومون الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الحرب بأكملها، وهناك هذه النظرة بأن وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) لديها القدرة بالقيام بأي شيء، بالتلاعب بمختلف العمليات أو الأحداث حول العالم. وعلى الرغم من أن وكالة الاستخبارات الأميركية تتمتع بالقدرات والمؤهلات اللازمة، لكن مما لا شك فيه أن هناك حدوداً لما يمكن أن تقوم به». ويشير كانسيان إلى أنه من المستحيل لشخص مثل يفغيني بريغوجين أن «يتواطأ مع حكومة أجنبية للإطاحة بالنظام في روسيا»، ووصفه بالشخص «القومي للغاية».

بوتين خرج من تمرد «فاغنر»... «أقوى من السابق» (أ.ب)

«ضعف» الرئيس الروسي

رغم التصريحات الأميركية والغربية بأن تمرد «فاغنر» أظهر نقاط ضعف بوتين، تقول كوفلر إن موقف بوتين اليوم «أقوى بكثير من السابق». وتشرح: «يعتقد الشعب الروسي أن الرئيس بوتين (...) قد طرد المتمردين». وتشير إلى أن أحد أهداف بوتين من عملية «التمرد» كان أن تظهر روسيا بمظهر الضعيف أمام الغرب، قائلة: «إن كانت روسيا ضعيفة بحق، فلماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى الاستمرار بضخ مليارات الدولارات إلى أوكرانيا؟ وإن كانت روسيا ضعيفة، فلا يمكنها مهاجمة دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي، كما لا يمكنها مهاجمة ليتوانيا وبولندا وغيرهما من الدول». وسلّطت كوفلر الضوء على اتهامات الغرب لبوتين بالضعف، فتقول إن «الأشخاص أنفسهم الذين يعتقدون بأن بوتين ضعيف، يستمرون في القول إنه سيهاجم دول حلف شمال الأطلسي، وهو أمر سخيف».

وتعد بورشفاسكايا أن «الغرب لطالما ارتكب أخطاء في سوء قراءة روسيا»، مضيفة: «من المبكر احتساب روسيا وكأنها دولة منتهية، ولا يزال هناك العديد من الأسئلة حول ما رأيناه يحصل... لكن بوتين لن يذهب إلى أي مكان في المستقبل القريب، كما أن حاجة روسيا لاستخدام مجموعة عسكرية مثل (فاغنر) لن يتغير بين ليلة وضحاها، مع أو من دون بريغوجين».

الاستخبارات الأميركية لم تتشارك معلوماتها عن تمرد «فاغنر» مع بعض الحلفاء (أ.ب)

الاستخبارات الأميركية وبريغوجين

تشير كوفلر إلى أن «مجتمع الاستخبارات الأميركية أصبح مسيّساً للغاية»، وأنه يختار مشاركة المعلومات «التي تفيد الرئيس الأميركي فقط». وتقول إن «عدم وجود أي تعليق من (البنتاغون)، ورفضهم التعليق على بريغوجين وكل ما يجري، هو لأن (البنتاغون) قد أدرك أنه قد تم التلاعب بالولايات المتحدة». وشدّدت كوفلر على نقطة أخرى، وهي أن أي إشارة إلى أن التمرد «كان حقيقياً»، تعني بالتالي أن بريغوجين هو «إما أحمق أو انتحاري». وعدت في المقابل أنه «رجل ذكي جداً».

وتقول كوفلر إن السبب وراء عدم مشاركة الاستخبارات معلوماتها حول «فاغنر»، هو أنها تريد «الاستمرار بمراقبة بريغوجين و(فاغنر)؛ لأنه مع انتقال (فاغنر) إلى بيلاروسيا ووجود قواتها على بعد 140 ميلاً من كييف، فهم الآن في موقع جيوسياسي أكثر تهديداً لحلف شمال الأطلسي». وتذكّر بورشفاسكايا: «لم يرَ أحد أي إثبات أن بريغوجين قد توجه إلى بيلاروسيا، وليس هناك إثبات أيضاً على وجوده في روسيا». وتابعت: «بالطبع مع كل هذه الأحداث، تساءل البعض عن السبب وراء بقاء بريغوجين على قيد الحياة؛ لأنه أمر مخالف للمنطق، لكن من الممكن أيضاً ألا ينجو خلال الأسابيع القليلة القادمة».

حرب أوكرانيا أصبحت حرب «استنزاف» (إ.ب.أ)

حرب «الاستنزاف» واستراتيجية واشنطن

يصف كانسيان الهجمات المضادة الأوكرانية بـ«المخيبة للآمال»، مشيراً إلى أن التقديرات كانت أن أوكرانيا ستحرز تقدماً أفضل مع كل الأسلحة المقدمة إليها. وأشار إلى أن الخطة الأميركية لا تزال تركز على «انتصار أوكرانيا»، في وقت «وضعت فيه كييف متطلبات عالية جداً للسلام. فهم يتحدثون ليس فقط عن استعادة الأراضي التي خسروها منذ فبراير (شباط) 2022، بل استعادة الدونباس وحتى جزيرة القرم، مع تعويضات على جرائم الحرب». ويضيف كانسيان: «لا أعتقد أنه يجب أن نأمل كثيراً. فأي اتفاق سيكون فعلياً انتصاراً جزئياً لبوتين... ».

أما كوفلر، فلديها نظرة قاتمة أكثر للوضع في أوكرانيا، وترجح عدم انتهاء الحرب في المستقبل القريب؛ «لأن هناك 3 مشاركين في هذه الحرب: روسيا وأوكرانيا وأميركا التي تشن حرباً بالوكالة ضد روسيا لكي تنتصر عليها استراتيجياً».

وتضيف كوفلر: «تنظر هذه الأطراف الثلاثة إلى الحرب كصراع وجودي. بنهاية الأمر، ستفوز روسيا لأن الاستراتيجية العسكرية التي يشنها بوتين هي استراتيجية استنزاف، الاستنزاف المستمر للقوى. ومع وصول عدد سكان روسيا إلى 143 مليوناً، في حين أن عدد سكان أوكرانيا هو 43 مليون نسمة؛ يبدو الأمر بالنسبة إليّ أن إدارة بايدن مستعدة لمواجهة روسيا حتى سقوط آخر أوكراني».

أميركا مستعدة لدعم أوكرانيا حتى «الانتصار» (أ.ب)

ووجهت كوفلر انتقادات لاذعة لإدارة بايدن، قائلة: «هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها القادة في واشنطن هذا المستوى من عدم الكفاءة الاستراتيجية. فقد رأينا هذه الأمور من قبل في أفغانستان، حيث إنه بعد 20 سنة، و2.2 تريليون دولار أميركي من أموال الضرائب، وبعد فقدان 6000 حياة، انسحب الأميركيون. والآن (طالبان) تحكم البلاد وبحوزتها أسلحة عسكرية سرية بقيمة 85 مليون دولار أميركي».

ولدى سؤال كوفلر عن التشديد الأميركي على أن الحرب في أوكرانيا هي حرب للدفاع عن الديمقراطية، تجيب بسخرية قائلة: «هذه أضحوكة، فأوكرانيا ليست دولة ديمقراطية؛ فهي من أكثر الدول فساداً في أوروبا. والرئيس زيلينسكي ليس بقائد ديمقراطي، فقد تم تمويل حملته من قبل إيغور كالامويسكي، وهو أوليغاركي فاسد إلى درجة أن الحكومة الأميركية حظرته مع عائلته من الدخول إلى أراضيها». وتابعت: «أعلم أن واشنطن والغرب يرغبان بتحويل أي نقطة في العالم إلى ديمقراطية، لكن هذا ما يسمى بالتفكير الرغبوي والساذج. وفي هذه الحالة، يشكّل خطراً لأن كل لعبة حرب شاركت فيها في إطار المجتمع الاستخباري ستنتهي إما بكارثة سيبرانية أو نووية»، لكن بورشفاسكايا تعارض كوفلر الرأي، فتقول إنه «في حال سمح لبوتين بالانتصار في أوكرانيا وتدمير وجودها، فإن هذه السابقة ستلحق الضرر بالهيكل الأمني الذي وُضع بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأن احتلال بوتين لأوكرانيا، احتلاله لدولة مجاورة مستقلة ومسالمة، هو احتلال غير مبرر على الإطلاق، كما هو انتهاك صارخ لمعيار دولي أساسي. وإذا أفلت من العقاب، فهذا الأمر يطرح أسئلة حول من يمكنه أيضاً أن يتحدى هذه المعايير وفي أي عالم سنعيش. وهذا ما تتمحور حوله هذه الحرب؛ أي حول تحدي بوتين للنظام العالمي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، والذي يمقته ويرغب في استبدال به ما يسميه بنظام متعدد الأقطاب».

وترد على اتهامات الفساد في أوكرانيا، فتقول: «عندما نتحدّث عن الفساد، روسيا أكثر فساداً، لكننا لا نسمع عن الأمر بكل بساطة. غير أن أوكرانيا لديها تاريخ من المؤسسات الليبرالية والإعلام الحر، ولهذا السبب، الفساد أكثر علانية»، لكن هذا الموقف لم يمنع بورشفاسكايا من انتقاد الاستراتيجية الأميركية في أوكرانيا، فقالت: «لست متأكدة أن توفير الدعم العسكري والدعم السياسي على شكل عقوبات، يمكن وصفه بالاستراتيجية. هذه ردود فعل وليست إطار عمل يمثل رؤية استراتيجية طويلة الأمد. وأعتقد أننا نعاني في هذه النقطة؛ إذ لم نحدد أي رؤية أو استراتيجية خاصة بروسيا. أوافق الرأي بأنه من غير المرجح أن تختفي هذه الحرب. إنها حرب استنزاف، وعلى الأرجح يراهن بوتين على فكرة أن الغرب سيستسلم وسيتعب وسيختار الرفاه الاقتصادي على المبدأ».


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب طلب نصيحة بوتين بشأن تسليح أوكرانيا في عام 2017

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال لقاء سابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

تقرير: ترمب طلب نصيحة بوتين بشأن تسليح أوكرانيا في عام 2017

كشف تقرير صحافي أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب طلب نصيحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن تسليح الولايات المتحدة لأوكرانيا في عام 2017.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش (من حسابه في «إكس»)

رئيس البرلمان التركي: لا مفاوضات لحل أزمة أوكرانيا من دون روسيا

أكد رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش ضرورة إدراك أميركا وبعض الدول الأوروبية استحالة نجاح أي مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا من دون روسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأفغاني أمير خان متقي في موسكو (الخارجية الروسية - رويترز)

روسيا: قرار رفع «طالبان» من قائمة المنظمات الإرهابية «اتخذ على أعلى مستوى»

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء أن وزارة الخارجية الروسية قالت، الجمعة، إن قرار رفع حركة «طالبان» من قائمة المنظمات الإرهابية «اتخذ على أعلى مستوى».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مبنى الكرملين في موسكو (رويترز)

 روسيا: المواجهة الحالية مع الغرب لم يسبق لها مثيل في التاريخ

قال دبلوماسي روسي كبير اليوم الخميس إن المواجهة الحالية بين بلاده والغرب بشأن أوكرانيا لم يسبق لها مثيل في التاريخ وإن أي خطأ قد يؤدي إلى كارثة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شؤون إقليمية تركيا كثَّفت من تعزيزاتها العسكرية في شمال غربي سوريا مع احتمال مواجهات جديدة بين القوات السورية وفصائل المعارضة والتصعيد الإسرائيلي (إعلام تركي)

التعزيزات العسكرية التركية تتوالى إلى منطقة «بوتين – إردوغان»

دفعت تركيا بتعزيزات عسكرية جديدة إلى ريف إدلب الشرقي في إطار تعزيزاتها المكثفة في الأيام الأخيرة لنقاطها العسكرية في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تقرير: مهاجمة إسرائيل لإيران ستضر بحملة هاريس إذا ارتفعت أسعار النفط

حقل نفطي إيراني (رويترز)
حقل نفطي إيراني (رويترز)
TT

تقرير: مهاجمة إسرائيل لإيران ستضر بحملة هاريس إذا ارتفعت أسعار النفط

حقل نفطي إيراني (رويترز)
حقل نفطي إيراني (رويترز)

قال خبراء، لموقع «بيزنس إنسايدر»، السبت، إن الضربة الإسرائيلية المتوقعة ضد إيران رداً على الهجوم الصاروخي الذي شنّته طهران ضدها الثلاثاء، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر، ما يخلق صداعاً لحملة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس، إذا استهدفت المنشآت النفطية الإيرانية.

فتاريخياً، لا يحقق الرؤساء نتائج جيدة في مناصبهم عندما ترتفع أسعار النفط، ووجد خبراء السياسة أن ارتفاع أسعار النفط يرتبط بانخفاض الشعبية، ولا يحقق الرؤساء نتائج جيدة عادةً عندما يُنظر إليهم على أنهم بلا شعبية كبيرة، وفقاً للموقع.

وسواء أكان ذلك الأمر عادلاً أم غير عادل، يلوم الأميركيون الرئيس عندما يكلفهم الوقود أموالاً أكثر، حتى لو كانت الأحداث التي تسببت في ارتفاع الأسعار خارجة عن سيطرته.

وقال المحللون إن جميع الأطراف لديها في الوقت الحالي حوافز لتجنب اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار المنطقة.

وذكر باتريك دي هان، رئيس تحليل شؤون البترول في «غاز بادي»: «أعتقد أن هناك قليلاً من الاستقرار، ولم يكن الأمر مثل غزو روسيا لأوكرانيا، ولكنّ هناك كثيراً من الضغوط على الجانبين لمنع تصعيد الأمر إلى حرب، أعتقد أنه سيكون من الاستثنائي حقاً أن نرى هذا التصعيد خارج نطاق السيطرة».

وأشار دي هان إلى كيفية استجابة أسواق النفط للهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل (نيسان)؛ حيث ارتفعت لفترة وجيزة قبل أن تنخفض مرة أخرى، والقلق الرئيسي هذه المرة هو أن القادة الإسرائيليين يبدو أنهم يريدون رداً أكبر بكثير مما حدث وقتها.

وذكر الخبير الاستراتيجي كلاي سيجل: «في أبريل، شهدنا رداً إسرائيلياً محدوداً للغاية؛ حيث ضربت بطارية دفاع جوي واحدة في وسط إيران، وكان المقصود من ذلك إرسال رسالة إلى طهران، مفادها أن إسرائيل يمكنها استهداف وتدمير القدرات الإيرانية بنجاح على مسافات طويلة إذا لزم الأمر».

وأضاف: «لكن في يوليو (تموز)، دمرت إسرائيل منشأة نفطية يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، بينما كان للهجوم تأثير محدود على الحوثيين، كانت الرسالة واضحة لإيران، مما يسلط الضوء على حقيقة أن الأصول النفطية مدرجة على قائمة أهداف الإسرائيليين، وتكررت الرسالة في وقت سابق من هذا الأسبوع بهجوم إسرائيلي ثانٍ على منشآت النفط والطاقة التي يسيطر عليها الحوثيون».

ويقول المحللون إن الهجوم المباشر على مصافي النفط الإيرانية أو الاضطرابات الكبرى في المنطقة من شأنه أن يؤثر على طرق الشحن في مضيق هرمز.

وتمكنت السوق من استيعاب المخاوف بشأن الأحداث الماضية، وقال كيت هاينز، المحلل في شركة «إنرجي إسبيكت»، إن «المخاوف بشأن قضايا العرض المتعلقة بالعقوبات بعد غزو روسيا لأوكرانيا لا تتطابق إلى حد كبير مع الوضع الحالي، لأن القلق هذه المرة يتعلق باضطرابات محتملة أوسع نطاقاً في المنطقة».

وأضاف: «هذه المرة، أعتقد أن الناس قلقون للغاية، لقد رأينا أشياء تسوء في الشرق الأوسط من قبل، ولكن في الواقع، هناك إمكانية كبيرة هنا أن تؤثر على الإمدادات لا يتعلق الأمر بالضرورة بما ستفعله أي ضربة إسرائيلية».

وتعدّ إيران منتجاً مهماً للنفط ولديها احتياطيات وقدرات إنتاجية كبيرة، وفي أعقاب الهجوم على إسرائيل، ارتفعت أسعار النفط بالفعل، مما أثار مخاوف من أنه في حالة اتساع الصراع وتورط القوات الأميركية بالمنطقة، فقد ترتفع أسعار النفط بشكل كبير.

وقال سيجل إن أسعار السوق تميل إلى «التقلب في أوقات نقص العرض، حيث يعاد تسعير قيمة سلعة نادرة بشكل مزداد مقارنة بالطلب»، مشيراً إلى أن تعطيل العرض مرتبط في المقام الأول بعاملين: كمية النفط المتوقفة ومدة انقطاعها.

وإذا ضربت إسرائيل النفط الإيراني، فمن المرجح أن يكون لها هدفان رئيسيان؛ الأول هو مصافي النفط، التي تزود البلاد بوقود النقل، والثاني هو مرافق الإنتاج والتصدير الإيرانية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

وقال سيجل إنه «إذا ضربت إسرائيل - حتى عدداً قليلاً من مصافي النفط، فإنها قد تخلق نقصاً في وقود النفط في إيران، لكن هذا لن يؤثر بالضرورة على إمدادات النفط العالمية، وإذا ضربت مرافق إنتاج وتصدير النفط الإيرانية، فإن ذلك ستكون له تداعيات أكبر بكثير».

وتابع: «العملية العسكرية التي تقطع هذا الإنتاج من شأنها أن تترك العالم مع إمدادات أقل من الخام، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار هذا الأسبوع، وللمرة الأولى، بدأت الأسواق أخيراً بالتفكير في هذا السيناريو؛ فقد ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 5 في المائة».

وأوضح نيكولاس كارل، في معهد «أميركان إنتربرايز» الذي يركز على إيران: «طوال هذه الأحداث، كان هناك خطر غير عادي من سوء التقدير لكلا الجانبين».

وإذا دعمت الولايات المتحدة ضرب منشآت النفط، فسوف يتعارض ذلك مع موقف واشنطن من قيام أوكرانيا بالشيء نفسه لروسيا.

وفي وقت سابق من هذا العام، حثت الولايات المتحدة أوكرانيا على وقف هجماتها على البنية التحتية للطاقة في روسيا، محذرة من أن ضرباتها بطائرات من دون طيار قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية واستفزاز الانتقام.

في ذلك الوقت، كانت أوكرانيا تستخدم طائرات من دون طيار لضرب مصافي النفط الروسية المختلفة والمحطات ومرافق التخزين والمستودعات، بهدف الإضرار بقدرتها الإنتاجية.

وتعد روسيا واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم، على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا عقوبات شديدة على صناعاتها.

وجاءت مخاوف واشنطن في الوقت الذي بدأ فيه بايدن في بدء حملته لإعادة انتخابه وقبل انسحابه.

وقال سيجل: «صناع السياسات والسياسيون الأميركيون أكثر تفانياً لأمن إسرائيل من تفانيهم لأمن أوكرانيا، لكن في الخفاء، يشعر مسؤولو بايدن بقلق بالغ بشأن تأثير مثل هذه الضربة».

وإذا استهدفت إسرائيل صناعة النفط الإيرانية، فقد تهتز الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بسبب ارتفاع أسعار النفط قبل التصويت.

وكانت أسعار النفط تتجه بشكل ملحوظ نحو الانخفاض في الأشهر التي سبقت هجوم الصواريخ الباليستية الإيرانية على إسرائيل.

وفي سبتمبر (أيلول)، انخفضت أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوى لها في ما يقرب من 3 سنوات، وشهدت الولايات المتحدة عاماً تاريخياً لإنتاج النفط.

ولكن إذا ارتفعت الأسعار جراء الاضطرابات في الخارج وسط مخاوف محلية بشأن قضايا مثل التضخم، فقد يكون ذلك مشكلة.

وقد يكون التنبؤ بأسعار النفط أمراً صعباً، نظراً لمدى التحول الكبير الذي يمكن أن تحدثه الأسواق، لكن دي هان قال إنه لا يتوقع أن «ترتفع الأسعار بشكل كبير خارج نطاق السيطرة».