قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه تم إحراز «بعض التقدم» في المحادثات مع روسيا لإنهاء الحرب مع أوكرانيا. وقال روبيو لمذيع «فوكس نيوز» شون هانيتي: «ما حاولنا القيام به، وأعتقد أننا أحرزنا بعض التقدم فيه، هو معرفة ما يمكن أن يتعايش معه الأوكرانيون، الذي يمنحهم ضمانات للمستقبل»، مضيفاً أن الولايات المتحدة تأمل أن تسمح لهم بالتسوية «ليس فقط بإعادة بناء اقتصادهم، بل أيضاً الازدهار كدولة».

تصريحات الوزير الأميركي، الذي حاول بث قدر من التفاؤل حول مسار المفاوضات الأميركية – الروسية الهادفة إلى إيجاد صيغة تنهي الحرب في أوكرانيا، جاءت بعد ما عدّه المراقبون «فشل» وفد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المؤلف من مستشاره الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس، في انتزاع موافقة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خطة السلام الأميركية، رغم مفاوضات استمرت نحو خمس ساعات في الكرملين. وبغم وصف موسكو المحادثات بأنها «مفيدة وبنّاءة»، لكنها أقرت بعدم التوصل إلى أي صيغة توافقية أو تحديد موعد لقمة ترمب – بوتين.

إلا أن تصريحات روبيو سرعان ما تفاعلت مع موقف أوروبي أكثر براغماتية عبّر عنه وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الذي شدد على أن «وحدة الغرب شرط أساسي لبناء السلام». وأكد دعم روما للجهود الأميركية، لكنه ذكّر في الوقت نفسه بأن أي تسوية لا يمكن أن تُبنى بمعزل عن الاصطفاف الأطلسي. تاياني كشف عن أنه سيناقش في اتصال هاتفي اليوم (الأربعاء) مع روبيو أوضاع الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأوكرانيا، في إشارة إلى تشابك الملفات التي تضغط على الإدارة الأميركية الجديدة.

تراجع الزخم وتآكل الوعود
وتساءل مراقبون في واشنطن، عن كيفية تفاعل الرئيس ترمب مع هذا الإخفاق، خصوصاً بعد أن ارتفع منسوب التوقعات بإحراز اختراق عقب إدخال كوشنر إلى الفريق المفاوض. المقربون من الإدارة يرون أن الرئيس لا يريد الاعتراف بالفشل، لكنه يواجه حقيقة أن بوتين لا يقدم أي تنازلات، بل يواصل ربط أي تسوية بمكاسب ميدانية وسياسية جديدة.
جون هاردي، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قال لـ«الشرق الأوسط» إن البيت الأبيض «لا يرى في اجتماع أمس فشلاً، بل خطوة ضمن عملية مستمرة». لكنه أضاف: «مع ذلك، أبقى متشائماً؛ فبوتين لا يبدو مستعداً للتخلي عن شروطه الجوهرية». ورأى هاردي أن إدارة ترمب «وضعت العربة أمام الحصان» بمحاولة التفاوض قبل بناء أوراق قوة، مثل ترك العقوبات النفطية تفعل مفعولها.

من ناحيته، قال مايكل أوهانلن كبير الباحثين في معهد بروكينغز في واشنطن لـ«الشرق الأوسط» إنه من الصعب الجزم برد فعل الرئيس ترمب. وقال أوهانلن إنه قد يكون على الأرجح محبطاً، لكن شعوره بهذا الإحباط ممتد منذ أشهر بسبب هذه الحرب.
وأضاف قائلاً: «كنت أتمنى أن يقود الرئيس ترمب جهداً دولياً لتكثيف الضغط الاقتصادي على روسيا قريباً، لكنني أشك في أنه سيفعل ذلك حقاً».
التشكيك في الاستراتيجية الأميركية تزايد بعدما شعر الأوروبيون بأن واشنطن تذهب في اتجاه التفرد بالملف، عبر خطة سلام من 28 بنداً عدّتها «منحازة لموسكو»، قبل إدخال تعديلات عليها في جنيف وميامي مع الأوكرانيين والأوروبيين.

أوروبا تبتعد أكثر عن موسكو
في موازاة المسار التفاوضي، شهدت بروكسل خطوة أوروبية مفصلية بإقرار اتفاق لحظر واردات الغاز الروسي نهائياً بحلول خريف 2027، في تصعيد اقتصادي يهدف إلى تجفيف مصادر تمويل الحرب. رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين تحدثت عن «بزوغ حقبة جديدة» من الاستقلال الطاقوي عن موسكو، بينما رأى ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أن القرار «سيؤدي إلى تقويض نفوذ أوروبا وتسريع خسارتها القدرة التنافسية»، على حد قوله.
ويتوقع دبلوماسيون أن يقدم الاتحاد الأوروبي في الأشهر المقبلة مقترحاً لخفض واردات النفط الروسي إلى المجر وسلوفاكيا، في محاولة لسد الثغرات التي يستفيد منها الكرملين.

إلى جانب ذلك، تقدمت المفوضية الأوروبية بخطة قانونية تتيح استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل قرض كبير لأوكرانيا قد يصل إلى 140 مليار يورو، وسط خلافات داخلية، خصوصاً مع بلجيكا التي تفضّل الاقتراض المشترك بدل المساس بالأصول الروسية.
هذه التطورات تزيد من تعقيد المشهد أمام إدارة ترمب التي تسعى للمضي في مسار تفاوضي مع روسيا بينما يتحرك الاتحاد الأوروبي في الاتجاه المعاكس، معززاً أدوات الضغط على بوتين.
موسكو تستعرض القوة... وتضغط على كييف
التسريبات الواردة من موسكو تشير إلى أن بوتين دخل الاجتماع الأخير وهو في موقع هجومي، مراهناً على مكاسب ميدانية جديدة في الشرق الأوكراني، لا سيما في محيط باكروفسك، حيث تدّعي روسيا إحراز تقدم، فيما تنفي كييف ذلك مؤكدة استمرار المعارك.
بوتين قبل اللقاء عدّ أن أوروبا «تحاول إفشال» المسار الأميركي، وحذر من قدرة روسيا على «القتال حتى النهاية» إذا دفعت إلى مواجهة أوسع. مفتاح موقفه يتمثل في الملفات الجوهرية: الاعتراف بضم الأراضي التي تسيطر عليها موسكو، كبح تسليح أوكرانيا، منع انضمامها إلى «الناتو».
هذه الشروط لم تتغير، فيما كان الوفد الأميركي يأمل صياغة «مخارج مرنة» يمكن لزيلينسكي قبولها مع ضمانات أمنية طويلة الأمد. إلا أن كييف نفسها تبدو محاصرة بالضغوط؛ فالرئيس فولوديمير زيلينسكي أكد أنه ينتظر تقريراً من الوفد الأميركي الذي ينتظر أن يلتقيه، لكنه شدد على ضرورة منع أي اتفاق على «عودة روسيا بعد عام لشن حرب جديدة».
اختبار صعب لترمب
التقييم العام في الأوساط الأوروبية هو أن فشل محادثات موسكو يعكس حدود نهج «الدبلوماسية السريعة» التي تعتمدها إدارة الرئيس ترمب. وبعدما وعد ترمب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب سريعاً، يجد نفسه الآن أمام توقّعات دولية عالية ومسار تفاوضي معقد، فيما يرفض بوتين تقديم أي تنازل جوهري.
الخيبة الأوروبية تتزامن مع مخاوف من أن تؤدي أي «تسوية مفروضة» إلى إضعاف حلف «الناتو» وتفكيك جبهة الدعم لأوكرانيا، خصوصاً أن بعض بنود الخطة الأميركية المسربة – مثل تحديد سقف لعدد الجيش الأوكراني وتأجيل النقاش حول الأراضي – تُعدّ مكاسب واضحة لموسكو.
وفي المقابل، لا يزال الرئيس الأميركي يواجه شكوكاً داخلية، خصوصاً بعد تقارير عن قنوات اتصال غير رسمية بين أعضاء في فريقه وشخصيات روسية، ما يزيد من حساسية أي خطوة يقدم عليها.

بين التفاؤل الأميركي والتحفّظ الأوروبي
مع أن الوزير ماركو روبيو يواصل ضخ رسائل إيجابية، مجدداً التأكيد على «إحراز تقدم» في البحث عن صيغة مقبولة لجميع الأطراف، فإن الأطراف الأوروبية ترى أن الصورة أكثر قتامة. فموسكو مستمرة في رفع سقف شروطها، والغرب ماضٍ في تعزيز عقوباته، وكييف ترفض أي تنازل عن الأراضي. وعليه تبدو المفاوضات الحالية مجرد حلقة في مسار طويل، أكثر منها منعطفاً حاسماً. وإذا كان البعض يرى أن العملية ستستمر، لكنها في الوقت نفسه قد لا تؤدي إلى سلام قريب، طالما أن بوتين يسعى إلى فرض معادلة جديدة على الأرض قبل الانتقال إلى طاولة التسوية.
ومع استمرار المعارك وتراجع الثقة بين الحلفاء، سيكون على إدارة ترمب الإجابة سريعاً عن سؤال بات مطروحاً بقوة في العواصم الغربية: هل تملك هذه الإدارة بالفعل استراتيجية قابلة للحياة في أوكرانيا؟ أو أن مسار موسكو الأخير سيكشف عن حدود قدرتها على كبح الاندفاعة الروسية المتصاعدة، فيما يبقى مستقبل التسوية رهن مواقف موسكو وقدرة واشنطن على استعادة زمام المبادرة.

