عكست المواقف الروسية وجود تحفظات واسعة لدى الكرملين، على سير النقاشات حول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام في أوكرانيا.
وبعد مرور يوم واحد على عقد أول جولة محادثات مباشرة بين موسكو وواشنطن لبحث «نسخة مختصرة» عن الخطة المقترحة، قلّلت الرئاسة الروسية من سقف التوقعات. وتحدثت عن تضارب واسع بين «خطط كثيرة» يتردد الحديث بشأنها، واتّهمت أطرافاً عدة داخل الولايات المتحدة وخارجها بالسعي لتقويض جهود السلام.
وكان الطرفان الروسي والأميركي أعلنا عن جولة محادثات، أجراها يومي الاثنين والثلاثاء، وزير الجيش الأميركي دانيال دريسكول مع مسؤولين روس في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وقالت وسائل إعلام أميركية إنه قدّم خلالها «خطة مختصرة» لتسوية الأزمة في أوكرانيا، تتألف من 19 بنداً بدلاً من 28 بنداً التي شملتها خطة ترمب المعلنة.
«هستيريا إعلامية»
لكن التعليقات الرسمية الروسية بعد هذه الجولة جاءت غامضة، وتحدّث مساعد الرئيس الروسي للشؤون السياسية يوري أوشاكوف عن «معطيات مُضلّلة» تُروّجها وسائل إعلام بشكل مُكثّف وواسع النطاق. وأضاف بأنه «لم يُجرَ حتى الآن نقاش جدي حول خطة سلام لأوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة».

وانتقد المسؤول «هيستيريا إعلامية» تُرافق النقاشات حول خطة السلام، مُؤكداً موقف موسكو بعدم طرح وجهات نظرها عبر المنصات الإعلامية والاعتماد على الاتصالات المباشرة مع الجانب الأميركي عبر القنوات الرسمية. وأضاف أوشاكوف أن «وسائل الإعلام تنشر معلومات كاذبة حول اتصالات محتملة بين ممثلين روس وأميركيين بهدف عرقلة تطور العلاقات بين البلدين». وحسب قوله، فإن «النقاشات تسير بسلاسة بطرق أخرى، بما في ذلك من خلال المحادثات الهاتفية». وأكد أن «مبادرة واشنطن للتسوية لم تُناقش في المحادثات الروسية - الأميركية - الأوكرانية في أبوظبي».
وفي إشارة إلى أن اللقاء تم بالفعل، لكنه تطرق فقط إلى جوانب أمنية، قال المسؤول عن الملف السياسي في الكرملين: «لم تُناقش خطة السلام في أبوظبي. لم تُناقش خطة السلام بالتفصيل مع أي جهة حتى الآن (...) وممثلي الأجهزة المعنية بالشأن الأوكراني شاركوا في هذا الاجتماع. وأيضاً المبعوث الأميركي الجديد إلى أوكرانيا، المعروف بـ(العازف الماهر)، حضر أيضاً المفاوضات».
وأوضح أوشاكوف: «من جانبنا، شارك ممثلو بعض الأجهزة المعنية الذين يتعاملون مع قضايا عملية؛ وهي، كما ذكرت، مُعقّدة وحساسة للغاية، وعموماً فإن ممثلي أجهزة الاستخبارات الروسية والأوكرانية يجتمعون دورياً لمناقشة تبادل الأسرى».
تكهّنات مُبكّرة
فيما يتعلّق بخطة السلام، حذّر أوشاكوف من وجود «خطط مطروحة» تفتح على سيناريوهات مختلفة تماماً، وزاد أن «هناك خيارات عدة، وبعضها قد يكون مُربكاً. نرى أن عدداً كبيراً من الوثائق بات مطروحاً، ولن أناقشها الآن، بل هناك خيارات عدة في الوقت الحالي. من الممكن حتى الخلط فيما بينها».
وقال أوشاكوف إن «الوضع حول الخطة الأميركية لأوكرانيا يتطور بسرعة، والأوروبيون يتدخلون بلا داعٍ في الأمور المتعلقة بالخطة». وأوضح: «لسنا المشاركين الوحيدين في هذه العملية. ورغم وضوح سبب تدخلنا، فإن الأوكرانيين والأوروبيين يتدخلون أيضاً في كل هذه الأمور، بلا داعٍ على ما يبدو».
وكشف أوشاكوف عن ترتيبات جارية لزيارة المبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف إلى موسكو برفقة ممثلين عن الإدارة الأميركية، من دون أن يُوضّح موعد الزيارة. وقال مساعد الرئيس إنه يتحدث مع ويتكوف بشكل متكرر، لكنه لا يُعلق على محتوى هذه المحادثات التي تُعدّ «سرية».
في السياق، دعا الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى عدم التعجل في إطلاق استنتاجات حول مسار التسوية السياسية، وقال إن قطار السلام لم ينطلق بعد. ورفض بيسكوف «الادعاءات القائلة بأن الوضع في أوكرانيا يقترب من اتفاق سلام»، ووصفها بأنها «سابقة لأوانها».
وقال بيسكوف إن روسيا تُجري اتّصالات مع الولايات المتحدة، وهناك مناقشات جارية حالياً بشأن زيارة ويتكوف إلى موسكو، داعياً إلى عدم التعجل في إطلاق تكهنات.
استياء روسي
كرّر بيسكوف إشارات أوشاكوف إلى استياء موسكو من التدخل الأوروبي الواسع في مناقشات الخطة وتعديلاتها. وقال إن «هناك جهات في كثير من الدول تسعى لعرقلة تسوية النزاع في أوكرانيا». وزاد: «في الواقع، لا أبالغ في أهمية الأمر، لكن من المؤكد أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص في مختلف الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، يحاولون عرقلة أي توجه نحو التطورات السلمية».

اللافت، أن الموقف الروسي الداعي إلى عدم التعجل واعتبار أن الحديث عن انطلاق قطار التسوية ما زال مبكراً، جاء مطابقاً لتصريحات الأمين العام لحلف «ناتو»، مارك روته، الذي قال إن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي لحل النزاع في أوكرانيا تتطلب مزيداً من المفاوضات، وإن السلام لا يزال بعيد المنال. ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الروسية الحكومية عن المسؤول الأطلسي أن «خطة السلام هي أساس المفاوضات بين أوكرانيا والولايات المتحدة. إنها تتضمن بعض العناصر القوية، ولكنها تتضمن أيضاً بعض العناصر المعقدة التي تتطلب مزيداً من العمل والمفاوضات. ويعمل الأوكرانيون والأميركيون حالياً على ذلك».
وحسب قوله، لا تزال المناقشات جارية على مستوى الاتحاد الأوروبي وحلف «ناتو»، ولكنها مستقلة عن المفاوضات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. كما وصف روته المحادثات الأخيرة في جنيف بأنها «نجاح حقيقي»، وأنها شكلت أساساً لـ«الانخراط في حوار حقيقي» بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
لكنه رأى أنه «ينبغي أن يتبع ذلك اجتماعات أخرى، ثم محادثات منفصلة مع الاتحاد الأوروبي وحلف (ناتو) حول قضايا محددة. ما زلنا بعيدين عن هدفنا في طريق السلام».
وفي وقت سابق، أشاد مسؤولون أميركيون بنتائج اجتماع جنيف بين ممثلي الولايات المتحدة وكييف بشأن خطة التسوية. وأعلن البيت الأبيض أنه تمّ الاتفاق على معظم النقاط. ومع ذلك، أشارت الإدارة الأميركية إلى أن واشنطن تُدرك أن نجاح الخطة يتطلب موافقة روسيا.

