أزمة سياسية جديدة في فرنسا مع استقالة لوكورنو بُعيد تشكيل حكومته

ماكرون أمام خيارات صعبة... و3 سيناريوهات في الأفق

الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيس الحكومة المستقيل سيباستيان لوكورنو في 13 يوليو الماضي بمناسبة «العيد الوطني الفرنسي»... (أ.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيس الحكومة المستقيل سيباستيان لوكورنو في 13 يوليو الماضي بمناسبة «العيد الوطني الفرنسي»... (أ.ب)
TT

أزمة سياسية جديدة في فرنسا مع استقالة لوكورنو بُعيد تشكيل حكومته

الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيس الحكومة المستقيل سيباستيان لوكورنو في 13 يوليو الماضي بمناسبة «العيد الوطني الفرنسي»... (أ.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيس الحكومة المستقيل سيباستيان لوكورنو في 13 يوليو الماضي بمناسبة «العيد الوطني الفرنسي»... (أ.ب)

أعلن مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الاثنين)، أن الرئيس طلب من رئيس الوزراء المستقيل سيباستيان لوكورنو إجراء محادثات نهائية بحلول مساء الأربعاء مع الأحزاب السياسية لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وقالت الرئاسة إن ماكرون حدّد للوكورنو هدفاً يتمثل في «تحديد إطار للتحرك والاستقرار في البلاد». كان لوكورنو قد قدّم استقالته واستقالة حكومته الجديدة في وقت سابق اليوم، بعد أن هدد حلفاؤه وخصومه على حد سواء بإسقاط الحكومة.

مساء الأحد، قرأ إيمانويل مولين، الأمين العام للرئاسة الفرنسية، من على عتبة «الإليزيه»، أسماء الوزراء الـ18 الذين صدر مرسوم تعيينهم بحقائبهم الوزارية. وصباح الاثنين، وقبيل الساعة التاسعة، وزع «الإليزيه» بياناً مقتضباً للغاية جاء فيه أن رئيس الحكومة المعين، سيباستيان لوكورنو، قدّم استقالة حكومته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون عقب اجتماع لأكثر من ساعة مع رئيس الجمهورية.

رئيس الحكومة الفرنسية المستقيل سيباستيان لوكورنو إلى جانب فرنسوا بايرو الذي استقال من رئاسة الحكومة الشهر الماضي خلال حفل استقبال في «الإليزيه» يوم 10 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

وبذلك، انقضت 840 دقيقة فقط بين التعيين والاستقالة، بحيث يضرب لوكورنو الرقم القياسي لجهة قصر المدة التي أمضاها رئيسُ حكومة. وتُبين السجلات الحكومية أنه يتعين الرجوع مائة عام إلى الوراء للعثور على شيء مشابه؛ مما يعكس عمق الأزمة السياسية التي تعانيها فرنسا والتي شهدت استقالة 3 رؤساء حكومات؛ اثنان سقطا بالضربة القاضية في «الجمعية الوطنية (البرلمان)»، والثالث استقال قبل أن يصل إليها. كذلك، فإن لوكورنو، وزير الدفاع السابق والشخصية السياسية الأقرب إلى رئيس الجمهورية، لم تُتح له فرصة جمع وزرائه الـ18 الذين أُعلنت أسماؤهم، ولو لمرة واحدة، ولا المثول أمام نواب الأمة، بعكس سابقيه ميشال بارنييه وفرنسوا بايرو، فحكومة الأول استمرت 3 أشهر، والثاني 8 أشهر.

والأحجية أن لوكورنو، الذي كلفه ماكرون تشكيل الحكومة يوم 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، توفر له الوقت الكافي لإجراء مشاورات موسعة مع الأحزاب والقوى السياسية الممثلة في البرلمان، ومع النقابات وأرباب العمل وهيئات من المجتمع المدني؛ للتعرف على مطالبهم وتوقعاتهم، خصوصاً للتوصل إلى قواسم مشتركة تمكنه من تشكيل حكومة قابلة للحياة من جهة؛ ومن جهة أخرى قادرة على صياغة ميزانية متوازنة يمكن أن تمر في البرلمان من غير أن تسقط حكومته في حال رفضها.

برونو روتايو وزير الداخلية المستقيل رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي أطاح التشكيلة الحكومية بسبب اعتراضات على حصة حزبه وتعيين برونو لومير وزيراً للدفاع (أ.ف.ب)

حكومة جديدة بوجوهٍ قديمة

بيد أن جميع هذه الحسابات سقطت ومباشرة بعد إعلان أسماء الوزراء وحقائبهم. والخيبة الأولى أن لوكورنو، الذي وعد مباشرة بعد تكليفه بتغيير نهج الحكم في الشكل والمضمون، فاجأ الفرنسيين بأن حكومته بأسمائها أو بتوجهاتها، لا تختلف كثيراً عن حكومة سلفه. فالوزراء الأساسيون عادوا إلى حقائبهم، ومنهم وزراء: الخارجية (جان نويل بارو)، والعدل (جيرالد دارمانان)، والداخلية (برونو روتايو)، والثقافة (رشيدة داتي)، والتعليم (إليزابيث بورن)، وشؤون ما وراء البحار (مانويل فالس)، والزراعة (آني جينوفار)، والصحة والعمل (كاترين فوترين)، والنقلة البيئوية (أنياس بانيه روناشير)... وباختصار، فإن 12 وزيراً من أصل 18، أعلنت أسماؤهم، هم من الحكومة السابقة؛ مما يبين أن لا تغيير في النهج، ولا في الأسماء. وحدها تسمية برونو لومير، الذي أمسك حقيبة الاقتصاد طوال 7 سنوات من عهدي ماكرون، شكلت الجديد الذي لقي رفضاً جذرياً بوصفه المسؤول عن أزمة المديونية الحادة التي تعانيها فرنسا، حيث زادت تريليون يورو، لتقفز راهناً إلى 3.4 تريليون يورو، ولتجعل من فرنسا أحد أسوأ «تلامذة» الاتحاد الأوروبي في هذا الميدان.

ثمة إجماع فرنسي على أن استقالة لوكورنو تعمق الأزمة السياسية التي وصفتها وسائل إعلام بأنها «تسونامي سياسي»، وأنها بصدد التسبب بأزمة مؤسساتية يمكن أن تفضي إلى أزمة نظام. وهذه الأزمات المتناسلة تعود أصولها إلى نتائج الانتخابات التشريعية التي أُجريت ربيع العام الماضي؛ بسبب إقدام ماكرون على حل مجلس النواب، والتي لم تفرز أكثرية نيابية يمكن أن توفر الاستقرار السياسي.

وعمد ماكرون إلى الدفع باتجاه تشكيل ما سميت «كتلة مركزية» قوامها 3 أحزاب وسطية داعمة له، إضافة إلى حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي.

بيد أن هذه الكتلة جاءت قاصرة عن توفير الأكثرية المطلوبة؛ مما يعكس هشاشتها. وازدادت انقساماتها بسبب اقتراب الاستحقاق الرئاسي في ربيع 2027، حيث هناك من لا يقلون عن 5 مرشحين منها طامحين للتنافس على خلافة ماكرون. وفي كلمته الوداعية، أشار لوكورنو إلى «الطموحات الفردية»، داعياً السياسيين إلى «تفضيل العمل لمصلحة فرنسا، وليس لمصلحة أحزابهم».

مارين لوبن زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف تدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة (أ.ف.ب)

خيارات ماكرون... أحلاها مر

تعاني فرنسا من مشكلة «بنيوية» تتمثل في أن الكتل الثلاث الكبرى في البرلمان عاجزة عن العمل بعضها مع بعض. ثمة كتلتان إلى جانب «الكتلة المركزية»: الأولى تضم الأحزاب اليسارية، والأخرى خاصة باليمين المتطرف ممثلاً في «التجمع الوطني» الذي تتزعمه مارين لوبن. وعبر مارك فيسنو، رئيس مجموعة «الحركة الديمقراطية» في البرلمان عن إحباطه في تغريدة على منصة «إكس»، الاثنين، حيث كتب: «أشعر بالخجل من حياتنا السياسية. أريد أن أقول هنا الحقيقة كما هي. إن عدم المسؤولية الفردية، والطموحات الرئاسية، والحسابات الصغيرة التافهة، تغرق البلاد في الفوضى. وفي النهاية، سيكون الفرنسيون الضحايا الوحيدين. من حق مواطنينا أن يشعروا بالغضب. أشعر بالخجل من العواقب التي ستترتب على ذلك. وعلى الذين يحبون بلدنا فوق كل اعتبار آخر أن يتحاوروا، أخيراً، بعضهم مع بعض وبصدق».

وإزاء هذه التطورات، تكاثرت التصريحات ورمي الاتهامات. فرئيس حزب «الجمهوريون» وزير الداخلية، برونو روتايو، رفض تحمل مسؤولية الأزمة التي اندلعت بسبب تحفظاته عن تركيبة الحكومة، حيث لم يحظ بثلث وزرائها، ولرفضه تعيين لومير في وزارة الدفاع وتأكيده أن حزبه لا يستطيع البقاء في الحكومة.

والحال أن الحكومات الثلاث التي تشكلت منذ عام ونصف قامت على تحالف بين الأحزاب الثلاثة الداعمة لماكرون و«الجمهوريون»... ولذا؛ فإن انسحاب هؤلاء جعل حكومة لوكورنو مكشوفة تماماً. وسعى لوكورنو إلى «تحييد» الحزب الاشتراكي بعدد من التدابير التي لم تحظ برضاه؛ لأن الأول رفض التجاوب مع مطلبين أساسين: الأول التراجع عن قانون التقاعد الذي أُقر في عام 2023، والثاني فرض ضريبة مرتفعة على أصحاب الثروات الكبرى التي تزيد على مائة مليون يورو.

من جهته، سارع اليمين المتطرف، بصوت رئيسه جوردان بارديلا، إلى المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، وكذلك فعلت مارين لوبن. وغرد الأول قائلاً: «سيكون من الصعب توفر الاستقرار من غير العودة إلى صناديق الاقتراع ومن غير حل البرلمان».

المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون دعا مجدداً إلى استقالة الرئيس ماكرون أو إقالته (أ.ف.ب)

أما جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري، فقد جدد مطالبته بإقالة ماكرون أو استقالته والذهاب مباشرة إلى انتخابات رئاسية. ودعا ميلونشون النواب إلى مباشرة النظر في اقتراح قانون قُدم إلى رئاسة البرلمان الشهر الماضي ووقعه 104 من نواب اليسار والبيئويين، يدعو إلى إقالة ماكرون بموجب النصوص الدستورية بالغة التعقيد.

3 سيناريوهات

اليوم، كل الأنظار تتجه إلى «قصر الإليزيه» وماكرون، فبالصلاحيات الدستورية الممنوحة له، ترسو عليه مسؤولية إيجاد مخرج من الأزمة السياسية التي لها تشعبات اجتماعية واقتصادية ومالية وأخرى أوروبية ودولية. بيد أن مشكلته الرئيسية أن الخيارات المتاحة أمامه بالغة الصعوبة.

ويرى الخبراء أن أمامه 3 سيناريوهات؛ الأول: السعي إلى كسب الوقت من خلال تكليف شخصية «محايدة» من المجتمع المدني تشكيل حكومة من التكنوقراط (الخبراء) مع مهمة رئيسية عنوانها تمرير مشروع الموازنة لعام 2026. والثاني: تكليف شخصية تميل يساراً (ربما من «الحزب الاشتراكي»)، وهو ما رفضه ماكرون منذ العام الماضي، وحجته أنها ستسقط منذ أول اختبار بسبب الرفض المبدئي للكتلة الوسطية واليمين التقليدي فضلاً عن اليمين المتطرف. والسيناريو الثالث يتألف من شقين: الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو الاستقالة.

والحال، أن ماكرون أكد أكثر من مرة أنه باقٍ حتى آخر لحظة من ولايته؛ ولذا فالاستقالة مستبعدة. أما الانتخابات المبكرة، فإن لها عيبين؛ الأول: أن من المرجح لها أن تأتي بمجلس نيابي شبيه بالمجلس الحالي، وبالتالي، فإن الأزمة ستتعمق بمختلف مكوناتها. والثاني أنها قد تفتح الباب أمام اليمين المتطرف للوصول إلى الحكومة في حال حصوله على الأكثرية أو الاقتراب منها. وفي هذه الحالة، فلن يستطيع تجنب «المساكنة» معها؛ أي أن تكون الرئاسة في اتجاه والحكومة في اتجاه آخر؛ مما سيفتح الباب أمام تجاذبات خطيرة بالنظر إلى الهوة التي تفصل بين الطرفين.

ولأول مرة منذ وصوله إلى الرئاسة، يجد ماكرون نفسه أمام وضع يصعب التعامل معه. فهل سيستنبط حلاً سحرياً لم يخطر في بال أحد؟ السؤال مطروح، وجوابه سيظهر في مقبل الأيام.


مقالات ذات صلة

باريس ترسم خريطة الضمانات الأمنية لكييف قبيل زيارة زيلينسكي إلى واشنطن

تحليل إخباري ماكرون يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمقر إقامته الصيفي في حصن بريغانسون يوم 19 أغسطس 2019 (د.ب.أ)

باريس ترسم خريطة الضمانات الأمنية لكييف قبيل زيارة زيلينسكي إلى واشنطن

فرنسا تركز على تنسيق المواقف بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة، ومصدر رئاسي فرنسي: قمة لـ«تحالف الراغبين» الشهر المقبل، ولا خطط لماكرون بعدُ لزيارة موسكو.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الباحث الفرنسي لوران فيناتييه المسجون في روسيا (أ.ب)

موسكو تعلن تقديم «اقتراح» لباريس بشأن باحث فرنسي سجين

أعلنت موسكو أنها قدمت لباريس اقتراحاً بشأن الباحث الفرنسي لوران فيناتييه المسجون في روسيا منذ يونيو (حزيران) 2024 الذي يواجه احتمال المحاكمة بتهمة التجسس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا لقطة شاشة تُظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يقوم بتمارين رياضية برفقة جنود بلاده (إكس)

ماكرون يستعرض لياقته البدنية خلال زيارة إلى جنود فرنسيين (فيديو)

حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعراض قوته الجسدية حيث قام بتمارين الضغط مع جنود بلاده بتوجيهات من مدرب لياقة بدنية شهير.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)

محمد بن زايد يستقبل ماكرون ويبحث معه العلاقات الثنائية

استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، اليوم، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقوم بزيارة عمل إلى الإمارات.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
أوروبا الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

«الإليزيه» يرحب باستعداد بوتين للتحاور مع ماكرون

رحبت الرئاسة الفرنسية، الأحد، بإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استعداده للتحاور مع نظيره إيمانويل ماكرون.

«الشرق الأوسط» (باريس)

أوروبا تائهة بين السعي للاستقلالية والحاجة إلى مظلة أميركية

الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)
TT

أوروبا تائهة بين السعي للاستقلالية والحاجة إلى مظلة أميركية

الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)

إذا كانت الشكوك ما زالت تساور القادة الأوروبيين حول نظرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته الجمهورية للقارة القديمة، فإن وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» التي نشرت في 5 ديسمبر (كانون الأول) تقطع الشك باليقين لأنها تُظهر، وبلغة فجة غير مسبوقة، الازدراء الأميركي للحليف الأوروبي أكان في إطار الاتحاد الأوروبي أم في إطار الحلف الأطلسي.

فالوثيقة الاستراتيجية التي تنشر عادة مع بداية كل عهد أميركي جديد، يراد لها أن تؤطر العلاقات الأميركية - الأوروبية للسنوات القادمة.

من هنا، يفترض بها وبالمضمون الذي حملته أن تزيل الأوهام الأوروبية في السياقات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية والثقافية. فالفقرات التي تضمنتها بخصوص أوروبا جاءت صادمة. والأسوأ أنها جاءت في وقت تحتاج فيه أوروبا لـ«الشريك» الأميركي لأنها غير قادرة، بقواها الذاتية، أن تضع حداً للحرب الأوكرانية التي تدق أبوابها، فيما تعتبر أنها تتعرض لتهديد روسي وجودي. لا بل ثمة أصوات صدرت من ألمانيا وفرنسا وبولندا ومن دول بحر البلطيق تحذر من أن الرئيس فلاديمير بوتين المقدر له أن يبقى في السلطة حتى عام 2036 لن يتردد في مهاجمة أوروبا في فترة زمنية لا تتجاوز نهاية العقد الجاري؛ ما يحتّم على الأوروبيين التأهب وتعظيم قدراتهم، خصوصاً أن ثقتهم بالحلف الأطلسي وبالمادة الخامسة منه تتلاشى.

وللتذكير، فإن حرفية المادة الخامسة من معاهدة الحلف تنص على ما يلي: «يعتبر أي هجوم مسلح على أحد الأطراف في أوروبا أو أميركا الشمالية هجوماً على جميع الأعضاء، ويوافق كل طرف على أنه إذا وقع هجوم مسلح من هذا القبيل، فإن كل عضو، بمفرده أو بالتعاون مع الآخرين، سيقوم باتخاذ ما يراه ضرورياً، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة وسلامة أمن المنطقة الأطلسية. ويتفق الأطراف على أن أي تدخل من هذا النوع يُتخذ فوراً بعد وقوع الهجوم، وسيتم الإبلاغ عنه فورياً إلى مجلس الأمن الدولي وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة».

انحسار المظلة الأميركية

يريد الرئيس ترمب، من خلال الوثيقة الاستراتيجية، إفهام الأوروبيين أن زمن الاستكانة للمظلة الأميركية - الأطلسية قد ولى إلى غير رجعة، وأن عليهم بالتالي أن يتحملوا عبء الدفاع عن أنفسهم. ويبرز ذلك بوضوح من خلال الفقرة التالية من الوثيقة المذكورة، التي تنص على «تمكين أوروبا من الاعتماد على نفسها والعمل كمجموعة من الدول المتحالفة ذات السيادة، بما في ذلك تحمل المسؤولية الأساسية عن دفاعها الخاص، دون الرضوخ لهيمنة أي قوة معادية».

ملف أوكرانيا يثير خلافات أميركية - أوروبية (أ.ب)

في لقاء خاص بـ«الشرق الأوسط»، يُرجع البروفسور برتراند بادي، صاحب العديد من المؤلفات في العلاقات الدولية والمحاضر السابق في معهد العلوم السياسية في باريس، تحول النظرة الأميركية للحلف إلى أن ترمب «لم يعد يعتبره مربحاً» لبلاده وأن التحالف بين ضفتي الأطلسي «أصبح مكلفاً ومعوقاً لواشنطن». وإذا كان «الحلف» زمن الحرب الباردة، قد «مكّن الولايات المتحدة من فرض هيمنتها على الغرب وعلى جزء من العالم في وقت لم يكن قد ظهر ما يسمى الجنوب الشامل»، فإن انهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفياتي «سمحا للأوروبيين التحرر نوعاً ما من الهيمنة الأميركية»؛ إذ إن روسيا لم تعد تخيفهم. لذا، أخذ الحليف الأميركي يعتبر أن «حماية أوروبا، من جهة، مكلفة، ومن جهة ثانية، مضرة بالمصالح الأميركية آيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وبرؤيتها «الجديدة» للعالم. من هنا، تأكيد ترمب على أنه يتعين على أوروبا أن تتولى حماية نفسها وزيادة إنفاقها الدفاعي.

الهجوم على أوروبا

جاء في حرفية الوثيقة الاستراتيجية عن أوروبا ما يلي: «اعتاد المسؤولون الأميركيون على النظر إلى المشكلات الأوروبية من زاوية انخفاض الإنفاق العسكري والركود الاقتصادي. وهذا صحيح، لكن المشكلات الحقيقية أعمق بكثير. فقد فقدت أوروبا القارية حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ إذ انخفضت من 25 في المائة في عام 1990 إلى 14 في المائة اليوم، جزئياً بسبب القوانين الوطنية والعابرة للحدود (أي قوانين الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة الدولية) التي تقوّض الإبداع وروح المبادرة». وتضيف الوثيقة: «لكن هذا التراجع الاقتصادي يتلاشى أمام النظرة الواقعية الأكثر قتامة، وهي احتمال محو الهوية الحضارية. فالمشكلات الكبرى التي تواجه أوروبا تتعلق بأنشطة الاتحاد الأوروبي وغيرها من الهيئات العابرة للحدود، والتي تقوّض الحرية السياسية والسيادة؛ بسياسات الهجرة التي تغيّر القارة وتخلق صراعات؛ بفرض الرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية؛ بانخفاض معدلات الولادة وفقدان الهويات الوطنية والثقة بالنفس». وبخصوص الحلف الأطلسي، ترى الوثيقة أنه «من المرجّح أنه، في غضون بضعة عقود، سيصبح أعضاء الحلف في أغلبيتهم غير أوروبيين... ونريد أن تبقى أوروبا أوروبية وأن تستعيد الإيمان الذي كانت تتمتع به بحضارتها». ويذهب النص إلى حدّ أنه لا يرى «سبباً كبيراً للأمل» للقارة القديمة إلا في «تقدم الأحزاب الوطنية الأوروبية» أي عملياً الأحزاب اليمينية المتطرفة كما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتدعو الوثيقة، صراحة، إلى «تصحيح المسار الحالي».

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (أ.ف.ب)

إشكالية السيادة

تختصر هذه الفقرة لب الرؤية الترمبية لأوروبا. ولمزيد من الإيضاح، لم يتردد ترمب في اتهام القادة الأوروبيين، في مقابلة بتاريخ 9 ديسمبر، مع موقع «بوليتيكو» بأنهم «ضعفاء» ودولهم «في حالة تدهور»، لا بل اعتبر أن «الكثير منها لن يكون قابلاً للاستمرار» في حال لم يغيروا سياستهم إزاء الهجرات. وما كان للأوروبيين أن يبقوا صامتين إزاء نزوع ترمب للتدخل في شؤونهم، فسارع أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، إلى توجيه سهامه إلى ترمب مؤكداً أن «ما لا يمكن قبوله هو هذا التهديد بالتدخل في الحياة السياسية لأوروبا» مضيفاً: «لا يمكن للولايات المتحدة أن تحلّ محل المواطنين الأوروبيين في تحديد الأحزاب الجيدة والأحزاب السيئة» وأن «الحلفاء لا يهددون بالتدخل في الحياة الديمقراطية أو في الخيارات السياسية الداخلية لحلفائهم، بل يحترمونها».

بيد أن كوستا الحريص على العلاقة القوية مع واشنطن تمسك بموقف الاتحاد الأوروبي الجماعي الذي يرى في الولايات المتحدة «حليفاً وشريكاً اقتصادياً مهماً ولكن يتعين على أوروبا أن تكون ذات سيادة». وفي السياق نفسه، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، رداً على ترمب، أن القارة القديمة «ستبقى قوية ومتحدة». وذهب يوهان فاديفول، وزير خارجية ألمانيا، في الاتجاه عينه بتأكيده أن ألمانيا ليست بحاجة إلى «نصائح تأتي من الخارج»، ولا سيما فيما يتعلّق بـ«حرية التعبير» أو «تنظيم المجتمعات الحرة». وقال جان نويل بارو، وزير خارجية فرنسا إن «شعوب أوروبا ترفض أن تصبح قارتهم تابعة وهرمة. إنها تريد أن تكون أوروبا قوة ديمقراطية لا تسمح لأحد بأن يقرر نيابة عنها»، مضيفاً أن التطورات الأخيرة «تثبت أن فرنسا على حق» في دعوتها أوروبا منذ عام 2017 إلى تحقيق الاستقلال الاستراتيجي. وقبل بارو، قالت وزيرة الدولة في وزارة الدفاع الفرنسية أليس روفو، في جلسة لمجلس النواب، إنه يتعين على أوروبا أن تسرع عملية إعادة التسلح رداً على التحول الواضح في العقيدة العسكرية الأميركية الجديدة، مضيفة: «نعيش في عالم من آكلي اللحوم، وأوروبا لا يمكن أن تتصرف بمفردها، ولن تحظى بالاحترام إلا إذا عرفت كيف تفرضه على الآخرين».

ترمب برفقة قادة أوروبيين لبحث حرب أوكرانيا في البيت الأبيض 18 أغسطس الماضي (رويترز)

الدفاع الأوروبي إلى أين؟

الحق يقال إن إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، كان سبّاقاً في الدعوة إلى «الاستقلالية الاستراتيجية» منذ عام 2017 في خطاب شهير له في جامعة السوربون في باريس، كما أنه يُعد من أشد الدعاة لقيام «دفاع أوروبي» لن يحل بالضرورة محل الحلف الأطلسي ولكن أن يقوم «إلى جانبه». بيد أن دعوته لاقت رفضاً شديداً، في البداية، من دول رئيسية بينها ألمانيا ودول في شرق أوروبا ترى في الحلف الأطلسي الضمانة الأمنية الجدية الوحيدة إزاء ما تعتبره تهديدات روسية. والدليل على ذلك أن دولتين (السويد وفنلندا) رفضتا سابقاً الانضمام إلى الأطلسي. لكن استشعار الخطر الروسي دفع بهما، مؤخراً، للانتماء إليه.

بيد أن التخوف من تراجع الاهتمام الأميركي بالحلف المذكور، أحدث هزات ارتجاجية داخل الاتحاد الأوروبي. فالمستشار الألماني المحافظ فريدريتش ميرتس ذهب إلى حد تبني الدعوة الفرنسية رداً على سياسة ترمب؛ إذ اعتبر أنه «يتعين علينا في أوروبا، وهذا يصح على ألمانيا أيضاً، أن نصبح أكثر استقلالية بكثير عن الولايات المتحدة فيما يتصل بسياسة المحافظة على أمننا». وعملياً، عمد الأوروبيون إلى زيادة نفقاتهم الدفاعية التي ارتفعت بقوة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. ففي عام 2024، بلغت هذه النفقات 343 مليار يورو بزيادة نسبتها 19 في المائة قياساً بعام 2023؛ بحيث اقتربت من نسبة 2 في المائة من الناتج الإجمالي الخام للدول الـ27 المنضوية في النادي الأوروبي. ومن المفترض أن تكون قد وصلت في عام 2025 إلى 381 مليار يورو بحيث تتجاوز عتبة الـ2 في المائة. يضاف إلى ما سبق أن الدول الأوروبية، داخل الأطلسي التزمت، بمناسبة قمة الحلف في شهر يونيو (حزيران) الماضي بتخصيص 5 في المائة من ناتجها الخام للدفاع؛ بحيث تكون قادرة على المحافظة على أمنها في عام 2035.

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. فالأوروبيون عادوا إلى التخطيط لفرض الخدمة العسكرية مجدداً بعد أن تخلت غالبية دولهم عنها بعد عام 1991. ومن أبرز الدول الساعية لذلك فرنسا وألمانيا اللتين، إلى جانب بولندا، تدفعان ببرامج تسلح عالية الوتيرة. كذلك تسعى الدول الأوروبية التي تمتلك صناعات دفاعية قوية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى إطلاق شراكات في صناعة الدفاع والاستفادة من 150 مليار يورو وضعتها المفوضية الأوروبية بتصرفها من أجل إطلاق برامج مشتركة تستجيب للحاجات الدفاعية الأوروبية في مجالات أنظمة الدفاع الجوي والمسيّرات والسيبرانية والذكاء الاصطناعي... كذلك، بدأ بحث على المستوى الأوروبي لمد المظلة النووية الفرنسية والبريطانية لحماية الدول الأوروبية الأخرى. إلا أن البحث بهذا الخصوص ما زال في بداياته والعقبات كبيرة وربما كأداء.

هل الطريق إلى دفاع أوروبي ميسرة؟ يجيب برتراند بادي على هذا التساؤل بقوله إن الأوروبيين «لم ينجحوا يوماً في إطلاق سياسة منسجمة ومُجمَع عليها في مجال العلاقات الدولية أو الدفاع. والسبب في ذلك أن حمضهم النووي نفسه سمته الأولى التنافس والصراع؛ لذلك يسود شعور بأن الأوروبيين من دون الحماية الأميركية يكونون عرضة للخطر، وهم كذلك ضعفاء أيضاً، وبالدرجة الأولى، بسبب انقساماتهم الداخلية».

ما سبق ليس سوى جانب واحد من العلاقة بين ضفتي الأطلسي. وثمة جوانب أخرى لا تقل أهمية كالتجارة البينية مثلاً؛ حيث فرضت إدارة ترمب رسوماً تبلغ 15 في المائة على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة؛ ما اعتبرته أوساط أوروبية بمثابة «إهانة وإذلال» لحليف قديم لواشنطن. وأكثر من ذلك، فإن ترمب وإدارته لهما نظرة فوقية إزاء أوروبا. وللتذكير، فإن ترمب شجّع بريطانيا، خلال ولايته الأولى على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ووعدها باتفاقيات اقتصادية وتجارية يسيل لها اللعاب.

حقيقة الأمر أن الخلاصة التي تفرض نفسها عنوانها الأول التبعية الأمنية التي تدفع القارة القديمة ثمنها اليوم. وخوفها الأكبر أن يشيح ترمب بنظره عنها مفضلاً عليها التحالف مع روسيا من جهة والتفرغ للتعامل مع الصين التي يعدها منافسته الأولى على جميع الأصعدة.


هجوم روسي واسع على أوكرانيا عشية لقاء زيلينسكي وترمب

مواطنون يلجأون إلى محطة مترو الأنفاق خلال الغارات الجوية الروسية على كييف (أ.ف.ب)
مواطنون يلجأون إلى محطة مترو الأنفاق خلال الغارات الجوية الروسية على كييف (أ.ف.ب)
TT

هجوم روسي واسع على أوكرانيا عشية لقاء زيلينسكي وترمب

مواطنون يلجأون إلى محطة مترو الأنفاق خلال الغارات الجوية الروسية على كييف (أ.ف.ب)
مواطنون يلجأون إلى محطة مترو الأنفاق خلال الغارات الجوية الروسية على كييف (أ.ف.ب)

أعلن ​الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم السبت أن روسيا هاجمت أوكرانيا بما يقرب من ‌500 ‌طائرة ‌مسيَّرة و40 ⁠صاروخاً خلال ​الليل، ‌مستهدفة البنية التحتية للطاقة والبنية التحتية المدنية.

وكتب زيلينسكي على منصة «إكس»: «إذا ⁠حولت روسيا حتى فترة ‌الكريسماس (عيد ‍الميلاد) ‍ورأس السنة الجديدة إلى فترة من المنازل المدمرة والشقق المحترقة ​ومحطات الطاقة المدمرة، فلا يمكن ⁠الرد على هذا النشاط المريض إلا بخطوات قوية حقاً»، داعياً الولايات المتحدة وأوروبا إلى الضغط على موسكو بشكل ‌أقوى.

وأشار الرئيس إلى أن الهجوم الروسي الأخير على كييف يُظهر أن روسيا «لا تريد إنهاء الحرب»، وذلك قبيل مغادرته إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع نظيره الأميركي دونالد ترمب حول خطة لوقف الحرب.

وقال زيلينسكي: «لا يريد الروس إنهاء الحرب، ويسعون إلى استغلال كل فرصة للإمعان في معاناة أوكرانيا وزيادة ضغوطهم على الآخرين حول العالم».

وأعلن عمدة مدينة كييف فيتالي كليتشكو أن خمسة أشخاص أصيبوا في كييف، وتضررت البنية التحتية المدنية أيضاً بسبب هجمات صاروخية روسية على أوكرانيا خلال الليل.

وكانت القوات الروسية قد شنت موجة أخرى من الهجمات الصاروخية على أوكرانيا خلال الليل قبل يوم واحد من اجتماع مرتقب بين زيلينسكي وترمب. واستهدفت الهجمات عدة مناطق بما في ذلك تشيرنيهيف، وميكولايف، وخاركيف، وجيتومير، حسبما أفاد سلاح الجو الأوكراني اليوم.

ووردت أنباء عن وقوع انفجارات في مواقع متعددة، بما في ذلك العاصمة، حيث أبلغ العمدة عبر تطبيق «تلغرام» عن وقوع عدة انفجارات، وقال إن الدفاعات الجوية كانت نشطة.

وأفاد الحاكم العسكري لكييف ميكولا كالاشنيك بإصابة شخص واحد في المنطقة، وتضرر البنية التحتية المدنية.

شرطي يقف بجوار سيارة دُمرت خلال غارة جوية روسية مسائية على خاركيف الأوكرانية (رويترز)

وذكرت وسائل إعلام أوكرانية أن صواريخ «كينغال» فرط الصوتية كانت من بين الأسلحة المستخدمة، مع استهداف البنية التحتية للطاقة حسبما ورد. ولم يتضح بعد الحجم الكامل للأضرار.

وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية حالة تأهب جوي على مستوى البلاد في الساعات الأولى من صباح اليوم (السبت)، مشيرة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن طائرات مسيَّرة تحلق فوق عدة مناطق أوكرانية، بما في ذلك العاصمة.

وسمع مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية» دوي عدة انفجارات قوية ترافقت مع وميض ساطع أضاء الأفق باللون البرتقالي.

أشخاص يحتمون في محطة المترو خلال هجوم روسي على كييف (رويترز)

وبعد مرور نحو ثلاث ساعات، أعلنت الإدارة العسكرية الإقليمية في كييف أنه تم تفعيل الدفاعات الجوية بسبب اقتراب طائرة مسيَّرة.

كما كشفت إدارة مدينة كييف اليوم أن التدفئة انقطعت ‌عن ‌أكثر ‌من ⁠2600 ​مبنى ‌سكني و187 حضانة و138 مدرسة في العاصمة الأوكرانية بعد هجوم ⁠روسي وقع خلال ‌الليل. وحامت درجة الحرارة في كييف حول الصفر المئوي صباح اليوم. وقالت ​السلطات في منطقة كييف، التي ⁠تحيط بالعاصمة لكنها لا تشملها، إن الكهرباء انقطعت عن 320 ألف أسرة بعد الهجوم.

يأتي هذا في الوقت الذي من المقرر أن يغادر فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الولايات المتحدة لبحث خطة معدلة لإنهاء الحرب مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في فلوريدا الأحد.

وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على الغزو الروسي، تسارعت وتيرة المحادثات في الأسابيع الأخيرة بهدف إيجاد حل للنزاع يستند إلى خطة وضعها ترمب.

وتتهم روسيا زيلينسكي وداعميه من الاتحاد الأوروبي بالسعي لـ«نسف» الخطة التي توسطت فيها الولايات المتحدة.

وتدعو الخطة الجديدة المعدلة المكونة من 20 نقطة إلى تجميد خط المواجهة الحالي دون تقديم حل فوري لمطالب روسيا التي تشمل السيطرة على أراضٍ تشكل أكثر من 19 في المائة من أوكرانيا.

من جهتها، كشفت ​الوكالة البولندية للملاحة الجوية على موقع «إكس» اليوم (السبت) أنه تم إغلاق مطارَي ‌جيشوف ولوبلين في ‌جنوب شرقي ⁠بولندا ​مؤقتاً ‌بعد أن نفذ الطيران العسكري البولندي والحليف عمليات جوية داخل المجال الجوي البولندي بسبب ⁠هجمات روسية ‌على أهداف داخل الأراضي الأوكرانية.

وأضافت الوكالة أن القرار جاء «بسبب ضرورة ضمان حرية عمل الطيران ​العسكري»، ولذلك تم إغلاق المطارين ⁠مؤقتاً أمام الحركة المدنية.

وتابعت أنه بعد انتهاء العمليات العسكرية في الأجواء، استأنف المطاران نشاطهما، وعاد العمل فيهما بشكل ‌طبيعي.


ترمب وزيلينسكي يضعان غداً اللمسات الأخيرة على «اتفاق السلام»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي يوم 25 يونيو (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي يوم 25 يونيو (د.ب.أ)
TT

ترمب وزيلينسكي يضعان غداً اللمسات الأخيرة على «اتفاق السلام»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي يوم 25 يونيو (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي يوم 25 يونيو (د.ب.أ)

يجتمع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في فلوريدا، غداً، لمناقشة القضايا المتعلقة بالأراضي، والتي تعدُّ أبرز عقبة في المحادثات الرامية لإنهاء الحرب، مع اقتراب وضع اللمسات الأخيرة على «إطار السلام» المكوَّن من 20 نقطة، واتفاق الضمانات الأمنية.

وقال زيلينسكي إنَّ الاجتماع سيبحث القضايا الحساسة، والتي تشمل إقليمَ دونباس ومحطة زابوريجيا للطاقة النووية، فضلاً على «قضايا أخرى مطروحة على الطاولة ‌أيضاً». ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن زيلينسكي قوله إنَّه «مستعد» للدعوة لاستفتاء على خطة ترمب بعد التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامناً مع الإعلان عن لقاء فلوريدا، أكّد الكرملين أن يوري أوشاكوف، مساعدَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون السياسة الخارجية، أجرى اتصالاتٍ مع أعضاء في الإدارة الأميركية عقبَ تلقي موسكو مقترحات أميركية بشأن «اتفاق السلام» المحتمل.