سَعيٌ أوروبي مكلف إلى إنشاء كتلة جيوسياسية - عسكرية متراصّة

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)
TT

سَعيٌ أوروبي مكلف إلى إنشاء كتلة جيوسياسية - عسكرية متراصّة

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)

غيّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفه من حرب أوكرانيا أخيراً، وقلّص المسافة بينه وبين الأوروبيين؛ لأنه ربما لمس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد وقف الحرب. وقال شاغل البيت الأبيض قبل أيام إن «وجود أوروبا قوية أمرٌ جيدٌ جداً»... وسيترجَم هذا التغيّر إلى بيع أسلحة متطورة لأوكرانيا قد تساعد في وقف الزحف الروسي البطيء إنما الثابت... إلا أن الأوروبيين يدركون أن تغيّر لهجة الرئيس الجمهوري لن يحل «المشكلة الأمنية الروسية» التي تهدد برأيهم القارة، وأن كلامه عن معاقبة روسيا اقتصادياً في غضون 50 يوماً ما لم توافق على وقف إطلاق النار، لن يغير رأي بوتين المقتنع بأنه سيصمد أكثر من الغرب وينتصر في الحرب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

من هنا، يعمل الأوروبيون، سواء داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو ضمن عائلة الاتحاد الأوروبي، على تعزيز قواهم العسكرية ليتمكنوا من الدفاع عن بلدانهم من دون الاعتماد على «الأخ الأكبر». وقد اتفق أعضاء «الناتو» أخيراً، في قمة لاهاي، على زيادة كبيرة في إنفاقهم الدفاعي ليصل إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بناءً على طلب ترمب، ولم تخرج عن الإجماع إلا إسبانيا التي قال رئيس وزرائها بيدرو سانشيز إنه لن يلتزم بهذا الهدف؛ لأن محاولة القيام بذلك ستفرض إجراء تخفيضات جذرية في الإنفاق الاجتماعي مثل رواتب التقاعد الحكومية، وإقرار زيادات ضريبية.

وقبل اقتراب ترمب مجدداً من أوروبا، كان القادة الأوروبيون قد اتفقوا في مارس (آذار) على زيادة الإنفاق الدفاعي، وعرضت عليهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لهذا الغرض خطة بقيمة 800 مليار يورو في «لحظة فارقة لأوروبا»، واضعةً هذه المبادرة في إطار ما تعنيه مقولة ترمب: «السلام من خلال القوة». ولعل العزم على زيادة الإنفاق الدفاعي يفسّره جزئياً حذر الأوروبيين من تقلّب سياسة ترمب الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه يؤمن بأن الالتزامات الأمنية الأميركية لم تعد مرتبطة بجهود الدول الأوروبية لتعزيز دفاعاتها، بل بمصالح بلاده حصراً.

ومهما يكن من أمر، يمكن القول إن التعهد الأطلسي بالإنفاق أمر، في حين أن الوفاء به مسألة أخرى. ففي حين تملك ألمانيا هامشاً مالياً مقبولاً يتيح لها التحرك، تواجه فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وسواها قيوداً مالية قاسية بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية. وبالتالي يجب الانتظار لرؤية ما ستحققه خطة الـ800 مليار يورو واقعياً.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (إ.ب.أ)

تحالف شائك

المؤكد أن التحالف مع واشنطن في ظل رئاسة ترمب تحوّل إلى قضية شائكة؛ فالأوروبيون وجدوا أنفسهم مرغمين على إنفاق المال لتعزيز ترساناتهم العسكرية بغية حماية أنفسهم ورفد أوكرانيا بما يمكّنها من الصمود، وذلك في حين أن اقتصاداتهم تئنّ. وهنا تكسب الولايات المتحدة على خطّين: تخفف عن نفسها أحمال حماية أوروبا ودعم أوكرانيا، وتنشّط مبيعاتها من الأسلحة لأوروبا بما يضخ أموالاً طائلة في اقتصادها. فالشركات الأميركية العملاقة («جنرال دايناميكس»، و«لوكهيد مارتن»، و«نورثروب غرومان»...) هي المؤهلة لتزويد الدول الأوروبية بالسلاح المطلوب، رغم محاولات فرنسا التسويق لشركاتها.

وفي جانب آخر للمشكلة، قد يفضي عزم أوروبا على إرضاء ترمب عبر توسيع دورها في صَون المعادلات الجيوسياسة مخافة أن ينسحب ويتركها وحيدة، إلى النتيجة نفسها إذا لمس الرجل أن القارة «العجوز» بات في وسعها الاتّكال على نفسها والاستغناء عن «شباب» الولايات المتحدة التي ستخصص قسطاً وافراً من جهودها للصين.

تقارب فرنسي - بريطاني

كانت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبريطانيا، والتي استمرت ثلاثة أيام، الأولى من هذا النوع التي يقوم بها رئيس دولة من الاتحاد الأوروبي منذ خروج بريطانيا من التكتل (بريكست) عام 2020. والأهم من ذلك أن محادثاته مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر شكّلت تحولاً جذرياً في مسار المملكة المتحدة منذ انفصالها المرير عن عائلة الاتحاد. فعلى مدى خمس سنوات، طغى «بريكست» بتفاصيله على العلاقة بين لندن وبروكسل، ولم يحصل تعاون بنّاء بين الجزيرة واليابسة، حتى إن بريطانيا وفرنسا - مثلاً - اختلفتا بشكل حاد حول حقوق صيد السمك...

لا شك في أن أهم ما تمخّضت عنه هذه الزيارة هو «إعلان نورثوود» (على اسم ضاحية في شمال غربي لندن يقع فيها مقر قيادة للبحرية البريطانية ولـ«الناتو») لتنسيق الردع النووي الذي قال عنه ستارمر: «وقّعنا (إعلان نورثوود)، مؤكدين للمرة الأولى أننا سننسق ردعنا النووي المستقل». وأضاف: «ابتداء من اليوم، سيعلم خصومنا أن أي تهديد خطير لهذه القارة (الأوروبية) سيؤدي إلى رد فعل مشترك من بلدَينا».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتصافحان بعد مؤتمرهما الصحافي في لندن يوم 10 يوليو 2025 (أ.ب)

ومما جاء في الإعلان أن «التهديدات القصوى لأوروبا ستثير رداً من البلدين»، من دون تحديد طبيعة هذا الرد. وستُنشأ «مجموعة للرقابة النووية» برئاسة قصر الإليزيه ومكتب رئيس الوزراء البريطاني، لتكون مسؤولة عن تنسيق التعاون في المجالات السياسية والقدرات والعمليات العسكرية.

ومن منظار أوسع، تعكس نتائج زيارة ماكرون للمملكة المتحدة التغيّرات التي يشهدها الاتحاد الأوروبي وتقوده إلى تغيير فلسفته من تكتّل نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لإرساء السلام في القارة التي شهدت حروباً كثيرة، إلى تكتّل دفاعي يكاد يشبه «الناتو». فالاتحاد الأوروبي سعى طوال وجوده إلى تحقيق السلام من خلال التكامل الاقتصادي، إلا أن تغيّراً بدأ بشكل خجول مع حرب البوسنة (1992 - 1995)، وتسارع مع حرب أوكرانيا التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022، ثم «انفجر» مع تهديد ترمب بالتراجع عن التزام الولايات المتحدة بالأمن الجماعي لأوروبا.

ويقول مراقبون إن «إعلان نورثوود» ذو قيمة معنوية أكثر منها فعلية؛ فقرار استعمال سلاح نووي يبقى عملاً سيادياً لكل دولة بمفردها. وإذا كان له من أثر عمليّ فهو إعادة تقريب بريطانيا من «الفريق الأوروبي»، خصوصاً بعد مرحلة رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون الذي كان يرى في الاتحاد الأوروبي خصماً لا شريكاً، في حين أن رئيس الوزراء العمّالي كير ستارمر يملك نظرة مختلفة إلى العلاقة مع «القارة». والدليل على ذلك اتفاق الشراكة الأمنية والدفاعية الذي تم التفاهم عليه في القمة التي عقدتها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في لندن يوم 19 مايو (أيار) الماضي.

إنه بلا شك زمن التغيّرات والتحدّيات، وفي طليعتها حرب أوكرانيا التي تتأجج نارها على الحدود بين الغرب والشرق من غير أن يتمكن الأول من إطفائها، ناهيك بمواجهة «الصعود الصيني» الذي يرى فيه الغربيون التهديد الأكبر والامتحان الأصعب. فهل يتمكن الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع بريطانيا من تحقيق التحول إلى كتلة جيوسياسية - عسكرية متراصّة تصدّ الرياح التي يأتي بعضها من الصديق قبل العدوّ؟


مقالات ذات صلة

«مطرقة الليل» في 2025... ترمب ينهي «أنصاف الحلول» في إيران

خاص وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يبكي على نعش قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي خلال تشييع عسكريين كبار قتلوا في الضربات الإسرائيلية في طهران يوم 28 يونيو الماضي (أرشيفية- أ.ف.ب)

«مطرقة الليل» في 2025... ترمب ينهي «أنصاف الحلول» في إيران

مع عودة دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي في مطلع 2025، لم تحتج استراتيجيته المحدثة لـ«الضغوط القصوى» سوى أقل من عام كي تفرض إيقاعها الكامل على إيران.

عادل السالمي (لندن)
أوروبا أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي في بروكسل (رويترز)

الاتحاد الأوروبي: يجب الحفاظ على سلامة أراضي مملكة الدنمارك

​قال أنور العنوني، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، الاثنين، إنه ‌يجب ‌الحفاظ ‌على سلامة ⁠أراضي ​مملكة ‌الدنمارك وسيادتها بما في ذلك غرينلاند.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
حصاد الأسبوع الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي محاطاً بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

واشنطن تُخاطر بالتحوّل من حليف للاتحاد الأوروبي إلى خصم

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عهد دونالد ترمب، بولايته الثانية، تحوّلاً نوعياً وعميقاً، انتقلت فيه القارة الأوروبية من موقع الشريك الاستراتيجي التقليدي إلى هدف سياسي معلن في الخطاب الأميركي الجديد. لم يعد البيت الأبيض يقدّم الاتحاد الأوروبي بوصفه ركيزة للنظام الغربي، بل كعبءٍ حضاري وأمني واقتصادي يحتاج إلى «تصحيح» جذري في البنية والسياسات والقيادة. هذا التغيّر في الرؤية لم يبقَ حبيس اللغة الدبلوماسية، بل خرج في الأسابيع الأخيرة إلى العلن عبر تصريحات نارية من واشنطن وتسريبات لأخبار ووثائق أثارت قلق بروكسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
أوروبا رئيسة المفوضية مع رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة وزراء الدنمارك (إ.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يقرض أوكرانيا 90 مليار يورو

بعد شهور من النقاش والجدل، توصَّل قادة الاتحاد الأوروبي في قمتهم ببروكسل، إلى حلّ وسط في الساعات الأولى أمس، بشأن تمويل أوكرانيا على مدار العامين المقبلين، من.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا جنود ألمان في برلين (أرشيفية - رويترز)

الجيش الألماني يفتح تحقيقاً في تشغيل مقطع محظور من نص النشيد الوطني

أطلق الجيش الألماني تحقيقاً بعد قيام منسق أغانٍ (دي جيه) بعزف المقطع الأول من النشيد الوطني لألمانيا والمعروف بـ«أغنية ألمانيا» خلال حفلة عيد الميلاد في ثكنة.

«الشرق الأوسط» (برلين )

زيلينسكي يبحث هاتفياً مع ويتكوف وكوشنر «تفاصيل» خطة السلام مع روسيا

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي يبحث هاتفياً مع ويتكوف وكوشنر «تفاصيل» خطة السلام مع روسيا

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، أنه تحدّث هاتفياً مع المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، بعدما كشف، في اليوم السابق، عن تفاصيل الخطة الأميركية الجديدة لإنهاء الحرب مع روسيا.

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

وقال زيلينسكي، عبر «فيسبوك»: «لقد ناقشنا بعض التفاصيل المهمة للعمل الجاري. هناك أفكار جيدة يمكن أن تسهم في التوصل إلى نتيجة مشتركة وسلام دائم».


الملك تشارلز يثمن «وحدة التنوع المجتمعي» في بريطانيا خلال رسالة أعياد الميلاد

الملك تشارلز الثالث (رويترز)
الملك تشارلز الثالث (رويترز)
TT

الملك تشارلز يثمن «وحدة التنوع المجتمعي» في بريطانيا خلال رسالة أعياد الميلاد

الملك تشارلز الثالث (رويترز)
الملك تشارلز الثالث (رويترز)

أكد الملك تشارلز، ملك بريطانيا، الخميس، على أهمية «الوحدة في التنوع»، وذلك خلال رسالته السنوية بمناسبة أعياد الميلاد، في ظل تصاعد التوترات والحروب التي وضعت المجتمعات في جميع أنحاء العالم تحت ضغوط كبيرة.

وقال الملك تشارلز (​77 عاماً)، في خطابه السنوي الرابع منذ توليه العرش: «بالتنوع الكبير في مجتمعاتنا، يمكننا أن نجد القوة لضمان انتصار الحق على الباطل». وتابع: «عندما ألتقي أشخاصاً من مختلف الأديان، أجد أن من المشجع للغاية أن أتعرف على مدى ما يجمعنا؛ شوق مشترك للسلام، واحترام عميق لجميع أشكال الحياة».

الملك البريطاني تشارلز (أ.ب)

وتحدث الملك تشارلز عن «الترحال» وأهمية إظهار اللطف للأشخاص المتنقلين... وهي موضوعات تلقى صدى في وقت يسود فيه قلق عام شديد بشأن الهجرة في جميع أنحاء العالم.

وجاءت رسالته، التي أُلقيت في «كنيسة ‌ويستمنستر» حيث يجري ‌تتويج الملوك منذ عهد «ويليام الفاتح» عام 1066، ‌في ⁠نهاية ​عام اتسم بالتوترات ‌داخل العائلة المالكة.

جوقة أوكرانية تبرز دعم الملك لكييف

أعقب كلمات الملك أداء من جوقة أوكرانية، مرتدية قمصان «فيشيفانكا» الأوكرانية التقليدية المطرزة، وجوقة الأوبرا الملكية التي تتخذ من لندن مقراً.

ويعبر الملك تشارلز باستمرار عن دعمه أوكرانيا، واستضاف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في «قلعة ويندسور» 3 مرات في عام 2025 وحده، كانت الأخيرة في أكتوبر (تشرين الأول).

ورغم أن الدستور يلزمه أن ينأى بنفسه عن السياسة، فإن الملك تحدث مراراً عن الأزمات العالمية، معبراً ⁠عن قلقه بشأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في غزة، ومعبراً عن حزنه بعد أعمال العنف التي استهدفت جاليات يهودية، ‌ومنها الهجوم على كنيس يهودي في شمال إنجلترا خلال أكتوبر الماضي، وإطلاق النار بشاطئ بونداي في سيدني بأستراليا هذا الشهر.

وأشاد الملك تشارلز بالمحاربين القدامى وعمال الإغاثة في خطابه بمناسبة أعياد الميلاد، وهو تقليد يعود تاريخه إلى عام 1932؛ لشجاعتهم في مواجهة الشدائد، قائلاً إنهم منحوه الأمل.

وفي خطاب حافل بالإشارات إلى قصة الميلاد في الكتاب المقدس، استرجع أيضاً ذكرى زيارته الرسمية إلى الفاتيكان في أكتوبر، حيث صلى مع البابا ليو في أول ​صلاة مشتركة بين ملك بريطاني وبابا كاثوليكي منذ انفصال إنجلترا عن «كنيسة روما» عام 1534. وملك بريطانيا هو الحاكم الأعلى لـ«كنيسة إنجلترا».

التحديات ⁠الصحية والعائلية

بعد مرور نحو عامين على إعلان تشخيص إصابته بنوع غير محدد من السرطان، قال الملك تشارلز هذا الشهر إن من الممكن تخفيف علاجه في العام الجديد.

وأعلنت زوجة ابنه؛ الأميرة كيت أميرة ويلز، في يناير (كانون الثاني) الماضي أنها تعافت بعد إكمالها العلاج الكيميائي في سبتمبر (أيلول) من العام السابق، وهي إفصاحات نادرة من عائلة تحافظ عادة على خصوصيتها.

لم تكن الصحة التحدي الوحيد الذي يواجه النظام الملكي، فقد جرد الملك تشارلز شقيقه الأصغر آندرو من ألقابه بصفته «دوق يورك» و«أمير» بعد تجدد التدقيق في علاقته بجيفري إبستين المدان بارتكاب جرائم جنسية.

وشهد العام أيضاً لحظة مصالحة نادرة عندما اجتمع الأمير هاري، الابن الأصغر للملك تشارلز، مع والده لتناول الشاي في سبتمبر، في أول لقاء بينهما منذ أقل ‌بقليل من عامين.

وصرح الأمير هاري، المقيم في الولايات المتحدة، في وقت لاحق بأنه يأمل التعافي للجميع، واصفاً الحياة بأنها «ثمينة»، ومقراً بضيق الوقت لإصلاح العلاقات.


روسيا تدين المحاولات الأوروبية لـ«نسف» تقدم محادثات السلام

طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)
طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)
TT

روسيا تدين المحاولات الأوروبية لـ«نسف» تقدم محادثات السلام

طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)
طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

بعد ساعات من كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن خطة محدثة من 20 بنداً لإنهاء الحرب مع روسيا، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن ‌بلادها ترى ‌تقدماً ‌«بطيئاً ⁠ولكنه ​ثابت» ‌في محادثات السلام مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا.

وأضافت: «في عملية التفاوض ⁠حول تسوية ‌النزاع الأوكراني، أعني ‍في عملية التفاوض ‍مع الولايات المتحدة، هناك تقدم بطيء ولكنه ​ثابت».

وتابعت أن القوى الأوروبية الغربية ⁠تحاول نسف هذا التقدم، واقترحت أن تتصدى الولايات المتحدة لمثل هذه التحركات.

من جهته، قال المتحدث ‌باسم الكرملين، ‌ديمتري ‌بيسكوف، الخميس، ‌إن الكرملين يدرس الوثائق المتعلقة بإنهاء ⁠الحرب ‌في أوكرانيا ‍التي أحضرها المبعوث الروسي الخاص كيريل ​دميترييف إلى موسكو من ⁠الولايات المتحدة.

هجمات متبادلة

تزامنت المحادثات لإنهاء الحرب الروسية - لأوكرانية مع تبادل الجانبين هجمات عشية عيد الميلاد.

جانب من احتفالات الأوكرانيين بعيد الميلاد في كييف (إ.ب.أ)

وأفادت السلطات في عدة مناطق أوكرانية، الخميس، بوقوع هجمات جوية روسية أسفرت عن سقوط قتلى ودمار في أنحاء البلاد، في حين أعلنت السلطات الروسية عن هجمات أوكرانية مماثلة استهدفت أراضيها. وأعلنت السلطات الإقليمية مقتل شخص واحد وإصابة اثنين آخرين من جراء هجوم بطائرات مسيّرة روسية في منطقة أوديسا جنوب غربي أوكرانيا على البحر الأسود، إضافة إلى أضرار لحقت بالبنية التحتية للمواني والطاقة.

وفي منطقة خاركيف المتاخمة لروسيا شمال شرقي أوكرانيا، لقي شخص حتفه وأصيب 15 آخرون من جراء الهجمات.

وفي منطقة تشيرنيهيف شمال العاصمة كييف، لقي شخصان حتفهما من جراء هجوم بطائرات مسيّرة وقع الأربعاء. وقالت السلطات: «احتفلت منطقة تشيرنيهيف بعيد الميلاد تحت وطأة القصف. وللأسف، لقي شخصان حتفهما وأصيب اثنان آخران».

كما أعلنت وزارة الطاقة الأوكرانية عن انقطاعات وإغلاقات طارئة للكهرباء في أنحاء البلاد عقب الهجمات الروسية.

صواريخ «ستورم شادو»

في المقابل، قال مسؤولون عسكريون وأمنيون أوكرانيون، الخميس، إن أوكرانيا أطلقت صواريخ «ستورم شادو» البريطانية الصنع وطائرات مسيّرة بعيدة المدى من إنتاجها المحلي لاستهداف عدد من منشآت النفط والغاز الروسية.

سيدة تشارك في احتفالات عيد الميلاد قرب مسيّرة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

وكانت أوكرانيا قد استخدمت في السابق الصواريخ البريطانية الصنع لمهاجمة أهداف صناعية روسية، تقول إنها تدعم مجهود موسكو الحربي. وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية، وفق «رويترز»، إن سلاح الجو استخدم صواريخ «ستورم شادو» المجنحة لضرب مصفاة نوفوشاختينسك للنفط في منطقة روستوف الروسية. وأضافت الهيئة في بيان عبر تطبيق «تلغرام» الخميس: «تم تسجيل عدة انفجارات. تمت إصابة الهدف».

وأوضحت أن المصفاة تُعد واحدة من أكبر موردي المنتجات النفطية في جنوب روسيا، وكانت تزوّد القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا بوقود الديزل ووقود الطائرات.

من جهته، قال جهاز الأمن الأوكراني (SBU) إن الطائرات المسيّرة البعيدة المدى المصنّعة محلياً أصابت خزانات لمنتجات نفطية في ميناء تمريوك الروسي في إقليم كراسنودار، إضافة إلى مصنع لمعالجة الغاز في أورينبورغ بجنوب غربي روسيا.

ويقع مصنع أورينبورغ لمعالجة الغاز، وهو أكبر منشأة من نوعها في العالم، على بُعد نحو 1400 كيلومتر (نحو 870 ميلاً) من الحدود الأوكرانية.

مواطن أوكراني يتفقد الدمار الذي خلفته ضربة روسية في زابوريجيا يوم 19 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وفي إقليم كراسنودار، قالت السلطات الإقليمية الروسية إن خزانين لمنتجات نفطية اشتعلا في ميناء تمريوك الجنوبي عقب هجوم بالطائرات المسيّرة. وأفادت السلطات في مقر العمليات بإقليم كراسنودار عبر تطبيق «تلغرام» بأن النيران امتدت على مساحة تُقدّر بنحو 2000 متر مربع.

ومع اقتراب الحرب الروسية على أوكرانيا من دخول عامها الرابع، وفشل الجهود الدبلوماسية حتى الآن في تحقيق أي نتائج ملموسة لإنهائها، تكثّف كل من كييف وموسكو هجماتهما بالطائرات المسيّرة والصواريخ على منشآت الطاقة. وقد زادت كييف من ضرباتها على مصافي النفط الروسية وغيرها من البنى التحتية للطاقة منذ أغسطس (آب)، في مسعى لخفض عائدات النفط الروسية، التي تُعد مصدراً رئيسياً لتمويل مجهودها الحربي.

كما قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إن القوات الأوكرانية استهدفت أيضاً مطاراً عسكرياً في مدينة مايكوب الروسية في جمهورية أديغيا بمنطقة شمال القوقاز.

قضية الباحث الفرنسي

في سياق متصل، أعلنت موسكو، الخميس، أنها قدمت لباريس «اقتراحاً» بشأن الباحث الفرنسي، لوران فيناتييه، المسجون في روسيا منذ يونيو (حزيران) 2024، الذي يواجه احتمال المحاكمة بتهمة التجسس.

الباحث الفرنسي لوران فيناتييه خلال جلسة استماع في محكمة بموسكو يوم 16 سبتمبر (أ.ف.ب)

ويأتي الإعلان بشأن فيناتييه في وقت تتبادل روسيا وفرنسا تصريحات علنية بشأن الحاجة إلى حوار مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون، بعدما بلغت العلاقة بين البلدين أدنى مستوياتها عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في مؤتمره الصحافي: «جرت اتصالات ملائمة بيننا وبين الفرنسيين». وأضاف: «قدمنا لهم اقتراحاً بشأن فيناتييه... الكرة الآن في ملعب فرنسا»، ممتنعاً عن تقديم تفاصيل إضافية لأن «هذا مجال شديد الحساسية».

من جهتها، أعربت عائلة الباحث على لسان محاميها، عن أملها أن يُفرج عنه خلال فترة الأعياد التي تنتهي في السابع من يناير (كانون الثاني)، يوم تحيي الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي عيد الميلاد.

وقال المحامي فريدريك بولو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن العائلة «متفائلة بحذر»، مضيفاً: «لدينا ملء الثقة بالدبلوماسية الفرنسية التي تقوم بكل ما في وسعها». وأمل أن يُبحث مصير فيناتييه في أي اتصال قد يجري بين بوتين وماكرون.

تأمل أسرة الباحث الفرنسي لوران فيناتييه أن ينجح ماكرون في إعادته إلى فرنسا (أ.ف.ب)

وكان بوتين قال خلال مؤتمره الصحافي السنوي الأسبوع الماضي، إنه ليس مُطّلعاً على القضية ويسمع بها للمرة الأولى، وذلك رداً على سؤال من مراسل فرنسي. وأضاف: «أعدكم بأنني سأستوضح الأمر. وإذا توافرت أدنى فرصة لحل هذه المسألة إيجاباً، وإذا أجازت القوانين الروسية ذلك، فسنفعل ما في وسعنا».

وقضت محكمة روسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بسجن فيناتييه ثلاثة أعوام لعدم تسجيل نفسه بوصفه «عميلاً أجنبياً»، بينما كان يجمع «معلومات عسكرية» قد تستخدم ضد «أمن» روسيا. وأقر المتهم بالوقائع، لكنه دفع بجهله بما كان يتوجب عليه القيام به.

وفي أغسطس (آب)، مثل فيناتييه أمام محكمة روسية ليواجه تهم «تجسس» قد تؤدي في حال إدانته، إلى تشديد عقوبته. وقال في حينه إنه لا يتوقع «أي أمر جيد، لا، أي أمر إيجابي». وقال والداه لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في حينه إن نجلهما «سجين سياسي» تستخدمه روسيا بمثابة «بيدق» من أجل «الضغط».

وألقت روسيا القبض على عدد من الرعايا الأجانب لأسباب شتى منذ بدأت الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022، وأجرت خلال الأشهر الماضية عمليات تبادل أسرى مع الولايات المتحدة.

وفيناتييه البالغ 49 عاماً، باحث متخصص في ملف الفضاء ما بعد الحقبة السوفياتية، وكان يعمل على الأراضي الروسية مع مركز الحوار الإنساني، المنظمة السويسرية غير الحكومية التي تتوسط في النزاعات خارج الدوائر الدبلوماسية الرسمية.