مع نهاية هذا الأسبوع ... وداع أخير للحبر الأعظم الذي أعاد الكنيسة إلى جذورها

يبدأ مجمع الكرادلة اجتماعاته المغلقة في الخامس من الشهر المقبل في ظروف من الانقسام بين الجناحين الإصلاحي والمحافظ

يصطفّ الناس لدخول كنيسة القديس بطرس لوداع البابا فرنسيس (رويترز)
يصطفّ الناس لدخول كنيسة القديس بطرس لوداع البابا فرنسيس (رويترز)
TT

مع نهاية هذا الأسبوع ... وداع أخير للحبر الأعظم الذي أعاد الكنيسة إلى جذورها

يصطفّ الناس لدخول كنيسة القديس بطرس لوداع البابا فرنسيس (رويترز)
يصطفّ الناس لدخول كنيسة القديس بطرس لوداع البابا فرنسيس (رويترز)

لم تشهد روما، ولا حاضرة الفاتيكان، مثل هذا التدفق الهائل من الناس لوداع البابا الذي عاش مثل الذين أحبَّهم ودافع عنهم حتى اللحظات الأخيرة من حياته، والذي يتهافت زعماء العالم للسير في جنازته، وخاصة أولئك الذين تآمروا ضده أو انتقدوه أو تجاهلوا تعاليمه ومواعظه.

مع نهاية هذا الأسبوع تنتهي سَكرة وداع الحبر الأعظم الذي أعاد الكنيسة إلى جذورها السحيقة، والذي غادر الدنيا كما أتاها، لكن بحذاءٍ مثقوب، وتبدأ فكرة اختيار خلَف لهذا الرجل الاستثنائي الذي قرر أن يُوارى خارج أضرحة الباباوات، تحت لوحة رخامية بسيطة طلب أن تكون من المقاطعة الإيطالية التي شهد فيها أجداده النور، وعليها عبارة واحدة فقط هي اسم القديس الثائر الذي كان قد تجرّأ وحده أن يختار اسمه: فرنسيسكوس.

تعرف الكنيسة الكاثوليكية أنها أمام اختبار دقيق تشخص إليه عيون العالم وتجهد جهات كثيرة نافذة للتأثير في مساره ونتيجته. ومن المنتظر أن يبدأ مجمع الكرادلة المخوَّلين بانتخاب البابا الجديد اجتماعاته المغلقة في الخامس من الشهر المقبل، في ظروف من الانقسام الحادّ بين الجناحين الإصلاحي والمحافظ، وارتفاع غير مسبوق في عدد الجنسيات التي ينتمي إليها الكرادلة.

نعش البابا الراحل فرنسيس أثناء نقله من كنيسة سانتا مارتا إلى كاتدرائية القديس بطرس عقب وفاته في الفاتيكان (أ.ف.ب)

أنظار العالم ستكون موجهة، منذ صبيحة الخامس من مايو (أيار) إلى مدخنة دير القديسة مارتا، داخل الحَرَم الفاتيكاني، تترقب صعود الدخان الأسود الذي ينذر بأن الكرادلة أخفقوا في انتخاب خلف للبابا الراحل، أو الدخان الأبيض الذي يعلن أن للكنيسة حبراً أعظم جديداً. لكن ما قصة هذه العملية الانتخابية الفريدة من نوعها التي تعتمدها الكنيسة لاختيار الرجل الذي سيتولى واحداً من أهم المناصب في تاريخ البشرية؟

في عام 2013، قرر البابا بنيدكت السادس عشر التنحي عن منصبه، في خطوةٍ لم تشهدها الكنيسة سوى في عدد قليل من المرات خلال تاريخها، وأدّت إلى اختيار البابا فرنسيس خلفاً له. تلك الخطوة أعادت إلى الأذهان استقالة أخرى شهيرة في تاريخ الكنيسة المضطرب، هي استقالة البابا بنيدكت التاسع، الذي تولّى منصب الحبر الأعظم ثلاث مرات في القرن الحادي عشر، وكان ينتمي إلى أسرة نافذة جداً في روما قدّمت للكنيسة عدداً من الباباوات مقابل مبالغ طائلة من المال.

مارادونا وُجد ميتاً في فراشه من قِبل ممرضة يومية (أ.ب)

تولّى بنيدكت التاسع الباباوية للمرة الأولى في عام 1032، عندما كان لا يزال مراهقاً، ويوم كانت الباباوية هي المركز القانوني الأول في العالم الغربي.

وشهدت حبريته الأولى سلسلة من الفضائح والجرائم التي شوّهت صورة الكنيسة، إلى أن قرر الكرادلة تنحيته عن منصبه، وعرضوا عليه مبلغاً ضخماً من المال لم يتردد في قبوله واستقال.

وخلفه البابا سيلفستر الثالث الذي دامت حبريته أقل من ستة أشهر عندما لجأ بنيدكت التاسع إلى جيش من المرتزقة، بتمويل من أسرته، وأجبره على الرحيل ليتولى منصبه من جديد. وبعد أيام من جلوسه، قرر التنحي ليتزوج ابنة عمه، وعيّن إشبينه خلَفاً له تحت اسم غريغوار السادس.

لكن الزواج لم يصل إلى خواتيمه، وعاد بنيدكت التاسع ليتولى الباباوية للمرة الثالثة، وأيضاً بقوة السلاح.

البابا الراحل فرنسيس (أ.ب)

ذلك التصرف من جانب بنيدكت التاسع وضع الكنيسة في وضع مُحرج جداً يتنازع فيها ثلاثة أشخاص حول منصب البابا، ويدّعون أحقّيتهم فيه. عندئذ قرر الكرادلة وضع نظام جديد لاختيار البابا، بعد شغور الكرسي، طرأت عليه تعديلات لاحقة إلى أن استقرّ في عهد البابا غريغوار العاشر، أواسط القرن الثالث عشر، على الصيغة التي نعرفها اليوم. يومها قرر غريغوار العاشر أن يجتمع الكرادلة في غرفة مغلقة (من هنا مصطلح مجمع Conclave المشتق من اللاتينية cum-clavis أي مُقفل بالمفتاح) لا يخرجون منها إلى أن ينتخبوا خلفاً للبابا الراحل أو المستقيل.

ويبدأ الاجتماع بتقديم المرشحين والتحاور معهم، ثم تجري عملية الاقتراع التي يجب أن يحصل الفائز فيها على ثلثَي الأصوات. وعندما يتعذر ذلك، تحرق الأوراق التي استخدمها الكرادلة للتصويت، ممزوجة بالقش الرطب ليخرج الدخان الأسود من مدخنة القاعة دليلاً على عدم التوصل إلى اتفاق حول البابا الجديد. وعندما ينال أحد المرشحين الأغلبية اللازمة، تحرق الأوراق وحدها ليخرج الدخان الأبيض؛ دلالة على انتخاب حبر أعظم جديد. ومنذ أواخر القرن الماضي، جرى استبدال بالقش الرطب مواد كيميائية لتلوين الدخان بالأسود، والتدليل على تعثر عملية الانتخاب.


مقالات ذات صلة

البابا يحث أميركا على عدم محاولة الإطاحة برئيس فنزويلا بالقوة العسكرية

العالم البابا ليو الرابع عشر يتحدث إلى الصحافيين حول انتخابه والعلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا على متن رحلة متجهة إلى روما (رويترز)

البابا يحث أميركا على عدم محاولة الإطاحة برئيس فنزويلا بالقوة العسكرية

حث البابا ليو الثلاثاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عدم محاولة الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو باستخدام القوة العسكرية

«الشرق الأوسط» (روما - واشنطن)
المشرق العربي البابا ليو الرابع عشر يلقي كلمة أمام ضريح القديس شربل بدير مار مارون في عنايا اليوم (إ.ب.أ) play-circle

البابا لرؤساء الطوائف المسيحية والمسلمة في لبنان: تغلّبوا على العنف وارفضوا الإقصاء

في اليوم الثاني من زيارته إلى لبنان، يحمل البابا ليو الرابع عشر دعوة للوحدة بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ورسالة أمل إلى شباب ينتظرونه بحماسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البايا وعون

البابا ليو يحث لبنان على السلام

حثّ البابا ليو الرابع عشر لبنان، أمس، على السلام، داعياً اللبنانيين، في مستهل زيارته إلى البلاد، إلى التحلي بـ«شجاعة» البقاء في بلدهم، ومشدداً على أهمية.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي البابا في صورة تذكارية مع رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة وزوجاتهم بقصر بعبدا (إ.ب.أ)

البابا يدعو اللبنانيين إلى السلام والمصالحة والبقاء

حثّ البابا ليو الرابع عشر اللبنانيين على المضي بطريق السلام مستهلاً زيارته لبيروت بعبارة «طوبى لفاعلي السلام» ودعا إلى التحلي بـ«شجاعة» البقاء

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال استقبال بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر في قصر بعبدا الرئاسي (رويترز)

عون خلال استقبال بابا الفاتيكان: لن نرحل أو نستسلم

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الأحد، إن «لبنان تكوّن بسبب الحرية ومن أجلها. لا من أجل أي دين أو طائفة أو جماعة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
TT

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

وكتبت هيئة الأركان العامة للجيش على تطبيق تلغرام أن مصنع نيفينوميسكي أزوت تعرض للقصف يوم الخميس، موضحة أن المنشأة تنتج مكونات للمتفجرات ووصفتها بأنها واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في روسيا.

ولم يصدر على الفور رد فعل من جانب المسؤولين الروس، ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة ما أعلنه الجيش الأوكراني بشكل مستقل.


أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
TT

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، اليوم الخميس، في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

وتسعى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي هيئة معنية بالأمن والحقوق، إلى الاضطلاع بدور في أوكرانيا ما بعد الحرب.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، إن الطريق أمام محادثات السلام غير واضح حالياً، في تصريحات بعد محادثات وصفها بأنها «جيدة إلى حد معقول» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثين أميركيين.

وأضاف سيبيها أمام المجلس الوزاري السنوي للمنظمة: «ما زلنا نتذكر أسماء أولئك الذين خانوا الأجيال القادمة في ميونيخ. يجب ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. يجب عدم المساس بالمبادئ ونحن بحاجة إلى سلام حقيقي وليس إلى تهدئة».

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأشار الوزير بهذا على ما يبدو إلى اتفاقية عام 1938 مع ألمانيا النازية، التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن يضم أدولف هتلر إقليماً فيما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا. وتستخدم هذه الاتفاقية على نطاق واسع باعتبارها إشارة إلى عدم مواجهة قوة مهددة.

ووجه سيبيها الشكر للولايات المتحدة على ما تبذله من جهود في سبيل إرساء السلام، وتعهد بأن أوكرانيا «ستستغل كل الفرص الممكنة لإنهاء هذه الحرب»، وقال: «أبرمت أوروبا الكثير للغاية من اتفاقيات السلام غير العادلة في الماضي. أسفرت جميعها عن كوارث جديدة».

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن فريقه يستعد لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة وإن الحوار مع ممثلي ترمب سيستمر.

وبرزت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تضم 57 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومعظم دول أوروبا وآسيا الوسطى، بوصفها منتدى مهماً للحوار بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

وفي السنوات القلائل الماضية، وصلت المنظمة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، إذ عرقلت روسيا تنفيذ قرارات مهمة، واتهمتها بالخضوع لسيطرة الغرب. واشتكت روسيا في بيانها من «هيمنة أوكرانيا الشاملة على جدول الأعمال» في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.


تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
TT

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا، الخميس، أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى وصوله في زيارة دولة إلى آيرلندا، يوم الاثنين.

وذكرت صحيفة «آيريش تايمز» أن عملية الرصد أثارت استنفاراً أمنياً واسعاً وسط مخاوف من أنها محاولة للتدخل في مسار الرحلة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن الطائرة، التي وصلت قبل موعدها بقليل، لم تكن معرضة للخطر، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصل الوفد الأوكراني في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين، وغادر في وقت متأخر من اليوم التالي، في إطار رحلة للمساعدة في حشد الدعم الأوروبي لكييف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا.

وأدّت توغلات الطائرات المسيرة، التي لم يُكشف عن الجهة المسؤولة عنها حتى الآن، إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التوغلات بأنها «حرب متعددة الوسائل».