أوروبا تتجه صوب امتلاك قدرات دفاعية «ذات سيادة أكبر»

خطتها زيادة في الإنفاق مع حشد 800 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة

أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (د.ب.أ)
أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (د.ب.أ)
TT

أوروبا تتجه صوب امتلاك قدرات دفاعية «ذات سيادة أكبر»

أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (د.ب.أ)
أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (د.ب.أ)

قال رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، إن أوروبا تتجه صوب امتلاك قدرات دفاعية «قوية وذات سيادة أكبر»، وذلك خلال قمة أزمة عقدها قادة الاتحاد الأوروبي مطلع مارس (آذار) الماضي، لمناقشة جهود إعادة التسلّح بالقارة في مواجهة روسيا. وقال رئيس وزراء البرتغال السابق كوستا: «نحن نضع أموالنا في مكانها الصحيح». ولكنّ ثمة سؤالاً ملحاً يواجه الاتحاد الأوروبي حالياً، ألا وهو: أين تُنفق هذه الأموال؟ هل يجب توجيه المليارات إلى أوروبا أم إلى الولايات المتحدة؟ هل يتعيّن إنفاق موازنات الدفاع الأوروبية التي تموّلها عائدات الضرائب على شركات الدفاع في الاتحاد؟

صورة جماعية لحلفاء أوكرانيا بعد اجتماعهم في لندن يوم 2 مارس الماضي (رويترز)

ما الخطة؟

وأيّد زعماء الاتحاد الأوروبي الذين اهتزوا إزاء احتمال فك ارتباط الولايات المتحدة بأمن التكتل الأوروبي، وصدام الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، خطة في 20 مارس تهدف إلى تعزيز دفاعات الاتحاد والدعم العسكري لأوكرانيا في الوقت الذي تواصل فيه كييف التصدي للغزو الروسي الشامل لأراضيها.

وتمثّل الخطة زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، حيث تتضمّن حشد 800 مليار يورو (887 مليار دولار) على مدى السنوات الأربع المقبلة، منها 150 مليار يورو قروضاً لمشروعات التسليح، تجمعها المفوضية الأوروبية عبر أسواق المال، وتضمنها موازنة الاتحاد الأوروبي. كما تسمح الخطة بمنح إعفاءات من قواعد الاتحاد الأوروبي الخاصة بالديون لاستثمارات الدول الأعضاء في مجال الدفاع. وتنطوي التدابير الأخرى لإطلاق المزيد من الأموال على دور مهم لبنك الاستثمار الأوروبي، وحشد التمويل الخاص، بفضل استكمال «اتحاد أسواق رأس المال» الأوروبي.

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا يصافح رئيسة وزراء آيسلندا كريسترون فروستادوتير خلال لقاء في بروكسل (رويترز)

أموال بلا حساب

ويجب الآن وضع المبادرة موضع التنفيذ، ولكن هذا هو الوضع الذي عادة ما تُثار فيه المشكلات الحقيقية في الاتحاد الأوروبي. وتشكو عدة دول أوروبية من أن الخطة لم تذهب بعيداً بشكل كافٍ من الناحية المالية. وقال رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، إنه يتعيّن التفكير بشكل جدي في مزيد من الاقتراض الجديد واسع النطاق للاتحاد الأوروبي.

يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يلجأ إلى «سندات اليورو» سوى مرة واحدة في السابق، للتخفيف من التداعيات الاقتصادية خلال فترة جائحة فيروس «كورونا». ومع ذلك، لا تزال دول مثل ألمانيا وهولندا والنمسا تعارض بشدة اللجوء إلى ذلك مرة أخرى.

وأقرت الحكومة الألمانية الجديدة، خلال الشهر الماضي، إحداث تغييرات في حدود الإنفاق الصارمة بالبلاد، لتمهيد الطريق أمام توجيه مئات مليارات اليورو في استثمارات جديدة بمجالي الدفاع والبنية التحتية.

وعلى الرغم من ذلك، ليس من المرجح أن تتبع هولندا التي تتجنّب الديون، هذا السبيل، في حين أن الدول المثقلة بالديون مثل إيطاليا وفرنسا قد تفتقر إلى القدرة المالية.

الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في بروكسل (إ.ب.أ)

شراء المنتجات الأوروبية

والجانب الشائك الآخر هو مبدأ «شراء المنتجات الأوروبية» الذي تدافع عنه فرنسا من أجل تعزيز الصناعات الأوروبية، والذي بموجبه يتم إنفاق الأموال العامة الأوروبية في الاتحاد الأوروبي مع شركات الدفاع الأوروبية. وهناك انقسام في المواقف، حيث تريد بعض الدول الأعضاء سلسلة قيمة أكثر انفتاحاً، وربما حتى بما يشمل أميركا.

وجرى إعداد مبادرة تشجيع «شراء المنتجات الأوروبية» -التي تنطبق على الـ150 مليار يورو من القروض- لتشجيع المشتريات المشتركة، خصوصاً فيما يتعلق بالمشروعات الكبرى التي تحظى بمصلحة جماعية؛ مثل: مجالات الدفاع الجوي، والصواريخ بعيدة المدى، وطائرات الشحن، والاستثمارات السيبرانية أو الفضائية.

وحسب الخطة، يجب أن تمثّل قيمة تجارة الأسلحة بين الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما لا يقل عن 35 في المائة من قيمة السوق في القارة بأكملها بحلول عام 2030، وتبلغ الحصة الحالية نحو 15 في المائة.

وألقت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بثقلها وراء هذه الخطوة، من أجل تقليص اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة فيما يتعلّق بمشتريات الدفاع. وقالت كالاس خلال اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الدول الأعضاء بالتكتل، في وارسو عاصمة بولندا مؤخراً: «نشتري الكثير (من الأسلحة) من الأميركيين في الوقت الحالي، لكننا بحاجة إلى تنويع محفظتنا بحيث تكون لدينا القدرة على إنتاج الذخيرة والأشياء التي نحتاج إليها هنا».

والسويد واحدة من أقوى مؤيدي التعاون الدفاعي الوثيق مع دول من خارج الاتحاد الأوروبي، وهو ما يرجع جزئياً إلى العلاقات القوية بين صناعة الدفاع السويدية وقطاع الدفاع في النرويج وبريطانيا. ومع ذلك، ترى السويد أن مبدأ «شراء المنتجات الأوروبية» من شأنه أن يعود بالنفع على الصناعة لديها، التي تضم شركات كبرى مثل «ساب» و«بوفورس» و«هاجلوندس».

وقال رئيس وزراء السويد، أولف كريسترسون، في شهر فبراير (شباط) الماضي: «من الغريب أن يتم شراء 80 في المائة من الأسلحة في أوروبا من الولايات المتحدة، في حين أن لدينا صناعة دفاع أوروبية ناجحة».

أعلام دول «تحالف الراغبين» أمام مقر «الناتو» في بروكسل (أ.ب)

شراء المنتجات الفرنسية؟

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وبولندا، مؤخراً، خططاً لتعزيز قواتها المسلحة. وتسعى وارسو إلى تخصيص نحو 5 في المائة من الناتج الاقتصادي لديها في عام 2026 من أجل الإنفاق العسكري، مقارنة بـ4.7 في المائة العام الحالي. كما ترغب بولندا في تيسير وصول الشركات من خارج الاتحاد الأوروبي إلى الإنفاق الدفاعي للتكتل، وهو ما يتعارض مع موقف فرنسا في هذا الشأن. ولطالما كافحت فرنسا، وهي دولة تمتلك صناعة دفاع متطورة، من أجل أن تطور أوروبا قدراتها على التحرك بشكل مستقل عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بالشؤون العالمية.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خططاً لزيادة طلبات شراء طائرات «رافال» الفرنسية المقاتلة، وقال إنه يتعيّن على بلاده الاستعداد للدفاع عن نفسها «إذا ما أردنا تجنّب الحرب». ومن المقرر أن تسلّم فرنسا عدة مئات من صواريخ «سطح-جو»، طراز «ميسترال»، للدنمارك، حسب ما أعلنه قصر الإليزيه مطلع أبريل (نيسان) الحالي. وسعت الدنمارك على مدار الأشهر الأخيرة إلى الحصول على دعم أوروبي في مواجهة تهديدات ترمب بالاستيلاء على جزيرة غرينلاند.

وزير الدفاع البريطاني جون هيلي مع نظيره الروماني وبعض العسكريين (أ.ب)

لا تضع البيض كله في سلة واحدة

ووقّعت اليونان مؤخراً صفقة للتعاون العسكري مع فرنسا، وطلبت شراء 24 طائرة مقاتلة طراز «رافال»، وثلاث فرقاطات دفاع وتدخل، طراز «بلهارا». وتبلغ قيمة الصفقة نحو 5.5 مليار يورو. وتعتزم اليونان استثمار 25 مليار يورو في مجال الدفاع على مدار السنوات الاثنتي عشرة المقبلة، ولكنها لا تقصر مشترياتها على المعدات العسكرية الأوروبية، حيث وقّعت أثينا صفقة لشراء 20 مقاتلة «إف-35» أميركية الصنع.

وفي أقصى الشمال، تجري كرواتيا مشتريات أسلحة ومعدات عسكرية من شركات أوروبية وأميركية، على حد سواء.

وطلبت زغرب العام الماضي، قبل إعادة انتخاب ترمب، شراء 8 أنظمة «هيمارس» الصاروخية «إم 142» التي تتميز بسرعة الحركة والدقة العالية، من شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية. كما قررت شراء 89 مركبة مشاة قتالية مستعملة طراز «برادلي إم-2 إيه-2»، من الولايات المتحدة أيضاً، ووقعت صفقة لشراء 8 طائرات هليكوبتر «يو إتش60-إم»، لصالح الجيش الكرواتي.

واشترت كرواتيا أنظمة دفاع جوي فرنسية، ووقّعت خطاب نيات مع ألمانيا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للحصول على ما يصل إلى 50 دبابة قتال رئيسية ألمانية جديدة «ليوبارد-2 إيه»، بسعر مخفض مقابل نقل الدبابات ومركبات المشاة القتالية إلى أوكرانيا.

وزير الدفاع البريطاني مع نظيره الفرنسي (أ.ب)

الاستراتيجية أولاً

وفي الوقت نفسه، يرى البعض أن من قبيل الخطأ تحديد أهداف الإنفاق قبل مواءمة نهج الاتحاد الأوروبي. وفي سلوفاكيا، قال النائب عن حزب سلوفاكيا التقدمي المعارض، رئيس الوزراء السابق، لودفيت أودور: «يتعيّن أن تستند جميع أوجه الإنفاق على المستويين الأوروبي والوطني إلى استراتيجية مشتركة يمكن من خلالها إيجاد أوجه التآزر». وأضاف أودور: «دعونا نحددها أولاً، ثم يمكننا بعد ذلك الحديث عن نسب بعينها».

* يستند هذا المحتوى إلى تقارير لوكالات مشاركة في مشروع غرفة الأخبار الأوروبية ببروكسل: «أ.ف.ب» و«أنسا» و«بي تي إيه» و«د.ب.أ» و«إفي» و«هينا» و«تي إيه إس آر» و«تي تي».


مقالات ذات صلة

3 انتخابات في أوروبا يخيم عليها ترمب والحرب في أوكرانيا

أوروبا ناخب يتأكد من ورقة الاقتراع قبل وضعها في الصندوق خلال الانتخابات الرئاسية في بولندا 18 مايو 2025 (أ.ف.ب)

3 انتخابات في أوروبا يخيم عليها ترمب والحرب في أوكرانيا

يدلي البولنديون بأصواتهم في انتخابات رئاسية ستقرر ما إذا كانت وارسو ستتبع المسار المؤيد لأوروبا، أو ستتخذ خطوة نحو إعادة القوميين المعجبين بترمب.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (إ.ب.أ)

رئيس المجلس الأوروبي: أشعر بالصدمة إزاء ما يحدث في غزة

عبّر رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، السبت، عن شعوره بالصدمة إزاء ما يحدث في قطاع غزة من تجويع للمدنيين وقصف متكرر للمستشفيات.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية الرئيس دونالد ترمب والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض بواشنطن 13 نوفمبر 2019 (رويترز)

إردوغان يعوّل على «صداقة» ترمب لرفع عقوبات «كاتسا» عن تركيا

عبّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن تفاؤله برفع القيود الأميركية المفروضة على قطاع الدفاع في بلاده بفضل «علاقة الصداقة» التي تجمع بينه وبين نظيره ترمب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من المحادثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول بمشاركة وفد تركي برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا اتفقتا على تبادل ألفي أسير وبحثتا وقف إطلاق النار

واتفق الجانبان الروسي والأوكراني خلال المحادثات بينهما في إسطنبول الجمعة بمشاركة تركية على تبادل ألفي أسير حرب وبحثا وقف إطلاق النار

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)

«المفوضية الأوروبية»: سنكثف الضغط على بوتين حتى يصبح مستعداً للسلام

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اليوم الجمعة، إنه حان الوقت لتكثيف الضغوط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى يصبح مستعداً للسلام.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

الاستخبارات الداخلية الألمانية: روسيا تعتمد على مأجورين للقيام بأعمال تخريب وتجسس

مقر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا (رويترز)
مقر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا (رويترز)
TT

الاستخبارات الداخلية الألمانية: روسيا تعتمد على مأجورين للقيام بأعمال تخريب وتجسس

مقر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا (رويترز)
مقر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا (رويترز)

قال المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية)، إن الاستخدام المزداد لما يسمى «العملاء منخفضي المستوى» من قبل أجهزة المخابرات الروسية هو انعكاس لنجاح مكافحة السلطات الألمانية للتجسس داخل البلاد.

وقال نائب رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور، زينان زيلين، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إن «المكتب الاتحادي لحماية الدستور وأجهزة استخباراتية أوروبية أخرى لاحظت منذ سنوات زيادة كبيرة في أنشطة أجهزة الاستخبارات الروسية».

وأوضح زيلين أن روسيا تستخدم في ذلك أساليب مختلفة، وأحياناً تجمع بين أكثر من أسلوب وتكيفها مع إجراءاتها، مضيفاً أن ذلك يشمل أيضاً الأشخاص الذين يتم تجنيدهم للقيام بأعمال أو عمليات فردية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل أخرى، والذين يُطلق عليهم «عملاء منخفضي المستوى».

تجدر الإشارة إلى أن «العملاء منخفضي المستوى» والمعروفين أيضاً باسم «العملاء القابلين للتخلص منهم»، ليسوا ضباط استخبارات رسميين، ويتم استخدامهم للتخريب أو الدعاية أو التجسس، وعادة ما يحصلون على المال مقابل هذا.

وبحسب السلطات الأمنية الألمانية، فإن هؤلاء المأجورين هم في المقام الأول أشخاص لفتوا الانتباه من خلال تصريحاتهم المؤيدة لروسيا.

وقبل أيام قليلة، تم الكشف عن خطط مزعومة لشن هجمات على نقل البضائع في ألمانيا. وتم القبض على 3 أوكرانيين في ألمانيا وسويسرا، وتتهمهم النيابة العامة الاتحادية بممارسة أنشطة استخباراتية بغرض التخريب.

وهناك شكوك في أن السلطات الحكومية في روسيا تقف وراء هذا الأمر، وفق وكالة الأنباء الألمانية.

وقال زيلين إن تجنيد «عملاء منخفضي المستوى» لنشر معلومات مضللة أو التخريب أو التجسس على أهداف هو جزء لا يتجزأ من مجموعة إجراءات روسية ضد دول أوروبية، مضيفاً أن المكتب الاتحادي لحماية الدستور يفترض وجود تهديد طويل الأمد من الأنشطة الروسية في أوروبا، بغض النظر عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا والمسار اللاحق لهذا الصراع.

وقال زيلين: «ألمانيا هي محط اهتمام خاص لأجهزة الاستخبارات الروسية. ومن ثم يظل التهديد مرتفعاً على الدوام».