باريس لاستضافة اجتماعين أوروبيين دعماً لأوكرانيا

لقاءان لوزراء الدفاع وقادة الأركان لبحث مد المظلة النووية الفرنسية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راغب في بدء نقاش حول نشر المظلة النووية الفرنسية فوق دول الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راغب في بدء نقاش حول نشر المظلة النووية الفرنسية فوق دول الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
TT
20

باريس لاستضافة اجتماعين أوروبيين دعماً لأوكرانيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راغب في بدء نقاش حول نشر المظلة النووية الفرنسية فوق دول الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راغب في بدء نقاش حول نشر المظلة النووية الفرنسية فوق دول الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)

مرة أخرى، تسعى باريس لتلعب دوراً رائداً في ملف الحرب الأوكرانية من خلال مجموعة من المبادرات الجديدة، ومن خلال مواقف تبدو الأكثر تشدداً إزاء روسيا من جهة والدافعة، من جهة أخرى، إلى بناء دفاع أوروبي قوي.

وتسعى باريس إلى تسخير امتلاكها السلاح النووي الذي حصلت عليه في عام 1960، لتطرح على شركائها الأوروبيين إفادتهم من «مظلتها النووية» وذلك على خلفية التباعد بين جناحي الحلف الأطلسي، الأميركي والأوروبي، والتخوف الأوروبي من أن واشنطن ربما تدير ظهرها لحلفائها الأوروبيين. ويريد الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يسعى إلى قيام منظومة أوروبية مؤثرة تضم إلى جانب فرنسا كلاً من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبولندا، الانتقال من مرحلة إطلاق الأفكار إلى مرحلة السعي إلى ترجمتها إلى واقع. ومجال التطبيق يتناول، هذه المرة، التشاور مع الدول الأوروبية الراغبة في إرسال وحدات من وقواتها المسلحة إلى أوكرانيا من أجل «ضمان» اتفاق سلام ربما يتم التوصل إليه.

وإذا كان مقترح إرسال قوة أوروبية قد بُحث جماعياً، للمرة الأولى، خلال اجتماع القادة الأوروبيين في بريطانيا، الأحد ما قبل الماضي، بدفع من ماكرون ومن كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، ثم طُرح في قمة بروكسل في السادس من الشهر الحالي، فإن الدخول في التفاصيل العملية سيكون موضوع الاجتماع الذي تستضيفه باريس، الثلاثاء، والذي سيضم قادة أركان الدول الأوروبية الراغبة في المشاركة في القوة المشتركة.

وللتدليل على أهمية هذا الاجتماع، فإنه سيكون بحضور الرئيس ماكرون وهي سابقة؛ إذ إن المسائل العسكرية ينظر فيها العسكريون وليس لرئيس الجمهورية أن يشارك في اجتماعات من هذا النوع. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده ليل الخميس - الجمعة الماضي، أكد ماكرون أن المقترح تمت مناقشته مع الرئيس الأميركي والأوكراني، قدم ماكرون المقترح على أنه يأتي في سياق «الضمانات الأمنية» التي تطلبها أوكرانيا حتى لا تكون مجدداً هدفاً لروسيا. ولطمأنة الرأي العام الفرنسي والأوروبي أكد أن هذه القوة «لن تنتشر على خط الجبهة أو في المناطق المحتلة (روسيا)، بل في المناطق الآمنة»، والغرض منها أن «تحمل رداً استراتيجياً» بمعنى أن تكون رادعاً لروسيا من معاودة استهداف جارتها أوكرانيا؛ ولذا، فإن المساهمة العسكرية ستكون «طوعية» بينما تراهن باريس على المجموعة الخماسية التي تضم بين أعضائها دولتين نوويتين (فرنسا وبريطانيا). ورأى ماكرون أن المهم في الاجتماع هو البحث في المسائل التقنية وكيفية تنظيم العمل الجماعي وتكلفة الانتشار وزمنيته.

المستشار الألماني المقبل فريدريتش ميرتس يتحدث أمام مجموعة من النواب في برلين الاثنين (د.ب.أ)
المستشار الألماني المقبل فريدريتش ميرتس يتحدث أمام مجموعة من النواب في برلين الاثنين (د.ب.أ)

الخماسية الأوروبية

من المرتقب أن تشكل خلاصات اجتماعات القادة العسكريين، الثلاثاء، الأساس للمناقشات التي سيجريها وزراء دفاع «المجموعة الخماسية» في باريس أيضاً، بدعوة من وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، للنظر في تنسيق المساعدات والدعم المطلوب لأوكرانيا، وفق ما نقل عن مكتب الوزير الفرنسي.

وأفاد المكتب المشار إليه بأن وزير الدفاع الأوكراني وممثلاً عن الحلف الأطلسي وآخر عن الاتحاد الأوروبي سيشاركون في المداولات. كذلك سيعمد الوزراء المجتمعون إلى البحث في ملف «إعادة تسليح أوروبا» الذي أطلقه القادة الأوروبيون في قمة بروكسل الأسبوع الفائت والذي انطلق من الخطة التي قدمتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والقائمة على ضخ 800 مليار يورو للارتقاء بالدفاع الأوروبي تصنيعاً وتجهيزاً وتحديثاً والتركيز على القطاعات التي يشكو الأوروبيون من النقص فيها. ومن ضمن هذا المبلغ، ستعمد المفوضية الأوروبية، كما هو معلوم، إلى استدانة جماعية، وذلك بالحصول على قرض جماعي من 150 مليار يورو تستطيع دول الاتحاد الأوروبي السحب منه لقطاعاتها الدفاعية على غرار ما حصل لمواجهة جائحة «كوفيد 19».

بيد أن مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس ترى، رغم أهمية ما هو مقرر، أن ما يسعى إليه الأوروبيون مشروط بمجموعة من العوامل أبرزها صورة الاتفاق الذي قد يتوصل إليه الروس والأوكرانيون والذي لا يعرف منه، حتى اليوم، الشيء الكثير. ويمثل اجتماع جدة، الثلاثاء، بين الوفدين الأميركي والروسي، أول اجتماع من نوعه مخصص للبحث في مخارج الحرب وصورة الحل المنشود، علماً أن الاجتماع السابق في الرياض ضم وفدين أميركي وروسي. كذلك، ليس معروفاً بعد ما إذا كانت القوة الأوروبية ستحظى بدعم أميركي أو أن إدارة الرئيس ترمب ستبقى متمسكة بموقف رئيسها الرافض حتى اليوم توفير «الضمانة» المطلوبة تاركاً للأوروبيين أن يتدبروا شؤونهم بأنفسهم، ثم تتعين الإشارة إلى أن روسيا رفضت سلفاً الحضور الأوروبي - الأطلسي على الأراضي الأوكرانية، مؤكدة أن أمراً كهذا ستعده «معاداً» لها.

ويشار إلى أن تصريحات إدارة ترمب نزعت سلفاً الصفة الأطلسية عن القوة الأوروبية مؤكدة أن المسؤولية ستكون على عاتق الدول التي تسهم بها؛ ولذا فإن المجهول الأول الذي لا تتحكم به لا دول الاتحاد الأوروبي الـ27 ولا «المجموعة الخماسية» سيكون ما سيصدر عن واشنطن في الأسابيع والأشهر المقبلة وأيضاً المدى الذي قد يصل إليه التقارب بين واشنطن وموسكو وانعكاساته على متانة الحلف الأطلسي.

العقيدة النووية الفرنسية

منذ أسابيع عدة، يتواصل الجدال حول القدرات النووية الفرنسية. والمعروف أن العقيدة النووية الفرنسية تقول إن اللجوء إلى السلاح النووي محصور بالدفاع عن «المصالح الحيوية» لفرنسا. ودأب الرؤساء الفرنسيون، الذين لهم وحدهم الحق في الضغط على الزر النووي، على التأكيد على أن لهذه القوة «بعداً أوروبياً». بيد أن أياً منهم لم يأت على تحديد المقصود بـ«البعد الأوروبي». وما زخم الجدل هو ما صدر يوم 26 فبراير (شباط) عن فريدريتش ميرتس، المستشار الألماني المقبل، الذي أبدى اهتماماً بالقوة النووية الفرنسية والبريطانية؛ ما جعل ماكرون يتصيد المناسبة للدخول بقوة على الخط، وليؤكد استعداده «لفتح نقاش» مع الأوروبيين بهذا الصدد. وسارع المعارضون للتوجه الرئاسي إلى التشديد على أن يبقى قرار اللجوء إلى النووي حصراً بيد رئيس الجمهورية، ولرفض أي «مشاركة» في القرار من أية جهة أتت.

والأحد، جدد ميرتس رغبته، في حديث مع إذاعة «دويتشلاندفونك» الألمانية في بدء حوار مع باريس ولندن، وقال في حرفية ما نقل عنه: «إن تقاسم الأسلحة النووية مسألة يجب أن نتحدث عنها... علينا أن نصبح أقوى معاً في مجال الردع النووي» مضيفاً: «يجب أن نتحدث مع كلا البلدين (فرنسا وبريطانيا)، ودائماً أيضاً من منظور استكمال الدرع النووية الأميركية التي نريد بالطبع أن نراها قائمة». وما يدعو إليه ميرتس، تدعو إليه أيضاً دول متخوفة من انكفاء المظلة النووية الأميركية - الأطلسية على غرار بولندا ودول بحر البلطيق. واللافت في النقاش الدائر أمران: الأول، أن باريس وحدها من تخوض غمار البحث فيما تبدو لندن غائبة عنه. والثاني، أن ميرتس والآخرين لا يرون المظلة النووية الفرنسية بديلاً عن المظلة الأميركية - الأطلسية بل مكملة لها.

حتى اليوم، لم يبدأ «النقاش» الذي يريده ماكرون، لكن التساؤلات تكاثرت حول جدية الترسانة النووية الفرنسية التي تتشكل من 290 رأساً نووية إذا كان المطلوب منها نشر مظلة نووية فوق 27 دولة أوروبية والتي ستنضم إليهم خلال أشهر أوكرانيا ومولدوفا وقدرتها على ردع روسيا التي تتمتع بثاني أكبر ترسانة نووية في العالم (ما يزيد على 5 آلاف رأس). وفضلاً عن ذلك، ثمة تساؤل آخر أساسي عنوانه مدى تقبل الدول الأوروبية الكبرى وأولها ألمانيا في أن تكون تحت حماية فرنسا، وألا يكون لها رأي في موضوع اللجوء إلى السلاح النووي خصوصاً أن هذا النوع من الحماية سيوفر لفرنسا، وبطبيعة الحال، نوعاً من «الوصاية» على الدول الأخرى.


مقالات ذات صلة

كيف حيّدت البنية التكتيكية لباريس سان جيرمان ضغط آرسنال العالي؟

رياضة عالمية سان جيرمان مارس تحكماً بالضغط العالي الذي مارسه آرسنال (أ.ف.ب)

كيف حيّدت البنية التكتيكية لباريس سان جيرمان ضغط آرسنال العالي؟

كانت لدى ميكيل أرتيتا الجرأة ليصف الهدف الوحيد في خسارة فريقه أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بأنه «لحظة فردية».

The Athletic (لندن)
رياضة عالمية أرتيتا (رويترز)

أرتيتا: لا خيار لآرسنال إلا الفوز في بارك دي برانس

حث المدرب الإسباني ميكل أرتيتا لاعبيه في آرسنال الإنجليزي على تحقيق عودة «مميزة» ضد باريس سان جيرمان الفرنسي في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية لويس إنريكي (رويترز)

إنريكي: سنعود لنقطة الصفر في باريس... لن نتهاون أمام آرسنال

قدم باريس سان جيرمان أداء رائعاً تحت قيادة مدربه لويس إنريكي، أمس الثلاثاء، ليحقق فوزاً صعباً 1-صفر على آرسنال ويعود إلى العاصمة الفرنسية بأفضلية ضئيلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية «دازن» رفضت دفع تعويض قدره 120 مليون يورو لرابطة الدوري الفرنسي (رويترز)

«دازن» تقترب من إنهاء اتفاقية بث الدوري الفرنسي نهاية الموسم

تقترب شبكة «دازن»، المالكة لحقوق بث مباريات الدوري الفرنسي لكرة القدم، من إنهاء عقدها مع رابطة الدوري بنهاية الموسم الحالي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية أرتيتا (إ.ب.أ)

آرسنال وسان جيرمان... فريقان مختلفان عن لقاء أكتوبر: ماذا تغيّر؟

منذ أن حجز آرسنال وباريس سان جيرمان مقعديهما في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، ساد الاعتقاد بأن فريق ميكيل أرتيتا سيواجه نسخة مغايرة تماماً من باريس.

The Athletic (لندن)

بوتين: موسكو ستُصلح علاقاتها بالدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
TT
20

بوتين: موسكو ستُصلح علاقاتها بالدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، إنه لا يشك في أن موسكو ستُصلح علاقاتها بالدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً، وفقاً لـ«رويترز».

وفي حديثه خلال منتدى في موسكو، قال بوتين إن الكثيرين في أوروبا يشاركون روسيا موقفها تجاه قضايا معينة.

وفي سياق متصل، قُتل 288 مدنياً على الأقلّ وأصيب المئات في منطقة كورسك الروسية منذ شنّ الجيش الأوكراني هجوماً عليها في أغسطس (آب) 2024، بحسب ما أعلنت السلطات الإقليمية، الأربعاء.

وكانت القوّات الأوكرانية قد شنّت هجوماً مباغتاً على هذه المنطقة الروسية الحدودية واحتلت نحو 1400 كيلومتر مربّع، ردّاً على اجتياح روسيا لأوكرانيا في 2022 وسيطرتها على نحو 20 في المائة من أراضي البلد.

وبعد أشهر من القتال، أعلنت روسيا نهاية الأسبوع الماضي استعادة كورسك بالكامل. لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكّد أن قوّاته ما زالت تواصل القتال هناك.

وقال حاكم كورسك ألكسندر خينستيين، الأربعاء، عبر «تلغرام»: «منذ أغسطس (آب)، تعرّض 791 شخصاً لإصابات جسدية في منطقة كورسك، من بينهم 288 توفوا و430 أدخلوا المستشفى».

وأضاف أن «هذه الأرقام المروّعة ليست للأسف شاملة، إذ لم يتمّ بعد انتشال كلّ جثث القتلى من المناطق الحدودية».

وأكّد أن المحققين الروس ما زالوا «يكشفون النقاب عن أعمال تعذيب وإعدام مدنيين» في الأراضي الروسية التي استعيدت مؤخّراً من الجيش الأوكراني.

وبعد أشهر من الصمت، أقرّ الجيش الروسي نهاية الأسبوع الماضي بأن وحدة من الجنود الكوريين الشماليين شاركت في القتال ضدّ القوّات الأوكرانية في كورسك.

وشكر الرئيس الروسي، الاثنين، نظيره الكوري الشمالي كيم يونغ أون على «الإنجاز» الذي حقّقه جنوده.