رئيس الحكومة الفرنسية نجا من السقوط في أول اختبار له بالبرلمان

نجاة فرنسوا بايرو يدين بها للحزب «الاشتراكي» ولرفضه الانضمام إلى باقي اليسار لإسقاط الحكومة

رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو على مقاعد البرلمان (يمين) مستمعاً لكلمات النواب الخميس قبل التصويت على سحب الثقة من حكومته (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو على مقاعد البرلمان (يمين) مستمعاً لكلمات النواب الخميس قبل التصويت على سحب الثقة من حكومته (أ.ف.ب)
TT

رئيس الحكومة الفرنسية نجا من السقوط في أول اختبار له بالبرلمان

رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو على مقاعد البرلمان (يمين) مستمعاً لكلمات النواب الخميس قبل التصويت على سحب الثقة من حكومته (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو على مقاعد البرلمان (يمين) مستمعاً لكلمات النواب الخميس قبل التصويت على سحب الثقة من حكومته (أ.ف.ب)

يدين فرنسوا بايرو، رئيس الحكومة الفرنسية، لبقائه في منصبه في السلطة للحزب «الاشتراكي»، الذي أنقذه بعد ظهر الخميس من موت محتم لو صوّت إلى جانب حجب الثقة منه، وهو المقترح الذي تقدّمت به مجموعة من نواب حزب «فرنسا الأبية»، ودعمه الحزبان «الشيوعي» و«الخضر». وحتى اليوم، لم يمضِ شهر على تشكيل حكومة بايرو.

إلا أنه، يوماً بعد يوم، تظهر هشاشتها، كونها لا تتمتع بالأكثرية المُطلقة في البرلمان، وطوق نجاتها الوحيد ألا تتفق «الجبهة الشعبية الجديدة»، التي تضم، نظرياً، الأحزاب الثلاثة المذكورة، إضافة إلى حزب «فرنسا الأبية» مع نواب «التجمع الوطني»، الذي تتزعمه مارين لوبن.

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم بقصر الإليزيه (رويترز)

وإذا حصل أمر مثل هذا، فإن بايرو سيسقط وسيكون سقوطه مدوياً. وسبق للطرفين أن توافقا في التصويت ضد ميشال بارنييه، سلف بايرو في الحكومة، ما فرضَ عليه الخروج من قصر ماتينيون، مقر رئاسة الحكومة، بعد أقل من 3 أشهر على دخوله إليه.

بيد أن وضع الحكومة الراهنة مختلف، والسبب في ذلك الخلاف الذي حصل داخل جبة اليسار. فالحزب «الاشتراكي» الذي عقدت قيادته ونوابه في البرلمان اجتماعات متلاحقة في الساعات الـ48 الماضية، رفض الانضمام إلى شركائه الثلاثة في «الجبهة الشعبية الجديدة» بالتصويت لإسقاط الحكومة، وحجته في ذلك أنه حصل على «تنازلات» من بايرو تستجيب جزئياً لمطالبه، ولكن من غير الحصول على مطلبه الأساسي الخاص بتعليق العمل بقانون التقاعد الذي أقر في عام 2023، والذي يرفضه أيضاً «التجمع الوطني» ونوابه الـ125.

الرئيس الفرنسي «في الوسط» مترئساً أول اجتماع للحكومة الجديدة يوم 3 يناير في قصر الإليزيه (أ.ب)

وبدلاً من ذلك، فقد وجّه بايرو الخميس لرئيس مجموعة النواب في البرلمان ونظيره في مجلس الشيوخ رسالة خطية ضمنها التزامه سحب مشروع إلغاء 4 آلاف وظيفة في وزارة التربية والتعليم، وإيجاد 2000 موقع إضافي لمواكبة الطلاب ذوي الحالات الخاصة، فضلاً عن السير بمشروع رفع نسبة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع.

وبالنسبة لقانون التقاعد، فإن بايرو وجد مخرجاً للأزمة عن طريق إحالة الملف إلى التفاوض بين أرباب العمل والنقابات العمالية، مع الالتزام بطرح ما قد يخرج من حوارهم من مشروعات على البرلمان.

وبنظر الغالبية الاشتراكية، فإن ما حصلت عليه يعد «تنازلات حقيقية» من بايرو، في حين تهكم جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» على الاشتراكيين؛ لأنهم باعوا أنفسهم بـ«أبخس الأثمان».

أوليفيه فور(ا.ف.ب)

وفي الكلمة التي ألقاها بمناسبة جلسة البرلمان، أعلن أوليفيه فور، أمين عام الحزب «الاشتراكي» رسمياً أن نواب حزبه لن يصوتوا لصالح حجب الثقة «ليوفروا للمفاوضات الفرصة للتوصل إلى نتيجة». وقرار الاشتراكيين يعطي بايرو متنفساً حتى الأزمة المقبلة التي قد تحل في أي وقت، وعند طرح أي مشروع قانون في البرلمان.

وحرص فور على إبقاء كل الخيارات مفتوحة أمام حزبه، إذ أعلن أن «حجب الثقة يمكن أن يأتي في أي لحظة».

تجدر الإشارة إلى أن طرح الثقة ببايرو وحكومته جاء بعد يومين فقط من مثوله لأول مرة أمام البرلمان لعرض خطته الحكومية. ولا شك في أنه سيعود إلى الواجهة عند بدء البحث بمشروع ميزانية عام 2025، التي لم تقر بعد، بخلاف ما هو مطلوب قانوناً.

حقيقة الأمر أن بايرو واقع بين سندان اليسار ومطرقة اليمين، وأي خطوة يقوم بها لهذا الطرف تُثير الطرف الآخر. وفي ملف التقاعد، كان بايرو يرغب في التجاوب مع الاشتراكيين، إلا أنه تلقّى تحذيراً حازماً من الجناح اليميني لحكومته، الممثل بنواب حزب «اليمين الجمهوري» الذي يتمتع بـ47 نائباً، وهو الحزب الوحيد المتحالف مع أحزاب «الكتلة الوسطية» المشكلة من 3 أحزاب داعمة للرئيس ماكرون.

وعمد لوران فوكييز، رئيس الحزب إلى التنبيه من أن حزبه «لن يتهاون» إزاء تقديم تنازلات لليسار، أو المس بقانون التقاعد. من هنا، فإن بايرو، رئيس «الحركة الديمقراطية» الوسطية، والحليف التاريخي لماكرون، كمن يسير على حبل مشدود، ويمكن أن يقع في هذا الجانب أو ذاك في أي لحظة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو (رويترز)

من هنا، فإن الانقسام الذي أصاب جبهة اليسار يعد خبراً جيداً لرئيسي الجمهورية والحكومة اللذين راهنا، منذ زمن طويل، على حصوله. وكذلك، فإن الصعوبات القضائية التي تعاني منها مارين لوبن، واحتمال إدانتها في المحاكم، ومنعها من ممارسة حقوقها المدنية، ومنها حق الانتخاب، والترشح بسبب ما عدّته محكمة فرنسية احتيالاً واستخدام أموال الاتحاد الأوروبي لأغراض حزبية، وليس لتسيير عمل نواب حزبها في البرلمان الأوروبي، يمنع اليمين المتطرف من السعي اليوم لإسقاط الحكومة. وفي أي حال، فإن أمراً مثل هذا إذا حصل قبل الصيف المقبل، فسيكون بمثابة أزمة حكم، ولن يبقى أزمة حكومية.

الصعوبات القضائية لزعيمة حزب «التجمع» الوطني اليميني المتطرف مارين لوبن تكبّل قدرتها عن المناورة (إ.ب.آ)

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس ماكرون، الذي دفع البلاد إلى أزمات سياسية متلاحقة، بسبب قراره حل البرلمان في الربيع الماضي، وإجراء انتخابات مسبقة، لم يكن بمستطاعه حله مرة أخرى قبل مرور عام كامل على الإجراء الأول، وذلك حسب النصوص الدستورية. من هنا، جاء رهانه على بقاء بايرو، السياسي المخضرم، على رأس الحكومة أقله حتى الصيف المقبل. وفي هذه الحال، فإن ماكرون الذي ينأى بنفسه شيئاً فشيئاً عن الأمور السياسية الداخلية، مهتماً بالدرجة الأولى بأزمات العالم «من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط...»، وتاركاً المجال حرّاً لبايرو لإدارة شؤون الداخل، سيتمكن من استعادة المبادرة عندما يستعيد حق حل البرلمان مجدداً. وحتى ذلك التاريخ، فإن بايرو سيكون رهينة لأهواء معارضيه يميناً ويساراً.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

الاقتصاد ميدان في توبنغن بألمانيا (رويترز)

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

انكمش الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، للعام الثاني على التوالي في عام 2024، وفقاً للأرقام الأولية الرسمية الصادرة يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الملياردير الأميركي إيلون ماسك (د.ب.أ)

ماسك يصف المفوض الأوروبي السابق بروتون بأنه «طاغية أوروبا»

وصف إيلون ماسك، السبت، المفوض الأوروبي السابق للشؤون الرقمية بأنه «طاغية أوروبا»، في رسائل متوترة جديدة بين الرجلين بشأن دعم ماسك لليمين المتطرف في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة في كاراكاس 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أميركا اللاتينية غلق جسر أتاناسيو غيرادوت الدولي بأوامر من رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو (أ.ف.ب)

فنزويلا تغلق حدودها مع كولومبيا قبل تنصيب مادورو

أغلقت فنزويلا حدودها مع كولومبيا متحدثة عن «مؤامرة دولية» قبل ساعات من تنصيب الرئيس نيكولاس مادورو لولاية ثالثة من 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (كراكاس)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يصل إلى مقر الجمعية الوطنية لحضور حفل تنصيبه (أ.ف.ب)

تنصيب نيكولاس مادورو لولاية رئاسية ثالثة في فنزويلا

أدى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اليمين لولاية ثالثة تستمر 6 أعوام، الجمعة، ليبقى في السلطة على الرغم من نزاع استمر 6 أشهر بشأن نتائج انتخابات الرئاسة.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (كاراكاس)

الجيش الألماني يترك منصة «إكس» بعد تأييد إيلون ماسك لحزب متطرف

إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي «سبيس إكس» و«تسلا» ومالك «إكس» في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا الأميركية 6 مايو 2024 (رويترز)
إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي «سبيس إكس» و«تسلا» ومالك «إكس» في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا الأميركية 6 مايو 2024 (رويترز)
TT

الجيش الألماني يترك منصة «إكس» بعد تأييد إيلون ماسك لحزب متطرف

إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي «سبيس إكس» و«تسلا» ومالك «إكس» في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا الأميركية 6 مايو 2024 (رويترز)
إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي «سبيس إكس» و«تسلا» ومالك «إكس» في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا الأميركية 6 مايو 2024 (رويترز)

ترك الجيش الألماني منصة «إكس» المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، بسبب التضليل، وذلك بعد أيام من تأييده لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

وأكدت وزارة الدفاع الألمانية أن حسابات الجيش وقادته الكبار والوزارة نفسها ستتوقف عن النشر على المنصة، وفقاً لصحيفة «تلغراف» البريطانية.

وذكرت أن «تبادل الحجج الواقعية على المنصة أصبح صعباً بشكل متزايد».

وقالت متحدثة باسم وزارة الدفاع: «لقد أصبحنا غير راضين بشكل متزايد عن التطورات في المنصة».

عناصر من الجيش الألماني (د.ب.أ)

وكانت وزارة الخارجية الألمانية علقت منشوراتها على منصة «إكس» لنفس السبب، وقررت نقل أنشطتها إلى موقع «سكاي بلو» المنافس بدلاً من ذلك.

وجاء القرار بعد أن استضاف ماسك على منصة «إكس»، أليسا فايدل، زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف؛ لإجراء مناقشة حول الأوضاع السياسية.

وخلال المناقشة، ادعى ماسك، الذي من المقرر أن يصبح مسؤولاً عن وزارة كفاءة الحكومة بإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» فقط يمكنه «إنقاذ» البلاد، كما أخبر الألمان أنه يجب عليهم التصويت للحزب، وذلك في تدخل مباشر أثار غضب برلين.

وسبق أن وصف ماسك، أولاف شولتس، المستشار الألماني، بأنه «أحمق غير كفء»، وطالب باستقالته.

وغادر أكثر من 60 جامعة ألمانية ومؤسسة بحثية أخرى منصة «إكس» لنفس الأسباب.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي تورط في سلسلة من الفضائح بسبب التقليل من شأن جرائم الحرب النازية، واستخدام شعارات نازية في الخطب وحضور مؤتمرات سرية حول الترحيل الجماعي للأجانب، سوف يأتي في المركز الثاني في انتخابات الشهر المقبل.

ولكن من غير المرجح أن يصبح جزءاً من الحكومة المقبلة، حيث تعدّ الأحزاب الأخرى حزب «البديل من أجل ألمانيا» متطرفاً، واستبعدت السماح له بالانضمام إلى ائتلاف.

وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الألمانية، تم تكليف ما يصل إلى 150 مسؤولاً في الاتحاد الأوروبي بالاستماع إلى مناقشة فايدل وماسك، الأسبوع الماضي، لتحديد ما إذا كانت تنتهك أي قوانين للاتحاد الأوروبي.

وحث زعماء الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية على تبني موقف أكثر صرامة بشأن تدخل ماسك، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء كبير حتى الآن.

الملياردير الأميركي إيلون ماسك (أ.ب)

وفي وقت سابق من هذا الشهر، اتهم إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» بـ«التدخل المباشر» في الانتخابات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك التصويت المقبل في ألمانيا.

وقال ماكرون، دون تسمية ماسك بشكل مباشر: «من كان يتخيل قبل عشر سنوات أن يُقال لنا إن مالك إحدى أكبر شبكات التواصل الاجتماعي في العالم سيدعم حركة رجعية دولية جديدة، ويتدخل بشكل مباشر في الانتخابات».