عدم يقين في فرنسا بعد حجب الثقة عن الحكومة واستقالة بارنييه

TT

عدم يقين في فرنسا بعد حجب الثقة عن الحكومة واستقالة بارنييه

صورة في 04 ديسمبر الحالي في الجمعية الوطنية بباريس في فرنسا تظهِر رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه (قبل استقالته) خلال مناقشة اقتراح حجب الثقة ضد حكومته (د.ب.أ)
صورة في 04 ديسمبر الحالي في الجمعية الوطنية بباريس في فرنسا تظهِر رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه (قبل استقالته) خلال مناقشة اقتراح حجب الثقة ضد حكومته (د.ب.أ)

بعد حجب الثقة عن الحكومة، حضر رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه إلى قصر الإليزيه حيث قدم استقالته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يوجّه كلمة للأمة مساء الخميس في محاولة لتحديد الوجهة في مرحلة عدم اليقين الذي تزيد أزمة الميزانية من حدته.

وقد تترافق هذه العاصفة السياسية مع عاصفة اجتماعية. فمن المدرسين إلى المراقبين الجويين، يشهد يوم الخميس تعبئة وإضراباً في صفوف الموظفين الرسميين مع عشرات التجمعات المتوقعة في كل أرجاء البلاد في حين طلب الطيران المدني من الشركات الجوية خفض برامج رحلاتها، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وصل ميشال بارنييه، المفوض الأوروبي السابق الذي ينتمي إلى صفوف اليمين، عند الساعة العاشرة (الساعة التاسعة ت غ) إلى قصر الإليزيه وخرج منه بعد ساعة من دون أن يدلي بأي تصريح. وينتظر الإعلان رسمياً عن استقالة حكومته.

ويوجّه رئيس البلاد كلمة إلى الفرنسيين عند الساعة 20.00 بالتوقيت المحلي (الساعة 19.00 ت غ)، على ما أفاد مكتبه.

وثمة ضرورة لحصول تحرك عاجل؛ نظراً إلى عمق الأزمة السياسية المستفحلة منذ قرر ماكرون حل الجمعية الوطنية في يونيو (حزيران) الماضي بعد الخسارة الكبيرة التي مُني بها معسكره في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أمام اليمين المتطرف.

وأفضت الانتخابات التشريعية المبكرة إلى جمعية وطنية مشرذمة وموزعة على ثلاث كتل، هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون واليمين المتطرف، من دون أن يملك أي منها الغالبية المطلقة.

بعد مداولات استمرت خمسين يوماً، شكَّلت حكومة تضم وزراء من اليمين والوسط في مطلع سبتمبر (أيلول).

وبعد ثلاثة أشهر على ذلك، سقطت الحكومة أمام الجمعية الوطنية بموجب مذكرة حجب ثقة للمرة الأولى منذ عام 1962. وهذه أقصر حكومة في ظل الجمهورية الفرنسية الخامسة التي أعلنت في عام 1958.

وطلبت رئيسة الجمعية الوطنية يائبل برون - بيفيه من ماكرون صباح الخميس تعيين رئيس جديد للوزراء «سريعاً».

ويستقبلها ماكرون ظهراً بالتوقيت المحلي، فضلاً عن استقباله رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه بداية بعد الظهر.

صورة عامة للجمعية الوطنية الفرنسية خلال مناقشة اقتراح حجب الثقة ضد رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه بباريس 04 ديسمبر الحالي (د.ب.أ)

«مرحلة غموض»

امتنعت أوساط الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوى لها، عن تقديم أي جدول زمني للخطوات التالية، لكن مقرّبين منه أشاروا إلى أنه ينوي التحرك بسرعة وربما ابتداءً من مساء الخميس. وأكد أحدهم «لا خيار له».

ويبدو الانقسام واضحاً بين اليسار والوسط واليمين، للاتفاق على حكومة ائتلافية جديدة.

وحذّرت زعيمة مجموعة نواب حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي، الخميس، من أن حزبها لن يعطي الثقة في الجمعية لأي رئيس للوزراء لا ينتمي إلى تحالف اليسار المعروف باسم «الجبهة الشعبية الجديدة» الذي يضم الخضر والاشتراكيين والشيوعيين واليسار الراديكالي.

واعتمدت مذكرة حجب الثقة بتأييد 331 نائباً بينما كانت تحتاج إلى 289 فقط لإسقاط الحكومة؛ ما يجعل الضربة مؤلمة أكثر على السلطة.

ولحجب الثقة عن الحكومة، صوّت نواب اليسار وحزب التجمّع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه دعماً للمذكرة التي تتناول مسائل الميزانية في حين فرنسا تعاني مديونية مرتفعة.

وسارع اليسار الراديكالي إلى المطالبة باستقالة رئيس البلاد والدعوة إلى انتخابات «رئاسية مبكرة».

واعتمدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن موقفاً أكثر اعتدالاً مقارنة باليسار الراديكالي، مؤكدة أنها ستفسح المجال أمام رئيس الحكومة المقبل «العمل على بناء ميزانية مقبولة للجميع بشكل مشترك».

وقالت: «لا أطالب باستقالة إيمانويل ماكرون».

وقد استبعد ماكرون الذي انتُخب في 2017 لولاية أولى وفي 2022 لولاية ثانية، الاستقالة.

زعيمة حزب «التجمع الوطني» الفرنسي مارين لوبن قبل مقابلة على قناة «تي إف 1» التلفزيونية الفرنسية في بولون - بيلانكو خارج باريس، 4 ديسمبر الحالي (أ.ب)

«واقع الدَين»

ومع أن سقوط حكومة ميشال بارنييه كان متوقعاً، فإن الصحافة أعربت عن قلقها، الخميس، من «مرحلة الغموض التي تلوح في الأفق».

وانقسم الفرنسيون حول الوضع، فأيَّد 53 في المائة قرار النواب في حين أعرب 82 في المائة عن قلقهم من تبعاته على ما أظهرت استطلاع للرأي أجراه معهد «تولونا هاريس انتراكتيف» لحساب «آر تي إل».

وقد أعرب مواطنون استطلعت «وكالة الصحافة الفرنسية» آراءهم في أرجاء البلاد عن قلقهم من «الغموض» و«الحلقة المفرغة» و«الطريق المسدودة».

ويتطلب وضع الميزانية في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، تشكيل حكومة بأسرع وقت.

ويتوقع أن يبلغ العجز العام 6.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2024، أي أكثر بكثير من 4.4 في المائة كانت متوقعة في خريف عام 2023 في حين سيؤثر عدم اليقين السياسي على تكلفة الدين وعلى النمو.

وقالت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني في مذكرة نشرتها خلال الليل إن سقوط الحكومة الفرنسية «يقلّص احتمال تعزيز المالية العامة».


مقالات ذات صلة

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة في كاراكاس 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سفينة حربية إستونية في بحر البلطيق 9 يناير 2025 بوصفها جزءاً من دوريات حلف شمال الأطلسي المكثفة في المنطقة (أ.ب)

«الناتو» يرسل سفينتين إلى بحر البلطيق بعد تضرر كابلات بحرية

أعلنت وزيرة الخارجية الفنلندية، الجمعة، أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيرسل سفينتين لمراقبة البنية التحتية تحت الماء و«الأسطول الشبح» الروسي في بحر البلطيق.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
شمال افريقيا مراقبون يؤكدون أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية وصلت إلى نقطة اللاعودة (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تصعّد مع فرنسا برفض تسلُّم متهمين بـ«العنف»

تسارعت حدة الخلافات بين الجزائر وباريس، بعد أن رفضت السلطات الجزائرية تسلُّم واحد من رعاياها، تم ترحيله من فرنسا بقرار من وزير داخليتها.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم كايا كالاس الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية تتحدث في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي - 12 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

كالاس تعليقاً على تصريحات ترمب: سيادة الدنمارك يجب أن تحترم

أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اليوم (الخميس)، أنه ينبغي احترام سيادة غرينلاند ووحدة أراضيها، رداً على مطالبات ترمب بضم الجزيرة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي (رويترز)

إيلون ماسك يجري مقابلة اليوم مع زعيمة حزب ألماني شعبوي على منصة «إكس»

يعتزم رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك إجراء مقابلة مع أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي على منصة «إكس»، اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)
جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)
TT

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)
جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

وأضافت أن تلك الطائرة من دون طيار عندما تحلَّق في السماء، يتتبعها شيء غير عادي ألا وهو كابل من الألياف الضوئية بالكاد تمكن رؤيته بالعين المجردة، فيما يكون الطرف الآخر من الكابل متصلاً بطيار يستخدم وحدة تحكم عن بُعد لتوجيها نحو هدفها: مثلاً مركبة مدرعة أوكرانية.

وذكرت الصحيفة أن تلك طائرات ذات الألياف الضوئية تُعد أحدث مثال على الحلول منخفضة التقنية المستخدمة لمكافحة الحرب الإلكترونية عالية التقنية في حرب أوكرانيا.

ولفتت إلى أن مئات الأميال من خطوط المواجهة في أوكرانيا تغطيها دروع غير مرئية، ولكنها غير قابلة للاختراق تقريباً، من الإشارات الإلكترونية التي تطرد الطائرات من دون طيار من السماء.

مدفع أوكراني مضاد للطائرات يطلق قذائفه على مسيرة روسية قرب الجبهة في منطقة زابوريجيا (رويترز)

وأشارت إلى ما قاله رئيس الأركان الفرنسي، الجنرال بيير شيل، العام الماضي، من أن 75 في المائة من الطائرات من دون طيار الروسية والأوكرانية يتم إسقاطها عن طريق التشويش.

وهذا هو السبب وراء عودة مصنَّعي المسيرات على الجانبين إلى تكتيك بدائي إلى حد ما يذكرنا بهاتف لعبة مصنوع من علبتين مربوطتين معاً بقطعة من الخيط؛ حيث لجأ المصنعون إلى ربط كابلات ألياف ضوئية بالهيكل السفلي للطائرات من دون طيار التي وُصفت بأنها «غير قابلة للتشويش»، حتى يتمكَّن الجنود على الأرض من الحفاظ على قدراتهم على ضرب الطائرات من دون طيار في ساحة المعركة.

وكانت كييف تأمل أن يتحقق هذا الإنجاز من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي القادر على تولي مهمة الطيار البشري لضرب هدف، ولكن مع اقتراب الوقت من نهايته لكلا الجانبين، كان على القوات المتحاربة أن تتخذ خطوة أبسط للحفاظ على طائراتها من دون طيار في الجو وفعاليتها.

وقال جاستن كرومب، الرئيس التنفيذي لشركة الاستخبارات الاستراتيجية سيبيلين: «لقد طورت روسيا طائرات من دون طيار تعمل بالألياف الضوئية لمواجهة مشاكل الحرب الإلكترونية الفعالة».

وأضاف: «يعتقد الناس أن الطائرة من دون طيار تحمل بكرة كبيرة من الأسلاك في نهاية حبل، لكن الكابل خفيف الوزن لدرجة أن الطائرة من دون طيار تحمله وتضعه خلفها، مما يعني أنه لا يعلق».

كشافات في سماء كييف حيث يبحث جنود أوكرانيون عن الطائرات المسيرة ويطلقون النار عليها أثناء غارة روسية (رويترز)

ويعد وجود كابل بين الطائرة من دون طيار وطيارها أن أجهزة الحرب الإلكترونية غير قادرة على تشويش الموجات المستخدمة لتوجيهها.

وقال إيغور يو، مشغل مسيرات أوكرانية: «على الرغم من أن التكنولوجيا ليست جديدة، إلا أنها فعالة للغاية في الحرب الحديثة، وخاصة ضد التدابير المضادة الإلكترونية للعدو، وعلى الرغم من بعض التحديات التشغيلية، فإن هذه الطائرات من دون طيار ضرورية لإنجاز المهام الخاصة بنجاح».

وتبدو العديد من الطائرات من دون طيار التي تعمل بالألياف الضوئية مشابهة إلى حد كبير للمسيرات الأخرى، والفرق الوحيد هو الألياف الضوئية التي تقع تحت الطائرة.

وأفاد معهد دراسة الحرب الذي يقع مقره واشنطن يوم الأربعاء بأن «القوات الروسية تستخدم بشكل متزايد طائرات من دون طيار متصلة بكابلات الألياف الضوئية في أوكرانيا».

وجاء التقييم بعد أن اشتكى تقرير روسي من أن طائراتهم من دون طيار «باتت عاجزة» بسبب الحرب الإلكترونية الأوكرانية، عندما شنَّت قوات كييف محاولة مفاجئة للتوغل في عمق منطقة كورسك الروسية.

صورة وزّعتها وزارة الدفاع الروسية قالت إنها لمسيرة تهاجم عربات عسكرية أوكرانية في منطقة كورسك (أ.ف.ب)

وكتب صحافي مقرَّب من «الكرملين» عن المدرعات الأوكرانية: «لا تستطيع طائراتنا من دون طيار أن تفعل أي شيء حيال ذلك».

وأفادت مصادر روسية، وفقاً لمعهد دراسة الحرب، بأن الطائرات من دون طيار الأولى التي تعمل بالألياف الضوئية تم دمجها في الوحدات الروسية.

وقال المحللون إن روسيا لديها اليد العليا على الأرجح في إنتاج واستخدام هذه الطائرات من دون طيار التي تتجنب الحرب الإلكترونية على الخطوط الأمامية.

لكن المصنّعين الأوكرانيين يخوضون معركة مضادة، وبدأوا أيضاً في تصنيع واختبار وسائل خاصة للتغلب على ميزة موسكو في الحرب الإلكترونية، بما في ذلك تقنيات التشويش.

وقد تم إطلاق أكثر من 12 طائرة من دون طيار تعمل بالألياف الضوئية في عرض أقيم مؤخراً من قبل وزارة الدفاع في كييف.

وقال يفهيني تكاتشينكو، رئيس قطاع الطائرات من دون طيار في إدارة ابتكار الدفاع في أوكرانيا: «تواصل روسيا تعزيز قدراتها في استخدام تقنيات الطائرات من دون طيار التي يتم التحكم فيها بالألياف الضوئية، لذلك من الأهمية تحييد مزاياها في هذا القطاع».