الرئيس الفرنسي في مواجهة معادلة تشكيل حكومة جديدة تستبعد اليمين واليسار المتطرفين

غياب الأكثرية عن البرلمان الجديد يعقد مهمة إيمانويل ماكرون ويدفعه للبحث عن حلول بديلة

الرئيس إيمانويل ماكرون خلال الحفل الختامي لأولمبياد باريس ليل 11 الجاري: التحسر على «الزمن الجميل» (د.ب.أ)
الرئيس إيمانويل ماكرون خلال الحفل الختامي لأولمبياد باريس ليل 11 الجاري: التحسر على «الزمن الجميل» (د.ب.أ)
TT

الرئيس الفرنسي في مواجهة معادلة تشكيل حكومة جديدة تستبعد اليمين واليسار المتطرفين

الرئيس إيمانويل ماكرون خلال الحفل الختامي لأولمبياد باريس ليل 11 الجاري: التحسر على «الزمن الجميل» (د.ب.أ)
الرئيس إيمانويل ماكرون خلال الحفل الختامي لأولمبياد باريس ليل 11 الجاري: التحسر على «الزمن الجميل» (د.ب.أ)

قد يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأكثر سعادة بالأسبوعين المنصرمين اللذين استبقهما بإعلان «الهدنة الأولمبية والسياسية» التي انتهت اليوم. ففي احتفال استضافه قصر الإليزيه لتكريم الرياضيين والمنخرطين في تنظيم الأولمبياد، لم يتردد في تأكيد أن فرنسا «أظهرت وجهها الحقيقي للعالم»، وأن ما شهدته كان بمثابة «نجاح على المستويات الأمنية والتنظيمية والرياضية والشعبية». والطريف جاء بقوله: «ليست لدينا الرغبة في العودة إلى ممارسة حياتنا الاعتيادية»، حيث «ستغيب المباريات ومعها الحماس الصباحي». وخلاصته أن «الروح التي اتسمت بها الألعاب تُظهر لنا شيئاً واحداً بسيطاً للغاية، وهو أننا عندما نكون جميعاً معاً، لا يمكن هزيمتنا».

إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

بيد أن الرئيس الفرنسي يراهن على تمديد «الحالة الاستثنائية» من خلال «البارا - أولمبياد» المخصصة للمعاقين، التي ستجرى بدءاً من 28 أغسطس (آب) وحتى 8 سبتمبر (أيلول) في المواقع نفسها.

اليوم، انتهت «الهدنة». وبعد مرور أكثر من خمسة أسابيع على الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية التي دفع إليها حل البرلمان، ما زالت فرنسا من غير حكومة كاملة الصلاحيات بعد أن قدم رئيسها، غبرييل أتال، استقالتها يوم 16 يوليو (تموز). وليست واضحة، بعد كل هذه المدة الطويلة التي لم تعتد عليها فرنسا، ماهية القرار الذي سيتخذه ماكرون والذي لم يعد قادراً على التهرب من هذا الاستحقاق الرئيسي.

وفي حديث متلفز قبل انطلاق الأولمبياد، قال إن قراراً بشأن تكيف شخصية تشكيل الحكومة سيتم اتخاذه بعد 15 الشهر الجاري؛ أي ابتداء من يوم الخميس.

الرئيس ماكرون ورئيس الحكومة غابرييل أتال خلال العرض العسكري يوم الأحد بمناسبة العيد الوطني الفرنسي (إ.ب.أ)

تتمثل الصعوبة الكبرى التي حالت حتى اليوم دون تسمية رئيس الحكومة وأعضائها في صورة البرلمان الجديد المنبثق عن الانتخابات الأخيرة. وللتذكير، فإن ثلاث مجموعات رئيسية تهيمن عليه وأكبرها مجموعة «الجبهة الشعبية الجديدة» التي تتشكل من أحزاب اليسار الثلاثة «الاشتراكي، والشيوعي، وحزب فرنسا الأبية» والخضر، التي تتمتع بـ193 نائباً. تليها المجموعة الوسطية «معاً من أجل الجمهورية» المشكلة من حزب ماكرون «تجدد» والحزبين الحليفين: «الحركة الديمقراطية» و«هورايزون». ودأب ماكرون على تسميتها بـ«الكتلة المركزية» التي تحوز على 168 مقعداً.

أوليفيه فور أمين عام الحزب الاشتراكي (الثاني من اليمين) يتهم اليسار المتشدد بأنه يرغب في البقاء بالمعارضة (إ.ب.أ)

وحلت في المرتبة الثالثة مجموعة اليمين المتطرف المنبثقة عن حزب «التجمع الوطني» التي لها 143 مقعداً. والحال أن الأكثرية المطلقة تتشكل من 298 نائباً؛ ما يعني أن أياً من هذه المجموعات الثلاث لا يمتلكها. من هنا، صعوبة المجيء بحكومة جديدة؛ إذ إن فرنسا، بعكس دول أوروبية رئيسية مثل ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، لم تعتد رؤية حكومات ائتلافية تحكم البلاد وفق برنامج متفق عليه سلفاً وتلتزم به الأطراف المشاركة بانتظار الانتخابات القادمة.

لا لليمين المتطرف ولا لليسار المتشدد

يبدو أن ماكرون لا يريد الاستعجال. فالدستور الفرنسي يترك له الحرية المطلقة في اختيار الشخص والتوقيت. إلا أن العرف المتبع في فرنسا يقضي بأن يسمى رئيس الحكومة من الكتلة التي حصلت على أكبر عدد من النواب في البرلمان، أي في الحالة الراهنة، «الجبهة الشعبية الجديدة». وقبل انطلاق الأولمبياد، سمت «الجبهة» لوسي كاستيت، المسؤولة عن إدارة ميزانية بلدية العاصمة، مرشحتها لاحتلال منصب رئيس الحكومة.

نواب منتخبون جدد من حزب «فرنسا الأبية» اليساري داخل البرلمان أمس (إ.ب.أ)

بيد أن ماكرون الذي اعترف بأن معسكره «لم يفز في الانتخابات»، دأب على القول إن أي مجموعة لم تفز بها، وهو يعني بذلك أن أياً منها لم يحصل على الأكثرية المطلقة. إلا أن السبب الحقيقي لتمنعه عن تسمية لوسي كاستيت، المعروفة بانحيازها إلى اليسار والمؤهلة أكاديمياً وعملياً لاحتلال منصب رئيسي كرئاسة الحكومة مزدوج رفضه تسليم مفاتيح السلطة لليسار، الذي إن أمسك بها، سيعمد إلى تطبيق برنامجه الانتخابي ومن بنوده التراجع عن إصلاح قانون التقاعد، وعزمه على فرض ضرائب أعلى على الثروات الكبرى وعلى الشركات التي حققت أرباحاً خيالية في السنوات الماضية، والتخلي عن سياسة ماكرون الاقتصادية الليبرالية التي عنوانها تفضيل العرض على الطلب. وبشكل خاص، لا يريد ماكرون أن يرى حزب «فرنسا الأبية» اليسار المتشدد الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون في السلطة. من هنا، تمترسه وراء حجة عدم تمتعه بالأكثرية المطلقة وبأن حكومة من «الجبهة» سوف تسقط لدى أول اختبار في البرلمان. من هنا، موجة الانتقادات الموجهة إليه من اليسار الذي يعتبر أنه يضع «فيتو» على نتائج الانتخابات ويتنكر لها.

زعيمة «التجمع الوطني» مارين لوبان (أ.ف.ب)

حقيقة الأمر أن لا حل جاهزاً ليعمل به الرئيس الفرنسي الذي لا يرى ضيراً من التوافق بين الكتلة المركزية وحزب «اليمين الجمهوري» التقليدي الذي انضمت مجموعة كبيرة من شخصياته إلى حكومات ماكرون السابقة والراهنة. بيد أن الحزب المذكور لا يملك سوى 47 نائباً في البرلمان؛ ما يعني أن حكومة مشتركة بينه وبين الكتلة المركزية لن تحصل على الأكثرية المطلقة، وبالتالي يكفي أن يتوافق اليمين المتطرف و«الجبهة» على التصويت ضدها حتى تسقط وتعاد عقارب الساعة إلى الوراء.

الأسماء المطروحة

منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات النهائية، يكرر الرئيس الفرنسي أنه يتعين على الأحزاب والمجموعات النيابية التفاهم فيما بينها على برنامج حكم وحكومة مستقرة. وهدفه الحقيقي التوصل إلى حكومة طيف سياسي واسع يذهب من اليمين التقليدي والكتلة المركزية وصولاً إلى الاشتراكيين، وربما أيضاً من الشيوعيين والخضر. وهؤلاء جميعاً يدخلون فيما اتفق على تسميته إطار «القوس الجمهوري» الذي يبقى خارجه نواب اليمين المتطرف «التجمع الوطني» ونواب حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد.

أوليفيه فور رئيس «الحزب الاشتراكي» المنضوي في «الجبهة الشعبية الجديدة» يحتفل وسط أنصاره (أ.ب)

ولن تتحقق رغبة ماكرون طالما بقيت «الجبهة الشعبية الجديدة» متماسكة. لذا يدور الحديث عن أسماء مرشحة لتشكيل الحكومة الموعودة من شأنها إغراء الاشتراكيين والخضر بفك تحالفهم مع «فرنسا الأبية» عن طريق طرح أسماء إما من الحزب الاشتراكي أو قريبة منه أو ذات طابع إصلاحي - اجتماعي. وأول هذه الأسماء برنار كازنوف، آخر رئيس حكومة في عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولند «2012 - 2017»، أو اسم الوزير السابق الإصلاحي الوسطي جان لويس بورلو.

وثمة أسماء أخرى يتم تداولها مثل الوزير السابق «اليمين المعتدل» كزافيه برتراند، أو المفوض الأوروبي السابق ميشال بارنيه الذي فاوض عن الاتحاد الأوروبي ملف خروج بريطانيا من الاتحاد «البريكسيت». وثمة من يقول إن ماكرون طلب مده بأسماء إضافية من القطاع الخاص ومن غير السياسيين. ومن بين التي عرف منها اسم حاكم مصرف فرنسا المركزي فرنسوا فيلوروا دو غالهو.

هل ينجح ماكرون في جمع الأضداد؟

الواضح أن المهمة صعبة والمعادلة عصية على الحل. ولم يعد يمتلك رئيس الجمهورية حق حل البرلمان مجدداً قبل مرور عام كامل. من هنا، التحسر على الأولمبياد وحماس الجمهور والعيش «خارج الزمن».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

الاقتصاد ميدان في توبنغن بألمانيا (رويترز)

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

انكمش الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، للعام الثاني على التوالي في عام 2024، وفقاً للأرقام الأولية الرسمية الصادرة يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الملياردير الأميركي إيلون ماسك (د.ب.أ)

ماسك يصف المفوض الأوروبي السابق بروتون بأنه «طاغية أوروبا»

وصف إيلون ماسك، السبت، المفوض الأوروبي السابق للشؤون الرقمية بأنه «طاغية أوروبا»، في رسائل متوترة جديدة بين الرجلين بشأن دعم ماسك لليمين المتطرف في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة في كاراكاس 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أميركا اللاتينية غلق جسر أتاناسيو غيرادوت الدولي بأوامر من رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو (أ.ف.ب)

فنزويلا تغلق حدودها مع كولومبيا قبل تنصيب مادورو

أغلقت فنزويلا حدودها مع كولومبيا متحدثة عن «مؤامرة دولية» قبل ساعات من تنصيب الرئيس نيكولاس مادورو لولاية ثالثة من 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (كراكاس)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يصل إلى مقر الجمعية الوطنية لحضور حفل تنصيبه (أ.ف.ب)

تنصيب نيكولاس مادورو لولاية رئاسية ثالثة في فنزويلا

أدى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اليمين لولاية ثالثة تستمر 6 أعوام، الجمعة، ليبقى في السلطة على الرغم من نزاع استمر 6 أشهر بشأن نتائج انتخابات الرئاسة.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (كاراكاس)

روسيا لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)
TT

روسيا لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

ذكر الكرملين، اليوم (الأربعاء)، أن تركيز روسيا على العقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف قطاع النفط يهدف إلى الحد من تداعياتها، مضيفاً أن موسكو لا تستبعد أي احتمال من جانبها فيما يتعلق بالرد على تلك العقوبات.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: «نحلل الموقف بعناية. الهدف هو اتخاذ إجراءات من شأنها تقليل عواقب تلك الإجراءات غير القانونية وخدمة مصالح بلدنا، أولاً وقبل كل شيء، وشركاتنا».

ورداً على سؤال حول رد روسي محتمل على العقوبات الأميركية، قال بيسكوف: «لا يمكن استبعاد أي شيء. سنفعل الأفضل لمصلحة بلدنا».

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات أوسع نطاقاً على النفط الروسي في العاشر من يناير (كانون الثاني) استهدفت «جازبروم نفت» و«سورجوتنفت جاز»، فضلاً عن 183 سفينة شحنت النفط الروسي.