اللاتماثليّة في عصر الذكاء الاصطناعيّ ... حروب غير متوقعة

تعاني إسرائيل لا تماثل مُستداماً وقاتلاً في الوقت نفسه

جندي أوكراني يطلق طائرة مسيّرة متوسطة المدى للتحليق فوق مواقع القوات الروسية في منطقة خاركيف الأربعاء الماضي (رويترز)
جندي أوكراني يطلق طائرة مسيّرة متوسطة المدى للتحليق فوق مواقع القوات الروسية في منطقة خاركيف الأربعاء الماضي (رويترز)
TT

اللاتماثليّة في عصر الذكاء الاصطناعيّ ... حروب غير متوقعة

جندي أوكراني يطلق طائرة مسيّرة متوسطة المدى للتحليق فوق مواقع القوات الروسية في منطقة خاركيف الأربعاء الماضي (رويترز)
جندي أوكراني يطلق طائرة مسيّرة متوسطة المدى للتحليق فوق مواقع القوات الروسية في منطقة خاركيف الأربعاء الماضي (رويترز)

من يعتقد أن اللاتماثليّة هي حكر على الحروب والصراعات كحرب العصابات، أو حركات المقاومة، فهو حتماً مخطئ. فهي متواجدة في جينات الإنسان، وهي مرافقة لكل فعل يقوم به. هذا مع التذكير أن الإنسان، وبسبب قوانين الفيزياء التي تحكم عالمه، كان قد نشأ على التماثليّة (Symmetry). فكم من مرّة نسارع إلى تصويب وضع لوحة فنيّة مائلة معلّقة على الحائط؟ وهل يمكن لمبنى ما أن يقوم أو يستمر أن لم يكن عموديّاً على مسطّح الأرض؟ حتى أن بعض المفكرين والاختصاصيين في علم الجمال البشري، ينظّرون على أن مقاييس الجمال هي عادة في التماثل. ألا تظهّر أهم المنحوتات في العالم، تمثال موسى مثلاً لمايكل أنجلو، قمّة التماثل؟

غزو داريوس لسكيثيا

في العام 531 ق.م، غزا داريوس الأوّل بلاد سكيثيا (Scythia)، وهي المنطقة الواقعة جنوب روسيا وغرب كازاخستان. في هذه الحرب اعتمد ملك سكيثيا سياسة الأرض المحروقة. وتجنّب القتال المباشر؛ الأمر الذي حدا بملك الفرس أن يبعث إليه رسولاً يقول له: «إما أنت قويّ جداً، فما عليك إلا أن تقف وتواجه. أو أنك ضعيف، وهنا عليك أن تركع وتقدّم الطاعة لملكك». ردّ عليه ملك سكيثيا: «تسألني لماذا أتنقّل باستمرار؟ فهذا أمر طبيعيّ، افعله دائما وفي كلّ الحالات. وتسألني لماذا لا أقاتل. فأنا لست مستعجلاً، وليس لديّ مدن وحضارة أدافع عنهما بكلّ ما أوتيت من قّوة. لن أقاتل حالياً، وهذه هي رغبتي».

إنها فعلاً قمّة اللاتماثل. فقط لأن داريوس يبدو مستعجلا لتحقيق النصر وإمكانيّة قياسه (Theory of Victory). في المقابل، يمنعه ملك سيكيثا من تحقيق ذلك عبر التملّص المستمر من القتال المباشر. لذلك تتظهّر في معادلة القوة هذه بين الملكين المفاهيم العسكريّة التالية: ملك يريد الحسم السريع، وإضافة نصر جديد على كتب التاريخ. وملك آخر، يتملّص من الاحتكاك العُنفيّ؛ لأن قياس النصر بالنسبة له يتمثّل بالاستمراريّة» (Survival). ألا يمكن مقارنة هذا المبدأ بما يجري اليوم في قطاع غزّة؟

السيف والدرع

نظّر رئيس أركان الجيش الفرنسي مؤخّراً على أن اللاتماثل يتظهّر اليوم بين المسيّرات الصغيرة، والتي تحتل مركز الصدارة في حروب اليوم خاصة في أوكرانيا، وبين الأسلحة المُضادة لها. كما يضع القائد الفرنسي هذه المعادلة ضمن مبدأ الصراع التاريخيّ بين السيف والدرع (Sword & Shield). تشكّل المسيّرة اليوم السيف؛ لأنها تحقّق نجاحات، وذلك في ظلّ غياب الدرع، والذي بدأ يتشكّل كرد فعل.

عندما تبتكر دولة ما سلاحاً يغيّر المعادلات العسكريّة والتكتيكات التي كانت قائمة. فهذا الأمر يعني تظهّر مبدأ اللاتماثليّة بشكل جليّ. في هذه الحالة يتقدّم السيف على الدرع. ولأن الأمر هو بين الفعل وردّ الفعل. ولأن الدول تتصرّف حسب مبدأ المعضلة الأمنيّة، (Security Dilemma) والتي تعرّفها العلوم السياسيّة على أنها تلك الإجراءات التي تتّخذها دولة ما لزيادة أمنها. الأمر الذي يجعل الدول المنافسة تشعر بأن أمنها القوميّ أصبح في خطر، فتسعى للردّ بالمثل، والهدف دائماً هو تقليل مستوى اللاتماثليّة، وجعل الدرع ينافس ويواجه السيف.

عندما احتل نابليون شبه القارة الإيبيريّة (إسبانيا+البرتغال)، خاضت هذه الدول الحرب على نابليون باعتماد مبدأ الحرب الصغيرة، أو ما يُسمّى بحرب العصابات (Guerilla Warfare). فكلمة (Guerilla) بالإسبانية هي تصغير للحرب الكبيرة (Guerra). ركّزت الحرب الإسبانية على خطوط المواصلات اللوجيستيّة للجيش الفرنسيّ لأنها طويلة. كما واعتمدت مبدأ الاستنزاف للقوات المنتشرة. عندما تشكل الدول الوحدات الخاصة العسكريّة، فإنما هي تسعى إلى إضافة بعض اللاتماثلية إلى قواها التقليديّة. خاصة إذا كان العدو، حركة مقاومة تقاتل على طريقة حرب العصابات. فهناك القوات الخاصة، البريّة، الجويّة كما البحريّة.

هناك لا تماثل مُستداماً لا يمكن التعويض عنه. وهناك لا تماثل مؤقّتاً ينتهي بمجرّد معالجته وخلق الحلول الماديّة له. فعلى سبيل المثال، تعاني إسرائيل لا تماثل مُستداماً وقاتلاً في الوقت نفسه، ألا وهو أهميّة العنصر البشري لديها.

اللاتماثلية في عصر الذكاء الاصطناعيّ

يعتبر الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سوف يُغيّر خصائص الحرب المستقبليّة. فهو يُسرّع علمية اتخاذ القرار للجيوش. وعليه سيخلق واقعاً لا تماثليّاً بين الأفرقاء. لكن الذكاء الاصطناعي يتطلّب الكثير من الداتا، والكثير من المواهب والخبرة، كما الكثير من الاستثمارات. وهذه أمور كلّها تعكس واقعاً لا تماثليّاً بامتياز.


مقالات ذات صلة

تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية تضغط على أسعار النفط

الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا (رويترز)

تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية تضغط على أسعار النفط

انخفضت أسعار النفط يوم الثلاثاء متأثرة بارتفاع الدولار، بعد أن هدد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في بورصة الذهب بسيول لدى كوريا الجنوبية (رويترز)

الذهب يتراجع 3 % على خلفية تقارير عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»

انخفضت أسعار الذهب بنحو 3 في المائة يوم الاثنين، كاسرةً بذلك موجة صعود استمرت خمس جلسات إلى أعلى مستوياتها في نحو ثلاثة أسابيع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي سببها التفجير في حي المزة في 14 الحالي (الشرق الأوسط)

دمشق تشدّد إجراءات تسجيل عقود الإيجارات

شدَّدت وزارة الداخلية السورية إجراءات تسجيل عقود الإيجار، ومنحت الشرطة صلاحية إخلاء العقارات في ظل تنامي المخاوف من تأجير المنازل لأشخاص مرتبطين بـ«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد منظر عام لمعدات حفر النفط على الأراضي الفيدرالية بالقرب من فيلوز بكاليفورنيا (رويترز)

النفط يهبط بأكثر من دولار بعد تقارير وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان

انخفضت أسعار النفط أكثر من دولار واحد يوم الاثنين، بعد أن ذكر موقع «أكسيوس» أن إسرائيل ولبنان اتفقا على شروط اتفاق لإنهاء الصراع بين تل أبيب و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
الاقتصاد وحدات تخزين في مزرعة خزانات النفط المركزية ميرو في قرية نيلاهوزيفيس في التشيك (رويترز)

النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية

حوَّمت أسعار النفط قرب أعلى مستوى في أسبوعين يوم الاثنين في أعقاب مكاسب بنسبة 6 % في الأسبوع الماضي

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
TT

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

ويقول الادعاء العام إنه يعتقد أن الرجل (37 عاماً) قام في أوائل عام 2017 باحتجاز المرأة التي يبلغ عمرها حالياً 33 عاماً، وإساءة معاملتها بطريقة وحشية، واغتصابها بشكل متكرر.

ويواجه الرجل اتهامات بارتكاب جريمة خطيرة تتعلق بسلب المرأة حريتها وإلحاق أذى بدني خطير ومتعمد وتهديدها واغتصابها. وأقر الرجل بالتهم الموجهة إليه في أول يوم للمحاكمة.

وحسب الادعاء، تعرف الاثنان على بعضهما عبر الإنترنت، وفي ليلة رأس السنة 2016، سافرت المرأة إلى مصر لبناء حياة مشتركة هناك. ويعتقد أن الاعتداءات بدأت تقريباً في الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني) 2017؛ إذ أخذ الرجل هاتفها المحمول وجواز سفرها، وكان يحتجزها داخل الشقة عند خروجه.

ووفقاً لما قاله الرجل في المحكمة، فإنه كان يتناول بانتظام مسكناً للألم في ذلك الوقت، وغالباً ما كان يتعاطى مع المسكن الحشيش أو مادة «كريستال ميث»، وأضاف: «عندئذ كان يبدأ التأثير الحقيقي»، فكان يبقى مستيقظاً بعدها لمدة يومين أو ثلاثة.

وتابعت صحيفة الدعوى أن معاناة المرأة انتهت في 17 مارس (آذار) 2017، عندما أنقذتها الشرطة المصرية بمساعدة المكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية. ولا تتوافر معلومات بعد حول كيفية علم السلطات بوضع المرأة.

وحددت المحكمة الإقليمية في ميونيخ خمس جلسات للمحاكمة.

وتختص المحكمة بالنظر في القضية لأن آخر مكان إقامة للمتهم في ألمانيا كان في مدينة ميونيخ. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.