زيارة بوتين لكوريا الشمالية تحمل أهمية خاصة في الظروف الإقليمية والدولية المعقدة

تعزيز التحالف في مواجهة الغرب و«شراكة استراتيجية شاملة» وتنسيق السياسات في القضايا الإقليمية والدولية

بوتين وكيم خلال زيارة الأخير لروسيا في 13 سبتمبر (أ.ف.ب)
بوتين وكيم خلال زيارة الأخير لروسيا في 13 سبتمبر (أ.ف.ب)
TT

زيارة بوتين لكوريا الشمالية تحمل أهمية خاصة في الظروف الإقليمية والدولية المعقدة

بوتين وكيم خلال زيارة الأخير لروسيا في 13 سبتمبر (أ.ف.ب)
بوتين وكيم خلال زيارة الأخير لروسيا في 13 سبتمبر (أ.ف.ب)

استبق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصوله، الثلاثاء، إلى كوريا الشمالية بالمصادقة على مسودة «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة» مطلقاً مرحلة جديدة نوعياً في علاقات بلاده مع البلد الأكثر عزلة في العالم، والذي انحاز بشكل قوي إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية والمواجهة المتفاقمة مع الغرب.

الرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي في قاعدة «فوستوشني» الفضائية بأقصى الشرق الروسي يوم 13 سبتمبر 2023 (رويترز - أرشيفية)

وبينما يراقب الغرب من كثب، مجريات الزيارة والنتائج التي سوف تتمخض عنها خصوصاً على صعيد تعزيز التعاون العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ، شدد الطرفان الروسي والكوري الشمالي على الأهمية التي تكتسبها الزيارة على الصعيد الثنائي وفي إطار توسيع التنسيق في سياسات البلدين حيال الملفات الإقليمية والدولية.

وتعد هذه واحدة من الزيارات الخارجية النادرة لبوتين على خلفية ملاحقته من جانب محكمة الجنايات الدولية. وسبق للرئيس الروسي أن زار الصين لتكون محطته الخارجية الأولى بعد إعادة انتخابه رئيساً في مارس (آذار) الماضي، كما قام بزيارتين داخل الفضاء السوفياتي السابق الشهر الماضي، واحدة إلى بيلاروسيا حليفته الرئيسية في الحرب الأوكرانية، والثانية إلى اوزبكستان.

وتحمل زيارة كوريا الشمالية الحالية أهمية خاصة في الظروف الإقليمية والدولية المعقدة، علماً بأن بوتين كان قد قام بزيارة وحيدة إلى هذا البلد بعد مرور شهرين فقط على توليه الرئاسة في روسيا للمرة الأولى في عام 2000؛ لذلك فإن العودة إلى بيونغ يانغ بعد مرور 24 سنة وعلى خلفية المواجهة المتفاقمة حالياً مع الغرب، تعكس توجه الكرملين إلى تحديد خيارات بلاده على صعيد التحالفات القائمة في السياسة الخارجية، وقد شكلت المصادقة على مسودة معاهدة «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» عشية الزيارة إشارة مهمة في هذا السياق.

وتعد مصادقة بوتين على المسودة الإجراء الأخير قبل التوقيع على الوثيقة رسمياً خلال لقائه المرتقب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وجاء ذلك في توجيه رئاسي نشر رسمياً، الثلاثاء، قبيل وصول بوتين إلى بيونغ يانغ في زيارة دولة تستغرق يومين.

وأفاد بيان أصدره الكرملين بأن بوتين وجه بـ«قبول اقتراح وزارة الخارجية الروسية، المتفق عليه مع الهيئات والمنظمات الحكومية الفيدرالية المختصة، لتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين الاتحاد الروسي وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية». وسمح بوتين لـ«الخارجية الروسية» بإدراج «تعديلات لا تحمل طابعاً جوهرياً على مسودة الاتفاق إذا رغب الطرفان بذلك».

صورة وزعتها كوريا الشمالية (حليفة موسكو) لعملية إطلاق صواريخ من منطقة غير محددة (أ.ف.ب)

وكان مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف قد أشار إلى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، ووصفها بأنها «تحدد آفاق مواصلة التعاون الثنائي مع الأخذ في الحسبان المتغيرات الكبيرة في العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة سواء في مجال السياسة الدولية أو في المجال الاقتصادي وكذلك في القضايا الأمنية». ووصف الزيارة بأنها محطة مهمة للبلدين. وقال أوشاكوف: «سيجري التوقيع على وثائق عدة... أبرزها الاتفاقية الجديدة التي تحل مكان معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة لعام 1961، ومعاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار لعام 2000، وإعلاني موسكو وبيونغ يانغ لعامي 2000 و2001».

ورداً على سؤال عما إذا كانت الوثيقة الجديدة ستتضمن التعاون في مجال التعاون العسكري التقني والمساعدة العسكرية، وأشار أوشاكوف إلى أن الوثيقة تنظر في كل مجالات التعاون بما في ذلك على صعيد المتطلبات الأمنية للبلدين.

اللافت أن بوتين حدد عشية الزيارة الهدف الأساسي منها، خصوصاً على صعيد تعزيز التحالف وأوجه التعاون في الحرب الأوكرانية، وفي ملفات المواجهة الحالية مع الغرب.

وأكد في مقالة نشرتها وسائل إعلام كورية شمالية حكومية، أن «روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تعملان بنشاط على تطوير شراكة متعددة الأوجه، ونقدر تقديراً عالياً دعم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية للعملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وتضامنها معنا في القضايا الدولية الرئيسية، واستعدادها للدفاع عن الأولويات ووجهات النظر المشتركة في الأمم المتحدة. لقد كانت بيونغ يانغ، ولا تزال، قريبة من مسار أفكارنا وداعمة لنا، ومستعدة لمقاومة رغبة الغرب الجماعي في منع تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على العدالة، والاحترام المتبادل للسيادة، ومراعاة مصالح بعضنا البعض».

وفي المقابل، وصفت صحيفة «رودونغ شينمون» الكورية الشمالية الرسمية الصراع الدائر في في أوكرانيا بأنه «حرب مقدسة». وجاء في افتتاحية الصحيفة التابعة لحزب العمال الحاكم، بمناسبة زيارة بوتين : «إن العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا هي حرب مقدسة لحماية الحقوق السيادية وكرامة الدولة الروسية ومصالحها التنموية». وأضافت الصحيفة: «إن حكومة وشعب جمهوريتنا يعربان عن دعمهما الكامل وتضامنهما مع الشعب الروسي بشأن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ويدينان بشدة المحاولات الخطيرة التي تقوم بها القوى المعادية لإذكاء نار الصراع المسلح في جميع أنحاء أوروبا».

وفي إشارة لافتة كتبت الصحيفة أن «شعبنا يرى شرفاً كبيراً له في القتال جنباً إلى جنب في جبهة مشتركة للدفاع عن الاستقلال والعدالة الدولية مع رفيق سلاح مشهود له مثل الشعب الروسي».

كيم جونغ أون مع فلاديمير بوتين خلال زيارة لأحد مستودعات تجميع الصواريخ بروسيا في 13 سبتمبر 2023 (أ.ب)

وأشار الرئيس الروسي إلى أن زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، يتبع بثقة المسار الذي وضعه أسلافه - رجلا الدولة البارزان وصديقا الشعب الروسي، الرفيقان كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل.

ومع مراقبة الغرب مجريات الزيارة، فإن التركيز الأساسي ينصب على مجالات تعزيز التعاون العسكري، والآليات التي يستخدمها الطرفان للالتفاف على العقوبات المفروضة على البلدين، وتوسيع مساحة التعاون الثنائي لتجاوز تداعيات القيود المفروضة.

بدأ تحالف موسكو وبيونغ يانغ منذ تأسيس كوريا الشمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وتوثّقت علاقتهما بشكل أكبر منذ أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 إلى عزل الغرب بوتين على الساحة الدولية.

ويتهم الغرب كوريا الشمالية بأنها زودت موسكو بتقنيات عسكرية مهمة وضخمة. ووفقاً لمعطيات فقد استخدمت روسيا بكثافة في الحرب الأوكرانية طرازات من الأسلحة والمعدات الكورية الشمالية، على رأسها صواريخ متعددة الأغراض جرى نقلها إلى روسيا بكميات كبيرة، وكذلك ملايين العبوات من قذائف المدفعية والذخائر اللازمة للأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

ووفق الغرب، استخدمت بيونغ يانغ مخزونها الضخم من الذخائر لتزويد روسيا كميات كبيرة منها، واتهم البنتاغون موسكو، الأسبوع الماضي، باستخدام صواريخ باليستية كورية شمالية في أوكرانيا. ووفقاً لتقارير فقد مكنت الإمدادات الكورية الشمالية من سد فجوة مهمة في حاجات القطاع العسكري الروسي، وتعويض عجز المجمع الصناعي العسكري عن توفير متطلبات الجبهة في عدد من المجالات رغم زيادة الإنتاج الروسي عدة أضعاف خلال العامين الماضيين. ووصفت كوريا الشمالية الاتهامات الغربية بتزويد روسيا أسلحة بأنها «سخيفة».

وتقول واشنطن وسيول إن روسيا في المقابل زودت كوريا الشمالية الخبرة اللازمة لبرنامجها للأقمار الاصطناعية، وأرسلت مساعدات لمواجهة نقص الغذاء في البلاد. ورغم أن كوريا الشمالية نفت أن تكون قد قدمت معدات عسكرية لروسيا، فإن بوتين شكر قبل رحلته حكومة كيم جونغ أون على مساعدتها في المجهود الحربي. وقال بوتين في مقال نشرته «وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية»: «نحن نقدر عالياً أن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) تدعم بقوة العمليات العسكرية الخاصة التي تنفذها روسيا في أوكرانيا»، مضيفاً أن البلدين يعملان على توسيع «تعاونهما المتبادل والمتساوي». ويخضع البلدان لعقوبات من الأمم المتحدة، بيونغ يانغ منذ عام 2006 بسبب برامجها النووية والصواريخ الباليستية المحظورة، وموسكو بسبب غزوها أوكرانيا.

وبدوره، دعا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا المجتمع الدولي إلى مواجهة العلاقة الوثيقة التي تربط بوتين وكيم عبر زيادة إمدادات الأسلحة إلى كييف. وقال: «أفضل طريقة للرد عليها (الزيارة) هي مواصلة تعزيز التحالف الدبلوماسي من أجل سلام عادل ودائم في أوكرانيا وتسليم المزيد من صواريخ (باتريوت) والذخائر إلى أوكرانيا».

بوتين يزور معرض للمعدات العسكرية في جمهورية ياقوتيا في أقصى شرق روسيا (أ.ب)

من جانب آخر، عيَّن الرئيس الروسي 3 نواب جدد لوزير الدفاع الروسي، من بينهم امرأة يعتقد أنها من أقاربه البعيدين. وستتولى آنا تسيفيليفا مسؤولية بناء المساكن والتأمين الاجتماعي لأفراد القوات المسلحة. ويذكر أن بافيل فرادكوف أحد النواب الجدد، هو نجل مدير الاستخبارات ورئيس الوزراء السابق ميخائيل فرادكوف. ومن المقرر أن يتولى فرادكوف الابن مسؤولية إدارة ممتلكات الجيش وأصوله.

كذلك، جرى تعيين نائب وزير المالية السابق، ليونيد جورين، نائباً أول لوزير الدفاع بموجب مرسوم رئاسي. وأُدرج كل من تسيفيليفا وزوجها على قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودول أخرى لأنهما استفادا من قربهما من الحكومة الروسية.


مقالات ذات صلة

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

أوروبا دونالد ترمب يصافح فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إنه سيلتقي نظيره الروسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سريعاً جدّاً» بعد تنصيبه الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا قناصة روس يغيِّرون موقعهم لإطلاق النار على القوات الأوكرانية من مكان غير معلوم (وزارة الدفاع الروسية- أ.ب)

أوكرانيا تشن هجوماً ضخماً على روسيا وتستهدف مصنعاً يزوِّد القاذفات الروسية للمرة الثانية

أوكرانيا تشن هجوماً بطائرات مُسيَّرة، استهدف عدة مناطق روسية، وألحق الضرر بكثير من المواقع، منها مصنع كيميائي لوقود الصواريخ والذخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا دبابة أوكرانية بعد أن أصابتها طائرة من دون طيار روسية بالقرب من مستوطنة فوزدفيزينكا شرق أوكرانيا (أ.ب)

موسكو تتهم كييف بإطلاق صواريخ غربية في هجوم استهدف مصنعاً عسكرياً

أعلن الجيش الروسي اليوم (الثلاثاء) أن أوكرانيا أطلقت صواريخ غربية في هجومها على الأراضي الروسية ليلاً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقي وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في كييف (د.ب.أ)

زيلينسكي يناقش مع وزير الدفاع الألماني بناء درع شاملة للدفاع الجوي

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه ناقش مع وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بناء درع شاملة للدفاع الجوي، وتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مستشار بوتين: أوكرانيا ومولدوفا قد تفقدان استقلالهما

انفجار طائرة مسيّرة في سماء العاصمة الأوكرانية كييف أثناء غارة روسية، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا، 14 يناير 2025 (رويترز)
انفجار طائرة مسيّرة في سماء العاصمة الأوكرانية كييف أثناء غارة روسية، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا، 14 يناير 2025 (رويترز)
TT

مستشار بوتين: أوكرانيا ومولدوفا قد تفقدان استقلالهما

انفجار طائرة مسيّرة في سماء العاصمة الأوكرانية كييف أثناء غارة روسية، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا، 14 يناير 2025 (رويترز)
انفجار طائرة مسيّرة في سماء العاصمة الأوكرانية كييف أثناء غارة روسية، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا، 14 يناير 2025 (رويترز)

قال مستشار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن أوكرانيا ومولدوفا يمكن أن تفقدا وضعهما كدولتين مستقلتين، وذلك في مقابلة مع صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية نُشرت اليوم الثلاثاء.

وقال نيكولاي باتروشيف، السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي الروسي: «لا يمكن استبعاد أن تختفي أوكرانيا من الوجود هذا العام»، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

أما بالنسبة لمولدوفا، فقال إنه من المرجح «أن تنضم إلى دولة أخرى أو تختفي من الوجود تماماً».

يذكر أن باتروشيف مساعد مقرب من بوتين ومدافع عن مزاعم القوة العظمى لروسيا، على الرغم من أنه مسؤول فقط عن سياسة الشحن في الكرملين منذ عام 2024.

صورة تظهر دماراً نتيجة هجوم صاروخي روسي في زابوريجيا، أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (أ.ب)

وأوضح باتروشيف أن موسكو لن تقبل بتسوية سلمية مع أوكرانيا إلا إذا احتفظت بشبه جزيرة القرم التي ضمتها، وكذلك مناطق لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية.

وفيما يتعلق بخطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإنهاء الحرب، قال باتروشيف: «أفترض أن محادثات بشأن أوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة يجب أن تتم دون مشاركة دول غربية أخرى».

وأضاف أنه لا يوجد ما يمكن مناقشته مع الاتحاد الأوروبي أو مع المملكة المتحدة.